يبدو أنه لا يوجد توافق على معنى "التوافق"، فنستهلك الوقت فى البحث عنه فى حين تتأخر قوانين خطيرة مثل الانتخابات والسلطة القضائية والحد الأقصى والأدنى للأجور، ثم قانون التظاهر اللازم لضبط المهازل الحالية التى تخطط ليوم 25 يناير. - كيف يتم استفتاء الشعب ثم بعد وقت قصير جدًا يتم تعديل ما أقره الشعب دون الرجوع للشعب؟؟ لماذا الإصرار على أن يقوم الرئيس بالتقدم بالتعديلات الدستورية للبرلمان القادم بالرغم من أن الآليات معروفة وهى أن النواب هم من يتقدمون بذلك؟ لماذا الاضطرار لقبول ذلك؟ المعلوم أن الحوار بين القوى السياسية فى أى دولة يتم حول قضايا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وليس حول دستور حاكم أقره الشعب ليكون فوق رأس الجميع, الواضح أن الثورة المضادة مازالت قوية وعلى يقين من الدعم الخارجى، وما خفى كان أعظم. - المشكلة أن الصراع بين السلطة والمعارضة لم يكن فقط على الدستور، بل على إزاحة الرئيس ومشروعه وإسقاط نتيجة الصناديق والإرادة الشعبية, استخدم الإسلاميون آليات الديمقراطية والصناديق فى حين يستخدم الفريق الآخر كل الأساليب الأخرى، بالإضافة للتحالف مع قوى النظام البائد واستدعاء التدخل الخارجى.. هناك منظومة من الترتيبات فى 25 يناير وما بعده قد تصل للإفراج عن المخلوع المحبوس الآن فقط على ذمة قضية هدايا مؤسسة الأهرام! - الحقيقة أن هناك طرفاً يعمل لمصلحة الثورة وبناء المؤسسات, يصيب ويخطئ, والطرف الآخر لا يعمل بل يحاول إعاقة الطرف الذى يعمل, لكن النتيجة محسومة، لأن الشعب يفهم بواطن الأمور ولو تدريجيًا مهما كانت قوة التضليل والتمويل.. يعنى فى النهاية يتم تأخير قطار الثورة بتحمل المزيد من فاتورة الشهداء والمصابين والتردى الاقتصادى. - الرئيس يحاول تجنب الصدامات الكبرى لكسب الوقت لبناء باقى المؤسسات لنصل للبرلمان ثم حكومة منتخبة تستطيع فرض هيبة الدولة ومعالجة المشاكل الخطيرة الناتجة عن المرحلة الانتقالية.. ولكن.. - لا يصح إلا الصحيح.. فالتوافق فى كل الدنيا لابد أن يتوقف على الحسابات الفعلية للأطراف المتنافسة (المتصارعة) على أرض الواقع, لا يمكن أن يتم التوافق فى عالم السياسة إلا بعد استنفاد كل الأطراف لكل مراحل وأدوات الصراع من خلال كل الوسائل مع تسليم الجميع باستحالة حصول طرف على كل ما يريد مع هزيمة الطرف الآخر بالضربة القاضية، وهذا لم يحدث بعد.. لا يمكن أن يقوم طرف طواعية بالتنازل عن حق يراه من حقوقه. - فى ظروف مصر الحالية بعد أول ثورة شعبية سلمية (شرحها يطول) ليست سياسية ولا عسكرية فقط مثل ثورات سعد زغلول وعبد الناصر فى 1923 و1952، حيث كان للثورة قائد له أهداف قام بتحقيقها، وصولاً للحكم ولكن بدون مضمون ثقافى وحضارى للثورة وفقاً لإصرار الشعب (وليس القائد) على تحقيق التغيير الجذرى فى نواحى الحياة فى دولة من أهم دول العالم وفى أخطر مناطق العالم حساسية، مما يعنى أنه سيكون لهذه الثورة تأثير إقليمى وعالمى هائل (شرحه يطول) فى مثل هذه الظروف لا يمكن أن نتوقع شعارات: مثل "لنتصالح جميعًا" دون استبعاد أحد, هذا لن يحدث على أرض الواقع. - فى أمريكا مثلاً الديمقراطيون والجمهوريون لا يطيقون بعضهم البعض، لكنهم يعملون فى إطار مضمون ثقافى حضارى واحد توصلوا هم إليه وهو "العلمانية" (ويريدون فرضه علينا)، فضلاً عن أنهم متفقون على الانصياع لإرادة الشعب ونتيجة الصناديق مهما كانت, فى مصر الآن هذا الاتفاق غير موجود، فضلاً عن أن جذور الصراع الجارى يتمركز حول المضمون الثقافى ونمط الحياة فى مصر بين "الإسلام" و"العلمانية". - لذلك لا بد للرئيس من الحسم فى القضايا الخطيرة فى الأسابيع القادمة. - الاستفتاءات والانتخابات بتكاليفها المادية والنفسية والزمنية ليست سهلة لجرجرة الشعب كل فترة كما حدث بسبب المجلس العسكرى الذى ألغى البرلمان! ونحن نسمع الآن عن انعقاد المحكمة الدستورية للفصل فى شرعية الجمعية التأسيسية الثانية التى أعدت الدستور الذى وافق عليه الشعب بنسبة مريحة جدًا! يعنى المطلوب هو إلغاء الدستور! هل نحن فى جزر منعزلة؟ المهادنة فى هذه المرحلة لن يمكن تعويضها لأن الصراع على الشرعية بل على الهوية, لابد من إصدار القوانين المتأخرة وسرعة إنجاز البرلمان واستكمال تعيين حكومة ثورية تمامًا من شخصيات قوية مبدعة منجزة مخلصة تستطيع التعامل مع كل مجالات وعناصر الثورة المضادة. [email protected]