«لم يكن لنا وجود فعلى قبل يونيو 1991 عندما بدأنا مشروعاتنا فى نيجيريا»، بهذا بدأ مدحت عسكر رئيس قطاع أفريقيا فى المقاولون العرب، حديثه عن مشروعات شركته فى القارة السمراء، مضيفا «نقصد بأفريقيا ما يسمى جنوب الصحراء، لأن لدينا وجودا فى شمال أفريقيا والسودان منذ الستينيات». وتابع عسكر، وهو مهندس مدنى، اليوم لدينا 1500 عامل نيجيرى إضافة إلى مجموعة محاجر وقواعد خرسانية، تعمل فى عدد من المشروعات الكبيرة، هذا إضافة إلى وجودنا فى كل من غانا والكاميرون وغينيا الاستوائية وتشاد وبوتسوانا وبنين وساحل العاج وموريتانيا، وهى مشروعات يتجاوز حجمها 500 مليون دولار، بواقع 120 مليون دولار سنويا. وأضاف «لنا وجود فى أوغندا بإجمالى مشروعات تقدر بنحو 30 مليون دولار، كما صممنا ونفذنا وقدمنا تمويلا جزئيا لواحد من أكبر مشروعات رواندا وهو مبنى وزارة الدفاع، الذى صار من معالم العاصمة كيجالى». وبحسب عسكر، تتركز أغلب مشروعات المقاولون العرب فى مجالات البنية التحتية، من طرق وجسور وشبكات مياه وكهرباء. ويروى رئيس قطاع أفريقيا «بدأنا فى نيجيريا بمشروع امتداد العاصمة الجديدة حينذاك «أبوجا»، حيث نفذنا طريقا رئيسيا فى الجبال المحيطة بالمدينة، بعد منافسة شرسة مع شركات ألمانية وإيطالية وإسرائيلية»، مضيفا أن «عمدة العاصمة كثيرا ما يصطحب ضيوفه لمشاهدته، خاصة وقد نفذناه على أعلى المواصفات والمقاييس العالمية». «ومع ذلك نعتبر أن الوجود المصرى ضعيف فى القارة، خاصة إذا قارناه بالحضور الصينى أو الكورى أو الإسرائيلى أو الهندى، ناهيك عن الأوروبى»، فلا توجد شركات مصرية من القطاع الخاص تعمل فى أفريقيا، سوى شركة السويدى التى نتعاون معها فى توريدات مشاريعنا. من المعروف أن جميع الدول الأفريقية مستعمرات أوروبية سابقة، أبرمت بمجرد استقلالها اتفاقات تجارة مع الدولة المستعمرة، نتج عنها سيطرة الشركات الفرنسية على أسواق الدول الفرنكفونية (المستعمرات الفرنسية السابقة) وبالمثل نجد الشركات البريطانية فى دول الكومنولث الأفريقية (المستعمرات البريطانية السابقة). ويتابع عسكر «أذكر عندما بدأنا العمل فى غينيا قدمنا عرضا أقل بما نسبته 50% عن عرض الشركة الفرنسية المنافسة، وعندما اطلعت على العرضين، صدمت، وتوقعت خسائر فادحة فى المشروع لكن الذى حدث هو العكس فقد حققنا أرباحا كبيرة نسبيا، إضافة إلى انفتاح السوق أمام المقاولون العرب». ومن ناحيته يشير أمير محمد رجل الأعمال المصرى المقيم فى كينيا إلى أن «الشركات المصرية العاملة فى القارة هى النصر والسويدى وشركة للمولدات»، مضيفا أن أغلبية التبادل التجارى بين مصر ودول منابع حوض النيل ينحصر فى المواد الغذائية، حيث تصدر كينيا مثلا الشاى لمصر مقابل صناعات غذائية مصرية. وحول حجم التبادل التجارى المصرى مع دول حوض النيل أوضح فرج عبدالفتاح أستاذ الاقتصاد فى معهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، إلى أن أكبر تبادل لمصر مع الدول الإفريقية، هو مع السودان حيث نصدر ما قيمته 500 مليون دولار، ونستورد واردات بقيمة 300 مليون أغلبها ماشية. «أما باقى دول أفريقيا فلا يزيد حجم التبادل التجارى مع بعضها عن عشرات الملايين من الدولارات فقط»، بحسب عبدالفتاح. وأضاف أمير «لا نجد صعوبة فى السكن، على الرغم من أن الأسعار فى العاصمة نيروبى أعلى من مثيلتها فى القاهرة مرة ونصف. لكن لا يقتصر الوجود المصرى على بعض رجال الأعمال وشركات المقاولات، إذ يوجد عدد من المؤسسات الرسمية المصرية فى القارة، مثل وزارة الرى، والأزهر، وجامعات مصرية، إضافة إلى القوافل الطبية التى انتشرت مؤخرا، وبالطبع مؤسسات وزارة الخارجية مثل الصندوق المصرى للتعاون مع أفريقيا، ومركز القاهرة للتدريب على تسوية المنازعات وحفظ السلام فى أفريقيا الذى تأسس فى العام 1994. وتقول مديرة مركز القاهرة لتسوية المنازعات السفيرة سعاد شلبى إن «القارة تجتاحها العديد من الحروب الأهلية، وتحتاج إلى كوادر مدنية مؤهلة لتسوية المنازعات وحفظ السلام»، وتضيف «كذلك ليس لدينا كوادر مدنية مصرية فى بعثات حفظ السلام، على الرغم من المشاركة الواسعة لمصر فى قوات حفظ السلام». من المعروف أن مفهوم عمليات حفظ السلام تطور خلال العقود القليلة الماضية، ليشمل الإدارة المدنية بجانب القوة العسكرية، كما هو الوضع فى كوسوفو وتيمور الشرقية، ومهمة الأممالمتحدة فى السودان التى تعد الأكبر فى العالم، وتعد مصر خامس دولة فى العالم من حيث المشاركة فى هذه العمليات. ومن ناحيتها أشارت مديرة صندوق التعاون مع أفريقيا السفيرة فاطمة جلال إلى أن الصندوق يحتفل بذكرى تأسيسه الثلاثين، وهذا «دليل على نجاح واستمرار الوجود المصرى فى القارة». وأوضحت «نركز فى جهودنا على دول حوض النيل فى المقام الأول، ثم دول الحزام الإسلامى، وأخيرا باقى دول القارة». يضم حوض النيل ثمانى دول إضافة إلى مصر والسودان، هى إثيوبيا، وإريتريا، وكينيا، وأوغندا، وتنزانيا، ورواندا، وبوروندى، والكونجو الديمقراطية، أما الحزام الأفريقى فيضم تشاد، والنيجر، ومالى، وبوركينافاسو، وموريتانيا، والسنغال، وجامبيا، فيما تضم القارة 53 دولة. «دربنا خلال العقود الثلاثة الماضية، 19 ألف كادر أفريقى فى مجالات التعليم والإعلام والدبلوماسية والرى والصحة»، بحسب جلال. «عادة لا نقدم المعونة الغذائية إلا فى حالات المجاعات والكوارث، لكن المعونة التى نعنيها هى فنية ودوائية ولوجيستية» (معدات وأدوات خاصة بمشاريع معينة). وتابعت جلال بدأنا خلال السنوات الأخيرة فى تبنى نوع جديد من المعونة الطبية، وهى القوافل الطبية، التى وجدنا أن لها أثرا إيجابيا للغاية فى إحداث تغيير فى الدول الأفريقية. لكن على الرغم من بعض النجاح فى إثبات الوجود المصرى فى القارة، نصادف غيابا واضحا فى مجالات أخرى، حيث ينعدم التعاون الأكاديمى بين الجامعات المصرية والأفريقية، فبحسب عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة محمود أبو العينين «لدينا 15 باحثا فى المعهد يجرون دراسات تحتاج لبحوث ميدانية، لكننا لا نستطيع ابتعاثهم لدول أفريقية لاستكمال بحوثهم، كما لا نستطيع استقبال طلاب أفارقة فى المعهد». ومن ناحيته قال مصدر رفيع فى هيئة السكك الحديدية فضل عدم ذكر اسمه «لم ننجز أيا من المشاريع المقررة بيننا وبين جميع الدول التى نشترك معها بحدود». وأضاف: لدينا مشروع ربط سكك حديدية مع ليبيا والسودان (بطول أكثر من 500 كيلو متر فى المشروعين)، لكننا لم ننجز شيئا. ويبدو أن مصر لم تبدأ بعد وجودها المؤسسى خارج السودان، على الرغم من الوجود القوى هناك، خاصة فى الجنوب.