تؤكد الأحداث التاريخية وأدبيات علم السياسة أن النظم الدكتاتورية المستبدة التي تحتكر السلطة تواجه في لحظات احتضارها مآزق لا حصر لها، ولكن أهم مأزقين تتعرض لهما تلك النظم الطاغوتية هما : 1- فقدان احترام الشعب لها تماما. 2- فشل أدواتها السياسية والإعلامية الناعمة والخشنة في إقناع الرأي العام بشرعيتها. نتيجة لذلك تستبدل جميع أدواتها السابقة بأدوات البطش والقمع والإرهاب...سواء بالأمن المركزي وفرق الكاراتيه وعتاة المجرمين وأرباب السوابق، أو فرق الاغتيال المادي والمعنوي إذ تستعمل أدواتها الإعلامية من فرق صحفية وإعلامية متخصصة في التشويه والتخريب ونبش القبور بغية تحقيق أهداف أسيادهم الطغاة لتدمير الآمال المشروعة للمطالبين بحريتهم وكرامتهم في وطنهم. إن تلك النظم البوليسية مهما تباينت مستويات طغيانها وفسادها فإنها لا تتوانى عن ملاحقة الأحرار ووأد براعم الثورة والتغيير بجميع السبل، ولكنها – في نهاية الأمر- تسقط مهما توفر لها من قوة مادية غاشمة. ورغم ما تعانيه تلك النظم من اضرابات واحتجاجات إلا أنها تظل تحتفظ بعناصر معينة على شكل خلايا نائمة في صفوف الشعب وتمارس المعارضة المحسوبة، ولا تستنفرها لأداء مهامها إلا عندما يجد الجد وقت الضرورة القصوى؛ لإحباط محاولات التغيير التي تتفلت من بين قبضتها الأمنية لأسباب وظروف خارجة عن إرادتها. هذه الميليشيات الكامنة تظل رابضة في مكامنها ترهف السمع لأوامر اللحظات الحرجة وتلقي أوامر الهجوم على الخصوم بأبشع الوسائل وأحطها في تلك اللحظات الفارقة من عمر هذه الأنظمة، لتخرج من جعبة الشر كل الحيل الإعلامية والأمنية لإرهاب المنافسين بداية من الإشاعات الكاذبة إلى تهم العمالة والتخوين وإلى الاحتقار والتسفيه والمكائد والدسائس، والتصفية الجسدية. إن أسوأ ما في كتابات بطانة السوء أنها تثير البلبلة واللغط في أوساط العامة وتلقي بالشبهات جزافا بالهروب من استحقاقات مطالب التغيير إلى أسئلة التشهير. وإذا كان النظام الحاكم قد نجح في استخدام فزاعة الإخوان لاستنفار غريزة الخوف والتوجس لدي الإخوة الأقباط في الداخل وتسويق نظام الاستبداد والقهر المصري لدي نظم الحكم الغربية طوال ثلاثة عقود مضت فإنه يأمل اليوم أن يفلح في استخدم وسائل موازية في الحقارة لضرب نسيج المجتمع ( مسلميه وأقباطه ) لينجو من الاستحقاقات الملحة للتغيير دون عقاب قبل دفع ضريبة إفقار الشعب ونهب ثرواته ونزحها إلى البنوك الأجنبية. وإذا كان النظام قد نجح في دق " إسفين " بين الإخوان والجماعات الإسلامية قبل عدة عقود فإنه يمارس اليوم اللعبة العكسية بتسليط الجماعات الإسلامية على ممثلي الإسلام السياسي من خلال تسويق الأفكار الخلافية حول علمانية نظام الحكم، ثم تحريضهما معا ضد الدعوة للديمقراطية والعدالة التي ينادي بها الدكتور البرادعي من خلال نشر إشاعة كاذبة عن تصريح له برغبته في إلغاء المادة الثانية من الدستور والتي تنص على أن " الاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع" حيث تعتبر فقرة مباديء الشريعة هدفا لمروجي الأكاذيب، مع أن الدكتور البرادعي لم يذكر تغيير تلك المادة مطلقا ولم تخرج مطالبه عن تغيير المواد 76، 77 ، 88 من الدستور، ومن يتدبر الأمر بعقله يتوصل بسهولة إلى أن هذا النظام الذي يعادي الدين أيا كان إسلاميا أو قبطيا لايعنيه أمر الدين في شيء. وإذا فشل أمن النظام الحاكم في تسويق فتنه بين شطرى الشعب المصري مسلميه وأقباطه راح زبانيته ينشرون كلاما مرسلا عن افتقاد البرادعي للخبرة السياسية وابتعاده عن مصر لأكثر من 35 عاما، وقد تساءل أحدهم ( سليمان جودة 14/4 المصري اليوم ) عن عدم وجود برنامج واضح للبرادعي قبل تأييده أو رفضه، وهو تساؤل مفخخ يهدف إلى خلق حالة من الجدال العقيم والتشتت حول شيء لا وجود له في الواقع، فهو كالمطالبة بثمرة لنبتة لم تزرع أصلا في تربة صالحة فما بالك إذا لم تكن هناك أرض ولا مجرد هواء أو ماء يسقي هذه الثمرة، إنه نوع من العبث؛ لأن الرجل لم يرشح نفسه، كما تساءل آخر ( سامي عبد العزيز- المصري اليوم ) عن البرنامج الانتخابي للدكتور البرادعي في مقاله " الأخطاء التسويقية لدعاة التغيير " فإذا كان قصد أمثال هؤلاء سحب الدكتور البرادعي إلى أرضية انتخابات رئاسية مزورة فلا أظن أنها حيلة تنطلي على رجل بعقله وفطنته حتى وإن سال لها لعاب بعض سياسيي الأحزاب المزيفة. وقد حاول بعض هؤلاء ترويج دعم أمريكا للبرادعي، ولكن لأن حبل الكذب قصير فقد عاجلهم تحذير شلومو جازيت رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الأسبق للإدارة الأمريكية من التدخل والضغط على الرئيس مبارك لوقف ملاحقة المعارضة أو إلغاء قانون الطواريء من أجل انتخابات ديمقراطية خالية من التزوير؛ لأن هذا سيؤدي إلى سقوط نظام مبارك الحليف لإسرائيل، وتحول مصر إلى إيران جديدة، فإذا كانت إسرائيل تتدخل لدى أمريكا لحماية نظام مبارك ؟ فمن إذن الذي تدعمه إسرائيل وأمريكا البرادعي أم نظام مبارك ؟؟؟ [email protected]