إذا كان البعض يرى أن الإخوان عبء على التطور الديمقراطي في مصر، وأنها باتت "مشكلة" كبيرة للمجتمع والدولة فإنها في حقيقتها ليست مشكلة مستقلة عن مجمل المشاكل الأخرى التي افرزتها حالة الجمود السياسي السائدة منذ أكثرمن ثلاثة عقود مضت. في تقديري أن الإخوان إذا افترضنا أنها مشكلة فعلا سيظل حلها مرهونا بانتصار قوى الإصلاح واخضاع النخبة الحاكمة لإرادة الأمة.. ولا أعتقد أنه من الحكمة أن نطالب الجماعة بالإصلاح، فيما تظل الدولة "محلك سر".. سيما وأن الأخيرة هي أصل المشكلة وليس الإخوان.. لأنه إذا اعتبرنا الجماعة كما قلت فيما تقدم "مشكلة" فإنها في النهاية، ضمن سلسلة طويلة من المشاكل المتفاوتة في خطورتها وتأثيرها على السلام الاجتماعي، مثلها مثل مشكلة رغيف الخبز والغاز واللحوم والاسعار والأجور والصحة والتعليم والعدالة وحقوق الإنسان وغيرها.. أي أنها صناعة "سلطة" استشرى الفساد المالي والإداري والسياسي في عهدها على نحو لم تعد "مؤهلة" في وضعها الحالي على القيام بدورها وغير قادرة على الاعتراف بالفشل وأن تخلي مكانها للقوى الجديدة المطالبة بالإصلاح. لا أرتاح للادعاءات التي تقول إن الجماعة يروق لها النظام على ما هو عليه الآن، لأنه يبرر لها الابقاء على "التنظيم" وعدم التحول إلى حزب سياسي، فيما تعتبر السلطة هذا "الخيار الإخواني" هو أفضل الأوضاع التي تتيح له أن يصنع منها "فزاعة" لإخافة الخارج والداخل من اجراء اية انتخابات نزيهة قد تأتي بالجماعة على رأس السلطة. ربما يكون جزء من هذه الادعاءات صحيحا، غير أنه ليس من الحصافة، أن تستغرقنا مثل هذه التكهنات كثيرا، ونستسلم للاعتقاد بأن الطرفين: الإخوان والسلطة اتفقا علينا ولكليهما مصلحة في أن تظل الأوضاع على ما هي عليها .. لأن الأوضاع تنبئ بعكس ذلك: فالإخوان باتوا هدفا روتينيا للغارات الأمنية الليلية، والنظام "مرعوب" من جماهيريتها وتنظيمها وارتباطها في الوعي العام ب"العاطفة الدينية".. أي أنهما وصلا إلى "نقطة" تحتاج فعلا إلى "حل" يحسم تحولهما إلى قوتي "توتير" للمجتمع وارباك كبير في تقدير القوى الغربية لحقيقة الأوضاع في مصر، فيما لا يملك الطرفان "حلا" للأزمة، فالأولى لن تغير من أوضاعها التنظيمية والفكرية من أجل عيون نظام يطاردها آناء الليل وأطراف النهار، والسلطة لن تصلح انظمتها السياسية من أجل عيون "الإخوان" المرعبة، أي أنهما بلغا نقطة "اللاحرب ولا سلم" وترك الأوضاع للقدر ول"الغيب السياسي". ولا زالت عند اعتقادي ان المشكلة ليست في الإخوان.. وإذا كنا نعتقد أن الجماعة باتت "مشكلة".. فإنها ستحل تلقائيا إذا حلت مشكلة الخبز والتعليم والصحة والأجور والأسعار وكل تجليات "أزمة السلطة" وفشلها في الشارع. [email protected]