ان مستقبل الديمقراطية فى مصر مرتبط ارتباطا لا فكاك فيه بالموقف من حركة الإخوان المسلمين. وهناك أطراف مختلفة فى الحركة السياسية المصرية تسعى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لعزل هذه الحركة عن الوجود السياسى العلنى فى المجتمع. فمن ناحية تسعى السلطة، بشكل مستمر، لتخويف كل من الطبقة الوسطى المصرية من ناحية، والأوروبيين والأمريكان، من ناحية أخري، بأن الانفتاح الديمقراطى الحقيقى فى مصر سيأتى بقوى سياسية هى فى ذاتها معادية للديمقراطية، وستسعى فى النهاية الى تقويض اى انجازات فى هذا المجال. وتستخدم السلطة هنا مقولات كمثل أن الشعب غير ناضج بعد للديمقراطية وتحذر من الترخيص لحزب ديني، لانه يؤدى الى الطائفية والفتنة فى المجتمع. وفى المقابل تسعى قوى فى المعارضة المصرية الى اعتبار ان حركة الأخوان المسلمين تشكل عدواً رئيسياً للتقدم فى مصر، وكثيرا ما ترفض وجود جبهة مشتركة للعمل السياسى معها. وتجد الطبقة الوسطى نفسها موضوعة بين اختيارين احلاهما مر. الاول هو السعى من اجل انفتاح سياسى ومعه خطورة وصول الإخوان للسلطة بشكل يهدد الحريات الاجتماعية التى يتمتع بها ابناء وبنات هذه الطبقة. والثانى هو استمرار الخيار المفروض قبل نظام الحكم والقبول بالتجديد ومن ثم التوريث ومعه الحفاظ على العديد من الحريات الاجتماعية والدينية المكفولة والمتاحة بحكم القانون والدستور. ومما لا شك فيه هو ان من يؤيد جمال مبارك، من ابناء هذه الطبقة الهامة يؤيده خوفا من البديل. والمقايضة هنا شبه مستحيلة. ومما لا شك فيه ان تاريخ حركة الإخوان المسلمين مليء بتصرفات ومواقف فكرية هى فى محتواها الرئيسى معادية للفكر الديمقراطي، فالاستناد الى القرآن والشريعة الإسلامية باعتبارهما المصدر الوحيد للتشريع يؤدى فى نهاية الامر الى سلفية فكرية، تكبل نمو المجتمع فى تحركه نحو المستقبل. كما ان اغلب الحركات السياسية الاسلامية، وكلها خرجت تقريبا، من عباءة حركة الإخوان المسلمين معادية لحرية الفكر ومارست الاغتيال السياسى لعناصر معارضة. ومع ذلك فان حركة الإخوان المسلمين لها وجود اصيل فى المجتمع المصرى وهى تعبر عن موقف قطاع هام من الحركة السياسية والفكرية المصرية. وعليه لا يمكن تجاهل وجودها أو التعامل كما لو انها غير موجودة. ومع ان السلطة تدخل فى صفقات مختلفة معها، وكأنها وهى تمنعها من الوجود السياسى المباشر، توفر لها منابر عديدة مؤثرة سواء فى أجهزة الاعلام والصحافة. أو فى الجوامع والمنتديات، وكأن السلطة تقول: أتركوا لنا شئون الحكم المباشر، ونتركم وشأنكم ونوفر لكم إمكانية الدعوة لأفكاركم، بمعزل عن كل الأطراف الاخري. ومعنى ذلك ان الحركة ليست حزبا سياسيا وتعتمد، على الدعوة بالدرجة الأولي، فانها حل من عبء تقديم برامج سياسية لحل مشكل الناس، أو فى مواجهة القضايا السياسية والاجتماعية الكبري، الخاصة بالحرب والسلم، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وفى المجتمع. ان الوضع السياسى فى مصر يشهد حالة من حالات الجمود الفكرى والسياسي، سبب ذلك هو احتكار الحزب الوطنى للسلطة، وحتى فى ظل انتخابات متعددة الترشيح بناء على الاستفتاء الأخير، على المادة 67 من الدستور، فى المحصلة النهائية فان انتخابات الرئاسة لن تكون غير استفتاء بشكل آخر، هذا على الرغم من ان العديد من البلاد التى استقلت بعد الحرب العالمية الثانية، والتى كانت على درجة من النمو شبيهة بناء كالهند، مثلا، تتقدم وبشكل مضطرد فى ظل نظام ديمقراطى متعدد، تمثل فيه كل الحركات السياسية والدينية، وحكمت احزاب مختلفة الهند، ولم يمنع النمو الفكرى والمجتمعى لعناصر الشعب الهندي. فالاوضاع الاقتصادية للهند عند استقلالها لم تكن مختلفة كثيرا عنها فى مصر. ولكن الاحتكار الديكتاتوري، لفترات مختلفة، ولأطراف متعددة بعينها، فى مصر للسلطة، أدى الى ظهور الفساد والإفساد فى المجتمع، ولن نخرج من هذه الدائرة إلا بنظام ديمقراطى برلمانى حقيقي، تمثل فيه كل القوي، بكل معتقداتها الفكرية والسياسية والدينية، بشكل مباشر، فى برلمان حقيقي، وفى اطار منافسة شعبية يشارك فيها الجميع، وتتساوى امامهم الفرص لطرح افكارهم على المجتمع. والفيصل هو استعداد الجميع للقبول بمبدأ التداول السلمى للسلطة. فى ظل دستور، يحميه الشعب ومؤسساته، بما فيها الجيش والشرطة. والالتزام بالدستور، والذى يؤكد على التداول السلمى للسلطة، بمنع أى حزب سياسى مهما كانت قواه من الاستئثار المطلق بالسلطة او الاستيلاء على اجهزة الدولة، أو إحداث تغيير يلغى هذه الامكانية. وان الموقف من أى حركة سياسية بما فيها حركة الإخوان المسلمين، يبدأ وينتهى عند الالتزام بالتداول السلمى للسلطة، والاعتراف بان الشعب هو مصدر السلطات. وحركة الإخوان المسلمين، فى بيانها السياسي، فى أبريل العام الماضي، قد اقتربت من هذا الموقف. وعليه فان الاعتراف بحقها فى الوجود السياسى يصب فى مصلحة الوطن ككل، بما فيه من علمانيين وليبراليين. وتحول حركة الإخوان المسلمين الى حزب سياسى يفرض عليها اتخاذ المواقف المناسبة من قضايا المجتمع المختلفة، وسوف يتفق معهم البعض ويعترض الاخرون. وهذا يؤدى إلى حراك سياسى داخل حركة الإخوان المسلمين ذاتها، فكما فى أى حزب سياسى عناصر تختلف مع بعضها البعض، على الرغم من وجودها فى نفس الحزب، فإمكانية النقاش المتسع والعلنى بين أطراف الحركة فى ذاته هو فى مصلحة الوطن وتقدمه. إننى أؤمن شخصيا أنه فى انتخابات حرة ونزيهة لن تحصل حركة الإخوان المسلمين على أكثر من نصف مقاعد مجلس الشعب، وهناك كثيرون، فى المجتمع، يرون هذا التصور، والسؤال هنا إذا افترضنا ان نصف الناخبين قبل بوجود الإخوان المسلمين فى السلطة، بشكل مباشر، فمن نحن لنصادر على إرادة هذه الجموع، واذا ماقبلت.حركة الإخوان المسلمين بقوانين اللعبة الديمقراطية فى إطار معلن وملتزم بمبدأ التداول السلمى للسلطة والحفاظ على الحريات الفردية والدينية. فإن القفز على رغبات الشعب أو اعتبار أن أبناء الوطن رعايا جهلة، عاجزون عن اتخاذ القرارات الصحيحة لمصلحة الأمة لهو عار على الساسة والمفكرين. وعلينا ان نقر بأن هذه الحركة، بحزبها السياسى ستؤثر على القرارات السياسية للمجمتع دون أن تحتكر هذا التمثيل السياسي، والاستمرار فى منع حركة الإخوان المسلمين من الوجود السياسى يؤدى فى النهاية إلى ازدياد شعبيتها. وأى موقف يتحدث عن الديمقراطية، ويسعى فى نفس الوقت الى منع قوة من قوى الحركة السياسية فى مصر من التواجد السياسى هو موقف غير ديمقراطي، وإذا كنا نؤمن أن خلاص المجتمع هو فى تمثيل حقيقى لقواه وطوائفه فى برلمان يعبر عن إرادة الأمة، فإنه بم يعنى ان أى محاولة لاستمرار عدم الاعتراف بها، ومنعها من العمل السياسى يعد ضربة فى الصميم لأى تطور سياسي. وفى النهاية فمن لا يقبل بالآخر لا يستحق الاعتراف به. وهذه الدعوة التى اعرضها تقوم على فتح قنوات الحوار مع حركة الإخوان المسلمين حتى نتبنى مفهوم التبادل السلمى للسلطة، وتعلن تمسكها الدائم بهذا المبدأ. وهذا يساعد اتفاق المعارضة المصرية على مرشح مشترك لانتخابات الرئاسة تقف كلها وراءه وتدعمه. ان غياب التمثيل الحقيقى لحركة الإخوان المسلمين كحزب سياسى يعتبر جريمة فى حق المجتمع المصري، وفى المقابل فعلى حركة الإخوان ان تتولى طمأنة كل القوى بالتزامها ليس فقط بالتبادل السلمى للسلطة بل ايضا باحترام حريات الافراد الشخصية والاجتماعية والالتزام بالمواثيق الدولية التى تكفل حقوق الإنسان والتى وقعت عليها كل الدول بما فيها مصر، وكذلك بالعمل الجبهوى دون استبعاد الاخرين. عليها الدعوة وليس لها ان تفرض تصوراتها لان هذه القضية هى من أهم القضايا التى تعرقل وقوف شرائح لايستهان بها من الطبقة الوسطى خلف عملية التغيير. لقد قيل فى الماضى ان الدستور الامريكى وضعه 52 رجلاً وشبحاً. والشبح هذا هو شبح أولفر كرمويل، هذا السياسى الذى دافع عن سلطة البرلمان ضد سلطة ملك مستبد وانتهى به الامر كديكتاتور فرد متسلط على الشعب والبرلمان فى آن واحد. المهم هنا ان نبذل كل الجهد ونكثف الدعوة لانشاء جمعية تأسيسية جديدة تضع دستورا جديدا به من الضوابط ما يحمى حقوق الافراد والنساء والاحزاب. ولا يجب ان تكون المناقشة السياسية حول دستور جديد يحفظ التوازن بين السلطات وبه ضوابط تمنع استئثار اى حزب بالسلطة او يحول دون تداولها. ------- صحيفة العربي المصرية المعارضة في 25 -7 -2005