· أساس العلة في مصر أن ميزان الثواب والعقاب منكس.. وأن الرقابة الشعبية ساقطة.. وأن المساءلة البرلمانية مفقودة · العلاج إذن في إجراء إصلاحات سياسية شاملة.. في تغيير هيكل النظام .. في تغيير السياسات وليس في التعديل أو التغيير الوزاري استفزني ما قاله صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري والأمين العام للحزب الوطني، ونشرته الزميلة "الأخبار" يوم الجمعة الماضي علي صدر صفحتها الأولي.. الشريف قال - بالحرف الواحد - إن الحزب الوطني يؤمن بالديمقراطية والتعددية الحزبية، وأن تداول السلطة مبدأ يضمنه الدستور والقانون من خلال الانتخابات". وأنا أقول للسيد صفوت الشريف: هات لنا امارة علي ما تقول .. وقل لنا، منذ متي يؤمن الحزب الوطني بالديمقراطية وتداول السلطة؟! وهو الحزب الذي يحتكر السلطة منذ نشأته وحتي الآن .. و هو الحزب الذي دمر أحزاب المعارضة وأشعل فيها النيران، وهو الحزب الذي احتكر السلطة والثروة معا، وأفسد الحياة السياسية، وتورط عدد كبير من رموزه في قضايا فساد .. وهو الحزب الذي جاء غالبية نوابه في البرلمان بالتزوير.. إن الجميع يعرف كيف زيفت إرادة الأمة لكي يظل الحزب الوطني جاثما فوق صدور المصريين. أين هي الديمقراطية التي تتحدث عنها ياصفوت بيه؟! .. هل هي ديمقراطية الصراخ؟ .. حتي الصراخ لم يعد ممكنا .. من يفضح اللصوص الكبار أصحاب النفوذ يتعرض إما للملاحقة القضائية .. أو إرهاب أمن الدولة.. أن ما قاله صفوت الشريف لا يمت للحقيقة بصلة.. ويثبت أن الذين يتولون أمر سفينة الوطن لا يشعرون بالخطر الذي يداهمنا .. ولا يرون الثقوب التي تتكاثر في قاع السفينة .. ولا يدركون خطورة تدفق المياه إلي جوفها .. بل لا يسمعون صرخاتنا نحن ركاب السفينة ، ويتجاهلون استغاثاتنا ، ويحسبون أن منصة الحكم والتحكم سوف تنقذهم -هم وحدهم -وتنجيهم من الهلاك .. ولا يدركون أن السفينة إذا غرقت فلا نجاة لأحد مهما كان موقعه. أقول هذا ، لأن مصر تعيش الآن في مرحلة الخطر ، ومقبلة علي كارثة حقيقية ، لا يعلم مداها إلا الله .. أقول هذا لأن مصر تعيش أزمات طاحنة في كل مناحي الحياة ، وللأسف لا أمل في حلها علي المدي القريب أو البعيد .. ويكفي فقط القول إن مصر - البلد الزراعي - يتقاتل فيه الناس بل ويموتون أمام الأفران لشراء رغيف العيش .. هذه مصيبة ، بل جريمة يجب أن يحاسب عليها نظام الحكم بأكمله . وأتساءل أين مجلس الشعب .. أين استجواباته لمحاسبة الحكومة عما ارتكبته من جرائم وكوارث حلت بمصر وشعبها .. أين أدواته في طرح الثقة بالحكومة واسقاطها . إن الأزمات الطاحنة التي نعيشها تحتاج إلي مواجهة .. والمواجهة تحتاج إلي شجاعة .. والشجاعة كما قال أرسطو هي الحكمة عند مواجهة الخطر.. ولا بد من شجاعة للاعتراف بأن آلة النظام الحاكم الذي يحكمنا اليوم قد أصابه التخبط والتلف ، وأن تغيير ترس في آلة تالفة لن يصلح من الآلة ، إنما الإصلاح الحقيقي هو استبدال الآلة بأخري ، ولن يكون ذلك إلا بإصلاح سياسي شامل ، يعيد إلي هذا الشعب إرادته المهددة ، ويتيح لقواه السياسية والشعبية اختيار نوابه وحكامه واخضاعهم لموازين الثواب والعقاب ، فليس أخطر علي أمة من سقوط هذه الموازين السياسية الهامة .. فأساس العلة في مصر أن ميزان الثواب والعقاب منكس ، وأن الرقابة الشعبية ساقطة ، وأن المساءلة البرلمانية مفقودة ، ومن هنا كان كل شيء جائزاً في مصر ، وكل شيء مباحاً. ومن العجائب في مصر أن أنظمة الحكم فيها ومنذ عام 1952 أي في عهد عبد الناصر والسادات ومبارك اخترعت أساليب تشريعية تتيح اصدار القوانين المطاطة في زمن قياسي ، كما نجحت في توليد طبقة ترزية القوانين الذين يجيدون «تمييع» النصوص القانونية علي هوي السلطة .. وقد أدي الإسراف في تصنيع القوانين إلي تضخم تشريعي غير مسبوق في تاريخ الدول ، فنحن بلد ال 65 ألف قانون ، وطبعاً ال 65 ألف لائحة ، وال 10 آلاف تفسير قضائي لهذه القوانين .. ومع ذلك لا يوجد في مصر انضباط ولا أمان ولا حقوق ولا عدالة .. وإذا ظل الحال علي ما هو عليه سينفلت العيار ، وستصل بنا الأمور إلي نقطة اللارجعة عن العنف والصدام . العلاج إذن في إجراء إصلاحات سياسية شاملة ..في تغيير هيكل النظام .. في تغيير السياسات ، وليس في التعديل أو التغيير الوزاري .. مصر تحتاج إلي تغيير العقول وليس تغيير الأسماء والأجساد .. مصر تحتاج الآن إلي رجال مخلصين يحترمون هذا البلد وهذا الشعب.. وبدون ذلك لن يكون هناك أمل في الإصلاح.. وستغرق السفينة.