تعيش إسرائيل منذ انتهاء العمليات العسكرية الواسعة في قطاع غزة في حالة من الارتباك الداخلي، سواء على المستويين السياسي أو الأمني، في ظل تصاعد الانتقادات للقيادة الإسرائيلية وعلى رأسها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فالحرب التي خلّفت تداعيات عميقة على المستويين الداخلي والخارجي، أعادت فتح الجدل بشأن مؤسسات الدولة الأمنية، وتسببت في موجة من الضغوط غير المسبوقة على الحكومة الإسرائيلية. نتنياهو ومحاولة إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية برزت في الآونة الأخيرة خطوات مثيرة للجدل اتخذها نتنياهو داخل المنظومة الأمنية، كان أبرزها تعيين اللواء رومان غوفمان مديرًا جديدًا لجهاز الموساد، رغم افتقاره إلى الخبرة الاستخباراتية المباشرة. هذا التعيين أثار تساؤلات واسعة في الصحف الإسرائيلية، ورأت بعض التحليلات أنه يأتي ضمن محاولة من نتنياهو لتعزيز نفوذه داخل الأجهزة الحساسة، خصوصًا بعد الانتقادات العنيفة التي وُجّهت للحكومة وأجهزتها عقب هجوم السابع من أكتوبر. اللواء رومان غوفمان وتشير تحليلات إسرائيلية وأخرى دولية إلى أن نتنياهو يسعى لإحكام السيطرة على المؤسسات الأمنية بعد أن تضررت مكانتها بشكل بالغ، خاصة مع تزايد الضغوط الداخلية بسبب فشل التنبؤ بالهجوم، وارتفاع حالات الانتحار في صفوف الجنود خلال الأعوام التي تلت اندلاع الحرب. مستقبل استقلالية الأجهزة الأمنية.. ربما يخضع "غوفمان" يمكن العثور على بعض الطمأنينة في أن التعيين السابق للسكرتير العسكري لنتنياهو، رئيس الأركان الفريق إيال زامير، أثبت إخلاصه لمهامه الرسمية ولم يلبي توقعات نتنياهو الشخصية، مما حافظ على حد أدنى من استقلالية المؤسسة العسكرية. من الصعب توقع أن يتصرف اللواء رومان غوفمان بنفس الاستقلالية، ومن المرجح أنه، مثل دافيد زينيه على رأس جهاز "الشاباك"، سيكون خاضعًا لتوجيهات رئيس الحكومة وأهوائه الخاصة. وبحسب جريدة هآرتس الإسرائيلية، يواصل نتنياهو تفكيك الهياكل الديمقراطية في إسرائيل، ليس فقط عبر محاولاته للسيطرة على القضاء، بل أيضًا من خلال إضعاف الأجهزة الأمنية. ويُنظر إلى هذه الخطوات على أنها جزء من مسار طويل نحو تعزيز نفوذه الشخصي والسيطرة على مؤسسات الدولة الحيوية، وهو ما يثير مخاوف من تحوّل نحو حكم استبدادي متزايد. تقارير دولية تشير إلى إمكانية مساءلة القيادة الإسرائيلية وفي سياق متصل، برزت تقارير صحفية عالمية وتقارير صادرة عن منظمات حقوقية دولية، تحدثت عن احتمال خضوع مسؤولين إسرائيليين – ومن بينهم نتنياهو – للتدقيق القانوني الدولي بسبب أحداث غزة. وبالرغم من عدم وجود قرارات قضائية نهائية بهذا الشأن، إلا أن هذه التقارير سلطت الضوء على ازدياد النقاش حول المسؤولية القانونية المتعلقة بسير العمليات العسكرية، خاصة بعد ارتفاع أعداد الضحايا المدنيين. وفي الوقت الذي يؤكد فيه مسؤولون إسرائيليون أن هذه الاتهامات "مسيسة"، تتوسع دائرة النقاش الدولي حول ضرورة التحقيق في انتهاكات الحرب التي وثقتها منظمات مثل الأممالمتحدة وتقارير صحفية غربية. تداعيات داخلية ممتدة يتزامن ذلك مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن ارتفاع معدلات الانتحار بين الجنود، ومع حالات أخرى كشف عنها الإعلام الإسرائيلي لجنود وضباط تأثروا نفسيًا بمشاهد القتال في غزة. وفي الداخل الفلسطيني، تترافق هذه التطورات مع تحذيرات أصدرتها وزارة الداخلية في غزة عقب مقتل أحد قادة المجموعات المسلحة، ومع استمرار التوتر في الضفة الغربية بعد مقتل فلسطيني جديد برصاص الجيش الإسرائيلي.