«نفذنا كل أوامركم وطلباتكم .. قدمنا لكم التسهيلات والقواعد، خصخصنا القطاع العام، ونفذنا روشتة ووصفة صندوق النقد الدولي الكاملة والقاتلة، اعتقلنا وعذبنا كل من رفع صوته معارضاً لأهدافكم ونواياكم بتهمة الإرهاب، طبعنا مع إسرائيل وفتحنا أمامها كل الأبواب المحرمة.. عولمنا كل جوانب حياتنا لنصبح غربيين وأميركيين.. والآن ترموننا وتلقون بنا بمثل هذه الصورة.. ومن أجل من، من أجل معارضة تكرهكم، وستقف ضد مصالحكم.. حرام عليكم.. رجاء أعيدوا النظر في موقفكم لأنه ضد مصالحكم». كل الفقرة السابقة هي تقريباً لسان حال بعض الحكومات العربية . وهي تخاطب أميركا وأوروبا اللتين اتخذتا قراراً استراتيجياً قبل أسابيع بمحاورة ومفاوضة التيار الإسلامي في المنطقة العربية سواء كان معتدلاً كما يوصف «الإخوان المسلمين» أو مسلحاً مثل حركة حماس في فلسطين والمقاومة المسلحة في العراق الموصوفة أميركيا حتى الآن بالإرهاب. هذا التطور يعني اننا بصدد استراتيجية أميركية أوروبية جديدة تماماً، ولسوء الحظ لا تستفيد منها سوى الولاياتالمتحدة.. كيف ذلك؟ واشنطن وبعد ان كانت حكومات عربية عدة تبتزها في السابق بتخويفها من «بعبع الإسلام السياسي» قلبت الطاولة على هذه الحكومات. وصارت هي التي تبتز الحكومات بهذا البعبع كي تحصل على ما تريد من تنازلات، وفي المقابل تبتز واشنطن أيضا قوى المعارضة العربية وبينها التيار الإسلامي، كي يتنازل عن ثوابته خصوصا تلك المتعلقة بنظرته إلى أميركا واسرائيل، من أجل جزرة غير مضمونة مفادها عدم الممانعة في وصول هذا التيار لسدة الحكم شرط استجابته للمصالح الأميركية العليا. وبغض النظر عن الشعارات الضخمة التي يرفعها هذا التيار. يمكن فهم انتهازية السياسة الأميركية بحكم انها تسعى لتحقيق مصالحها، كما يمكن فهم انتهازية بعض قوى المعارضة العربية بحكم تقاطع المصالح مع واشنطن، لكن المرء يشعر بالإشفاق على حال حكومات عربية عدة هذه الأيام وهي تجد نفسها في تقاطع نيران بين تنمر واشنطن وتربص المعارضات المحلية. والسؤال المطروح الآن لدى غالبية مفكري الأنظمة العربية هو «ما الحل»؟ اغلب الظن ان بعض الحكومات العربية تراهن على عامل الوقت، وان واشنطن ستفيق في النهاية من «حلمها الديمقراطي» وتدرك حقائق الأمور على ارض الواقع، وبالتالي ستعيد اكتشاف نظرية «ليس في الامكان ابدع مما هو كائن». ثمن هذا السيناريو ان تقبل هذه الأنظمة مواصلة الابتزاز الأميركي لها وتقديم المزيد من التنازلات خصوصاً ما يتعلق بإسرائيل. السيناريو الثاني ان تستجيب هذا الحكومات لما يمكن تسميته بالابتزاز الوطني، وتبدأ اصلاحاً شاملاً وحقيقياَ، وتعيد تشجيع قوى المجتمع المدني والأحزاب العصرية التي قتلتها هذه الحكومات منذ أمد بدأب ومنهجية. لتفيق في النهاية على كابوس مرعب هو أنها قتلت ما كان يمكن أن يمثل حائط صد ضد التيار الديني الكامن. يشمل هذا السيناريو ايضاً مفاوضة الحكومة للمعارضة طوعاً وبالتي هي أحسن بدلاً من ان تفرض عليها أميركا ذلك كرهاً على الطريقة الأوكرانية. خطورة السيناريو الثاني من وجهة نظر الحكومات هو أنه يعني اللجوء إلى الشعب وصناديق الانتخاب، سيحفظ هذا السيناريو ماء وجه الحكومات ويغسل كل «سوءاتها» السابقة، لكنه أيضاً سيعني آلياً نهايتها. وبالتالي فأغلب الظن أن السيناريو الذي سوف ينتصر في النهاية هو «الطبع يغلب التطبع». ------- صحيفة البيان الاماراتية في 26 -6 -2005