محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    ارتفاع أسعار الذهب 20 جنيها مع بداية تعاملات اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    سعر الفراخ البيضاء بعد آخر زيادة.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 18-8-2025 للمستهلك صباحًا    موعد انتهاء الأوكازيون الصيفي 2025 في مصر.. آخر فرصة للتخفيضات قبل عودة الأسعار    رئيس وزراء فلسطين ووزير الخارجية بدر عبد العاطي يصلان معبر رفح.. بث مباشر    "بالورقة والقلم "... الفلسطينيون يعلمون أن مصر تقف بقوة مع قضيتهم ومظاهرة الإخوان أمام السفارة المصرية في تل أبيب فضيحة للتنظيم    4 شهداء بينهم طفلة بقصف إسرائيلى على غزة والنصيرات    إعلام عبري: تقديرات الجيش أن احتلال مدينة غزة سوف يستغرق 4 أشهر    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    مؤتمر بنزيمة: المواجهة بين اتحاد جدة والنصر وليست أنا ضد رونالدو    بعد تعافيه من الجراحة .. إمام عاشور يشارك فى تدريبات الأهلي اليوم فى التتش دون "التحامات قوية"    إيقاف محمد هاني الأبرز .. رابطة الأندية تعلن عقوبات الأسبوع الثانى بالدورى اليوم.    هل ستسقط أمطار في الصيف؟ بيان حالة الطقس اليوم الاثنين على أنحاء البلاد ودرجات الحرارة    رسميًا.. اعتماد نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الدور الثاني في المنوفية    وصول المتهم بالتعدى على الطفل ياسين لمحكمة جنايات دمنهور لاستئناف محاكمته    محافظ المنوفية يعتمد نتيجة الشهادة الإعدادية الدور الثانى بنسبة نجاح 87.75%    إصابة 14 شخصا فى تصادم سيارتى ميكروباص وربع نقل على طريق أسوان الصحراوى    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    تعرف على مواعيد حفلات مهرجان القلعة للموسيقى والغناء وأسعار التذاكر    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    مؤشر نيكاي الياباني يسجل مستوى قياسي جديد    ارتفاع سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    رابط نتيجة وظائف البريد المصري لعام 2025    إخماد حريق داخل منزل فى البدرشين دون إصابات    قوات الاحتلال تعتقل 12 فلسطينيا من محافظة بيت لحم    انطلاق الموسم الخامس من مسابقة «مئذنة الأزهر للشعر العربي» وتخصيصه لدعم القضية الفلسطينية    نشأت الديهي: شباب مصر الوطني تصدى بكل شجاعة لمظاهرة الإخوان فى هولندا    نشأت الديهى: أنس حبيب طلب اللجوء لهولندا ب"الشذوذ الجنسي" وإلإخوان رخصوا قضية غزة    وفاة عميد كلية اللغة العربية الأسبق ب أزهر الشرقية    مجرد أساطير بلا أساس علمي.. متحدث الصحة عن خطف الأطفال وسرقة أعضائهم (فيديو)    طب قصر العيني تبحث استراتيجية زراعة الأعضاء وتضع توصيات شاملة    نصائح لحمايتك من ارتفاع درجات الحرارة داخل السيارة    كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    أرتفاع الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    ترامب يهاجم وسائل الإعلام الكاذبة بشأن اختيار مكان انعقاد قمته مع بوتين    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    الرئيس اللبناني: واشنطن طرحت تعاونًا اقتصاديًا بين لبنان وسوريا    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
ما الذي تغير في الانتخابات هذه المرة؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 11 - 2010

قولان سادا في مقالات ناقدة صراحة أو ضمنا لجولة الانتخابات الجارية في مصر هذه الأيام‏:‏ الأول أن مصر كانت في أسعد أحوالها الانتخابية قبل ثورة يوليو‏1952‏ حيث الانتخابات حرة‏,‏ والنواب من النخبة المثقفة الواعية العالمة بمصالح البلاد والتي تماثل في تقاليدها تلك الواقفة في مجلس العموم البريطاني أو بين أرجاء الكونجرس الأمريكي‏.‏ وكان ذلك هو الحال حتي جاءت الثورة فأقامت نظاما بقي علي حاله دون تغيير طوال ستة عقود‏;‏ فما كانت هناك انتخابات‏,‏ وما كان هناك نواب‏.‏ والثانية لم تعتد كثيرا بما جري من قبل‏,‏ ولكن اعتدادها بما جاء بعد ثورة يوليو أو حتي العقود الأخيرة حيث انتقلت ذات التقاليد والأوهام حتي الوقائع بين أركان النخبة اتفاقا وانقساما‏,‏ وكأن الزمن الذي لا يبقي شيئا علي حاله شاء أن يغير مساره فيبقي أحوال مصر السياسية دون تغيير أو تبديل‏.‏
القولان اختلفا علي المدي الزمني‏,‏ وبينما كان في الأول حنين وشجن لسابق الأيام الملكية‏,‏ فإن الثاني كان متحسرا علي الزمن الجمهوري‏.‏ ولكنهما اتفقا علي معني التغيير‏,‏ الذي لم يعد تراكما من المتغيرات البسيطة والمعقدة‏,‏ وإنما نقلة كيفية في الأحوال لا تقل أبدا عن صراخ طفل وليد‏.‏ كما اتفقا أيضا علي أنه إذا كان الحال كذلك الآن فعلام تلك الضجة الكبيرة حول الانتخابات التشريعية المقبلة مادام سوف يلحق من نتائج لن يختلف كثيرا عما سبق من حصاد؟‏!‏ وأخيرا فقد جري اتفاق علي وجود انفصام تام في الدولة المصرية قبل وبعد عام‏1952‏ دون اعتراف بأن استمرارية الدولة‏,‏ وتقاليدها‏,‏ قد بقيت راسخة حتي لو تغيرت أشكال وشخصيات‏.‏
وبالنسبة للقول الأول فربما كان الأمر كله لينتهي لو قام قائله بقراءة رواية الكاتب الكبير توفيق الحكيم يوميات نائب في الأرياف التي عايش فيها جوانب من المجتمع القروي المصري قبل عام‏1952‏ الذي لحق به البلاء بدءا من الفقر الذي يدفع الفلاح لسرقة كوز ذرة‏,‏ مرورا بحلاق الصحة الذي يحصل علي تصريح الدفن من طبيب الصحة دون معاينة جثة المتوفي نظير حصوله علي خمسة قروش ومأمور المركز الذي يسعي وراء ولائم العمدة في أحداث الجرائم ويفتح السجون علي ذراعيها لملئها وقت الحاجة وانتهاء بتزوير الانتخابات لإنجاح مرشح الحكومة‏.‏
فالناس تضع ما تشاء في صناديق الانتخابات من أصوات‏,‏ ولكنها بعد إلقائها في الترعة سوف يحل محلها صناديق أخري تعبر عن رأي من بيده السلطة‏.‏ لم تكن الحالة وردية كما يجري الظن‏,‏ وكانت النخبة قشرة صغيرة منقسمة تطفو علي سطح طبقة وسطي صغيرة القدر‏,‏ بينما كان العمر المتوقع عند الميلاد للشعب المصري لا يصل إلي خمسين عاما‏.‏ ولو كانت الأحوال بمثل تلك السعادة والهمة التي تلم بمصر فلماذا استمر الاحتلال الإنجليزي‏,‏ ولماذا جرت هزيمة عام‏1948,‏ ولماذا لم يصبح التعليم كالماء والهواء كما طالب طه حسين في نهاية العهد بينما كانت اليابان قد جعلته كذلك منذ عام‏1906‏ ؟
ولكن تفاصيل ما قبل عام‏1952‏ ليست موضوعنا‏,‏ ولا حتي تفاصيل ما بعد هذا العام هي موضع الاهتمام هنا‏,‏ لأن الدولة المصرية جري تطورها عبر العهدين بطريقتها الخاصة المنتمية إلي جذورها التي وضعها محمد علي‏,‏ وشكلها إعلان الاستقلال المصري عام‏1922,‏ وبعد ذلك جرت عمليات كثيرة من التكيف والتطور مع أحوال دولية وإقليمية متغيرة‏,‏ وانقلابات تكنولوجية ثورية‏,‏ وطفرات في الكم والكيف السكاني المصري‏,‏ حتي وصلنا إلي عام‏2010‏ وانتخاباته التشريعية‏.‏ وخلال العقود الثلاثة الأخيرة جرت في مصر مجموعة من التغيرات الجوهرية التي كان لا بد لها أن تلقي بتأثيراتها علي الساحة السياسية أيضا‏.‏ فمن الناحية الأمنية والإستراتيجية جري لمصر نوعان من التطور المهم‏:‏ الأول كان توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام‏1979‏ والجلاء الاسرائيلي من سيناء‏1982,‏ ولأول مرة منذ بضعة آلاف من السنين لم تعد مصر محتلة من أجنبي ولا يحكمها أجنبي‏;‏ وحتي دون مقارنة مع سنوات بعيدة فقد كان الاحتلال الإنجليزي جاثما خلال الفترة من‏1922‏ حتي‏1952,‏ كما بقي هذا الاحتلال خلال الفترة من‏1952‏ حتي عام‏1956,‏ بينما جري احتلال سيناء مرتين بين أكتوبر‏1956‏ ومارس‏1957;‏ ثم مرة أخري بين يونيو‏1967‏ وأبريل‏1982‏ حينها أصبحت أرض مصر حرة‏.‏ والثانية خلال هذه العقود الثلاثة ذاتها انتصرت الدولة المصرية علي الخطر الإرهابي الذي سرعان ما أصبح لعنة علي العالم كله‏.‏
ومن الناحية الاقتصادية تغيرت مصر كثيرا علي الأقل عما كانت عليه قبل ثلاثة عقود‏,‏ وأخذ التغيير بضعة أشكال‏,‏ أولها عودة القطاع الخاص مرة أخري إلي العمل في مصر‏,‏ وخلال العقد الأخير بلغت مساهمته في الاقتصاد القومي مابين حوالي‏62%‏ و‏73%‏ من الناتج المحلي الإجمالي‏,‏ وبمعدل نمو سنوي قدره‏7.8%‏ في المتوسط‏.‏ وثانيها أن هذه المساهمة من القطاع الخاص جعلت الاقتصاد المصري أكثر حيوية وتنوعا عما كان عليه من قبل‏,‏ وبلغ الناتج المحلي الإجمالي‏215.845‏ مليار دولار في عام‏2010,‏ بحيث أصبح نصيب الفرد‏2752‏ دولارا‏(‏ قارن ذلك بمتوسط قدره‏300‏ دولار عام‏1980).‏ ولو تم حساب ذلك بالقوة الشرائية للدولار لبلغ الناتج المحلي الإجمالي‏496.604‏ مليار دولار ولبلغ متوسط نصيب الفرد‏6.347‏ ألف دولار‏.‏
ومن الناحية الاجتماعية لم تعد مصر كما كانت‏,‏ وبعد أن كان عدد سكانها‏40‏ مليون نسمة عام‏1980,‏ فقد أصبحت نحو‏79‏ مليون نسمة من المقيمين مضافا لهم ما بين‏7‏ و‏8‏ ملايين من المغتربين في عام‏2010,‏ غالبيتهم من الشباب الذين يعملون لدي القطاع الخاص‏.‏ ورغم أن‏20%‏ من المصريين لا يزالون فقراء‏,‏ فإن الغالبية 80%‏ تعيش فوق حد الفقر‏,‏ وأصبحت نسبة المتعلمين منهم‏72%‏ مقارنة بنسبة‏25%‏ عام‏1960,‏ و‏40%‏ عام‏1980,‏ أما العمر المتوقع عند الميلاد لهم فقد أصبح‏72‏ عاما مقارنا بسبعة وخمسين عاما في عام‏1980.‏
مثل هذه التغيرات لا يمكن إهمالها من جانب‏,‏ كما لا يمكن تصور غياب تأثيراتها علي التطور السياسي المصري‏.‏ فبدون هذه التطورات لم يكن ممكنا أن يزيد حجم المجتمع المدني المصري وتأثيراته السياسية والاجتماعية حتي يصل إلي ما يقرب من‏30‏ ألف منظمة ورابطة‏.‏ وفي نفس الوقت لم يكن ممكنا وجود ذلك التطور المذهل في الإعلام المصري ليس فقط في ميادين الصحافة المطبوعة حيث بلغت ما يزيد علي‏500‏ مطبوعة من بينها‏21‏ صحيفة يومية‏,‏ ولكن أيضا الإعلام التليفزيوني الخاص حيث بلغ إجمالي عدد قنوات التليفزيون المصرية التي تبث عبر النايل سات‏54‏ قناة حتي يونيو‏2010,‏ ويبلغ عدد القنوات ذات الملكية الخاصة‏31‏ قناة بما يمثل نحو‏57%‏ من إجمالي عدد قنوات التليفزيون المصرية‏.‏ هذه القنوات ليست وحدها في متناول المشاهد المصري بل لا بد من إضافة القنوات الناطقة باللغة العربية سواء انطلقت من بلدان عربية أو بلدان أجنبية كلها تهتم بالشأن المصري ويصل مجموعها إلي‏700‏ قناة تقريبا‏.‏ وهنا يجدر الذكر أن‏69.8%‏ من الأسر المصرية تمتلك أجهزة استقبال القنوات الفضائية حتي يناير‏2010‏ بعد أن كانت‏48.3%‏ في مايو‏2008,‏ قارن ذلك بما كان عليه الحال خلال الستينيات والسبعينيات حتي الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان البث التليفزيوني لا يتعدي بضع قنوات‏.‏ وأضف إلي ذلك كله تلك الثورة الرقمية التي جعلت ما يقرب من‏20‏ مليونا من الشباب المصري يدخلون علي شبكة الإنترنت ويتفاعلون معها من خلال المدونات والصحف الإلكترونية التي أنهت تماما الاحتكار الإعلامي للدولة‏.‏
جميع هذه التطورات لا يمكن أن تحدث في أي من بلدان العالم دون أن تترك آثارا علي النظام السياسي كله‏.‏ ولا جدال أن هناك من يري أن هذه التطورات كانت أقل مما كان ممكنا‏,‏ وأن بلدانا أخري حققت أكثر مما حققناه‏,‏ ولكن التسليم بذلك أمر‏,‏ وإنكار وجود التغيرات علي الساحة المصرية أمر آخر‏.‏ ومن الجائز جدا أن جزءا من سبب ما جري كان راجعا إلي أن الإعجاب المصري بالتجارب التركية والماليزية والكورية الجنوبية لم يلازمه إعجاب مماثل بالوسائل التي تم اتباعها‏,‏ واستعداد مقابل لدفع الثمن المطلوب لهذه الإنجازات في الدول الأخري‏,‏ أو القبول بفكرة أن التقدم يقوم علي إدارة الثروة وليس العمل علي تجنب الفقر وآثاره‏.‏
ومع ذلك فإن ما جري في مصر ليس بقليل خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة‏,‏ حيث بدأت مصر تسرع الخطي علي عدد من الجبهات الاقتصادية والسياسية التي ظهرت كلها في التقارير الدولية المختلفة سواء تلك المتعلقة بالموارد البشرية أو التنافسية أو مناخ المشروعات والأعمال‏.‏ وعندما يضاف أربعة ملايين شاب إلي أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة‏,‏ ويصبح‏95%‏ من فرص العمل التي أتيحت لأربعة ملايين نسمة عاملين لدي القطاع الخاص فإن معني ذلك أن مسيرة التغير في الطبقة الاقتصادية تسير في طريقها الذي بدأته منذ ثلاثة عقود‏.‏ وعندما يتمكن المجتمع من مواصلة النمو الاقتصادي الإيجابي رغم الأزمة المالية العالمية وبمعدلات نمو إيجابية فإن معني ذلك أن الخيارات المتاحة لدي المصريين سوف تستمر في التزايد خلال المرحلة المقبلة‏.‏
ومن الناحية السياسية البحتة فقد جرت مجموعة من التغيرات التي لا يمكن تجاهلها‏.‏ أولها أن ثورة صامتة قد جرت في الحزب الوطني الديمقراطي خلال الأعوام الأخيرة سواء من الناحية الفكرية أو التنظيمية‏.‏ ورغم أن الحزب في العموم قد خرج من عباءة الأحزاب الأيديولوجية إلي شكل أشبه بجبهة وطنية شاملة لكل ألوان الطيف الفكرية‏,‏ إلا أنه نجح في خلق حالة من التوافق العام حول الحد الأدني من السياسات التي يتعايش معها الجميع ممن يتحمسون لمبررات التقدم‏,‏ وممن يصرون علي ضرورات العدالة‏.‏ ولكن ما لا يقل أهمية عن الفكر قد كان بناء آلة تنظيمية دقيقة يقودها شباب الحزب من خلال استخدام التكنولوجيات الرقمية الجديدة‏;‏ وهذه الآلة قادرة علي الحشد والتعبئة في بيئات مختلفة حضرية وريفية‏.‏ وكان هذا التغيير علي جانبيه استجابة لحقائق مرة‏,‏ فرغم كل ما يقال عن قيام الحزب بتزوير الانتخابات فإنه في الحقيقة لم يحصل إلا علي‏40%‏ من الأصوات عام‏38,1995%‏ عام‏2000,‏ و‏32%‏ عام‏2005‏ ولولا أن الحزب ظل يمثل الوسط السياسي المصري وفقا للصيغة التي أشرنا إليها لما جذب إليه نخبة المستقلين حينما انضم إليه‏145‏ عضوا في عام‏2000‏ و‏218‏ عضوا في عام‏2005.‏
وثانيها أن كتلة الأحزاب المدنية التي تعرضت لضربة بالغة في انتخابات عام‏2005‏ قد استعادت بعضا من قوتها خلال العام الأخير بعدما ثارت علي محاولات جر المعارضة المصرية إلي مقاعد هوامش السياسة المصرية‏.‏ وربما كانت النقطة الفاصلة في هذا التحول تلك الانتخابات الرئاسية التي جرت داخل حزب الوفد والتي أعطته قيادة ديناميكية مسلحة بالإمكانيات والكوادر والقدرات الإعلامية حتي إن عضويته في مجلس الشعب ارتفعت فجأة من خمسة أعضاء إلي أربعة عشر عضوا‏.‏ وكان هذا النجاح هو ما جعل التحالف بين أحزاب الوفد والتجمع والناصري يصبح قادرا علي توسيع قاعدة الوسط السياسي المصري وضخ دماء جديدة لها‏.‏ ولم يخسر هذا التحالف كثيرا بغياب حزب الجبهة الديمقراطية الذي لم يكن لديه في أي وقت عضو واحد في مجلس الشعب‏,‏ ولم يكن باديا عليه أنه سوف يكون قادرا علي ذلك وعدد أعضائه لا يتجاوز ثلاثة آلاف عضو منقسمين ما بين من يريدون المشاركة‏,‏ ومن ظنوا أن في المقاطعة مكانا تليفزيونيا متفردا‏.‏
وثالثها أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة تنظيميا والمشروعة أفرادا لهم فكرهم الخاص قد تراجعت حالها نتيجة مجموعة من المؤثرات الداخلية والخارجية‏.‏ فالأداء الذي كان لأعضاء الجماعة في مجلس الشعب كان متواضعا بعد أن ركزوا علي المشاكسة السياسية بأكثر من المراجعة للقوانين‏.‏ والبرنامج الذي طرحته الجماعة علي سبيل التجربة أفصح عن رفض الجماعة للطبيعة المدنية للدولة المصرية المعاصرة وسعيها إلي دولة دينية نقية وصافية‏.‏ والتغييرات التنظيمية التي جرت داخل الإخوان كلها قادت الجماعة إلي مزيد من المحافظة والتبعية لتجارب فاشلة في إيران والسودان وفلسطين‏.‏ وأخيرا كان موقف الجماعة منحرفا عن التوافق المصري العام الذي يجعل المصالح الوطنية المصرية العليا فوق كل الاعتبارات الأخري‏.‏
ورابعها أن مجموعة من التطورات المتلاحقة لضبط العملية الانتخابية قد أصبحت أكثر تأثيرا يوما بعد يوم‏.‏ ورغم أن التوافق المصري العام تقريبا لكل الأحزاب والجماعات دون استثناء جري علي رفض الرقابة الأجنبية‏,‏ فقد دخلت سلسلة من الإجراءات البديلة مرحلة النضج بأكثر مما كانت عليه الحال في السابق‏.‏ ولم يتوقف الأمر فقط علي الصناديق الزجاجية التي بدأ استخدامها منذ عام‏2005,‏ أو استخدام الحبر غير القابل للإزالة الذي بدأ في ذات التوقيت‏;‏ ولكن دخل إلي الساحة الإعلام الداخلي والخارجي بكافة أشكاله وألوانه‏,‏ ومعهما المجتمع المدني الداخلي والخارجي بكافة أشكاله وألوانه‏,‏ ومع كل ذلك الرقابة القضائية سواء تلك القادمة من اللجنة العليا للانتخابات‏,‏ أو من القضاة الساهرين علي حماية العملية الانتخابية‏,‏ أو من القضاء الإداري الذي اكتسب مساحات قضائية ذات نتائج سياسية لم تكن معتادة علي العمل السياسي المصري منذ وقت طويل‏.‏
هل بعد ذلك كله تبدو الساحة المصرية السياسية دون تغيير يذكر كما يشيع في بعض الكتابات المصرية‏,‏ وكما يجري التبني لهذه الأفكار بين جماعات أجنبية منتشرة بين واشنطن وعواصم غربية أخري بات التغيير الوحيد الذي يجعلهم علي استعداد لقبول سريان التغيير في مصر هو الإطاحة بالحزب الوطني الديمقراطي من الحكم والسلطة؟‏.‏ مثل هذا المعيار لا يمكن قبوله لا فكريا ولا نظريا ولا عمليا‏,‏ ليس فقط لأن الشعب المصري وحده هو صاحب التغيير‏,‏ ولكن لأن الحزب الوطني الديمقراطي لديه برنامج انتخابي قوي يقدمه للشعب المصري‏,‏ وفوقه تجربة عملية أبقت مصر بعيدة عن المغامرة والمقامرة بمصير الأرض والشعب‏,‏ كما دفعت بالشعب المصري درجات علي سلم التقدم كما أسلفنا‏.‏ قد يكون لدي الأحزاب الأخري أفكار أكثر تقدما مما لدي الحزب الوطني‏,‏ ولذلك كانت الانتخابات العامة حتي يتنافس المتنافسون‏.‏ ولكن السؤال هو لماذا حتي الآن لم تظهر فكرة واحدة جديدة للإصلاح والتنمية والحفاظ علي الأمن القومي تحوز علي قبول الشعب ورضاه؟ دعونا نراقب الانتخابات ثم نعد مرة أخري‏.‏
[email protected]

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.