تخيل أن يصبح جهاز الشرطة هو المسئول عن تشجيع الدعاة والأئمة على العمل في المجتمع، وعقد شراكات معهم لتبني قضايا تهم البلد، وعلى رأسها مكافحة المخدرات!، تصور أن جهاز الشرطة لا يوجد لديه حالة تعذيب واحدة!، وأن القيم التي تحكم عمل رجال الشرطة هي الصدق والأمانة، بالإضافة إلى حسن معاملة الجمهور، والبحث عن كل السبل لإرضائهم!. هذه ليست أحلام للمدينة الفاضلة، بل هي واقع تلمسه فورًا عن زيارتك لمدينة دبي، كما أنها أسلوب عمل وطريقة حياة أثبتت نجاحها في الأيام القليلة الماضية، وذلك من خلال الأحداث التي صاحبت قضية اغتيال "محمود المبحوح"- القيادي في حركة حماس- ثم الكشف السريع والدقيق لمنفذي الجريمة، وهو ما أبهر العالم وقدم صورة نموذجية عن حرفية العمل لدى شرطة دبي. لا بد أن كل عربي يشعر بالفخر والامتنان لشرطة دبي، بعد تلك الضربة القاصمة لجهاز الموساد الإسرائيلي الذي نفذ جريمته معتقدًا أنها ستكون مثل سابقتها؛ مجرد عملية إجرامية تقيد ضد مجهول، والملحوظ أيضًا أن أحدًا من الدول التي ظهرت اسمها في الأحداث لم يتقدم باعتراض، أو تشكيك في الإجراءات أو الأدلة التي قدمتها دبي، لدرجة أن قائد شرطتها -وبمنتهى الثقة- طالب "الإنتربول" بالمساعدة في اعتقال رأس جهاز الموساد "مائير داغان"، وخرجت علينا الصحف الإسرائيلية هذا الأسبوع مطالبة رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو" باتخاذ قرار فوري بإقالته بعدما تسبب في فضح إسرائيل وإحراجها أمام العالم، ووقوعها في أزمة دبلوماسية مع بريطانيا وأيرلندا وفرنسا وألمانيا. وفي هذه اللحظة التي يثبت جهاز شرطة دبي جدارته بحل قضية "المبحوح" ومن قبلها قضية "سوزان تميم"، يصبح لزامًا علينا أن نقترب أكثر من المشهد، لنلقي نظرة سريعة على أسلوب عمل الجهاز وطريقة أدائه التي تستحق منا وقفة، ويبدو للوهلة الأولى أن عمل الشرطة في دبي قد تعدى مفهوم تحقيق الأمن والأمان إلى المشاركة في بناء المجتمع وتنميته، وعند الإطلاع على الخطة الإستراتيجية للشرطة لأربع سنوات قادمة، سنلاحظ أن الرؤية الأساس لعمل الجهاز والمعلنة للجميع: (الأمن ركيزة التنمية، فلنضمن الأمن والسلامة للمجتمع، ونحافظ على نظامه العام بكفاءة واحتراف وتميز عالمي)، والجميل أن هذا الرؤية تم تحويلها من مجرد شعارات عامة، إلى خطة ملموسة ذات أهداف محددة ومعايير انجاز يتم قياسها بشكل دوري، وإعلام المجتمع بما تم تحقيقه من تلك الخطة، فمثلاً وضعت الشرطة أول أهدافها ألا يزيد معدل الجرائم عن (146) جريمة لكل مائة ألف من السكان، وتعهدت أمام الجميع بوصول الدوريات الأمنية إلى الحوادث الطارئة خلال (15) دقيقة، كما تعهدت بتزويد المجني عليه بأحدث المعلومات حول البلاغ في غضون 7 أيام عمل، بالإضافة إلى تقديم الخدمة للمتعاملين في مكاتب الخدمة الشرطية في غضون (15) دقيقة من وقت طلب الخدمة. إذا اضطرتك الظروف إلى دخول أحد مباني الشرطة في دبي، فسوف تحتاج بعض الوقت حتى تستوعب أن هذا المبنى الفخم الذي يعادل بعض الفنادق ذات الخمس نجوم ما هو إلا مركز للشرطة، لا بد أنك ستبدي استغرابك من التعامل الراقي لموظفي الاستقبال وابتسامتهم الدائمة، كما ستستغرب أكثر عندما تعلم أن شرطة دبي هي أول هيئة حكومية تنضم إلى (الحكومة الإلكترونية) بدبي من خلال تطبيقها نظام (إدارة بلا أوراق) منذ العام 1984 ، والملفت أن دور الشرطة أصبح لا يقتصر على محاربة الجريمة وتوفير الأمن فقط، بل أصبحت الشرطة شريكًا في الكثير من مجالات التنمية وخدمة المجتمع، ولعل الجميع يذكر أن شرطة دبي كانت هي الشريك الإستراتيجي للداعية الإسلامي عمرو خالد في حملة (حماية) لمكافحة المخدرات، كما تبنت الشرطة مشروعات مع الجمعيات الأهلية بهدف رعاية التائبين وتقويمهم في المجتمع، وكذلك علاج ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى مشاركتها في توعية وتثقيف الشباب والأطفال من خلال مجلة "خالد" الشهرية، والجميل أن الشرطة الآن بصدد الإعداد لإطلاق قناة فضائية تساهم في غرس القيم الإيجابية، والمساهمة في توفير الشعور بالأمن والأمان. وعند الحديث عن شرطة دبي لا بد أن نتطرق لقائدها: الفريق "ضاحي خلفان" والذي يثبت دائمًا أن التميز في عالم الأمن لا يأت من فراغ، فالرجل الذي يعرف بأنه أصغر قائد شرطة في العالم عندما تولى المهمة عام 1980، أدخل تطورات هائلة على عمل الشرطة وهو ابن ثلاثين عامًا، حيث يرفض تماما أي تجاوزات أو تعذيب ويعتبر أن دبي سوف تبقى في مأمن من الإرهاب ما دامت لا توجد سجون يمارس فيها التعذيب، الملفت أيضًا أن الرجل يشتهر بصراحته وجرأته، حيث أعلن في أكثر من مناسبة معارضته للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، مميزًا بين هذه السياسة والشعب الأمريكي الذي يصفه ب"الطيب"، كما يشتهر بأنه صاحب حضور كبير في حياة الناس، ويهتم كثيرًا بالقضايا التي تشغل المجتمع، ولذلك فقد قام بشكل شخصي بإنشاء مدرسة "خلفان" لتحفيظ القرآن الكريم، وكذلك إنشاء دور لرعاية الأيتام، كما هاجم القنوات الفضائية الهابطة التي تقدم التعري والبذاءة للمشاهدين، مشددًا على أنه سيحارب لمنع هذه الفضائيات من دبي. لقد قدمت دبي النموذج لكل الدول العربية من خلال الدور الذي يمكن أن تساهم به الشرطة في خدمة مجتمعاتها، صحيح أنه يمكن أن توجد بعض الأخطاء هنا أو هناك، ولكن من دون شك فالقافلة تسير في الطريق الصحيح، لتقضي على الحجج التي تنادي باستخدام الطوارئ دائمًا وتغليب سياسة العصا الغليظة، بل على العكس تمامًا.. فقد أثبتت دبي أنه يمكن أن تنجح وتتقدم باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة، ومن خلال قدر كبير من الحرفية في العمل، ليصدق "ضاحي خلفان" في مقولته الشهيرة: على أرض دبي لا توجد جريمة تقيد ضد مجهول. [email protected]