صواب ولا شك ، وحقيقة لا يزيغ عنها أحد ، أن الاصلاح الدستورى هو السبيل إلى إصلاح الحياة بكل مشتقاتها ، وما أحوج شعب مصر إلى هذا الإصلاح . وقد باخت حياته بوخاً غير مسبوق ، ذلك الشعب الذى يحسبه حكامه غافلاً وهو ليس بغافل ، هو شعب صبور على الجوع والمرض والتشرد ، شعب يأخذ نفسه بالشدة بينما يرفق بحكامه الذين يحسبونه نساءً ويتخذون من النسيان وسيلة للحكم . شعب يتودد إلى حكامه وهم يجافونه . شعب إن ضاقت به الحال هب ثائراً ثم سرعان ما يعود إلى سكونه ، أفلا يستحق هذا الشعب أن يأخذ حكامه بيده وهو الذى استأمنهم على ثرواته ومصيره . وإذا أناب عنه بعضاً من أبنائه المخلصين ليستصرخوا حكامه التفتوا عنهم ووصفوهم بكل مكروه وبغيض . فمنذ حوالى عشرين عاماً تشكلت لجنة شعبية تلقائية من أبناء الشعب المهمومين بأمر البلاد بقيادة المرحوم الدكتور محمد حلمى مراد ووضعوا مشروع دستور جديداً ، وأنتهت اللجنة بالفعل من عملها فى شهر مايو 1991 ، وكان الأمل أن يعرض على جمعية تأسيسية بعد مناقشته من قبل مؤسسات المجتمع المدنى ، كما اقترح أيضاً حينذاك تشكيل حكومة مؤقته تعمل على ضبط الأوضاع ثم تنصرف مشكورة . لم يكن نصيب الإقتراح إلا التجاهل والنكران . ثم ظهرت الحركة الشعبية المطالبة بالتغيير وآزرها الناس ، والنظام لا يزال على استعلائه . ومنذ بضعة أشهر تشكل أئتلاف المصريين من أجل التغيير . وأقترح تحديد فترة إنتقالية يحكم خلالها البلاد رئيس محايد . واليوم يقترح الأستاذ هيكل ما قرأناه من تشكيل مجلس أمناء لفترة إنتقالية لوضع تصور جديد ، على أن يظل الرئيس مبارك رئيساً بصفة رمزية . الواضح أن الاستاذ هيكل رأى كيف وئدت المحاولات السابقة على اقتراحه ، والسبب فى وأدها هو غياب أو تنحية مؤسسة الرئاسة ، فأراد أن يبعث الروح فيها ، فكان أن اختار توقيتاً مناسباً لاقتراحه ودثره بدثار ملائم وزوده بمظلة تقيه سخونة الصيف وبلل الشتاء ، وهى مظلة الرئاسة . والاقتراح ، فضلاً عما سبق يعطى للرئيس فرصة لعله يهتبلها ليؤدى لشعب مصر ما سيذكره له التاريخ . الغريب والمفزع أنه ما أن تحدث الأستاذ هيكل عن اقتراحه حتى تدأدأ عليه القوم واصطخبوا ، كل يمسك بناحية من نواحى الاقتراح ليمزقوه تمزيقاً ، وكأن الرجل أتى شيئاً إداً ، أو كأنه أعمل منفضة فى مخزون قديم فأثار النقع فى الوجوه . الأستاذ هيكل لم يأت بجديد يُختلف حوله ، فقط جعل من وهم حالمين يستحيل تحقيقه فكرة سوية من الممكن تحقيقها . كان المتوقع – بلا مراء- أن يلتف ما نحسبهم حريصين على هذا البلد حول الإقتراح الهيكلى ، لا أن يستعرض كلُُُُ ملكاته فى تفكيكه لينهشوه نهشاً ، وإنما لتهذيبه إن رأوا أنه فى حاجة إلى تهذيب أو تعديله إن رأوا أنه فى حاجة إلى تعديل . كان ينبغى أن يتحرر الذين هاجموا الاقتراح بشراسة من النوازع الشخصية وأن يلتقوا جميعاً فى المساحة المشتركة – وهى تتسع للجميع- لتتوحد الجهود ، أما الفرقة والإختلاف على النحو الذى شهدناه فليس من ورائهما إلا بقاء الحال إلى ما شاء الله على ماهى عليه من سوء ، ويا لخيبة أمل الشعب فى أبنائه . *** خبر أسعدنا ... إستقالة وزير النقل ، وأول الغيث قطره . [email protected]