خبير اقتصادي: الغاز الإسرائيلي أرخص من القطري بضعفين.. وزيادة الكهرباء قادمة لا محالة    أمر قضائي أمريكي يفرض نشر محاضر التحقيق في قضية إبستين    رئيس الهيئة العربية للتصنيع: «إيدكس 2025».. منصة لإظهار قدراتنا الصناعية والدفاعية    أيمن يونس: منتخب مصر أمام فرصة ذهبية في كأس العالم    منافس مصر – لاعب بلجيكا السابق: موسم صلاح أقل نجاحا.. ومجموعتنا من الأسهل    قائمة بيراميدز - عودة الشناوي أمام بتروجت في الدوري    منافس مصر - مدافع نيوزيلندا: مراقبة صلاح تحد رائع لي ومتحمس لمواجهته    اليوم.. محاكمة عصام صاصا و15آخرين في مشاجرة ملهى ليلي بالمعادي    أولى جلسات محاكمة مسؤول الضرائب وآخرين في قضية رشوة| اليوم    هي دي مصر الحقيقية، طالبة تعثر على آلاف الدولارات بساحة مسجد محمد علي بالقلعة وتسلمها للشرطة (صور)    مروان بابلو يتألق في حفله بالسعودية بباقة من أقوى أغانيه (فيديو)    ثنائي النصر يعود للتدريبات قبل معسكر أبوظبي استعداداً للمرحلة المقبلة    اليويفا يقلص عقوبة لويس دياز بعد استئناف بايرن ميونخ    كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب    الأردن يرحب بتمديد ولاية وكالة الأونروا حتى عام 2029    رويترز: تبادل إطلاق نار كثيف بين باكستان وأفغانستان في منطقة حدودية    قوات الاحتلال تعتقل عددا من الشبان الفلطسينيين خلال اقتحام بلدة بدو    احفظها عندك.. مجموعات كأس العالم 2026 كاملة (إنفوجراف)    النائب ناصر الضوى: الإصلاحات الضريبية الجديدة تدعم تحول الاقتصاد نحو الإنتاج والتشغيل    نتنياهو بعد غزة: محاولات السيطرة على استخبارات إسرائيل وسط أزمة سياسية وأمنية    وكيلة اقتصادية الشيوخ: التسهيلات الضريبية الجديدة تدعم استقرار السياسات المالية    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    "بيطري الشرقية" يكشف تفاصيل جديدة عن "تماسيح الزوامل" وسبب ظهورها المفاجئ    محمد موسى يكشف كواليس جديدة عن فاجعة مدرسة «سيدز»    «بيصور الزباين».. غرفة تغيير ملابس السيدات تكشف حقية ترزي حريمي بالمنصورة    النائب محمد مصطفى: التسهيلات الضريبية الجديدة دفعة قوية للصناعة المصرية    وفاة عمة الفنان أمير المصري    عالم مصريات ل«العاشرة»: اكتشاف أختام مصرية قديمة فى دبى يؤكد وجود علاقات تجارية    أحمد مجاهد ل العاشرة: شعار معرض الكتاب دعوة للقراءة ونجيب محفوظ شخصية العام    البلدوزر يؤكد استمرار حسام حسن وتأهل الفراعنة فى كأس العالم مضمون.. فيديو    مسئول أمريكى: قوة الاستقرار الدولية فى غزة قد تُصبح واقعًا أوائل عام 2026    أزمة أم مجرد ضجة!، مسئول بيطري يكشف خطورة ظهور تماسيح بمصرف الزوامل في الشرقية    قارئ قرآن فجر نصر أكتوبر: «دولة التلاوة» يحتفي بالشيخ شبيب    المدير التنفيذي لمعرض الكتاب يوضح سبب اختيار شعار «ساعة بلا كتاب.. قرون من التأخر» للدورة المقبلة    لأول مرة.. زوجة مصطفى قمر تظهر معه في كليب "مش هاشوفك" ويطرح قريبا    تباين الأسهم الأوروبية في ختام التعاملات وسط ترقب لاجتماع الفيدرالي الأسبوع المقبل    حيلة سائق للتهرب من 22 مخالفة بسيارة الشركة تنتهي به خلف القضبان    رسالة بأن الدولة جادة فى تطوير السياسة الضريبية وتخفيض تكلفة ممارسة الأعمال    الصحة تفحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    القاصد يهنئ محافظ المنوفية بانضمام شبين الكوم لشبكة اليونسكو لمدن التعلم 2025    وزارة الداخلية تحتفل باليوم العالمي لذوى الإعاقة وتوزع كراسى متحركة (فيديو وصور)    بيل جيتس يحذر: ملايين الأطفال معرضون للموت بنهاية 2025 لهذا السبب    دعاء الرزق وأثره في تفريج الهم وتوسيع الأبواب المغلقة وزيادة البركة في الحياة    بالأسعار، الإسكان تطرح أراضي استثمارية بالمدن الجديدة والصعيد    عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة يوضح أسباب تفشّي العدوى في الشتاء    كيف أتجاوز شعور الخنق والكوابيس؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    وزارة العمل: وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    حافظوا على تاريخ أجدادكم الفراعنة    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    جامعة الإسكندرية تحصد لقب "الجامعة الأكثر استدامة في أفريقيا" لعام 2025    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    مصر ترحب باتفاقات السلام بين الكونجو الديمقراطية ورواندا الموقعة بواشنطن    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
ما الذي تغير في الانتخابات هذه المرة؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 11 - 2010

قولان سادا في مقالات ناقدة صراحة أو ضمنا لجولة الانتخابات الجارية في مصر هذه الأيام‏:‏ الأول أن مصر كانت في أسعد أحوالها الانتخابية قبل ثورة يوليو‏1952‏ حيث الانتخابات حرة‏,‏ والنواب من النخبة المثقفة الواعية العالمة بمصالح البلاد والتي تماثل في تقاليدها تلك الواقفة في مجلس العموم البريطاني أو بين أرجاء الكونجرس الأمريكي‏.‏ وكان ذلك هو الحال حتي جاءت الثورة فأقامت نظاما بقي علي حاله دون تغيير طوال ستة عقود‏;‏ فما كانت هناك انتخابات‏,‏ وما كان هناك نواب‏.‏ والثانية لم تعتد كثيرا بما جري من قبل‏,‏ ولكن اعتدادها بما جاء بعد ثورة يوليو أو حتي العقود الأخيرة حيث انتقلت ذات التقاليد والأوهام حتي الوقائع بين أركان النخبة اتفاقا وانقساما‏,‏ وكأن الزمن الذي لا يبقي شيئا علي حاله شاء أن يغير مساره فيبقي أحوال مصر السياسية دون تغيير أو تبديل‏.‏
القولان اختلفا علي المدي الزمني‏,‏ وبينما كان في الأول حنين وشجن لسابق الأيام الملكية‏,‏ فإن الثاني كان متحسرا علي الزمن الجمهوري‏.‏ ولكنهما اتفقا علي معني التغيير‏,‏ الذي لم يعد تراكما من المتغيرات البسيطة والمعقدة‏,‏ وإنما نقلة كيفية في الأحوال لا تقل أبدا عن صراخ طفل وليد‏.‏ كما اتفقا أيضا علي أنه إذا كان الحال كذلك الآن فعلام تلك الضجة الكبيرة حول الانتخابات التشريعية المقبلة مادام سوف يلحق من نتائج لن يختلف كثيرا عما سبق من حصاد؟‏!‏ وأخيرا فقد جري اتفاق علي وجود انفصام تام في الدولة المصرية قبل وبعد عام‏1952‏ دون اعتراف بأن استمرارية الدولة‏,‏ وتقاليدها‏,‏ قد بقيت راسخة حتي لو تغيرت أشكال وشخصيات‏.‏
وبالنسبة للقول الأول فربما كان الأمر كله لينتهي لو قام قائله بقراءة رواية الكاتب الكبير توفيق الحكيم يوميات نائب في الأرياف التي عايش فيها جوانب من المجتمع القروي المصري قبل عام‏1952‏ الذي لحق به البلاء بدءا من الفقر الذي يدفع الفلاح لسرقة كوز ذرة‏,‏ مرورا بحلاق الصحة الذي يحصل علي تصريح الدفن من طبيب الصحة دون معاينة جثة المتوفي نظير حصوله علي خمسة قروش ومأمور المركز الذي يسعي وراء ولائم العمدة في أحداث الجرائم ويفتح السجون علي ذراعيها لملئها وقت الحاجة وانتهاء بتزوير الانتخابات لإنجاح مرشح الحكومة‏.‏
فالناس تضع ما تشاء في صناديق الانتخابات من أصوات‏,‏ ولكنها بعد إلقائها في الترعة سوف يحل محلها صناديق أخري تعبر عن رأي من بيده السلطة‏.‏ لم تكن الحالة وردية كما يجري الظن‏,‏ وكانت النخبة قشرة صغيرة منقسمة تطفو علي سطح طبقة وسطي صغيرة القدر‏,‏ بينما كان العمر المتوقع عند الميلاد للشعب المصري لا يصل إلي خمسين عاما‏.‏ ولو كانت الأحوال بمثل تلك السعادة والهمة التي تلم بمصر فلماذا استمر الاحتلال الإنجليزي‏,‏ ولماذا جرت هزيمة عام‏1948,‏ ولماذا لم يصبح التعليم كالماء والهواء كما طالب طه حسين في نهاية العهد بينما كانت اليابان قد جعلته كذلك منذ عام‏1906‏ ؟
ولكن تفاصيل ما قبل عام‏1952‏ ليست موضوعنا‏,‏ ولا حتي تفاصيل ما بعد هذا العام هي موضع الاهتمام هنا‏,‏ لأن الدولة المصرية جري تطورها عبر العهدين بطريقتها الخاصة المنتمية إلي جذورها التي وضعها محمد علي‏,‏ وشكلها إعلان الاستقلال المصري عام‏1922,‏ وبعد ذلك جرت عمليات كثيرة من التكيف والتطور مع أحوال دولية وإقليمية متغيرة‏,‏ وانقلابات تكنولوجية ثورية‏,‏ وطفرات في الكم والكيف السكاني المصري‏,‏ حتي وصلنا إلي عام‏2010‏ وانتخاباته التشريعية‏.‏ وخلال العقود الثلاثة الأخيرة جرت في مصر مجموعة من التغيرات الجوهرية التي كان لا بد لها أن تلقي بتأثيراتها علي الساحة السياسية أيضا‏.‏ فمن الناحية الأمنية والإستراتيجية جري لمصر نوعان من التطور المهم‏:‏ الأول كان توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام‏1979‏ والجلاء الاسرائيلي من سيناء‏1982,‏ ولأول مرة منذ بضعة آلاف من السنين لم تعد مصر محتلة من أجنبي ولا يحكمها أجنبي‏;‏ وحتي دون مقارنة مع سنوات بعيدة فقد كان الاحتلال الإنجليزي جاثما خلال الفترة من‏1922‏ حتي‏1952,‏ كما بقي هذا الاحتلال خلال الفترة من‏1952‏ حتي عام‏1956,‏ بينما جري احتلال سيناء مرتين بين أكتوبر‏1956‏ ومارس‏1957;‏ ثم مرة أخري بين يونيو‏1967‏ وأبريل‏1982‏ حينها أصبحت أرض مصر حرة‏.‏ والثانية خلال هذه العقود الثلاثة ذاتها انتصرت الدولة المصرية علي الخطر الإرهابي الذي سرعان ما أصبح لعنة علي العالم كله‏.‏
ومن الناحية الاقتصادية تغيرت مصر كثيرا علي الأقل عما كانت عليه قبل ثلاثة عقود‏,‏ وأخذ التغيير بضعة أشكال‏,‏ أولها عودة القطاع الخاص مرة أخري إلي العمل في مصر‏,‏ وخلال العقد الأخير بلغت مساهمته في الاقتصاد القومي مابين حوالي‏62%‏ و‏73%‏ من الناتج المحلي الإجمالي‏,‏ وبمعدل نمو سنوي قدره‏7.8%‏ في المتوسط‏.‏ وثانيها أن هذه المساهمة من القطاع الخاص جعلت الاقتصاد المصري أكثر حيوية وتنوعا عما كان عليه من قبل‏,‏ وبلغ الناتج المحلي الإجمالي‏215.845‏ مليار دولار في عام‏2010,‏ بحيث أصبح نصيب الفرد‏2752‏ دولارا‏(‏ قارن ذلك بمتوسط قدره‏300‏ دولار عام‏1980).‏ ولو تم حساب ذلك بالقوة الشرائية للدولار لبلغ الناتج المحلي الإجمالي‏496.604‏ مليار دولار ولبلغ متوسط نصيب الفرد‏6.347‏ ألف دولار‏.‏
ومن الناحية الاجتماعية لم تعد مصر كما كانت‏,‏ وبعد أن كان عدد سكانها‏40‏ مليون نسمة عام‏1980,‏ فقد أصبحت نحو‏79‏ مليون نسمة من المقيمين مضافا لهم ما بين‏7‏ و‏8‏ ملايين من المغتربين في عام‏2010,‏ غالبيتهم من الشباب الذين يعملون لدي القطاع الخاص‏.‏ ورغم أن‏20%‏ من المصريين لا يزالون فقراء‏,‏ فإن الغالبية 80%‏ تعيش فوق حد الفقر‏,‏ وأصبحت نسبة المتعلمين منهم‏72%‏ مقارنة بنسبة‏25%‏ عام‏1960,‏ و‏40%‏ عام‏1980,‏ أما العمر المتوقع عند الميلاد لهم فقد أصبح‏72‏ عاما مقارنا بسبعة وخمسين عاما في عام‏1980.‏
مثل هذه التغيرات لا يمكن إهمالها من جانب‏,‏ كما لا يمكن تصور غياب تأثيراتها علي التطور السياسي المصري‏.‏ فبدون هذه التطورات لم يكن ممكنا أن يزيد حجم المجتمع المدني المصري وتأثيراته السياسية والاجتماعية حتي يصل إلي ما يقرب من‏30‏ ألف منظمة ورابطة‏.‏ وفي نفس الوقت لم يكن ممكنا وجود ذلك التطور المذهل في الإعلام المصري ليس فقط في ميادين الصحافة المطبوعة حيث بلغت ما يزيد علي‏500‏ مطبوعة من بينها‏21‏ صحيفة يومية‏,‏ ولكن أيضا الإعلام التليفزيوني الخاص حيث بلغ إجمالي عدد قنوات التليفزيون المصرية التي تبث عبر النايل سات‏54‏ قناة حتي يونيو‏2010,‏ ويبلغ عدد القنوات ذات الملكية الخاصة‏31‏ قناة بما يمثل نحو‏57%‏ من إجمالي عدد قنوات التليفزيون المصرية‏.‏ هذه القنوات ليست وحدها في متناول المشاهد المصري بل لا بد من إضافة القنوات الناطقة باللغة العربية سواء انطلقت من بلدان عربية أو بلدان أجنبية كلها تهتم بالشأن المصري ويصل مجموعها إلي‏700‏ قناة تقريبا‏.‏ وهنا يجدر الذكر أن‏69.8%‏ من الأسر المصرية تمتلك أجهزة استقبال القنوات الفضائية حتي يناير‏2010‏ بعد أن كانت‏48.3%‏ في مايو‏2008,‏ قارن ذلك بما كان عليه الحال خلال الستينيات والسبعينيات حتي الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان البث التليفزيوني لا يتعدي بضع قنوات‏.‏ وأضف إلي ذلك كله تلك الثورة الرقمية التي جعلت ما يقرب من‏20‏ مليونا من الشباب المصري يدخلون علي شبكة الإنترنت ويتفاعلون معها من خلال المدونات والصحف الإلكترونية التي أنهت تماما الاحتكار الإعلامي للدولة‏.‏
جميع هذه التطورات لا يمكن أن تحدث في أي من بلدان العالم دون أن تترك آثارا علي النظام السياسي كله‏.‏ ولا جدال أن هناك من يري أن هذه التطورات كانت أقل مما كان ممكنا‏,‏ وأن بلدانا أخري حققت أكثر مما حققناه‏,‏ ولكن التسليم بذلك أمر‏,‏ وإنكار وجود التغيرات علي الساحة المصرية أمر آخر‏.‏ ومن الجائز جدا أن جزءا من سبب ما جري كان راجعا إلي أن الإعجاب المصري بالتجارب التركية والماليزية والكورية الجنوبية لم يلازمه إعجاب مماثل بالوسائل التي تم اتباعها‏,‏ واستعداد مقابل لدفع الثمن المطلوب لهذه الإنجازات في الدول الأخري‏,‏ أو القبول بفكرة أن التقدم يقوم علي إدارة الثروة وليس العمل علي تجنب الفقر وآثاره‏.‏
ومع ذلك فإن ما جري في مصر ليس بقليل خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة‏,‏ حيث بدأت مصر تسرع الخطي علي عدد من الجبهات الاقتصادية والسياسية التي ظهرت كلها في التقارير الدولية المختلفة سواء تلك المتعلقة بالموارد البشرية أو التنافسية أو مناخ المشروعات والأعمال‏.‏ وعندما يضاف أربعة ملايين شاب إلي أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة‏,‏ ويصبح‏95%‏ من فرص العمل التي أتيحت لأربعة ملايين نسمة عاملين لدي القطاع الخاص فإن معني ذلك أن مسيرة التغير في الطبقة الاقتصادية تسير في طريقها الذي بدأته منذ ثلاثة عقود‏.‏ وعندما يتمكن المجتمع من مواصلة النمو الاقتصادي الإيجابي رغم الأزمة المالية العالمية وبمعدلات نمو إيجابية فإن معني ذلك أن الخيارات المتاحة لدي المصريين سوف تستمر في التزايد خلال المرحلة المقبلة‏.‏
ومن الناحية السياسية البحتة فقد جرت مجموعة من التغيرات التي لا يمكن تجاهلها‏.‏ أولها أن ثورة صامتة قد جرت في الحزب الوطني الديمقراطي خلال الأعوام الأخيرة سواء من الناحية الفكرية أو التنظيمية‏.‏ ورغم أن الحزب في العموم قد خرج من عباءة الأحزاب الأيديولوجية إلي شكل أشبه بجبهة وطنية شاملة لكل ألوان الطيف الفكرية‏,‏ إلا أنه نجح في خلق حالة من التوافق العام حول الحد الأدني من السياسات التي يتعايش معها الجميع ممن يتحمسون لمبررات التقدم‏,‏ وممن يصرون علي ضرورات العدالة‏.‏ ولكن ما لا يقل أهمية عن الفكر قد كان بناء آلة تنظيمية دقيقة يقودها شباب الحزب من خلال استخدام التكنولوجيات الرقمية الجديدة‏;‏ وهذه الآلة قادرة علي الحشد والتعبئة في بيئات مختلفة حضرية وريفية‏.‏ وكان هذا التغيير علي جانبيه استجابة لحقائق مرة‏,‏ فرغم كل ما يقال عن قيام الحزب بتزوير الانتخابات فإنه في الحقيقة لم يحصل إلا علي‏40%‏ من الأصوات عام‏38,1995%‏ عام‏2000,‏ و‏32%‏ عام‏2005‏ ولولا أن الحزب ظل يمثل الوسط السياسي المصري وفقا للصيغة التي أشرنا إليها لما جذب إليه نخبة المستقلين حينما انضم إليه‏145‏ عضوا في عام‏2000‏ و‏218‏ عضوا في عام‏2005.‏
وثانيها أن كتلة الأحزاب المدنية التي تعرضت لضربة بالغة في انتخابات عام‏2005‏ قد استعادت بعضا من قوتها خلال العام الأخير بعدما ثارت علي محاولات جر المعارضة المصرية إلي مقاعد هوامش السياسة المصرية‏.‏ وربما كانت النقطة الفاصلة في هذا التحول تلك الانتخابات الرئاسية التي جرت داخل حزب الوفد والتي أعطته قيادة ديناميكية مسلحة بالإمكانيات والكوادر والقدرات الإعلامية حتي إن عضويته في مجلس الشعب ارتفعت فجأة من خمسة أعضاء إلي أربعة عشر عضوا‏.‏ وكان هذا النجاح هو ما جعل التحالف بين أحزاب الوفد والتجمع والناصري يصبح قادرا علي توسيع قاعدة الوسط السياسي المصري وضخ دماء جديدة لها‏.‏ ولم يخسر هذا التحالف كثيرا بغياب حزب الجبهة الديمقراطية الذي لم يكن لديه في أي وقت عضو واحد في مجلس الشعب‏,‏ ولم يكن باديا عليه أنه سوف يكون قادرا علي ذلك وعدد أعضائه لا يتجاوز ثلاثة آلاف عضو منقسمين ما بين من يريدون المشاركة‏,‏ ومن ظنوا أن في المقاطعة مكانا تليفزيونيا متفردا‏.‏
وثالثها أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة تنظيميا والمشروعة أفرادا لهم فكرهم الخاص قد تراجعت حالها نتيجة مجموعة من المؤثرات الداخلية والخارجية‏.‏ فالأداء الذي كان لأعضاء الجماعة في مجلس الشعب كان متواضعا بعد أن ركزوا علي المشاكسة السياسية بأكثر من المراجعة للقوانين‏.‏ والبرنامج الذي طرحته الجماعة علي سبيل التجربة أفصح عن رفض الجماعة للطبيعة المدنية للدولة المصرية المعاصرة وسعيها إلي دولة دينية نقية وصافية‏.‏ والتغييرات التنظيمية التي جرت داخل الإخوان كلها قادت الجماعة إلي مزيد من المحافظة والتبعية لتجارب فاشلة في إيران والسودان وفلسطين‏.‏ وأخيرا كان موقف الجماعة منحرفا عن التوافق المصري العام الذي يجعل المصالح الوطنية المصرية العليا فوق كل الاعتبارات الأخري‏.‏
ورابعها أن مجموعة من التطورات المتلاحقة لضبط العملية الانتخابية قد أصبحت أكثر تأثيرا يوما بعد يوم‏.‏ ورغم أن التوافق المصري العام تقريبا لكل الأحزاب والجماعات دون استثناء جري علي رفض الرقابة الأجنبية‏,‏ فقد دخلت سلسلة من الإجراءات البديلة مرحلة النضج بأكثر مما كانت عليه الحال في السابق‏.‏ ولم يتوقف الأمر فقط علي الصناديق الزجاجية التي بدأ استخدامها منذ عام‏2005,‏ أو استخدام الحبر غير القابل للإزالة الذي بدأ في ذات التوقيت‏;‏ ولكن دخل إلي الساحة الإعلام الداخلي والخارجي بكافة أشكاله وألوانه‏,‏ ومعهما المجتمع المدني الداخلي والخارجي بكافة أشكاله وألوانه‏,‏ ومع كل ذلك الرقابة القضائية سواء تلك القادمة من اللجنة العليا للانتخابات‏,‏ أو من القضاة الساهرين علي حماية العملية الانتخابية‏,‏ أو من القضاء الإداري الذي اكتسب مساحات قضائية ذات نتائج سياسية لم تكن معتادة علي العمل السياسي المصري منذ وقت طويل‏.‏
هل بعد ذلك كله تبدو الساحة المصرية السياسية دون تغيير يذكر كما يشيع في بعض الكتابات المصرية‏,‏ وكما يجري التبني لهذه الأفكار بين جماعات أجنبية منتشرة بين واشنطن وعواصم غربية أخري بات التغيير الوحيد الذي يجعلهم علي استعداد لقبول سريان التغيير في مصر هو الإطاحة بالحزب الوطني الديمقراطي من الحكم والسلطة؟‏.‏ مثل هذا المعيار لا يمكن قبوله لا فكريا ولا نظريا ولا عمليا‏,‏ ليس فقط لأن الشعب المصري وحده هو صاحب التغيير‏,‏ ولكن لأن الحزب الوطني الديمقراطي لديه برنامج انتخابي قوي يقدمه للشعب المصري‏,‏ وفوقه تجربة عملية أبقت مصر بعيدة عن المغامرة والمقامرة بمصير الأرض والشعب‏,‏ كما دفعت بالشعب المصري درجات علي سلم التقدم كما أسلفنا‏.‏ قد يكون لدي الأحزاب الأخري أفكار أكثر تقدما مما لدي الحزب الوطني‏,‏ ولذلك كانت الانتخابات العامة حتي يتنافس المتنافسون‏.‏ ولكن السؤال هو لماذا حتي الآن لم تظهر فكرة واحدة جديدة للإصلاح والتنمية والحفاظ علي الأمن القومي تحوز علي قبول الشعب ورضاه؟ دعونا نراقب الانتخابات ثم نعد مرة أخري‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.