بكام الشعير والأبيض؟.. أسعار الأرز اليوم الإثنين 5 مايو 2025 في أسواق الشرقية    انفجار الوضع في السويداء مجددا.. اشتباكات وقصف بالهاون    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ المشروع السكني "ديارنا" المطروح للحجز حاليا بمدينة بني سويف الجديدة    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 5-5-2025 مع بداية التعاملات    ترامب: سنفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على الأفلام المنتجة في الخارج    القنوات الناقلة لمباراة الزمالك والبنك الأهلي مباشر في الدوري    هل يشارك زيزو مع الزمالك في مواجهة البنك الأهلي الليلة؟    أوهمها بحبه وحملت منه فطعنها 7 طنعات.. كشف غموض مقتل فتاة في الفيوم    العظمى في القاهرة 28 درجة.. «الأرصاد» تكشف حالة الطقس اليوم الاثنين 5 مايو 2025    لاعب الأهلى حسام عاشور يتهم مدرسا بضرب ابنه فى الهرم    عدد حلقات مسلسل أمي، تعرف على التفاصيل    قصور الثقافة تواصل عروض المهرجان الختامي لنوادي المسرح 32    الأمم المتحدة ترفض خطة إسرائيلية بشأن المساعدات إلى غزة    «المصرى اليوم» تحاور المكرمين باحتفالية «عيد العمال»: نصيحتنا للشباب «السعى يجلب النجاح»    «يا خلي القلب» و«أيظن».. الأوبرا تحيي ذكرى رحيل عبد الوهاب على المسرح الكبير    الدولار ب50.68 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الاثنين 5-5-2025    هل عملية إسرائيل الموسعة في غزة مرهونة بجولة ترامب في الشرق الأوسط؟    15 شهيدا و10 مصابين إثر استهداف إسرائيلى لثلاث شقق سكنية غربى مدينة غزة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 5 مايو    رويترز: ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومى    أشرف نصار ل ستاد المحور: توقيع محمد فتحي للزمالك؟ إذا أراد الرحيل سنوافق    لا أستبعد الخيار العسكري.. ماذا قال ترامب عن ضم جزيرة جرينلاند؟    زوج شام الذهبي يتحدث عن علاقته بأصالة: «هي أمي التانية.. وبحبها من وأنا طفل»    عمرو دياب يُحيى حفلا ضخما فى دبى وسط الآلاف من الجمهور    زي الجاهز للتوفير في الميزانية، طريقة عمل صوص الشوكولاتة    تفاصيل اتفاق ممثل زيزو مع حسين لبيب بشأن العودة إلى الزمالك    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    ادعى الشك في سلوكها.. حبس المتهم بقتل شقيقته في أوسيم    وكيل صحة شمال سيناء يستقبل وفد الهيئة العامة للاعتماد تمهيدًا للتأمين الصحي الشامل    ردا على نتنياهو، الحوثيون: إخطار منظمة الطيران واتحاد النقل الجوي بقرار الحظر الجوي على إسرائيل    رئيس محلية النواب يستنكر فكرة تعويض المستأجرين بمساكن بديلة    مبادرة «أطفالنا خط أحمر» تناشد «القومي للطفولة والأمومة» بالتنسيق والتعاون لإنقاذ الأطفال من هتك أعراضهم    المعارضة الإسرائيلية: جماعات تشجع اليهود المتدينين على التهرب من الخدمة العسكرية    لهذا السبب..ايداع الطفلة "شهد " في دار رعاية بالدقهلية    بعد تعرضه لوعكة مفاجئة.. تطورات الحالة الصحية للفنان صبري عبدالمنعم    التحريات تكشف ملابسات وفاة شاب إثر سقوطه من الطابق الرابع    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    مصرع شخص وإصابة 7 في مشاجرة طاحنة بقرية نزلة حسين بالمنيا    صراع ثنائي بين ليفاندوفسكي ومبابي.. جدول ترتيب هدافي الدوري الإسباني    أول تعليق رسمي من جامعة الزقازيق بشأن وفاة الطالبة روان ناصر    انتهاء الورشة التدريبية لمدربى كرة القدم فى الشرقية برعاية وزارة الرياضة    محمود ناجى حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلى فى الدورى    مجلس الشيوخ يناقش اقتراح برغبة بشأن تفعيل قانون المسنين    أمين الفتوى يوضح حكم الميت الذي كان يتعمد منع الزكاة وهل يجب على الورثة إخراجها    قداسة البابا يلتقي مفتي صربيا ويؤكد على الوحدة الوطنية وعلاقات المحبة بين الأديان    جودي.. اسم مؤقت لطفلة تبحث عن أسرتها في العاشر من رمضان    «مكافحة نواقل الأمراض»: عضة الفأر زي الكلب تحتاج إلى مصل السعار (فيديو)    قصر العيني: تنفيذ 52 ألف عملية جراحية ضمن مبادرة القضاء على قوائم الانتظار    ما هي محظورات الحج للنساء؟.. أمينة الفتوى تجيب    هل يجوز التعاقد على شراء كميات محددة من الأرز والذرة قبل الحصاد؟.. الأزهر للفتوى يجيب    برج الميزان.. حظك اليوم الإثنين 5 مايو: قراراتك هي نجاحك    فرع محو الأمية بالإسماعيلية يفتتح دورة لغة الإشارة بالتنسيق مع جامعة القناة    «في عيدهم».. نائب رئيس سموحة يُكرّم 100 عامل: «العمود الفقري وشركاء التنمية» (صور)    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    مساعد وزير الصحة ووكيل صحة سوهاج يتفقدان مستشفى ساقلته    مجلس جامعة الأزهر يوجّه توصيات مهمة بشأن الامتحانات    البابا تواضروس الثاني يلتقي أبناء الكنيسة القبطية في صربيا    جامعة القاهرة تصدر تقريرها الرابع للاستدامة حول جهودها في المجال الأكاديمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
أخطر الانتخابات المصرية
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 11 - 2010

غدا سوف يذهب المصريون إلي صناديق الاقتراع لانتخاب أعضاء مجلس الشعب للدورة التشريعية المقبلة‏.‏ وعندما يفعلون ذلك فإنهم يصوتون علي أمور كثيرة يأتي في مقدمتها الاختيار بين عدد من المرشحين‏. ثم الاختيار ما بين العديد من الأحزاب والقوي السياسية والمستقلين‏.‏ ولكن هناك ما هو أخطر من هذا وذاك‏,‏ عندما يقررون المسار المصري خلال الأعوام الخمسة المقبلة‏;‏ وهل يكون هذا المسار جزءا من مسيرة التطور المصرية أم أنه سوف يكون خروجا عليها وخلقا لمسار جديد يقوم علي الفوضي والثورة والفورة والعنف‏,‏ كما تتمني مجموعات في الداخل والخارج يريدون لمصر أو تأخذ واحدا من المسارات الشرق أوسطية مثل أفغانستان والعراق‏,‏ أو الشرق أوروبية التي لا تختلف كثيرا كما هي الحال في جورجيا حيث ترتكب باسم الديمقراطية العديد من الجرائم‏.‏
والحقيقة هي أن المصريين قاموا بسلسلة من عمليات التصويت خلال الأشهر القليلة الماضية‏,‏ ليس حول أشخاص أو أحزاب بالطبع فذلك هو موضوع الانتخابات التي تبدأ غدا‏,‏ وإنما حول مجموعة من الأفكار المبدئية التي تشكل البيئة التي تجري فيها الانتخابات‏.‏
وكان أولها الاختيار ما بين المشاركة في الانتخابات العامة ضمن الإطار الدستوري والقانوني ومن ثم الشرعي القائم‏;‏ أو مقاطعته أحزابا وأفرادا ومن ثم التشكيك في شرعيته كما دعا عدد من الأفراد والجماعات الواقعة علي الهامش السياسي‏.‏ وما جري أن التصويت‏,‏ صراحة كما جري في حزب الوفد‏,‏ أو ضمنا كما حدث في أحزاب وحركات أخري‏,‏ سار في اتجاه المشاركة ليس من خلال نظام سياسي جديد‏,‏ أو دستور آخر‏,‏ أو حكومة أخري‏,‏ وإنما من خلال النظام والدستور والحكومة القائمة الآن في مصر‏.‏ وكان هذا التصويت غالبا وكاسحا إلي الدرجة التي جعلت عدد المرشحين المتقدمين إلي الانتخابات العامة نحو خمسة آلاف‏,‏ أي بما يزيد علي عشرة مرشحين لكل مقعد من المقاعد في مجلس الشعب الجديد‏,‏ وبدرجة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات المصرية‏,‏ وربما لا يماثلها أو يقترب منها إلا انتخابات عام‏2005.‏
وكان ثانيها التصويت علي نوعية الرقابة علي نزاهة الانتخابات‏,‏ وهل يتم ذلك من خلال منظمات وأدوات أجنبية أو من خلال منظمات وأدوات محلية‏.‏ ورغم أن صوتي كان دائما للخيار الأول‏,‏ إلا أن ما حدث هو أن الأغلبية الساحقة من الأحزاب والجماعات السياسية والمستقلين وجمعيات المجتمع المدني والشعب المصري كان لها رأي آخر وهو أنه لا يوجد شكل نظيف للرقابة الخارجية وإنما هي دوما بداية للتدخل ومحاولات السيطرة والهيمنة علي الدولة التي تقع عليها المراقبة‏.‏
المسألة هنا ليست عما إذا كان هناك طرف علي حق بينما كان الطرف الآخر علي باطل‏,‏ وإنما هي أن الاختيار وقع علي المراقبة واعتماد وسائل النزاهة الداخلية المتاحة وليس وضع السياسة في مصر في يد جماعات أجنبية‏.‏ الاختيار هنا مثله مثل كثير من الاختيارات السياسية يتأثر كثيرا بالثقافة السياسية السائدة‏,‏ والتاريخ وتجاربه‏,‏ وما يسمع عنه ويشاهده المواطن من تجارب في الجوار القريب‏.‏ وربما لن يختلف أحد علي أن الشعب المصري لديه ثقافة سياسية متشككة في الأجانب‏,‏ وعندما يكون شعب ما محتلا من أجانب لأكثر من ثلاثة آلاف عام فإن شكه في الآخرين يكون مفهوما‏,‏ وبالتأكيد فإن تجارب الديمقراطية القريبة في أفغانستان والعراق لم يكن فيها الكثير الذي يسر المصريين أو يدفعهم إلي التقليد‏.‏
تصويت ثالث كان منطقيا أن يتلو الاختيارين السابقين‏,‏ حيث إن ما هو مطروح في جوهره لايقل أبدا عن تحديد مسار المستقبل المصري كله‏,‏ وهل يجري تشكيله من خلال عملية جراحية أم يتم ذلك من خلال عملية تطورية تراكمية يكون فيها مجلس الشعب القادم خطوة إلي الأمام كما كان الأخير أكثر فاعلية من سابقه؟ فليس سرا علي أحد أن هناك الكثير في مصر سواء كان في النظام السياسي أو الاقتصادي أو القانوني والتشريعي ما يمثل اختلالات تحتاج برامج إصلاحية كثيرة‏.‏
هذه البرامج تتطلب التوافق والاختيار ما بين اختيارات أحلاها مر كما يقال‏;‏ وهي عملية لا تحتاج وقتا فقط‏,‏ ولكن قبولا اجتماعيا وسياسيا‏.‏ المثل علي ذلك‏,‏ وربما نعود إلي تفاصيله في القريب العاجل‏,‏ أن هناك الكثير من الشكوي لدي جماعات مصرية من أمور متعددة تتعلق بالتعليم والصحة ومستويات الدخل والغلاء إلي الدرجة التي تجعلهم يجأرون بالسخط علي ما هو قائم والإعلان عن رفضهم للأوضاع القائمة‏.‏ وساعتها فإن اتجاها آخر في المجتمع لدي جماعات أخري يطرح فورا كثيرا من الأرقام والمؤشرات التي تدل علي تحسن أحوال المصريين في هذه الأمور ذاتها عما كانت عليه خلال العقود الماضية‏.‏
وعندما يحدث ذلك فإن الجماعة الأولي لا ترفض ما جاء إليها وإنما تطرح فورا‏,‏ ولكن أين نحن من دول أخري كانت معنا علي ذات الطريق‏,‏ بل إنها كانت متخلفة عنا‏,‏ مثل ماليزيا وتركيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها؟ هنا تصبح القضية مختلفة تماما عما كانت‏,‏ فالسؤال المنطقي هنا‏,‏ وهل نحن كمصريين علي استعداد لاتباع ذات السياسات التي اتبعتها هذه الدول حتي نصل إلي ما وصلت إليه؟ المسألة هنا ليست سهلة‏,‏ لأنها تتطلب سياسات مختلفة للتعامل مع الدعم‏,‏ والاستثمار‏,‏ وإدارة الثروة‏,‏ والتعامل مع الفقر والفقراء‏,‏ ومدي المركزية وحدود اللامركزية‏,‏ ونطاق ومجال الدور الإقليمي‏,‏ وهكذا أسئلة صعبة لا يمكن الإجابة عليها دون نقاش وحوار مجتمعي‏,‏ والأهم التوصل إلي أغلبية علي استعداد للقبول بما قبلت به الدول الأخري من ثمن لتقدمها‏.‏ فهل يوجد مكان آخر غير مجلس الشعب تتداول فيه الأمة في أفضل وأخطر القرارات التي عليها اتخاذها في هدوء وروية وحنكة وفطنة؟
التصويت إذن لم يكن في صالح العمليات الجراحية التي أرادت جماعات هامشية منا القيام بها‏,‏ وإنما الاستمرار في عمليات التراكم التي عرفها الشعب المصري‏,‏ والدولة المصرية‏,‏ طوال القرنين الماضيين حتي خرجنا من الأسر العثماني‏,‏ والاحتلال الإنجليزي‏,‏ والآخر الإسرائيلي‏.‏ وبالتوازي مع كل ذلك‏,‏ وبعد التحرر منه‏,‏ بدأت عملية بناء البلاد وتحديثها خطوة بعد أخري‏.‏ وربما لن يتأكد ذلك كله إلا من خلال العملية الانتخابية التي تبدأ أولي خطواتها غدا وعلي مدي الأيام القليلة المقبلة ما بين جولة الانتخابات الأولي‏,‏ وجولة الإعادة وإعلان نتائجها وتشكيل مجلس الشعب المقبل‏.‏
وبصراحة كاملة فإن هذه العملية‏,‏ رغم عمليات التصويت التي جرت بشأنها صراحة أو ضمنا‏,‏ فإنها تتعرض لأخطار بالغة بعضها يعود إلي ظواهر تاريخية ألفناها مع كل انتخابات منذ بدأت الانتخابات النيابية عام‏1924,‏ ففي كل مرة تقريبا كانت هناك درجات مختلفة من العنف‏,‏ تعود في جانب منها إلي العصبيات العائلية والقبلية‏,‏ وفي جانب آخر إلي سخونة الحماس الانتخابي خاصة مع ارتفاع درجة التنافسية كما أسلفنا‏,‏ خاصة لو أضيف لها فقر التقاليد الليبرالية الصحيحة‏.‏
وخلال الانتخابات الراهنة فإن نوبات العنف التاريخية هذه بدأت مبكرا منذ شهر سبتمبر ثم أخذت في التصاعد في نجع حمادي والمنيا والمنصورة والإسكندرية والمطرية وجامعات القاهرة وعين شمس وفروع لجامعة الأزهر‏,‏ وفي يوم واحد‏(23‏ نوفمبر‏)‏ جرت حوادث عنف في سبع محافظات‏.‏ ولاشك أن أحداث العنف التي جرت يوم الأربعاء الماضي من جانب جماعة من المصريين المسيحيين في محافظة الجيزة ومنطقة العمرانية لم تجانبه الحكمة فقط رغم أنه لا علاقة مباشرة له بالانتخابات‏,‏ إلا أنه ألقي بظلال ثقيلة عليها بعد أن وجدت فيها جماعات شتي شعرت بهزيمتها في عمليات التصويت السابق الإشارة إليها فرصة لصب زيت الفتنة الطائفية علي نار التنافس السياسي‏.‏
والمسألة ببساطة هي أن جماعات الهامش السياسي لم تقبل قط بالنتيجة التي وصل إليها الشعب المصري وقواه السياسية الحية ومن ثم‏,‏ وبتشجيع من قوي أجنبية كثيرة‏,‏ وجدت في أحزاب وجماعات لا تتعدي عضويتها بضع مئات أو آلاف علي أكثر تقدير التعبير الحقيقي عن الشعب المصري فرصة لصب الزيت علي النار ومحاولة إفساد قدرة الإرادة الشعبية علي التعبير عن موقفها أمام صناديق الانتخابات‏.‏
ولكن ما هو أخطر من كل ذلك جاء من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة تنظيما‏,‏ والمشروعة أفردا كما هي حال كل المصريين‏.‏ هذا التناقض استغلته الجماعة حيث تقدم أفراد منها للترشيح باعتبارهم مستقلين لا يمثلون جماعة سياسية بعينها‏,‏ ولكنهم من الناحية العملية تصرفوا وتحركوا وأنفقوا من خلال تنظيم الجماعة المحكم والجيد التمويل والموارد‏.‏ مثل هذه الحالة ولدت وضعا قانونيا معقدا قوامه أن تطبيق القانون يتطلب وقف كل التحركات التنظيمية للإخوان واتخاذ الإجراءات التي فرضها القانون في هذا الصدد‏;‏ وفي نفس الوقت إعطاء الإخوان كأفراد الحق في ممارسة حرياتهم السياسية كأفراد‏.‏
مثل ذلك لم يفت في عضد الإخوان‏,‏ ويدعهم إلي الصدق مع مرشحيهم بالعمل كمستقلين بالفعل بعد أن ترددوا كثيرا في تشكيل حزب سياسي‏,‏ وإنما دعاهم إلي اتباع خطة جهنمية لتخريب العملية الانتخابية كلها‏.‏ فمن ناحية بدأ الإخوان‏,‏ وبعد القبول بدخول الانتخابات بدلا من المقاطعة‏,‏ إذا بهم يشنون حملة شعواء علي نزاهة العملية الانتخابية‏,‏ وذلك من خلال إصدار بيانات عديدة‏,‏ بصفة يومية‏,‏ تشير في مضمونها العام إلي اتهام الحكومة المصرية بالتزوير المبكر للانتخابات البرلمانية حتي قبل أن تبدأ‏.‏ ومع التشكيك في نزاهة الحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ بدأت الجماعة في عملية شن حملة دعائية للتعبئة والحشد لا تري في المسألة كلها نوعا من التنافس السياسي الشريف‏,‏ وإنما غزوة ومعركة وجهاد مما يخرج الانتخابات كلها من مجالها السياسي إلي مجال ديني يتسم بالعنف ونفي الآخر‏.‏
والطريف في الأمر أنه في الوقت الذي كانت فيه الجماعة تستخدم كل التسهيلات القانونية المقدمة لمرشحيها كأفراد فإنها كانت علي استعداد دوما كتنظيم لتدبير عمليات صدام مستمر مع الأجهزة الأمنية عندما تبدأ في تطبيق القانون خاصة عندما تستخدم الجماعة أساليب تنظيمية للحركة والتنسيق مستخدمة شعارات الإسلام هو الحل يحرمها ويرفضها صراحة القانون باعتبارها تحث علي قيام دولة دينية تقف فيها الفتوي مكان التشريع‏.‏ وبينما وقف الإخوان عامة ضد فكرة الإشراف الدولي علي الانتخابات ممالئة في ذلك جانب الأغلبية المصرية‏,‏ فإنها سرعان ما وافقت علي الرقابة الدولية من جانب الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي‏,‏ وباختصار تدويل الانتخابات المصرية‏.‏ وحتي تستدر عطف هؤلاء‏,‏ والمنظمات الدولية الأخري‏,‏ وضعت خطة لاستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية‏,‏ وحشدهم في المسيرات التي تستخدم فيها الشعارات الدينية من أجل الدخول في صدام دموي كلما أمكن لحظة تطبيق القانون
ولكن الإخوان لم يكتفوا باستغلال التناقض الوارد في موقفهم القانوني بين التنظيم والأفراد المستقلين‏,‏ وإنما قاموا مباشرة باستخدام العنف باعتبارهم يقومون بعمليات جهادية وليست انتخابية‏.‏ فقد اقتحمت عناصر من جماعة الإخوان المسلمين جامعة الإسكندرية في‏13‏ نوفمبر الماضي‏,‏ وحطمت بعض منشآتها وأثاثها‏,‏ وقامت بأعمال دعائية لمرشحيها داخل أسوار الجامعة‏,‏ وهو ما أثار حفيظة القوي السياسية الشرعية الممثلة في الأحزاب السياسية حيث اعتبرت تلك الممارسات مخالفة جسيمة في حق المجتمع والجامعة‏,‏ وتمثل تحديا علنيا وصريحا لقرارات اللجنة العليا للانتخابات‏.‏
وبالإضافة إلي العنف لجأت الجماعة إلي الأخذ بأسباب الاحتكاك القانوني ففي‏11‏ نوفمبر الجاري‏,‏ أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بعدم قبول الدعوي المقامة من اثنين من مرشحي جماعة الإخوان‏(‏ ناصر الحافي ورفعت زيدان‏)‏ والتي يطالبان فيها اللجنة العليا للانتخابات بالسماح لكل مرشح بتوكيل ما لا يقل عن‏50‏ شخصا لحضور عملية الفرز ومراقبة صناديق الفرز‏.‏ وقد استندت المحكمة في أسباب حكمها إلي أن المشرع كفل لكل شخص أن يوكل عنه أحد الناخبين في ذات الدائرة الانتخابية ممثلا عنه أمام كل لجنة‏,‏ الأمر الذي يصبح معه طلب المدعيين بالسماح بهذا العدد المبالغ فيه من الوكلاء غير قائم علي سند قانوني صحيح‏.‏
والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي حرصت فيه الجماعة علي أن تصور نفسها بأنها الجانب الضحية في المعركة الانتخابية الذي يواجه كل أشكال وأساليب التمييز‏;‏ فإنها في ذات الوقت كانت حريصة علي الدعاية لنفسها باعتبارها قادرة علي اكتساح الانتخابات والفوز فيها‏.‏ والواقع أن ذلك جزء من مخطط عام وضعته الجماعة لاستخدام المال السياسي علي نطاق واسع للتأثير علي اتجاهات المواطنين في عملية التصويت‏.‏ ولذلك‏,‏ لم يسمع صوتا للإخوان فيما يتعلق بالدعوات التي تطالب بتحديد دقيق للإنفاق علي العملية الانتخابية‏,‏ وكيف يمكن ذلك بينما نمط الإنفاق الواسع لا يمكن أن يتوافر في جماعة مطاردة أعيتها الحكومة وحزبها عن ممارسة العمل السياسي‏.‏
خلاصة الأمر أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة تحاول إفساد العملية الانتخابية كلها باستغلال الدين أولا لجذب تعاطف الجماهير والتلاعب بمشاعرها الدينية‏,‏ واستغلال القانون ثانيا من خلال التناقض ما بين حالة الجماعة كتنظيم وحالتها كأفراد مستقلين‏,‏ وثالثا خلق حالة من التشهير بالدولة المصرية في العالم الخارجي من خلال هندسة المواجهة مع قوة القانون المصرية بحيث تجتذب التعاطف من القوي الليبرالية والمحافظة الأمريكية والغربية كما حدث في التجربة الإيرانية من قبل‏.‏ ورابعا استخدام ظروف العنف المختلفة‏,‏ وسخونة التنافس الانتخابي للوصول إلي أهدافها في تغيير طبيعة الدولة المصرية‏.‏
كل ذلك يجعل الانتخابات التي سوف تجري غدا أخطر الانتخابات المصرية لأنها سوف تتطلب حكمة المصريين التاريخية‏,‏ وقدرتهم علي الدفاع عن اختياراتهم التي اختاروها من قبل‏.‏ ولا يوجد بديل لمواجهة عمليات إفساد الانتخابات‏,‏ وضرب نزاهتها‏,‏ قدر المشاركة الشعبية الكثيفة التي تتصدي للعنف‏,‏ وتقف أمام استخدام الدين كمبرر للعنف والإرهاب‏.‏
ولا يوجد بديل أيضا لوقوف كل القوي المدنية صفا واحدا ضد محاولات تحويل مصر إلي إيران وأفغانستان أخري بالعنف أو من خلال صناديق الانتخابات علي الطريقة النازية التي أوصلت هتلر إلي السلطة من قبل‏.‏
ولا يوجد بديل ثالثا إلا بتطبيق القانون نصا وروحا بحيث تخرج الانتخابات إلي بر الأمان وفي إطار من إتاحة الفرصة لكل الأطراف السياسية في مصر بكل أطيافها من المشاركة في عملية بناء المستقبل المصري واللحاق بالدول التي نريد اللحاق بها في المكانة والثروة والتقدم‏.‏
ولا يوجد بديل رابعا عن الاعتقاد بأن الروح المصرية الأصيلة ترفض العنف والإرهاب وتجعل من الحفاظ علي مصر واستقرارها مهمة مقدسة لا تعلو عليها مهمة أخري‏.‏ ومن يري مخالفة ذلك فما عليه إلا أن ينظر حولنا‏,‏ وساعتها سوف يعرف قيمة الانتخابات المقبلة وكيف أنها سبيل مصر إلي مستقبل آمن وليس طريقها إلي الفوضي والصدام‏.‏
[email protected]'

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.