تعرف القوة الناعمة عند الاستراتيجيين بكونها «القدرة علي الاستقطاب والإقناع.. إذ بما أن القوة الخشنة تكمن في القدرة علي الإجبار والإكراه المتأتية من القوة العسكرية للدولة أو من تفوق قدراتها الاقتصادية فإن القوة الناعمة تتأتي في جاذبيتها الثقافية أو السياسية» أو ما سواها. قوة ناعمة وأخري خشنة يتحدد مفهوم القوة الناعمة إذن قياسا إلي مفهوم القوة الخشنة التي غالبا ما تجد ترجمتها العسكرية بالحرب المباشرة وترجمتها السياسية بالمضايقة من خلال الهيئات الدولية والإقليمية وترجمتها الاقتصادية بسبل الضغط والمقاطعة والحصار. ولما كانت القوة الخشنة هكذا وأكثر، فإن غريمتها «الناعمة أعني» تتهيأ ولذات الأهداف ربما، أساليب رخوة قوامها نشر الأفكار والمعلومات ودعم قنوات البث الإذاعي والإرسال التليفزيوني وترويج سلع وخدمات وبرامج معلوماتية يكون المبتغي منها زعزعة ثقة الناس في طبيعة النظام القائم أو تشويه صورة القائمين عليه أو إغراءهم جميعا ب «مزايا» تبدو لمالك القوة الناعمة «والخشنة» أنها الأمثل والأصلح والأنجح وسبيل «الخلاص الأوحد». لقد أضحي في العالم المعاصر من الصعب استخدام العصا.. إذ القوة العسكرية علي الرغم من ضرورتها كسياسة ردع وإكراه، فهي أصبحت صعبة جدا.. وأصبحت الحرب أمرا مكلف من الناحية المادية.. ناهيك عن المناهضة المتزايدة للحروب واستخدام القوة من لدن الرأي العام. بالتالي فالقوة الناعمة أجدي وقد أثبتت التجربة نجاحاتها: ف «الجماهير السوفيتية كانت تشاهد الأفلام وتتمثل خلفياتها السياسية وعبرها استطاعت ذات الجماهير معرفة أن الناس بالغرب لا تقف في طوابير لاقتناء الطعام ويقيمون في مساكن مستقلة ولديهم سياراتهم الخاصة» . علي الرغم من مركزية وأهمية القوة الخشنة فهي ما زالت «ضرورية وحتمية» وخصوصا إزاء الدول القومية التي تسعي للحفاظ علي استقلاليتها وكذا المنظمات والجماعات الإرهابية التي تتبني سياسيات «استخدام العنف». وليس ثمة من شك من مركزية القوة الخشنة لكنها غير محبوبة بل لا يفضل اللجوء إليها إلا في حالات خاصة وبنهاية المطاف.. أي عندما لا تستطيع أدوات وشعارات القوة الناعمة إتيان أكلها في الزمن المحدد. أداتان لسياسة واحدة إذن القوة الناعمة والخشنة هما أداتان لسياسة واحدة تستنفر عناصر إحداهما لمجرد فشل عناصر الأخري بل قل إن الأولي «القوة الخشنة» هي في خدمة الثانية ما دامت هي عصاها بالمحصلة النهائية، والثانية خديمة الأولي إن هي استطاعت «لعب الدور» دونما لجوء للعسكر هما وجهان لعملة واحدة كما يقال، هما العصا والجزرة متكاملتان متناسقتان «حتي وإن بديا متناقضتين عضويا» تأخذ إحداهما المبادرة إن تعذر علي الأخري السبيل. وإذا حاولنا تطبيق هذا علي واقعنا المعاصر سنشاهد عدداً من الحروب الناعمة التي تحاول فيها الدول فرض سيطرتها علي مناطق أو دول أخري بالطبع لا تضاهي قوة روسيا قوة الولاياتالمتحدةالأمريكية الآن ولكن ما الذي حال دون انهيار نفوذها في محيطها الإقليمي حولها لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية والتي إن استطاعت التوغل لتوغلت وهنا سنري أن قوة روسيا الحقيقة التي تستخدمها في هذا المحيط هي قوتها الناعمة المرتكزة علي: 1- تصدير الغاز الطبيعي لأوكرانيا ودول منطقة. 2- امتصاص الملايين من العمالة الفائضة بهذه الدول إلي دول مختلفة. 3- اللغة الروسية، باعتبارها اللغة الإقليمية للتجارة والتوظيف والتعليم داخل دول الاتحاد السوفيتي السابق. ورغم الحرب الدائرة في الشيشان والمواجهات المتكررة مع جورجيا، لم تعد دول المنطقة تتوقع غزوا روسيا، بل عادت جاذبية النموذج الروسي في حال استمرار تدفق المهاجرين من الدول المجاورة علي روسيا واستمرار الأنشطة الاستثمارية للشركات التجارية الروسية بهذه الدول، واستمرار شبابها في مشاهدة الأفلام الروسية والإقبال علي المنتجات الاستهلاكية، وامتناع موسكو عن استخدام يدها الثقيلة بتلك الدول وقيامها بدلا من ذلك من إمداد يدها التجارية إليها، فإن روسيا سوف تحقق بذلك هيمنة اقتصادية وثقافية بالمنطقة الأورو آسيوية تضاهي هيمنة واشنطن داخل الأمريكتين. وإذا أردنا أن نري الوضع بشكل أقرب فتعال نستعرض القوة الناعمة المصرية أو الثقل السياسي المصري في منطقة نفوذها الإقليمي ظلت قوة مصر الناعمة متمثلة في قوة ثقافتها واهتمامها بنشرها فالفيلم المشاهد مصري والأغنية المسموعة مصرية والكتاب المقروء مصري والجريدة المنتشرة مصرية والراقصة الأفضل مصرية والشاعر الأجمل مصري والموسيقار العبقري مصري وقارئ القرآن الأعذب مصري ومفسر القرآن والمفتي مصري. والمعلم مصري والجامعة مصرية والأزهر مصري والعلوم من مصر والجامعة العربية في مصر والزعيم مصري واللهجة الأكثر انتشار في العالم العربي المصرية الجميع يفهمها والمسارع إلي دعم الدول المجاورة في الأزمات مصر والمسارع إلي الإصلاح بين دول المنطقة مصر وهكذا بتصدر مصر كل هذه المجالات أصبح لمصر هذا الثقل السياسي المعروف ولكن هل هذا الثقل السياسي بدون منازع أم هناك حروب ناعمة أخري تدور لزعزعة هذا الثقل، المتابع للوضع يدرك أن هناك أكثر من جبهة لا جبهة واحدة تحارب في أفريقيا هناك حروب أمريكية إسرائيلية لزعزعة الثقل السياسي المصري بإنشاء محطات إذاعية باللهجات الإفريقية، القيام بمشروعات صناعية تعليمية، جامعات، مدارس وفي الوطن العربي كان هناك صراع أمريكي دائم منذ البداية، جامعات ومدارس دولية قنوات تليفزيونية إذاعة إخبارية غنائية مراكز ثقافية منح تعليمية وأخيرا صراع خليجي مصري اعتمد في البداية بشكل غير واع علي انفتاح هذه الدول للعمالة المصرية وبعودة هذه العمالة من هناك بحمولة ثقافية مغايرة دينية لغوية ثقافية لتنتشر أسماء مشاريع تجارية تحمل أسماء خليجية بدون أي استشعار للخطر في ذلك الوقت وما حدث بعد ذلك من انتشار تيار أصولي بفكر خليجي في مجتمع مغاير له من حيث المفهوم الديني وما ترتب عليه من أحداث أما الآن فهي حركة واعية تتمثل في موجة من الاحتكارات من شراء الأفلام العربية القديمة كلها إلي الاستيلاء علي النسبة الأكبر من سوق صناعة الدراما واحتلال المساحة الأكبر علي القنوات الفضائية بجميع وسائل الجذب واحتكار أغلب الأصوات الغنائية وتصدير الفكر الديني من خلال القنوات الدينية لنبدأ تصدير المفتي الخليجي والفتوي الخليجية وقنوات الأطفال الخليجية بالفكر الخليجي واللهجة الخليجية لتبدأ بعد ذلك مراحل السيطرة الكاملة فهو المصنع والموزع والعارض والمكتشف وهو السوق ليتحرك مركز الثقل العربي من مصر إلي الدولة الخليجية المنتظرة وما تفضله الدراما السورية أو الكويتية ويبدو هذا واضحا فيما فعلته إدارة بعض الفضائيات عندما بدأت أعمال الدبلجة فاختارت اللهجة الكويتية والسورية واستبعدت المصرية تماما ونري تحركاً آخر علي المستوي السياسي يتمثل في المسارعة في التدخل لحل أي نزاع عربي، عربي، عربي دولي أيا كانت التضحيات لنري الآن الأكليشيهات من نوعية عاصمة الثقافة العربية مدينة التكنولوجيا العربية الدراما العربية الرائدة القناة الدينية الأولي القناة الغنائية الخليجية واستطلاعات للرأي علي غرار المطرب العربي الأفضل: 1- اسم مطرب سوري. 2- اسم مطرب خليجي. 3- اسم مطرب لبناني. ولك حرية الاختيار وهنا يبدو واضحا أن معركة الثقافة المصرية ليست معركة بلا طائل ولا بلا خصوم أو أهداف وأنه يجب علينا أن نستميت في دفاعنا عن ثقافتنا وإحيائها ونشرها وتطويرها والتعامل الواعي مع الاحتكارات بصفتها واحدة من أدوات القوي الناعمة في الهيمنة علي المنطقة.