دراما وثائقية.. «أم الدنيا 2» مكتوب ب«القبطية» ويتصدر مشاهدات «WATCH IT»    مؤشر الدولار (DXY) يخترق قمة جديدة بحركة التداولات العالمية    ماكرون يعلن حل البرلمان الفرنسي ويدعو إلى انتخابات تشريعية في 30 يونيو    بعد تأجيرها لمدرس جيولوجيا، قرار من الرياضة ضد مسئولي صالة حسن مصطفى    "انتهاء الأزمة".. منتخب الكونغو يستعد للسفر إلى المغرب    إصابة شاب في حادث تصادم بالطريق الدائري بالإسماعيلية    البابا تواضرس الثاني يؤدي صلاة عشية بكنيسة أبو سيفين بدير العزب    أخفيت الخبر حتى عن ابني، لميس الحديدي تتحدث عن إصابتها بالسرطان قبل 10 سنوات    هل يجوز صيام 7 أيام فقط من ذي الحجة؟.. «الإفتاء» توضح    كم عدد أيام التشريق وحكم صيامها؟.. تبدأ من مبيت الحجاج بمنى    الإفتاء توضح أعمال الحجّ: اليوم الثامن من ذي الحجة "يوم التروية"    احترس من الصيف، دراسات تكشف ارتفاع خطر الإصابة بالتجلطات مع ارتفاع درجات الحرارة    «مستقبل وطن»: يجب أن تعبر الحكومة الجديدة عن نبض الشارع    فحص 1068 مواطنا في قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة بدمياط    الأونروا: وصلنا لطريق مسدود في غزة.. والوضع غير مسبوق    لمواليد «الأسد».. توقعات الأبراج في الأسبوع الثاني من يونيو 2024    ليلى عبد اللطيف تتوقع انفصال هذا الثنائي من الفنانين    جانتس: نترك حكومة الطوارئ وننضم إلى المعركة لضمان أمن إسرائيل    أحمد موسى يكشف ملامح الحكومة الجديدة وموعد الإعلان الرسمي    اتحاد المصريين بالسعودية: أغلبية المرحَّلين لعدم حملهم تصاريح الحج مصريون    مصطفى عسل يتوج بلقب بطولة بريطانيا المفتوحة للاسكواش    تنبيه هام من «البترول» لسكان الوراق: «لا تنزعجوا من رائحة الغاز»    نقابة المهندسين بالإسكندرية تستعد لأكبر معرض للسلع المعمرة بمقر ناديها بالإسكندرية    يورو 2024| سلوفينيا تعود بعد غياب 24 عاما.. انفوجراف    أسماء أوائل الشهادة الابتدائية بمنطقة أسيوط الأزهرية بعد اعتمادها رسميًا    قرار قضائي بشأن المتهمين بواقعة "خلية التجمع"    تنسيق مدارس السويس.. 225 درجة للثانوية العامة و230 للبنات ب"المتقدمة الصناعية"    إدخال 171 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة عبر بوابة معبر كرم أبو سالم جنوب رفح    منتدى دولي لحشد الدعم الإعلامي للاعتراف بدولة فلسطين    إصابة كيليان مبابى قبل ودية منتخب فرنسا الأخيرة استعدادا ل يورو 2024    وزيرة البيئة: زيارة الأطفال والشباب للمحميات الطبيعية مهمة    قيادات "الاستعلامات" و"المتحدة" و"الصحفيين" و"الحوار الوطني" في المساء مع قصواء.. اليوم    هيثم رجائي: الملتقى الدولي لرواد صناعة الدواجن سيكون بمشاركة عربية ودولية    علاء الزهيري رئيسا للجنة التدقيق الداخلي للاتحاد العام العربي للتأمين    مباشر مجموعة مصر - جيبوتي (1)-(1) إثيبويا.. بداية الشوط الثاني    منها مباشرة الزوجة وتسريح الشعر.. 10 محظورات في الحج يوضحها علي جمعة    «مكافحة المنشطات» تنفى الضغط على رمضان    سيدات مصر لسلاح الشيش يتوجن بذهبية ببطولة أفريقيا للفرق    بشرى سارة بشأن توافر نواقص الأدوية بعد عيد الأضحى.. فيديو    مياه القناة: استمرار أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحى بالإسماعيلية    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    حجازي: جار تأليف مناهج المرحلة الإعدادية الجديدة.. وتطوير الثانوية العامة    المنظمات الأهلية الفلسطينية تدعو لتشكيل محكمة خاصة بجرائم الاحتلال    محافظ الشرقية يهنئ لاعبي ولاعبات الهوكي لفوزهم بكأس مصر    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    انتقدت أسيرة إسرائيلية.. فصل مذيعة بالقناة 12 الإسرائيلية عن العمل    توقيع بروتوكول تعاون مشترك بين جامعتي المنصورة والأنبار (صور )    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
أخطر الانتخابات المصرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 11 - 2010

غدا سوف يذهب المصريون إلي صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس الشعب للدورة التشريعية المقبلة‏.‏ وعندما يفعلون ذلك فإنهم يصوتون علي أمور كثيرة يأتي في مقدمتها الاختيار بين عدد من المرشحين‏. ثم الاختيار ما بين العديد من الأحزاب والقوي السياسية والمستقلين‏.‏ ولكن هناك ما هو أخطر من هذا وذاك‏,‏ عندما يقررون المسار المصري خلال الأعوام الخمسة المقبلة‏;‏ وهل يكون هذا المسار جزءا من مسيرة التطور المصرية أم أنه سوف يكون خروجا عليها وخلقا لمسار جديد يقوم علي الفوضي والثورة والفورة والعنف‏,‏ كما تتمني مجموعات في الداخل والخارج يريدون لمصر أو تأخذ واحدا من المسارات الشرق أوسطية مثل أفغانستان والعراق‏,‏ أو الشرق أوروبية التي لا تختلف كثيرا كما هي الحال في جورجيا حيث ترتكب باسم الديمقراطية العديد من الجرائم‏.‏
والحقيقة هي أن المصريين قاموا بسلسلة من عمليات التصويت خلال الأشهر القليلة الماضية‏,‏ ليس حول أشخاص أو أحزاب بالطبع فذلك هو موضوع الانتخابات التي تبدأ غدا‏,‏ وإنما حول مجموعة من الأفكار المبدئية التي تشكل البيئة التي تجري فيها الانتخابات‏.‏
وكان أولها الاختيار ما بين المشاركة في الانتخابات العامة ضمن الإطار الدستوري والقانوني ومن ثم الشرعي القائم‏;‏ أو مقاطعته أحزابا وأفرادا ومن ثم التشكيك في شرعيته كما دعا عدد من الأفراد والجماعات الواقعة علي الهامش السياسي‏.‏ وما جري أن التصويت‏,‏ صراحة كما جري في حزب الوفد‏,‏ أو ضمنا كما حدث في أحزاب وحركات أخري‏,‏ سار في اتجاه المشاركة ليس من خلال نظام سياسي جديد‏,‏ أو دستور آخر‏,‏ أو حكومة أخري‏,‏ وإنما من خلال النظام والدستور والحكومة القائمة الآن في مصر‏.‏ وكان هذا التصويت غالبا وكاسحا إلي الدرجة التي جعلت عدد المرشحين المتقدمين إلي الانتخابات العامة نحو خمسة آلاف‏,‏ أي بما يزيد علي عشرة مرشحين لكل مقعد من المقاعد في مجلس الشعب الجديد‏,‏ وبدرجة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات المصرية‏,‏ وربما لا يماثلها أو يقترب منها إلا انتخابات عام‏2005.‏
وكان ثانيها التصويت علي نوعية الرقابة علي نزاهة الانتخابات‏,‏ وهل يتم ذلك من خلال منظمات وأدوات أجنبية أو من خلال منظمات وأدوات محلية‏.‏ ورغم أن صوتي كان دائما للخيار الأول‏,‏ إلا أن ما حدث هو أن الأغلبية الساحقة من الأحزاب والجماعات السياسية والمستقلين وجمعيات المجتمع المدني والشعب المصري كان لها رأي آخر وهو أنه لا يوجد شكل نظيف للرقابة الخارجية وإنما هي دوما بداية للتدخل ومحاولات السيطرة والهيمنة علي الدولة التي تقع عليها المراقبة‏.‏
المسألة هنا ليست عما إذا كان هناك طرف علي حق بينما كان الطرف الآخر علي باطل‏,‏ وإنما هي أن الاختيار وقع علي المراقبة واعتماد وسائل النزاهة الداخلية المتاحة وليس وضع السياسة في مصر في يد جماعات أجنبية‏.‏ الاختيار هنا مثله مثل كثير من الاختيارات السياسية يتأثر كثيرا بالثقافة السياسية السائدة‏,‏ والتاريخ وتجاربه‏,‏ وما يسمع عنه ويشاهده المواطن من تجارب في الجوار القريب‏.‏ وربما لن يختلف أحد علي أن الشعب المصري لديه ثقافة سياسية متشككة في الأجانب‏,‏ وعندما يكون شعب ما محتلا من أجانب لأكثر من ثلاثة آلاف عام فإن شكه في الآخرين يكون مفهوما‏,‏ وبالتأكيد فإن تجارب الديمقراطية القريبة في أفغانستان والعراق لم يكن فيها الكثير الذي يسر المصريين أو يدفعهم إلي التقليد‏.‏
تصويت ثالث كان منطقيا أن يتلو الاختيارين السابقين‏,‏ حيث إن ما هو مطروح في جوهره لايقل أبدا عن تحديد مسار المستقبل المصري كله‏,‏ وهل يجري تشكيله من خلال عملية جراحية أم يتم ذلك من خلال عملية تطورية تراكمية يكون فيها مجلس الشعب القادم خطوة إلي الأمام كما كان الأخير أكثر فاعلية من سابقه؟ فليس سرا علي أحد أن هناك الكثير في مصر سواء كان في النظام السياسي أو الاقتصادي أو القانوني والتشريعي ما يمثل اختلالات تحتاج برامج إصلاحية كثيرة‏.‏
هذه البرامج تتطلب التوافق والاختيار ما بين اختيارات أحلاها مر كما يقال‏;‏ وهي عملية لا تحتاج وقتا فقط‏,‏ ولكن قبولا اجتماعيا وسياسيا‏.‏ المثل علي ذلك‏,‏ وربما نعود إلي تفاصيله في القريب العاجل‏,‏ أن هناك الكثير من الشكوي لدي جماعات مصرية من أمور متعددة تتعلق بالتعليم والصحة ومستويات الدخل والغلاء إلي الدرجة التي تجعلهم يجأرون بالسخط علي ما هو قائم والإعلان عن رفضهم للأوضاع القائمة‏.‏ وساعتها فإن اتجاها آخر في المجتمع لدي جماعات أخري يطرح فورا كثيرا من الأرقام والمؤشرات التي تدل علي تحسن أحوال المصريين في هذه الأمور ذاتها عما كانت عليه خلال العقود الماضية‏.‏
وعندما يحدث ذلك فإن الجماعة الأولي لا ترفض ما جاء إليها وإنما تطرح فورا‏,‏ ولكن أين نحن من دول أخري كانت معنا علي ذات الطريق‏,‏ بل إنها كانت متخلفة عنا‏,‏ مثل ماليزيا وتركيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها؟ هنا تصبح القضية مختلفة تماما عما كانت‏,‏ فالسؤال المنطقي هنا‏,‏ وهل نحن كمصريين علي استعداد لاتباع ذات السياسات التي اتبعتها هذه الدول حتي نصل إلي ما وصلت إليه؟ المسألة هنا ليست سهلة‏,‏ لأنها تتطلب سياسات مختلفة للتعامل مع الدعم‏,‏ والاستثمار‏,‏ وإدارة الثروة‏,‏ والتعامل مع الفقر والفقراء‏,‏ ومدي المركزية وحدود اللامركزية‏,‏ ونطاق ومجال الدور الإقليمي‏,‏ وهكذا أسئلة صعبة لا يمكن الإجابة عليها دون نقاش وحوار مجتمعي‏,‏ والأهم التوصل إلي أغلبية علي استعداد للقبول بما قبلت به الدول الأخري من ثمن لتقدمها‏.‏ فهل يوجد مكان آخر غير مجلس الشعب تتداول فيه الأمة في أفضل وأخطر القرارات التي عليها اتخاذها في هدوء وروية وحنكة وفطنة؟
التصويت إذن لم يكن في صالح العمليات الجراحية التي أرادت جماعات هامشية منا القيام بها‏,‏ وإنما الاستمرار في عمليات التراكم التي عرفها الشعب المصري‏,‏ والدولة المصرية‏,‏ طوال القرنين الماضيين حتي خرجنا من الأسر العثماني‏,‏ والاحتلال الإنجليزي‏,‏ والآخر الإسرائيلي‏.‏ وبالتوازي مع كل ذلك‏,‏ وبعد التحرر منه‏,‏ بدأت عملية بناء البلاد وتحديثها خطوة بعد أخري‏.‏ وربما لن يتأكد ذلك كله إلا من خلال العملية الانتخابية التي تبدأ أولي خطواتها غدا وعلي مدي الأيام القليلة المقبلة ما بين جولة الانتخابات الأولي‏,‏ وجولة الإعادة وإعلان نتائجها وتشكيل مجلس الشعب المقبل‏.‏
وبصراحة كاملة فإن هذه العملية‏,‏ رغم عمليات التصويت التي جرت بشأنها صراحة أو ضمنا‏,‏ فإنها تتعرض لأخطار بالغة بعضها يعود إلي ظواهر تاريخية ألفناها مع كل انتخابات منذ بدأت الانتخابات النيابية عام‏1924,‏ ففي كل مرة تقريبا كانت هناك درجات مختلفة من العنف‏,‏ تعود في جانب منها إلي العصبيات العائلية والقبلية‏,‏ وفي جانب آخر إلي سخونة الحماس الانتخابي خاصة مع ارتفاع درجة التنافسية كما أسلفنا‏,‏ خاصة لو أضيف لها فقر التقاليد الليبرالية الصحيحة‏.‏
وخلال الانتخابات الراهنة فإن نوبات العنف التاريخية هذه بدأت مبكرا منذ شهر سبتمبر ثم أخذت في التصاعد في نجع حمادي والمنيا والمنصورة والإسكندرية والمطرية وجامعات القاهرة وعين شمس وفروع لجامعة الأزهر‏,‏ وفي يوم واحد‏(23‏ نوفمبر‏)‏ جرت حوادث عنف في سبع محافظات‏.‏ ولاشك أن أحداث العنف التي جرت يوم الأربعاء الماضي من جانب جماعة من المصريين المسيحيين في محافظة الجيزة ومنطقة العمرانية لم تجانبه الحكمة فقط رغم أنه لا علاقة مباشرة له بالانتخابات‏,‏ إلا أنه ألقي بظلال ثقيلة عليها بعد أن وجدت فيها جماعات شتي شعرت بهزيمتها في عمليات التصويت السابق الإشارة إليها فرصة لصب زيت الفتنة الطائفية علي نار التنافس السياسي‏.‏
والمسألة ببساطة هي أن جماعات الهامش السياسي لم تقبل قط بالنتيجة التي وصل إليها الشعب المصري وقواه السياسية الحية ومن ثم‏,‏ وبتشجيع من قوي أجنبية كثيرة‏,‏ وجدت في أحزاب وجماعات لا تتعدي عضويتها بضع مئات أو آلاف علي أكثر تقدير التعبير الحقيقي عن الشعب المصري فرصة لصب الزيت علي النار ومحاولة إفساد قدرة الإرادة الشعبية علي التعبير عن موقفها أمام صناديق الانتخابات‏.‏
ولكن ما هو أخطر من كل ذلك جاء من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة تنظيما‏,‏ والمشروعة أفردا كما هي حال كل المصريين‏.‏ هذا التناقض استغلته الجماعة حيث تقدم أفراد منها للترشيح باعتبارهم مستقلين لا يمثلون جماعة سياسية بعينها‏,‏ ولكنهم من الناحية العملية تصرفوا وتحركوا وأنفقوا من خلال تنظيم الجماعة المحكم والجيد التمويل والموارد‏.‏ مثل هذه الحالة ولدت وضعا قانونيا معقدا قوامه أن تطبيق القانون يتطلب وقف كل التحركات التنظيمية للإخوان واتخاذ الإجراءات التي فرضها القانون في هذا الصدد‏;‏ وفي نفس الوقت إعطاء الإخوان كأفراد الحق في ممارسة حرياتهم السياسية كأفراد‏.‏
مثل ذلك لم يفت في عضد الإخوان‏,‏ ويدعهم إلي الصدق مع مرشحيهم بالعمل كمستقلين بالفعل بعد أن ترددوا كثيرا في تشكيل حزب سياسي‏,‏ وإنما دعاهم إلي اتباع خطة جهنمية لتخريب العملية الانتخابية كلها‏.‏ فمن ناحية بدأ الإخوان‏,‏ وبعد القبول بدخول الانتخابات بدلا من المقاطعة‏,‏ إذا بهم يشنون حملة شعواء علي نزاهة العملية الانتخابية‏,‏ وذلك من خلال إصدار بيانات عديدة‏,‏ بصفة يومية‏,‏ تشير في مضمونها العام إلي اتهام الحكومة المصرية بالتزوير المبكر للانتخابات البرلمانية حتي قبل أن تبدأ‏.‏ ومع التشكيك في نزاهة الحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ بدأت الجماعة في عملية شن حملة دعائية للتعبئة والحشد لا تري في المسألة كلها نوعا من التنافس السياسي الشريف‏,‏ وإنما غزوة ومعركة وجهاد مما يخرج الانتخابات كلها من مجالها السياسي إلي مجال ديني يتسم بالعنف ونفي الآخر‏.‏
والطريف في الأمر أنه في الوقت الذي كانت فيه الجماعة تستخدم كل التسهيلات القانونية المقدمة لمرشحيها كأفراد فإنها كانت علي استعداد دوما كتنظيم لتدبير عمليات صدام مستمر مع الأجهزة الأمنية عندما تبدأ في تطبيق القانون خاصة عندما تستخدم الجماعة أساليب تنظيمية للحركة والتنسيق مستخدمة شعارات الإسلام هو الحل يحرمها ويرفضها صراحة القانون باعتبارها تحث علي قيام دولة دينية تقف فيها الفتوي مكان التشريع‏.‏ وبينما وقف الإخوان عامة ضد فكرة الإشراف الدولي علي الانتخابات ممالئة في ذلك جانب الأغلبية المصرية‏,‏ فإنها سرعان ما وافقت علي الرقابة الدولية من جانب الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي‏,‏ وباختصار تدويل الانتخابات المصرية‏.‏ وحتي تستدر عطف هؤلاء‏,‏ والمنظمات الدولية الأخري‏,‏ وضعت خطة لاستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية‏,‏ وحشدهم في المسيرات التي تستخدم فيها الشعارات الدينية من أجل الدخول في صدام دموي كلما أمكن لحظة تطبيق القانون
ولكن الإخوان لم يكتفوا باستغلال التناقض الوارد في موقفهم القانوني بين التنظيم والأفراد المستقلين‏,‏ وإنما قاموا مباشرة باستخدام العنف باعتبارهم يقومون بعمليات جهادية وليست انتخابية‏.‏ فقد اقتحمت عناصر من جماعة الإخوان المسلمين جامعة الإسكندرية في‏13‏ نوفمبر الماضي‏,‏ وحطمت بعض منشآتها وأثاثها‏,‏ وقامت بأعمال دعائية لمرشحيها داخل أسوار الجامعة‏,‏ وهو ما أثار حفيظة القوي السياسية الشرعية الممثلة في الأحزاب السياسية حيث اعتبرت تلك الممارسات مخالفة جسيمة في حق المجتمع والجامعة‏,‏ وتمثل تحديا علنيا وصريحا لقرارات اللجنة العليا للانتخابات‏.‏
وبالإضافة إلي العنف لجأت الجماعة إلي الأخذ بأسباب الاحتكاك القانوني ففي‏11‏ نوفمبر الجاري‏,‏ أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بعدم قبول الدعوي المقامة من اثنين من مرشحي جماعة الإخوان‏(‏ ناصر الحافي ورفعت زيدان‏)‏ والتي يطالبان فيها اللجنة العليا للانتخابات بالسماح لكل مرشح بتوكيل ما لا يقل عن‏50‏ شخصا لحضور عملية الفرز ومراقبة صناديق الفرز‏.‏ وقد استندت المحكمة في أسباب حكمها إلي أن المشرع كفل لكل شخص أن يوكل عنه أحد الناخبين في ذات الدائرة الانتخابية ممثلا عنه أمام كل لجنة‏,‏ الأمر الذي يصبح معه طلب المدعيين بالسماح بهذا العدد المبالغ فيه من الوكلاء غير قائم علي سند قانوني صحيح‏.‏
والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي حرصت فيه الجماعة علي أن تصور نفسها بأنها الجانب الضحية في المعركة الانتخابية الذي يواجه كل أشكال وأساليب التمييز‏;‏ فإنها في ذات الوقت كانت حريصة علي الدعاية لنفسها باعتبارها قادرة علي اكتساح الانتخابات والفوز فيها‏.‏ والواقع أن ذلك جزء من مخطط عام وضعته الجماعة لاستخدام المال السياسي علي نطاق واسع للتأثير علي اتجاهات المواطنين في عملية التصويت‏.‏ ولذلك‏,‏ لم يسمع صوتا للإخوان فيما يتعلق بالدعوات التي تطالب بتحديد دقيق للإنفاق علي العملية الانتخابية‏,‏ وكيف يمكن ذلك بينما نمط الإنفاق الواسع لا يمكن أن يتوافر في جماعة مطاردة أعيتها الحكومة وحزبها عن ممارسة العمل السياسي‏.‏
خلاصة الأمر أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة تحاول إفساد العملية الانتخابية كلها باستغلال الدين أولا لجذب تعاطف الجماهير والتلاعب بمشاعرها الدينية‏,‏ واستغلال القانون ثانيا من خلال التناقض ما بين حالة الجماعة كتنظيم وحالتها كأفراد مستقلين‏,‏ وثالثا خلق حالة من التشهير بالدولة المصرية في العالم الخارجي من خلال هندسة المواجهة مع قوة القانون المصرية بحيث تجتذب التعاطف من القوي الليبرالية والمحافظة الأمريكية والغربية كما حدث في التجربة الإيرانية من قبل‏.‏ ورابعا استخدام ظروف العنف المختلفة‏,‏ وسخونة التنافس الانتخابي للوصول إلي أهدافها في تغيير طبيعة الدولة المصرية‏.‏
كل ذلك يجعل الانتخابات التي سوف تجري غدا أخطر الانتخابات المصرية لأنها سوف تتطلب حكمة المصريين التاريخية‏,‏ وقدرتهم علي الدفاع عن اختياراتهم التي اختاروها من قبل‏.‏ ولا يوجد بديل لمواجهة عمليات إفساد الانتخابات‏,‏ وضرب نزاهتها‏,‏ قدر المشاركة الشعبية الكثيفة التي تتصدي للعنف‏,‏ وتقف أمام استخدام الدين كمبرر للعنف والإرهاب‏.‏
ولا يوجد بديل أيضا لوقوف كل القوي المدنية صفا واحدا ضد محاولات تحويل مصر إلي إيران وأفغانستان أخري بالعنف أو من خلال صناديق الانتخابات علي الطريقة النازية التي أوصلت هتلر إلي السلطة من قبل‏.‏
ولا يوجد بديل ثالثا إلا بتطبيق القانون نصا وروحا بحيث تخرج الانتخابات إلي بر الأمان وفي إطار من إتاحة الفرصة لكل الأطراف السياسية في مصر بكل أطيافها من المشاركة في عملية بناء المستقبل المصري واللحاق بالدول التي نريد اللحاق بها في المكانة والثروة والتقدم‏.‏
ولا يوجد بديل رابعا عن الاعتقاد بأن الروح المصرية الأصيلة ترفض العنف والإرهاب وتجعل من الحفاظ علي مصر واستقرارها مهمة مقدسة لا تعلو عليها مهمة أخري‏.‏ ومن يري مخالفة ذلك فما عليه إلا أن ينظر حولنا‏,‏ وساعتها سوف يعرف قيمة الانتخابات المقبلة وكيف أنها سبيل مصر إلي مستقبل آمن وليس طريقها إلي الفوضي والصدام‏.‏
[email protected]'

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.