فتح باب التقديم للوظائف الإشرافية ب تعليم القاهرة للعام الدراسي الجديد    وزارة العمل تبدأ اختبارات المرشحين للعمل في الأردن.. بالصور    مدبولي يعتذر للمواطنين عن انقطاعات الكهرباء: موجة حر استثنائية وضغط قياسي على الشبكة    شهداء ومصابون من منتظري المساعدات شمال قطاع غزة وجنوبه    وزيرا الصحة والتضامن يستعرضان جهود التعامل مع أزمة قطاع غزة    ب«الجرس والقلعة».. الزمالك يشوق جماهيره قبل الإعلان عن صفقته جديدة    ضبط قائد سيارة اصطدم بحاجز الأتوبيس الترددي أعلى الطريق الدائري    التعليم ترد على مزاعم أحد الطلاب بتغيير إجابة «البابل شيت»    تجارة المخدرات.. السجن المؤبد وغرامة 500 ألف جنيه بقليوب    فدوى عابد وكريم عفيفي يحضران العراض الخاص لفيلم "روكي الغلابة"    محمد رمضان يطرح أحدث أغانية «افتكروني مجنون»| فيديو    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الصحة تنفي حقيقة زيادة مساهمة المريض في تكلفة الأدوية إلى 70%    بواقع 59 رحلة يوميًا.. سكك حديد مصر تُعلن تفاصيل تشغيل قطارات "القاهرة – الإسماعيلية – بورسعيد"    انطلاق المؤتمر الجماهيري لحزب الجبهة الوطنية بسوهاج لدعم المرشح أحمد العادلي    محمد إسماعيل: هدفي كان الانتقال إلى الزمالك من أجل جماهيره    مراسل "الستات مايعرفوش يكدبوا": العلمين تستقبل أعداد كبيرة من سياح العالم    وزيرة التضامن: 176 سيارة إسعاف لغزة وننسق لإدخال 4 مستشفيات ميدانية    في شهرين فقط.. تامر حسني يجني 99 مليون مشاهدة بكليب "ملكة جمال الكون"    البيت الفني للمسرح ينعى الفنان لطفي لبيب    بنتايج يعود للتدريبات الجماعية مع الزمالك    "هواوي" تطلق الإصدار 8.5 من حزمة السحابة في شمال إفريقيا لتعزيز الذكاء الاصطناعي    تايلاند وكمبوديا تؤكدان مجددا التزامهما بوقف إطلاق النار بعد اجتماع بوساطة الصين    مقتل 3 جنود جراء إصابة صاروخ روسي موقع تدريب للجيش الأوكراني    عاجل.. تشكيل النصر الرسمي لمواجهة تولوز وديا    مصر تواجه تونس في ختام الاستعدادات لبطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا    اجتماع موسع بشركة الصرف الصحي بالإسكندرية استعدادا لموسم الأمطار    ناجلسمان: تير شتيجن سيظل الحارس الأول للمنتخب الألماني    رئيس جامعة المنيا يحفّز الأطقم الطبية قبيل زيارة لجان اعتماد مستشفيي الكبد والرمد الجامعيين    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    محافظ المنوفية تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 ب 469 لجنه انتخابية    توقعات الأبراج في شهر أغسطس 2025.. على برج الثور الاهتمام بالعائلة وللسرطان التعبير عن المشاعر    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    التحقيق مع صانعة محتوى شهرت بفنانة واتهمتها بالإتجار بالبشر    سباحة - الجوادي يحقق ذهبية سباق 800 متر حرة ببطولة العالم    حركة فتح: إعلان نيويورك إنجاز دبلوماسى كبير وانتصار للحق الفلسطينى    زياد الرحباني... الابن السري لسيد درويش    جامعة بنها الأهلية تختتم المدرسة الصيفية لجامعة نانجينج للطب الصيني    ختام موسم توريد القمح في محافظة البحيرة بزيادة 29.5% عن العام الماضي    المشدد 7 سنوات لعاطلين في استعراض القوة والبلطجة بالسلام    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    النيابة العامة: الإتجار بالبشر جريمة تتعارض مع المبادئ الإنسانية والقيم الدينية    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    قائد الجيش اللبناني: لن نتهاون في إحباط أي محاولة تمس الأمن أو تجر الوطن إلى الفتنة    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يوليو 2025    ترامب يكشف عن تأثير صور مجاعة قطاع غزة على ميلانيا    البورصة المصرية تطلق مؤشر جديد للأسهم منخفضة التقلبات السعرية "EGX35-LV"    وزارة التموين تنتهى من صرف مقررات شهر يوليو 2025 للبقالين    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    إعلام كندي: الحكومة تدرس الاعتراف بدولة فلسطين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين تذهب الكتلة الحرجة ؟‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 04 - 2010

في كل دول العالم تقريبا‏,‏ اللهم إلا في لحظات الأزمات الكبري والغزو الأجنبي أو ما شابهها من أحداث جسام‏,‏ تنقسم الدولة ومعها الشعب أفقيا حسب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ما بين طبقات عليا ووسطي ودنيا‏. ورأسيا من زاوية الفكر والتفكير ما بين جماعات محافظة ووسطية وتقدمية‏.‏ وبينما يمكن التعرف علي التوزيع الطبقي في المجتمعات من خلال مستويات الدخل والنصيب من الناتج المحلي الإجمالي وعدد من المؤشرات الأخري المرتبطة بالصحة والتعليم‏,‏ التي أضيف لها أخيرا مؤشر السعادة‏;‏ فإنه يمكن فهم التركيبة الفكرية من خلال البرامج السياسية للأحزاب والجماعات وتحليل المضمون لما ينشر في الصحف ويقال في الإعلام‏.‏ وفي العادة فإن تقاطع الأفقي والرأسي يجعل من الطبقة الوسطي والأفكار الوسطية ممثلا لرمانة الميزان في المجتمعات‏,‏ وكلما اتسعت واحتوت من الطبقات فوقها وتحتها‏,‏ ومن الأفكار علي يمينها ويسارها‏,‏ فإنها تمثل في النهاية الكتلة الحرجة المرجحة لأمرين لا فكاك من مواجهتهما طوال الوقت‏:‏ أولهما مدي التغيير‏,‏ وثانيهما سرعته‏.‏
فالحقيقة التي لا جدال فيها هي أن المجتمعات تتغير طوال الوقت‏,‏ سواء بفعل الزيادة السكانية لمواطنين يأتون دوما في زمن جديد لم تعرفه أجيال سبقت‏,‏ أو بفعل التغير التكنولوجي الذي بات يحدث بسرعة الضوء‏,‏ أو بفعل تغير العلاقة بين الزمان والمكان بالنسبة لسكان الدولة أو علاقاتها مع العالم الخارجي‏.‏ وبالطبع فإن هناك أسبابا كثيرة لفرض التغيير سواء أراده الناس أو رفضوه‏,‏ أو سعي إليه الحكام أو حاولوا تجنبه‏,‏ فهو سنة الحياة كما يقال‏,‏ وحكمة الزمان هي أنه طوبي للذين عرفوا اتجاهات التغيير وتواءموا وتكيفوا معها وعرفوا كيف يطوعونها في اتجاه خير المجتمعات في حاضرها ومستقبلها‏.‏
ومصر ليست استثناء من هذا كله‏,‏ وهي من الناحية الاقتصادية والاجتماعية قد أعيد تشكيلها بعد أن خرجت من العصور العثمانية بحيث نمت فيها قشرة صغيرة من كبار الملاك يرزح تحتهم جماهير الناس‏,‏ ومع ظهور المدارس والجامعات ظهرت طبقة وسطي صغيرة من الأفندية ما لبثت أن اتسعت مع ثورة يوليو في ظل التعليم المجاني في الجامعات‏,‏ واتساع القطاع العام والقوات المسلحة‏.‏ وبعد ذلك شهدت الطبقات الثلاث في المجتمع المصري توسعات ضخمة منذ اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي وسياسات الإصلاح المختلفة حيث زادت الطبقة العليا من حيث العدد والثروة‏,‏ واتسعت الطبقة الوسطي مع نمو القطاع الخاص في مجالات شتي حتي باتت منقسمة ما بين الاقتصاد العام والخاص‏,‏ ولكن حركة الأبناء ما بين القطاعين خلقت خلطة اجتماعية جديدة‏,‏ أما الطبقة الدنيا فقد اتسعت بدورها بفعل الزيادة السكانية من جانب‏,‏ وفترات الركود والأزمات الاقتصادية من جانب آخر‏.‏
ومن الناحية الفكرية والأيديولوجية‏,‏ إذا شئت‏,‏ فإن تيار المحافظين أي الذين يريدون الحفاظ علي الأمر الواقع ومن ثم يكون التغيير في أضيق النطاقات الممكنة كان موجودا دائما في الدولة المصرية‏,‏ وفي وقت من الأوقات خلال النصف الأول من القرن العشرين كان هذا التيار هو الذي اعتقد أن الشعب المصري ليس جاهزا للاستقلال وأنه يحتاج إلي وقت طويل من التعليم والتجهيز والتدريب حتي ينضج‏;‏ وظلت الحال كذلك حتي جاء مولد حركة الإخوان المسلمين لكي يكون توجهها للتغيير ليس في الحفاظ علي ما هو قائم وإنما دفعه إلي الخلف لكي يتطابق مع ما كان منذ أربعة عشر قرنا‏.‏ ومع النصف الثاني من القرن العشرين حتي الآن ذبل التوجه الأول في التيار المحافظ المصري‏,‏ وهيمن وسيطر التيار الثاني حتي استبد بيمين السياسة المصرية‏.‏ وفي المقابل كان هناك دوما خلال القرن العشرين تيار نابع من أفكار اشتراكية وماركسية تريد الدفع بمصر لكي تكون ضمن صفوف الدول المتقدمة في العالم خاصة الاشتراكي منها‏.‏ ولكن المدهش هو أن كلا التيارين‏,‏ اليميني واليساري المصري‏,‏ علي اختلاف نزوعهما للتغيير نحو الخلف أو الأمام‏,‏ كان لديهما ولع شديد بكل الأنظمة الديكتاتورية والشعبوية في العالم‏,‏ وبالتأكيد تلك التي استقرت في منطقتنا تحت أردية وطنية ودينية واشتراكية‏.‏ أما المدهش أكثر‏,‏ فهو أنه مع بداية القرن الحادي والعشرين حدث التطور المثير الذي جعل من اليمين واليسار في بلادنا فجأة من أكبر دعاة الديمقراطية والليبرالية والانتخابات الحرة والمجتمع المدني‏,‏ وبعد أن كان الاتحاد السوفيتي طليعة البشرية نحو المستقبل المضيء‏,‏ وبعد أن كان صدام حسين واحدا من أبطال الأمة العربية‏,‏ والخميني واقعا ضمن باقة الثوار في الدنيا‏,‏ فإن هؤلاء جري طيهم جانبا دون استنكار‏,‏ وتفرغ الجميع لإقامة الديمقراطية الحقة في مصر‏.‏
الوسط المصري ظل فعالا طوال التاريخ المصري الحديث حتي عندما كان ضعيفا من حيث العدد والعدة‏,‏ وكان حزب الوفد ممثلا لحركة وطنية واسعة لها مركز في الوسط وأطراف في اليمين واليسار‏,‏ وبين الطبقة العليا والأخري الدنيا‏,‏ وكان في ذلك ناجحا في إزاحة الأحرار الدستوريين والإخوان المسلمين علي اليمين‏,‏ والشيوعيين والاشتراكيين علي اليسار‏.‏ وبعد ثورة يوليو جري تأميم الوسط لصالح حركة الضباط الأحرار حتي بات قادرا بالقسر علي استبعاد اليمين واليسار‏;‏ وعندما أعاد الرئيس السادات الحياة السياسية مرة أخري بإعلانه عن التعددية والانفتاح الاقتصادي دارت العجلة السياسية مرة أخري بعد أن أصبح الحزب الوطني الديمقراطي هو الممثل لتيار الوسط والاعتدال في السياسة المصرية‏.‏
وبالتأكيد‏,‏ وسواء كانت الحال في مصر أو في أي من بلدان العالم‏,‏ فإن الوسط بالمعني الاقتصادي والاجتماعي‏,‏ والاعتدال بالمعني الفكري والسياسي‏,‏ يمثل دوما إشكاليات كبري لمن يكون فيه ليس فقط لأنه يمثل جبهة واسعة تضم أطرافا من الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة‏,‏ وإنما أيضا لأنه يمثل خلطة من الأفكار التي تتصارع فيها الرغبة الفائقة في التغيير مع الاعتقاد الجازم بأهمية الاستقرار وبقاء الأمور علي ما هي عليه‏!.‏ وتكون نتيجة ذلك دائما أطنانا من الشكوك حول الهوية الحقيقية لتيار الوسط الذي يتهم بالشعبوية من قبل الأغنياء‏,‏ وزواج المال والسلطة من قبل الفقراء‏;‏ والتفريط في الهوية القومية من قبل اليمين‏,‏ والرجعية وممالأة الأصولية من قبل اليسار‏.‏
هذه المعضلة هي التي يواجهها الحزب الوطني الديمقراطي الآن وهو علي أبواب الانتخابات التشريعية والرئاسية التي تمثل بالنسبة له اختبارا سياسيا ذا وجهين من الدرجة الأولي‏:‏ مدي تمثيله للطبقة الوسطي القديمة والجديدة التي قام عليها خلال العقود الثلاثة الماضية‏;‏ ومدي فاعلية الخلطة الفكرية التي يقدمها بين التغيير والمحافظة‏.‏ وإذا كان من نتائج الانتخابات مؤشر فإن الحزب حصل علي‏38%‏ من أصوات الناخبين في الانتخابات النيابية عام‏2000‏ لم تلبث أن انخفضت إلي‏32%‏ في عام‏2005‏ أما نجاح الحزب بعد ذلك في ضم أصحاب مقاعد أخري فهو لا يوضع في قائمة حساب الولاء للحزب بقدر ما يمكن حسابه في مجال المهارة السياسية وبناء التحالفات والأتلاف داخل الطبقة الوسطي‏.‏ وبالطبع لا يمكن التنبؤ بما آل إليه نصيب الحزب من تأييد بعد الإصلاحات الاقتصادية الواسعة التي أجراها خلال الأعوام الخمسة الماضية ومعها معدلات النمو المرتفعة والتي حافظت علي إيجابيتها حتي بعد حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية‏;‏ ولا توجد إمكانية لمعرفة التأثير الذي أتت به الثورة الإعلامية الكبري خاصة أن تأثير اليمين واليسار فيها كان واسعا‏.‏ ولكن ما نعرفه هو أن الحزب يواجه هذا العام اختبارا في قدرته علي قيادة الطبقة الوسطي والكتلة الحرجة من المصريين وإقناعها بمنهجه القائم علي الاستقرار والتغيير في نفس الوقت والتي علي الأغلب تعلي من قيمة الأولي علي حساب الثانية إذا ما جري التناقض واستحال التناغم حتي لو جعل ذلك التغيير أبطأ مما ينبغي‏,‏ واللحاق بدول العالم المتقدمة أكثر صعوبة‏.‏
مثل ذلك لا يظهر بشكل مباشر في قناعات الحزب المنشورة‏,‏ وعندما يمثل الحزب طبقة واسعة‏,‏ وجبهة فكرية مترامية الأطراف‏,‏ فإن الحل دائما يكمن في التأكيد ليس علي الأفكار‏,‏ وإنما علي المسائل العملية‏.‏ وهناك دلائل كثيرة علي أن سياسة الحزب الخارجية ومحافظته علي عدم توريط مصر في مغامرات خارجية‏,‏ أو حروب لا تمس أمن مصر مباشرة‏,‏ وسعيه لعلاقات قوية وسلمية مع دول العالم المختلفة‏,‏ كلها تمثل واحدة من أهم أرصدة الحزب خاصة عند المقارنة مع المعارضة التي لا تزال تعتمد علي هوامش اجتماعية وفكرية تبدو متهورة وجاهزة لقبول التوريط في معارك خارجية غير محسوبة‏.‏ وخلال الأسابيع القليلة الماضية‏,‏ ومع التفكير في البرنامج الانتخابي للحزب الوطني الديمقراطي فإن معظم الأفكار تركز علي القضايا والمشكلات الداخلية التي تتعلق بالموازنة العامة للدولة وكبح جماح التضخم وضبط الأسعار ودراسة موضوع الحد الأدني للأجور‏,‏ وفوق ذلك بالطبع البحث الدائم عن فرص جديدة للتوظيف والتقليل من البطالة‏.‏ وفي نفس الاتجاه يسير تطوير السياسات العامة الحالية المتصلة خاصة بمجالي التعليم والصحة مع استهداف خاص لفئة الشباب التي باتت تمثل‏65%‏ من أعضاء الحزب‏.‏ وفي العموم نجحت حكومة الحزب في التعامل البراجماتي مع الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات المختلفة من خلال عمليات تفاوضية صبورة‏,‏ واستخدام أفضل للفائض المتحقق من عملية التنمية الاقتصادية‏.‏
هذا الاتجاه العملي والباراجماتي علي أهميته وتأثيره لم يعد كافيا لاستمرار الحزب في تمثيل الكتلة الحرجة من المصريين‏,‏ فمن ناحية إن هذا الاتجاه العملي يفرز في النهاية جماعات من الطبقة الوسطي توقعاتها أعلي بكثير ممن هم في هذه الطبقة حاليا‏,‏ كما أنها الأكثر طموحا في السعي نحو اللحاق بالعالم‏.‏ وهؤلاء يوجد لديهم درجة من الامتعاض من مستوي الرضا الموجود في الحزب عن أدائه‏;‏ ودرجة أخري من التمرد عليه تظهر في أشكال مختلفة من التعبير والتفكير‏.‏ ومن ناحية أخري فإن مستويات النجاح التي تحققها حكومة الحزب سواء في معدلات النمو أو في زيادة الناتج القومي الإجمالي أو الاحتياطيات المالية أو المشروعات القومية‏,‏ كل ذلك يضيع فورا مع ظهور المشكلات والمعضلات القديمة والجديدة‏.‏ ومهما بذل من مجهود في مجال التعليم فإن استمرار توطن الأمية‏,‏ وضعف مستويات الخريجين وقدراتهم علي التكيف مع سوق العمل تجعل تأثير هذه الجهود السياسية محدودا‏.‏ ومهما كان الحديث صحيحا عن التقدم في البنية الأساسية وفي مقدمتها الطرق فإن معناها يضيع فور النظر إلي حالة الازدحام التي تمر بها القاهرة والحواضر المصرية الأخري‏.‏ فالحقيقة التي لا يمكن للحزب تجاهلها هي أن قطرة واحدة من الحبر تكفي تماما لإفساد أطنان من اللبن الصافي‏,‏ هذا بالطبع حتي إذا كانت متوافرة بهذا القدر‏.‏
ومن ناحية أخري فإن الحركة العملية للحزب تجري في ظل سباق عالمي يجري قياسه الآن بوسائل شتي‏,‏ وما لم يحدث اختراق هائل ينقل مصر بين مراتب الدول‏,‏ فإن الأرقام والمؤشرات تشير إلي حالة من التذبذب تستغلها المعارضة علي اليمين واليسار بوسائل انتهازية أحيانا عندما تعرض وتضع في عناوينها الرئيسية الحالة المصرية عند تراجعها‏,‏ وتخفيها إذا ما جري التقدم‏;‏ وبوسائل سياسية أحيانا أخري لجذب الكتلة الحرجة من المصريين ناحيتها‏.‏ والأخطر من ذلك أنه ضمن هذا السباق العالمي فإن الاستمرار فيالسوق العالمية‏,‏ والتمتع بمزاياها الواسعة بات لا يحدث دون امتثال للقيم الأساسية التي يتبناها‏;‏ وإذا كان ممكنا لبلد مثل الصين لديها ناتج محلي إجمالي قدره‏4.9‏ تريليون دولار أن تفلت بطريقتها السياسية نظرا لحجمها في السوق العالمية‏;‏ فإن بلدا لا يزيد ناتجه المحلي الإجمالي حتي بعد حساب القيمة الشرائية للدولار علي‏410‏ مليارات دولار لا يملك الانتظار كثيرا في التعامل الإيجابي مع هذه القيم‏.‏
ومن ناحية ثالثة فإن هناك ثلاث قوي رئيسية علي اليمين واليسار تتنافس مع الحزب الوطني الديمقراطي الآن علي قلوب وعقول الطبقة الوسطي والكتلة الحرجة المصرية أي تلك الجماعة من المصريين التي أسهم الحزب في توسيعها وتمكينها بسياساته العملية خاصة خلال هذه الفترة من الحراك السياسي والاستعداد للانتخابات المقبلة‏:‏ أولاها المعارضة الرسمية المعروفة علي اليمين واليسار‏;‏ وثانيتها المجتمع المدني الذي توسع يمينا ويسارا وفي جهات متعددة‏,‏ وسواء أحببنا ذلك أو كرهناه فإنه بات متصلا عضويا بالمجتمع المدني العالمي الواسع‏;‏ وثالثتها حركات الاحتجاج المتنوعة التي تقف علي الحافة ما بين البقاء في كنف الحزب الوطني الذي يملك عمليا حل المشكلات‏,‏ والخروج عليه حيث توجد جماعات سياسية تتصور فعلا أن تغيير مصر علي هواها لن يحدث دون المرور بمرحلة من الفوضي وعدم الاستقرار‏.‏
هذه القوي مجروحة لأسباب شتي‏,‏ بعضها يرجع إلي سياستها الخارجية‏,‏ وبعضها الآخر يرجع إلي غياب برنامج عملي فعال لحل المعضلات المصرية الكبري‏,‏ ولكن قوتها توجد وتتضخم أساسا من خلال وسائل الإعلام‏,‏ واجتذاب أجزاء من الطبقة الوسطي باتت متعطشة للتغيير بطريقة أسرع وأكثر كفاءة وديمقراطية‏.‏ ولعل ذلك هو الذي يشكل مهمة الحزب خلال المرحلة المقبلة ويضع أهم علاماتها ومؤشراتها أيضا و في مقدمتها المبادرة ليس فقط بمزيد من البرامج العملية والمشروعات الكبري‏,‏ وإنما بسلسلة من الإجراءات التي تلهم الطبقة الوسطي وشبابها خاصة وتعطيها الاتجاه نحو مستقبل يصاغ علي غرار الدول المتقدمة والمدنية‏.‏ وبقدر ما تكون هذه الإجراءات تعاملا مع تراث الماضي‏,‏ فإنها أيضا تكون اختراقا نحو المستقبل‏.‏
والحقيقة أن جماعة منا‏,‏ وكثرة منهم بين القراء‏,‏ لا تعتقد أنه بقدرةالحزب يستطيع تغيير طرائقه في التعامل الهادئ والساكن أحيانا مع عملية التغيير‏;‏ ولكن الجماعة الأخري التي اختارت الحزب الوطني الديمقراطي تري أن الحزب باستطاعته أن ينقل مصر نقلة كيفية خلال المرحلة المقبلة بعد أن قام بتغييرات كثيرة خلال العقود القليلة الماضية‏.‏ وكما كان القرار السياسي شجاعا عند إجراء التعديلات الدستورية السابقة عام‏2005,‏ فربما آن الأوان للإعداد لكي تكون الفترة الرئاسية المقبلة فترة الانطلاقة الاقتصادية والسياسية الكبري وإلا فإن الطبقة الوسطي والكتلة الحرجة من المصريين سوف تجد من يدفعها دفعا إلي حيث لا يجب لها أن تكون‏!!.‏
[email protected]

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.