انتخابات النواب 2025.. توافد الناخبين علي اللجان بالبدرشين قبل الإغلاق    الأردن: تقنين أوضاع العمالة غير الأردنية وتلبية احتياجات القطاع التجاري    قرقاش: الإمارات لن تشارك فى القوة الدولية لحفظ استقرار غزة    الأمم المتحدة: مخيمات اللاجئين قد تصبح غير صالحة للعيش بحلول عام 2050 مع تفاقم المناخ    الخارجية العراقية: تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بشأن الانتخابات تدخل مرفوض    مستقبل عبد الرؤوف فى الزمالك على «كف عفريت»    الاتحاد السكندري يفوز على سبورتنج وديًا استعدادًا للجونة بالدوري.. ومصطفى: بروفة جيدة    تموين الإسكندرية تحبط محاولة لبيع نصف طن زيت وسكر تمويني بالسوق السوداء    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث تصادم بشارع التسعين بالقاهرة    د. وائل فاروق: الأدب العربى لا يحتل المكانة اللائقة لأنه لا يؤمن باستحقاقها    زوجة إسماعيل الليثى: خلصت الدنيا من بعدك وخلى بالك من بابا يا ضاضا    محافظ بني سويف: إقبال السيدات مؤشر إيجابي يعكس وعيهن بأهمية المشاركة    «الطلاق شرع ربنا».. كريم محمود عبد العزيز يعلن طلاقه من آن الرفاعي    معامل الإسماعيلية تحصد المركز السادس على مستوى الجمهورية بمسابقة الأمان المعملي    قريبًا.. الذكاء الصناعي يقتحم مجالات النقل واللوجستيات    «سلّم على الدكة وقال الزمالك نادي كبير».. تصرفات «زيزو» بعد فوز الأهلي بكأس السوبر تثير جدلًا    وزير الصحة يستقبل نظيره اللاتفي لتعزيز التعاون في مجالات الرعاية الصحية    وزير التموين: توافر السلع الأساسية بالأسواق وتكثيف الرقابة لضمان استقرار الأسعار    غرفة عمليات الجيزة: لا شكاوى من حدوث تجاوزات في انتخابات مجلس النواب حتى الآن    رئيس مجلس النواب الأمريكي: عودة المجلس للانعقاد للتصويت على اتفاق ينهي الإغلاق الحكومي    ترامب يعفو عن متهمين بارزين بمحاولة إلغاء نتائج انتخابات الرئاسة 2020    منظمات المرأة في الدول العربية على حافة الانهيار مع تفاقم خفض التمويل الإنساني.. تفاصيل    بمشاركة ممثلين عن 150 دولة.. مؤتمر ومعرض الحج 2025 يناقش تطوير خدمات ضيوف الرحمن    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد وستارمر يبحثان الأوضاع في غزة    ابدأ من الصبح.. خطوات بسيطة لتحسين جودة النوم    طريقة عمل الكشرى المصرى.. حضري ألذ طبق علي طريقة المحلات الشعبي (المكونات والخطوات )    فيلم عائشة لا تستطيع الطيران يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي    نماذج ملهمة.. قصص نجاح تثري فعاليات الدائرة المستديرة للمشروع الوطني للقراءة    شقيق الفنان محمد صبحي: حالته الصحية مطمئنة ويغادر المستشفى غداً    العمل تسلم 36 عقد توظيف للشباب في مجال الزراعة بالأردن    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    الآثار: المتحف الكبير يستقبل 19 ألف زائر يوميًا    علاء إبراهيم: ناصر ماهر أتظلم بعدم الانضمام لمنتخب مصر    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    الأربعاء.. فن الكاريكاتير وورشة حكى للأوبرا فى مركز محمود مختار بمناسبة اليوم العالمى للطفولة    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    تشييع جثماني شقيقين إثر حادث تصادم بالقناطر الخيرية    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    تعرف على مدة غياب كورتوا عن ريال مدريد بسبب الإصابة    تاجيل محاكمه 17 متهم باستهداف معسكر امن مرغم بالاسكندريه    الاتحاد الأفريقي يدعو لتحرك دولي عاجل بشأن تدهور الوضع الأمني في مالي    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    بعد 3 ساعات.. أهالي الشلاتين أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    بالصور| سيدات البحيرة تشارك في اليوم الأول من انتخابات مجلس النواب 2025    تأجيل محاكمة «المتهمان» بقتل تاجر ذهب برشيد لجلسة 16 ديسمبر    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    انطلاق قوافل التنمية الشاملة من المنيا لخدمة المزارعين والمربين    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    شيكابالا عن خسارة السوبر: مشكلة الزمالك ليست الفلوس فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عادل الجوجري يكتب: عن ثروة مصر الثقافية وقوتها الناعمة
نشر في القاهرة يوم 27 - 04 - 2010

أنصار الظلام يعتبرون المهرجانات الفنية والثقافية تبديدا للمال بينما هي الاستثمار الأطول عمراً
مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أهم مهرجان عربي كونه الوحيد المعتمد من جانب هيئة المهرجانات الدولية التي تصنفه ضمن أهم 11 مهرجاناً سينمائياً في العالم.
فرقة البولشوي الروسية تعادل عشر فرق مدرعة والفرقة القومية للفنون الشعبية في مصر ابقي من كتائب الصواريخ التي يأكلها الصدأ في الصحراء العربية
فرنسا تدفع في المتوسط 17 دولارا للفرد الواحد في البرامج الثقافية الدولية ، بينما تنفق الولايات المتحدة 65 سنتا
مجلتا "الهلال "و"الرسالة " المصريتان ساهمتا في تثقيف جيل من الأدباء العرب في الأربعينات من المحيط الي الخليج
600فنان ومثقف عربي وعالمي وهم سفراء لبلادهم شاركوا في 3مهرجانات بالقاهرة خلال شهر ،وتكلفتها لاتزيد عن ثمن دبابتين
ستالين سخر من القوة الناعمة وناصب الأدباء العداء لكنه رحل وبقي تولستوي وتشيخوف وماكسيم جوركي
نجيب محفوظ والسادات واحمد زويل والبرادعي حصلوا علي جوائز نوبل وهي قوة ناعمة تقاس بها تقدم الأمم.
الأفلام والمسلسلات المصرية وصوت أم كلثوم خلقت عامية عربية تتجاوز اللهجات المحلية
الصهاينة يشاركون في مهرجانات السينما والأغنية ومعارض الكتاب وينفقون الملايين لكسب الرأي العام
عادل الجوجري
كيف يمكن أن تستعيد مصر وهجها وإشعاعها كإقليم قاعدة لكل المشروعات القومية النهضوية او الحضارية؟
ماهي عناصر القوة الكامنة في مصر لاسيما القوة الناعمة التي لها شرعية قومية في التأثير بدون هواجس ولاشكوك؟
ماهو الدور الذي تلعبه القاهرة كعاصمة للمهرجانات الثقافية والفكرية والفنية في الوطن العربي و الإقليم الشرق أوسطي؟
كيف نقنع الغرب بعدالة قضايانا العربية؟ وماهي الأساليب التي نجح بها اليهود والصهاينة في غسيل مخ صانع القرار في واشنطن وأخواتها من عواصم الغرب؟
هذه الأسئلة وغيرها تفرض نفسها كل حين عندما تشهد مصر مهرجانا مسرحيا او سينمائيا،او معرضا للكتاب،او ندوة دولية للرواية والتاريخ وغيرها من الفعاليات الثقافية والتربوية التي تشكل في مجموعها ما اصطلح علي تسميتها ب"القوة الناعمة"،فقد احتج بعض انصار الظلام علي عدد المهرجانات الثقافية التي تجري في مصر سنويا وزعموا انها "تبديد للمال العام" أو ضياع للثروة بينما -اذا شئنا الحق-فإن هذه الفعاليات هي جزء اساسي في ثروة مصر وقوتها في محيطها وفي العالم،وهي الاستثمار طويل المدي عميق التأثير.
والقوة الناعمة تعبير يطلق عادة علي الطاقة الثقافية والقيمة الإبداعية والقدرات العلمية فضلا عن المهرجانات والاحتفاليات الفنية والادبية والجوائز ذات الصفة العالمية ،فضلا عن كل الاساليب التي تتسلل بنعومة الي العقل النخبوي وعلي النقيض، مما تعنيه «القوة الحربية» أو «القوة الاقتصادية» أو أي قوة ذات طبيعة مادية، ف«القوة الناعمة» لا علاقة لها بالبوارج الحربية أو البنوك العالمية أو الشركات العابرة للقارات، فهي تتعامل، أساسا، مع العقول والقلوب. تخاطب الأفكار والأحاسيس، تقدم «رؤي» جديدة. لا تقتحم بها حدود الآخرين، ولكن تفتح أمامهم آفاقا رحبة.
وتقاس قوة الدول ليس بما تملكه من أساطيل بحرية أو قوة صاروخية أو حتي قوة اقتصادية فحسب بل أن القوة الناعمة هي مصدر أساسي لقوة الأمم ليس اليوم فقط وانما منذ فجر التاريخ.
كيف؟
تعالوا نذهب الي موقع وزارة الخارجية الأمريكية علي الانترنت لكي نطالع -باللغة العربية- فقرات عن برنامج اسمه (وايرد إنترناشيونال) ابتكره في العام 1997 البروفيسور جاري سيلنو أستاذ علم الاتصالات بجامعة الولاية في مدينة سان فرانسيسكو، و هذا البرنامج مخصص ، كما يقول الموقع ، لتنمية مهارات الأطباء العراقيين عبر إنشاء قاعدة بيانات و شبكات معلومات و مكتبات وربط مراكز كثيرة في العالم عبر شبكة الإنترنت وقد أنشأ البروفيسور سيلنو مراكز للمعلومات الطبية في 97 دولة نامية موزعة علي أربع قارات، وتشمل تلك المراكز 39 مركزا في العراق.فماهو الهدف من وراء هذا البرنامج؟
يقول البروفسور سيلنو : «الغرض من هذا البرنامج هو تسخير "القوة الناعمة" لتكنولوجيا المعلومات الأمريكية للمساعدة في تغيير العالم نحو الأفضل»
نابليون وشامبليون
وقديما كانت العربة الإمبريالية ترويكا «عربة روسية تجرها ثلاثة خيول» يجرها الطبيب والمبشر والعسكري . ونتج عن هذه الثلاثية ثلاثية إمبريالية أخري هي : المدرسة ، ، والمستشفي ، والقاعدة العسكرية .
و كان التناغم بين عمل هذا الثلاثي قائماً طوال تجربة غزو العالم و استعماره، و قد رأينا كيف ان نابليون بونابرت اصطحب معه المطبعة والمدفع وهو في طريقه الي مصر، وكما جاء جنرالات الحرب علي ظهر السفن الحربية جاء معهم العالم شامبليون الذي فك طلاسم الهيروغليفية عن طريق حجر رشيد ،مايعكس الترابط القديم والحديث بين القوتين القوة الصلبة والقوة الناعمة.
و في كل الحالات تبقي الترويكا قائمة .. العسكري يسمي القوة الخشنة والمبشرأو المثقف هم القوة الناعمة ،وتسمي احيانا ب"الطابور الخامس" الذي يمهد للاحتلال بغزو العقول و الهدف هو إخضاع العالم للنهب الإمبريالي .
إن القوة الناعمة هي الأخطر فالقوة العسكرية تستفز عناصر المقاومة عند الشعوب أما الإخضاع الثقافي بالقوة الناعمة فهو احتلال حقيقي للعقول .
مصادر القوة الناعمة الأمريكية
يقول المفكر الامريكي جوزيف س.ناي إن لدي الولايات المتحدة مصادر كثيرة يمكن أن تقدم لها قوة ناعمة محتملة لاسيما عندما ينظر المرء في الطرق التي تسهم بها البراعة الاقتصادية الفائقة ليس بالثروة فقط بل وفي السمعة والجاذبية أيضاً.
فأمريكا ليست صاحبة اكبر اقتصاد في العالم فحسب ولكن مايقرب من نصف أكبر خمسمائة شركة في العالم هي شركات أميركية،أي أكثر بخمسة أضعاف مالدي اليابان التي تحتل بعدها المرتبة التالية.
كما أن 62%من أهم العلامات التجارية العالمية أمريكية، وكذلك 8من أكبر عشر اكاديميات للأعمال التجارية.
وتظهر المؤشرات الاجتماعية نمطاً مماثلاً، تعالوا نرصد ما يلي:
- تجتذب الولايات المتحدة ما يقرب من ستة أضعاف المهاجرين الأجانب أكثر من ألمانيا التي تليها في ذلك.
- الولايات المتحدة هي أول وأكبر مصدر للأفلام والبرامج التليفزيونية في العالم،رغم ان "بوليوود" الهندية تنتج أفلاماً أكثر منها في كل عام.
- من بين ال 1,6 مليون طالب مسجلين في جامعات خارج بلدانهم 28% موجودون في الولايات المتحدة،بالمقارنة مع 14% يدرسون في بريطانيا.
- أكثر من 96 ألف باحث أجنبي كانوا مقيمين في مؤسسات تعليمية أمريكية في عام 2007.
وهناك مقاييس أخري تظهر أن الولايات المتحدة هي اكبر قوة ناعمة في العالم حيث أنها:
- ... تنشر كتباً أكثر من أي بلد آخر.
- ... تبيع مؤلفات موسيقية ضعف ماتبيعه اليابان التي تليها.
- ... لديها مضيفون علي مواقع الإنترنت يزيدون علي ثلاثة عشر ضعف المضيفين في اليابان.
- ... تحتل المرتبة الأولي في الفوز بجوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد.
- تحتل مرتبة ثانية بعد فرنسا في عدد جوائز نوبل في الأدب.
- تنشر مايقرب من أربعة أضعاف المقالات العالمية والدولية التي تنتجها اليابان وهي المنافسة التالية لها مباشرة.
موسكو لاتعرف الدموع
-
وفي اربعينات القرن العشرين لم يستطع جوزيف ستالين أن يلغي أهمية "القوة الناعمة " رغم انه كان يسخر منها ،وهو صاحب العبارة الشهيرة ،عندما سأل "كم يمتلك البابا من القوات؟" كان ستالين يسخر من الأمم المتحدة والفاتيكان مؤكدا علي ضرورة امتلاك القوة الصلبة ،وقد ناصب الزعيم السوفيتي الراحل الادباء والفنانين العداء ،لكنه ذهب وبقت قيمة روسيا في أدبها ،وادبائها تولستوي وماكسيم جوركي و ديستوفسكي وتشيخوف، وفرقة البولشوي تعتبر اليوم أهم من عشر فرق مدرعة كما أن الفرقة القومية للفنون الشعبية في مصر أبقي من كتائب الصواريخ المنتشرة في الصحراء العربية يأكلها الصدأ،والقصائد الغنائية لأم كلثوم هي التي وحدت الوجدان العربي ،والافلام والمسلسلات المصرية -أيا كان التقييم الفني لها- خلقت عامية عربية تتجاوز اللهجات المحلية،وصارت مصدرا للدخل القومي كما هي جسر التواصل بين العرب،واذا سخر انصار الظلام من وفرة وكثرة المهرجانات الفنية والثقافية فهم لايعلمون ان هذه المهرجانات تضيف الي قوة مصر ورصيدها الاقليمي والدولي ،وقد انتقد بعض المتأسلمين ماأسموه"ظاهرة القاهرة عاصمة المهرجانات"وهم لايعرفون ان اكثر من 600فنان عربي وعالمي -هم سفراء لبلادهم- كانوا ضيوفا علي مصر في النصف الأول من شهر نوفمبر الماضي وحده ، حيث جرت فعاليات 3 مهرجانات مصرية كبري أبرزها مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال33 وهو أهم المهرجانات الفنية العربية علي الإطلاق كونه الوحيد المعتمد من جانب هيئة المهرجانات الدولية التي تصنفه ضمن أهم 11 مهرجاناً سينمائياً في العالم. وعقد مهرجان القاهرة السينمائي الذي نظمته وزارة الثقافة المصرية في الفترة من 10 إلي 20 نوفمبر أي بعد يومين فقط من ختام مهرجان الموسيقي العربية ال18 الذي نظمته نفس الجهة أيضا بينما افتتح في اليوم التالي لافتتاح "القاهرة السينمائي" مهرجان الإعلام العربي في دورته ال15.
إن تكلفة إقامة هذه المهرجانات لاتزيد عن ثمن دبابتين او طائرتين حربيتين لكن اثرها الفعلي يبقي لأجيال،ومن هنا نقول إن قوة الدول الحقيقية لاتقاس بما تملك من دبابات وبوارج وانما بما تملكه من علماء ومبدعين وهنا يحسب في رصيد مصر ان أربعة من رجالاتها هم نجيب محفوظ والسادات وأحمد زويل والبرادعي حصلوا علي جوائز نوبل وهي قوة ناعمة تقاس بها تقدم الأمم.
فرنسا تفتخر بسارتر
في اثناء انتفاضة طلاب الجامعات الفرنسية عام 1968ذهب وزير الداخلية الي الرئيس ديجول وطلب اذنا للقبض علي الفيلسوف جان بول سارتر مؤكدا انه المحرض للشباب علي التظاهر ،لكن ديجول رفض الطلب وقال للوزير "ان سارتر هو فرنسا هل تريد أن تقبض علي فرنسا؟"
هكذا تنظر القيادات التاريخية الي الرموز الثقافية باعتبارهم ثروة لاتقدر بمال،ففرنسا التي تفتخر بكونها تحتل المرتبة الأولي في جوائز نوبل للأدب،وبريطانيا والمانيا واسبانيا في المركز الثالث والرابع والخامس في حين أن الولايات المتحدة الامريكية تحتل المركز الثاني،تشعربقيمتها الثقافية مقابل الكاوبوي الامريكي، وتعتز باريس بتاريخها كعاصمة للتنوير الثقافي ،وقد سخر اندرية مالرو وزير الثقافة الفرنسي الأسبق من ثقافة الكوكاكولا الامريكية التي تحاول أن تغزو العالم ،وهناك حالة تنافس لاتخفي علي أحد بين فرنسا وامريكا بينما ارتضت بريطانيا أن تساير القطب الاكبر،
وتتصدر فرنسا وتسبق الولايات المتحدة في اجتذاب السياح (وإن كان ذلك بشكل كبير من جيرانها في أوروبا)، وفي حين أن فرنسا تدفع في المتوسط 17 دولارا للفرد الواحد في البرامج الثقافية الدولية ، تنفق الولايات المتحدة 65 سنتا. وجميع البلدان الأوروبية تقريبا أعلي مرتبة الولايات المتحدة في المساعدة الإنمائية الخارجية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.
وتعتز اوروبا بكرة القدم الرياضة الأساسية فيها وهي أكثر شعبية علي مستوي العالم من كرة القدم الامريكية او البيسبول.
المصالح المشتركة
لقد نجحت الوحدة الاوروبية في تكوين مراكز للقوة الناعمة تنتشر بها في ارجاء المعمورة وهي مراكز اقتصادية وثقافية عالمية ،من بينها ان اوروبا صارت الاولي في مجال تكنولوجيا الاتصالات الهاتفية ودولة صغيرة مثل فنلندة اكتسحت العالم بأجهزة الهاتف الجوال ،وهناك تنافس رهيب في انتاج التلسكوبات الفضائية حيث تفوقت اسبانيا علي الولايات المتحدة ،وهناك اتجاه الي تنمية التعاون الاوروبي في بناء مؤسسات تندرج في اطارالقوة الناعمة واستخدامها بطريقة تعاونية.
وفي كتابه" القوة الناعمة والسبيل إلي النجاح في السياسة العالمية "الصادر في 2004 رصد جوزيف ناي ان اوربا نجحت في اطالة العمر المتوقع للإنسان مقارنة بالولايات المتحدة ،وتحتل كل من النرويج وآيسلندا والسويد وأستراليا وهولندا وبلجيكا مرتبة بين أفضل البلدان للعيش.
وتتفوق اليابان علي الولايات المتحدة في عدد براءات الاختراع الممنوحة للسكان في النسبة المئوية من الناتج القومي الإجمالي التي تصرفها علي البحوث والتنمية .وعندما يصل الأمر الي المؤشرات المنفرة غير الجذابة،فإن مرتبة الولايات المتحدة قريبة من قاع القائمة في مستوي معونات التنمية التي تمنحها،وعند قمتها في النسبة المئوية من سكانها المحبوسين والمحتجزين.
قوة الصين الناعمة
ولاتعتمد قوة كبري كالصين علي الموسيقي والفن والسينما بعكس الهند التي تعتمد علي السينما وهي تنتج افلاما اكثر من الولايات المتحدة وصار لها نجومها الدوليين ، فكيف بنت الصين قوتها الناعمة؟
يقول السفير نعمان جلال وهو من ابرز الخبراء في شؤون الصين :تمتاز الصين بتصاعد دورها علي الساحة الدولية في هدوء وبدون صخب ،وهي تري أن الصعود ينبغي أن يكون سلميا، وتعتمد الصين في صعودها هذا علي ما يطلق عليه القوه الناعمة من خلال التجارة والاستثمار بكميات كبيرة تغطي الاستهلاك العالمي وبأسعار زهيدة. ومن خلال التركيز علي التنمية الداخلية وعلاقات التعاون مع الدول الأخري وعلي توجهاتها السلمية في حل القضايا السياسية والأمنية المعقدة. وهذا هو الفارق الجوهري بين الصعود الصيني السلمي ودور وسلوك القوي الدولية الأخري
نحن واسرائيل والخطاب الثقافي
اذا كان الأمر كذلك، فما الذي يمكن أن نستفيده كعرب من مقومات وأسس بناء القوة الناعمة وكيف نوظف ذلك في الصراع العربي الصهيوني؟
ينصح الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بتعديل مسار السياسة الخارجية المصرية لجهة التركيز علي عروبة مصر:" لو لم تكن القومية العربية موجودة لاخترعتها ، معيار القوة الناعمة ليس ما تقول وإنما مدي تأثيرك خارج حدودك" والتأثير المصري منبثق من الثقافة بمفهومها الشامل ففي الاربعينات كانت مجلتا الهلال والرسالة يوزعان من الكويت الي المغرب وبين صفحاتهما تعلم وتثقف ملايين الشباب العربي الذين تبوءو أعلي المناصب فيما بعد، وظل ارتباطهم الثقافي بالقاهرة ،ومجلاتها وتمسكوا بالثقافة التي كان ينشرها الازهر الشريف في قارات المعمورة،وتعلم في الجامعات المصرية آلاف المبعوثين العرب والأفارقة الذين شكلوا جسرا للتفاعل الانساني بين مصر ودوائر التأثير الثلاث العربية والافريقية والاسلامية.
ويلاحظ المفكر العربي محمد الخولي الخبير الاعلامي في الامم المتحدة "أن الجانب الإسرائيلي يشن حملة باستخدام القوة الناعمة بإرسال فرق سيمفونية، وفرق رياضية، ويمارس لعبة السينما وتسعي إسرائيل للمشاركة والفوز في مهرجان فينيسيا، ومهرجان "تورنتو" في كندا، وبدأ الكلام عن احتفالية دولية تاريخية بمناسبة مرور مائة عام علي إنشاء مدينة تل أبيب، وهو خطاب يرفضه العرب ويرفضه كتاب ومفكرون غير عرب وآخرهم الكاتبة ناعومي كلاين وهي كاتبة أمريكية مستنيرة قالت : "كفي هذا الكلام عن تل ابيب لأن هناك شعب اسمه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وقبل أن نتكلم عن تل أبيب وعن اسرائيل علينا أن ننظر إلي الشعب الذي يرزح تحت الاحتلال".
استراتيجية عربية تكاملية وليست تنافسية
وينتقد المفكر مأمون الفندي الوضع العربي:رغم ما لدينا من جعجعة ثقافية، وما لدينا من محطات تليفزيونية أرضية وفضائية، ومئات الآلاف من المدارس والمعاهد والجامعات، إلا أن ثقافتنا اليوم وكذلك هويتنا مهددتان من خارج إسرائيلي وأمريكي وفارسي، فأبناؤنا غير محصنين بأي نوع من المعرفة القادرة علي المواجهة في هذا المضمار. ويضيف الفندي: لا أتردد هنا في ذكر تجربة شخصية حتي تتضح الصورة، عندما ذهبت إلي الولايات المتحدة لأول مرة، كنت نتاج التعليم الحكومي المصري، وكنت كسائر أبناء جيلي، أؤمن بعدالة القضية الفلسطينية إيمانا فطريا، أي إيمانا لم يعزز بأي دراسات تاريخية أو جغرافية جادة، إيمانا ملخصه أن الإسرائيلييين جاءوا فطردوا الفلسطيني من بيته وتكرموا عليه بإبقائه في غرفة واحدة وبدأوا يفاوضونه عليها.. هذا المثال الذي كانت تردده علي أسماعنا الإذاعات والصحف والمدارس، ولكن عندما كانت تدور النقاشات بين الطلبة في جامعة جورج تاون، كنت أفاجأ بأسئلة لست معدا تعليميا ولا ثقافيا للإجابة عليها، وأذكر أن طالبا سألني عن تاريخ بداية ظهور كلمة فلسطين في المعاجم (انطولوجيا فلسطين)، لم يكن لدي الرد المناسب، فأجبته أن كلمة القدس موجودة في القرآن، فرد علي: لو وافقتك أن القرآن هو الحكم، فهل كلمة فلسطين موجودة في القرآن؟ بينما كان بعض الطلبة اليهود النابهين يقدمون شرحا مطولا من منظور آركيولوجي، يدل علي استمرارية الوجود اليهودي في أرض فلسطين. لم أدرس علم الآثار في الجامعة المصرية، رغم دراستي للأدب، كما يدرسه طلاب الجامعات الأمريكية كجزء من الدروس الأولية، في ما يسمي بمدارس الآداب الحرة (Liberal Arts).
لم أكن معدا علي الإطلاق للانخراط في نقاش جاد وعلمي حول قضايانا العربية، كنت فقط محملا بشعارات ومقولات جاهزة كالتي يقولها إعلامنا ليل نهار، ولكنها لا تصمد في مواجهة الأسئلة الصعبة. هذا كان وما يزال حال الكثيرين من الطلاب العرب، بل حتي بعض الصحافيين العرب ليسوا أكثر عمقا مني في تلك الفترة من الزمن. فالثقافة والتعليم عندنا، كجزء من (القوة الناعمة) للدولة، لا يزالان ضعيفين للغاية. المدارس هي المعمل الأولي لبناء الإنسان، تضلله أو تمنحه عقلا نقديا يستطيع من خلاله فهم نفسه والعالم، وحالنا في هذا المضمار، كما قال الأمين العام للجامعة العربية، عمرو موسي، «زفت». إذن، الانكباب علي تطوير الوضع الداخلي، والتأكيد علي الحاجة الملحة لبناء النسق الحضاري والثقافي والفكري من الأمن القومي العربي، هما أمران في غاية الأهمية،خصوصا أن (القوة الناعمة) للأمن هي أمر نملكه نحن ولن نضطر في تعزيزها إلي التفاوض مع أحد سوي أنفسنا. فنحن، علي الأقل، قادرون علي تحصين هذه القوة وتحسينها. الحضارة والثقافة والتعليم هي الملامح الأساسية للهوية العربية، وتهديد الهوية لا يمكن الدفاع عنه بالسلاح أو بالمقالات العصماء لبعض الكتاب أو الصرخات البطولية علي الهواء لنجوم الفضائيات العربية، إلي آخر كل هذا العبث الخطير.. الدفاع عن الهوية يحتاج إلي تفكيك مكونات هذه الهوية أولا، ثم إعادة تركيبها لفهم مكوناتها، أي نقد الذات اللاذع، ثم بناء منظومة قيمية من خلال مخرجات التعليم الأولي والمعاهد والكليات والجامعات، وكذلك بناء مؤسسات إعلامية جادة، تعتمد الأسس المهنية الصارمة لنقل المعلومات والمعايير الدقيقة للتأكد من صحتها، وليست الفوضي التي نراها ونقرأها اليوم في صحفنا وشاشاتنا التليفزيونية. فلماذا لا تقدم مثلا التليفزيونات العربية تغطية إعلامية شاملة لقضايا التعليم؟ ببساطة، لأن تغطية قضايا التعليم تتطلب وجود صحافيين متخصصين، وهذه المحطات ليس لديها بالطبع المراسل المتخصص في القضايا الحساسة، كما أن مراسل التعليم لن يكون نجما مثل المراسل الموجود في مناطق ملتهبة كغزة وبغداد، حيث تغطي الأحداث ليس بأكبر قدر من المعلومات، بل بأكبر قدر من الزعيق والبطولات الفضائية المجانية.
فإذا لم نعد النظر في مؤسساتنا التعليمية والإعلامية والثقافية، أو ما يسمي ب(القوة الناعمة)، ونعمل علي تطويرها جادين مخلصين، فإننا، كعرب بوضعنا الحالي، نشكل خطرا علي أمننا القومي علي المدي البعيد من أي احتلال خارجي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.