أثار حادث الردة للمواطن الأفغاني الطبيب " عبد الرحمن " ضجة في الأوساط الإسلامية - بعد أن تبين أنه قد تنصر أثناء عمله لصالح جماعة إغاثة للاجئين الأفغان في باكستان قبل 15 عاما- أحدثت الردة والتعامل الغربي معها ضجة في الوسط الإسلامي ، ليعود الحديث حول علاقتنا بالغرب ومحاولة فهم وجهة نظر الغرب إلى قضايانا . أولاً : حادث الردة يبين مدى خطورة جمعيات الإغاثة الغربية التي تعمل في المناطق الإسلامية ، ويُظهر بوضوح أن التنصير هو الهدف الحقيقي لهذه الجمعيات وليس الإغاثة ، كما ٌيظهر الخطر الكبير الذي يتعرض له المسلمون اللاجئون الذين تعمل بينهم هذه الجمعيات بعد أن تم التضييق على عمل جمعيات الإغاثة الإسلامية من قبل الأنظمة الحاكمة بدعوى محاصرة الإرهاب. ثانياً : فضحت حادثة الردة للمواطن الأفغاني السلوك الغربي عموما تجاه القيم التى يدعو إليها من المساواة والحرية واحترام القانون ، فقد مارس عدد من الدول الغربية ضغطا على أفغانستان وعلى رأسها الولاياتالمتحدة بعد أن تعهد الرئيس بوش باستخدام نفوذ بلاده على أفغانستان لضمان "حق عبد الرحمن في اختيار دينه"، كما وأعربت عدة دول تنشر قوات في أفغانستان ، من بينها كندا وإيطاليا وألمانيا وأستراليا، عن قلقها بشأن هذه القضية ، وكانت وكالة الأنباء الإيطالية قد ذكرت السبت 25-3-2006 أن "بابا الفاتيكان وجه رسالة إلى الرئيس الأفغاني عبر وزير خارجيته الكاردينال أنجيلو سودانو تدعو إلى احترام حقوق الإنسان ". إن هذا الضغط على الحكومة الأفغانية كان السبب المباشر وراء الإفراج عن المرتد "عبد الرحمن " رغم أن الدستور الأفغاني الجديد الذي رعته الولاايات المتحدة ونال رضاها ينص على عقوبة الإعدام جزاء جريمة الارتداد عن الدين الإسلامي. ثالثاً : فتحت كل الدول الغربية أذرعها ليعيش على ثراها وتحت رعايتها المرتد الأفغاني حيث صرح رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلسكوني ان "المرتد الأفغاني" الذي اعتنق المسيحية وصل الى روما الأربعاء 29-3-2006 بعد ان منحته الحكومة الايطالية اللجوء السياسي . رابعاً : يبدو هذا الترحيب الذي لقيه المرتد منطقيا ومتوافقاً مع القيم الغربية " فقط " في حالة الارتداد عن الإسلام كشرط للجوء والعيش هناك ، أما إذا لجأ إليهم مهاجر فقير متمسك بدينه ، حينئذٍ تبدو القيم الحقيقية للغرب وسأضرب هنا مثلا بالمهاجرين دليلا على ما أقول : فحسب تقرير صادر عن الأممالمتحدة ، فإن أسبانيا تحتاج إلى 12 مليون مهاجر بحلول سنة 2050، وبمتوسط 240 ألف مهاجر سنويا لكي تحافظ على معدلات نموها الاقتصادي الحالي ، رغم ذلك فقد جاء في تقارير لجمعيات ومنظمات حقوقية: إن أكثر من 10 آلاف شخص لقوا حتفهم غرقا في مضيق جبل طارق أثناء محاولاتهم الهجرة إلى أوربا عبر القوارب خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية فقط ، كما أن وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي قد صرح الجمعة 9-9-2005 أنه تم طرد نحو 13 ألف أجنبي في وضع غير شرعي من فرنسا خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2005، داعيا إلى تسريع عمليات الطرد. خامساً : حتى نفهم العلاقة مع الغرب لابد أن ننظر في موضوع الصراع بين الحضارات الذي هو موضوع غربي بامتياز حيث يعود إلى العصر اليوناني والروماني اللذين سادت فيهما مفاهيم الصراع بدلالاتها المتعددة ومعانيها المتنوعة ، انطلاقاً مما كان يعرف في الفكر اليوناني القديم من عقيدة " صراع الآلهة " و" صراع القوة والضعف " و" صراع الخير والشر "، و" صراع الإنسان مع الطبيعة " و" صراع الإنسان مع الآلهة " ، كما لا يخلو " العهد القديم " من روح الصراع هذه ، فالصراع إذن أسٌّ من الأسس الثابتة التي قامت عليها الحضارة الغربية ، وإذا تأملنا اليوم الوضع الدولي العام ، وجدنا أن نظام العولمة الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية وتسعى إلى فرضه على العالم عبر مجموعة من التدابير والأنظمة يُراد تطويعُها وصبّها في قالب دولي للدفع بنظام العولمة إلى اكتساح المواقع وفرض الوجود على العالم كلّه ، وجدنا هذا النظام تعبيراً عن فكرة الصراع وانعكاساً لروحها ، كما أن الحرب على الإرهاب وفق المنظور الأمريكي، تحولت هي الأخرى إلى حرب من أجل الهيمنة والتسلّط ، وفرض المفهوم الأمريكي لصراع الحضارات بالقوة. سادساً : لا يعرف الفكر الإسلامي في علاقته مع الآخر صراعا بل علاقة تقوم على مبدأ التعارف أو " تبادل المعرفة " أو " تبادل المعارف " بكل ما في المعنيين من دلالات لغوية ومعرفية وإنسانية عميقة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا " " الحجرات 13 " فكلما اتسعت مساحة المعرفة المتبادلة بين الشعوب والأمم ، على مختلف المستويات ، ضاقت مساحة الخلاف وانزوى الاختلاف وتَرَاجَعَ ، وفقد القدرة على التأثير السلبي الذي يُلحق أفدح الأضرار بالمجتمعات الإنسانية. سابعاً : رغم أن الغرب هو الذي أنشأ ورعى ويصدر مفهوم الصراع الحضاري إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه : هل هذا المفهوم حتمي الحدوث ؟ كما بشر بذلك صامويل هنتنغتون في كتابه الشهير "صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي"، الذي صدر في عام 1996 م وفرانسيس فوكوياما الذي أصدر كتابه الشهير أيضاً " نهاية التاريخ" ، الإجابة هنا هي النفي المطلق ، ومن هنا يأتي دورنا كمسلمين في تعميق مفهوم " التدافع الحضاري " كسنة ربانية بديلا عن مفهوم الصراع الغربي وليس يعني ذلك أن الحياة ستسير وفق خط بياني صاعد ومطّرد تتحقق فيه المصالح والمنافع للناس كافة في جميع الأحوال وتترقى ذواتهم ، وأن الخير والشر لا يتصادمان ، وإنما القصد من ذلك أن التدافع يُبطل الصراع ، وأن الخير يغلب على الشر، وأن الحضارات تَتَواصَلُ وتَتَلاقَحُ وتَتَدافَعُ ولا تَتَصَارَعُ ، وأن قيم الخير والعدل والفضيلة ومكارم الأخلاق والسلام في النفس وفي الأرض هي مقوّمات الحضارة التي تخدم الإنسان ، وأن الحق والعدل هما قاعدتا الحضارة التي يسعد الإنسان في كنفها ويُبدع ويعمّر الأرض ويصلح ولا يفسد ، فإن الصراع حالةٌ عارضةٌ ، وهو شذوذٌ عن القاعدة ، وليس طبيعةً من طبائع الحضارات ، لأنه يَتَنافَى والفطرة الإنسانية، وهو نقيضُ " التدافع الحضاري " الذي قامت الحضارة الإسلامية على أساسه ، وهو إلى ذلك كلِّه، البديلُ الموضوعيُّ للفوضى التي تسود الأوساط الفكرية والسياسية في العالم اليوم ، من جرّاء شيوع مفاهيم مغلوطة ورؤى مشوّشة وتحليلات مغرضة تدفع بحركة الفكر العالمي وبالسياسة الدولية على وجه العموم ، نحو مناطق مجهولةٍ محفوفةٍ بالمخاطر التي تتهدَّد الإنسانية في حاضرها وفي مستقبلها. ثامناً : وإن كان هذا الأفغاني قد أعلن ردته فإن المشكلة تكمن فيمن هم على شاكلته ولكنهم لايعلنون ردتهم ليظلوا شوكة في خاصرة المجتمعات المسلمة ، كذلك لن يستطيع الغرب أن يجرنا إلى مفهومه لصراع الحضارات ولكننا سنظل أوفياء لقيمنا وسندعوهم " للتدافع الحضاري " و " التفاعل الحضاري ". وأخيرا : فإنني أهدي الغرب هذه الوثيقة التاريخية مثالا على تطبيقنا لمبادئنا التي عشنا لها وسنموت من أجلها ، " من جورج الثاني ملك انجلترا والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام .. بعد التعظيم والتوقير نفيدكم أننا سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة .. فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم ، لنشر ربوع العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة ، وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة " دوبانت " على رأس بعثة من بنات الأشراف الانجليز لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف ، لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم ، وقد زودت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل ...أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص .." من خادمكم المطيع / جورج الثاني "