«لابد أن تتوقف نغمة اتهام مصر بالتقصير فى حق شقيقاتها من الدول الأفريقية.. نحن أول من نبخس حقوقنا ونقلل من أهميتنا بهذه الادعاءات.. الوجود المصرى فى أفريقيا لم يغب يوما.. فنحن لم نتوجه للقارة السمراء فقط بعد أن اكتشفنا خطورة وضعنا المائى.. ولدينا خطط وسياسات قوية تجعل أفريقيا على قائمة أولويات تعاملاتنا الخارجية».. هذه التأكيدات وغيرها، أصرت منى عمر، مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية، على تعميمها ونشرها ودعوة وسائل الإعلام إلى تبنيها فى الفترة القادمة والتنازل عن النغمة المعادية لمصر. وسعت فى حوارها مع «الشروق» على التأكيد عليها فى كل تساؤل حول الوجود المصرى فى أفريقيا، بلهجة لا تحتمل المزايدة أو توجيه سهام النقد. تتحدث عمر ل«الشروق» وهى منهمكة فى الرد على التليفونات التى تأتى من السفارات المصرية بأفريقيا ومتابعة التقارير التى امتلأ بها مكتبها الكائن بالدور السابع عشر بوزارة الخارجية قائلة: «انتهى عصر إرسال العناصر الدبلوماسية المغضوب عليها إلى أفريقيا.. الوضع اختلف تماما ولا مجال إلا للعناصر الأكفأ» فى إشارة منها إلى الاهتمام القوى بأفريقيا، التى يتم التعامل معها على مستوى وزير الخارجية شخصيا كما تؤكد. تقول عمر إن التوجه الاقتصادى المصرى نحو أفريقيا أصبح يتطلب سفارة قوية، خاصة أننا لا نمتلك مكاتب تمثيل تجارية أو مراكز ثقافية فى أغلب البلدان الأفريقية، وهو ما دفع الخارجية لتقديم امتيازات قوية للسفراء المصريين، مع وجود لجان متابعة دقيقة لمستوى العمل فى الدول الأفريقية. وتضيف: «قد يكون الدور المصرى فى أفريقيا لاقى اهتماما وترويجا إعلاميا فى فترة الستينيات، لمشاركة مصر فى حركات التحرر الأفريقية، إلا أن عدم الحديث عنه بعد هذه الفترة لا يعنى غيابه، فالإعلام غاب واتهم الخارجية بالتقصير». وتقول إن الصندوق المصرى لدعم أفريقيا أرسل منذ بداية الثمانينيات حتى الآن ما يقرب من 8000 خبير مصرى فى جميع المجالات شاركوا فى «تنمية وتنوير» جميع أنحاء القارة الأفريقية وهو ما دعم الولاء الأفريقى لمصر. من المعروف أن القارة الأفريقية بها 53 دولة، وتضم أكثر بلاد العالم فقرا وفقا لتصنيفات الأممالمتحدة، على الرغم من التغييرات السياسية الواسعة التى عاشتها أكثر من 14 دولة، استقلت أغلبها منذ أقل من خمسين عاما، وشهدت انتخابات ديمقراطية نزيهة. أفريقيا غير المستقرة يشاع أن أغلب الدول الأفريقية غير مستقرة سياسيا، وتشهد عددا من النزاعات الإقليمية وهو ما يثير تخوفات رجال الأعمال من توجه استثماراتهم نحو القارة، إلا أن «عمر» نفت هذه المعلومات مؤكدة أن هذه السمعة قائمة على مشكلات قديمة لم يعد لها وجود فى معظم الدول الأفريقية، بعد توقيع عدد من اتفاقيات التصالح لوقف النزاع كما فى حالة منطقة البحيرات العظمى (بوروندى ورواندا وأوغندا والكونغو الديمقراطية). وقالت عمر إن وزارة الخارجية ليست الجهة التى يمكنها تقديم الضمانات لرجال الأعمال لعدم وجود إمكانيات مادية أو فنية، ولكن هناك جهات يمكن أن تختص بذلك مثل هيئة ضمان الصادرات وغيرها من الجهات التابعة لوزارتى التجارة والمالية والتنمية الاقتصادية، ويمكن تفعيل التعاون من خلال اتفاقيات دولية تحت مظلة اللجان الوزارية المختصة بالاتحاد الأفريقى لحماية الاستثمارات ومنع الازدواج الضريبى. وتعود «عمر» لتؤكد أهمية الوجود الاقتصادى المصرى فى القارة الأفريقية فى هيئة استثمارات قوية برءوس أعمال كبيرة تحقق الأمن القومى المصرى على غرار شركة النصر التى عملت فى أفريقيا بالستينيات، فالقرارات المتتابعة لوزير التجارة بتخفيض تكاليف الشحن لأفريقيا، وتوجه المجالس التصديرية نحو أفريقيا نموذج قوى على الاهتمام الحكومى بأفريقيا. إثيوبيا قاعدة اقتصادية لإسرائيل من المعروف أن إسرائيل توجد بقوة فى أغلب الدول الأفريقية خاصة إثيوبيا التى أصبحت قاعدة حيوية لإسرائيل فى مناطق جنوب البحر الأحمر لثرائها بالمواد المعدنية التى تخدم الصناعات العسكرية الإسرائيلية، فضلا عن دخولها كطرف فاعل فى قضية المياه بعد أن ساعدت فى تمويل إنشاء خمسة سدود لتخزين مياه النيل فى تنزانيا ورواندا. لكن مساعدة وزير الخارجية لشئون أفريقيا قالت إن كل دولة تسعى إلى تحقيق مصالحها، وليست إسرائيل وحدها التى تعمل فى القارة الأفريقية، ولكن هناك الصين واليابان وغيرهما من الدول الكبرى، ونعترف بأن إسرائيل تتفوق فى مجال الزراعة والأمن لكن دخولها ووجودها لا يقارن بالدور المصرى. «لا تستطيع مصر منع إسرائيل من تحقيق مصالحها فى أفريقيا فهى دولة تعمل الآن فى كل منطقة بالعالم»، هذا ما أكدته عمر رغم جزمها بأن هذا الوجود الإسرائيلى لا يمثل أى قلق على الأمن القومى المصرى، فمصر عنصر موجود دائما فى جميع المحافل الأفريقية وهى عضو أساسى فى كل المؤتمرات الإقليمية. وكان الرئيس مبارك قد أطلق ثلاث مبادرات خلال قمتى أبوجا وسرت فى 2005 لإطلاق قناة أفريقية مشتركة ومكافحة الأمراض المتوطنة فى القارة ودعم البحث العلمى، فضلا عن عدد المبادرات التى دخلت فيها مصر كشريك أفريقى على رأسها مبادرة النيباد.. إلا أن أيا من هذه المبادرات لم يدخل حتى الآن حيز التنفيذ الفعلى.. ولكن عمر علقت على مبادرة النيباد فقط، قائلة إنها «لم تكن مبادرة مصرية فقط.. فكانت تضم جنوب أفريقيا والسنغال ونيجيريا والجزائر، بهدف إعادة إحياء القارة الأفريقية، وتولت مصر مجال الزراعة. وقد لا يكون هناك مشروعات أنجزت فى مصر، ولكن تم إنجاز عدد من المشروعات على مستوى القارة وساهمت مصر فى إرسال عدد من الخبراء الزراعيين من خلال النيباد». وأكدت «عمر» أن مصر لم تقصر فى تنفيذ المشروعات الزراعية التى أعلنت عنها مؤخرا لزراعة القمح فى أوغندا.. لكن بعد أن وافقت الحكومة الأوغندية على منح مصر الأرض لزراعتها رفضت المعارضة فى البرلمان الأوغندى.. مبررين الرفض بأن هذه المشروعات تعنى بيع أوغندا للمصريين وهو ما كان سيتسبب فى التأثير على الأوضاع السياسية فى أوغندا.. مستبعدة أن يكون السبب هو اتهام مصر باستغلال مياه النيل فى أوغندا.. ومن خلال بعض المحاولات الدبلوماسية نجح عدد من الشركات المصرية من التوافق مع الحكومة الأوغندية وحصلت على الأراضى بالفعل. الدبلوماسية الشعبية لم تكن الجهات الرسمية المصرية هى المسئولة عن التواصل مع نظيراتها فى القارة السمراء، ولكن الدبلوماسية الشعبية أصبحت مطلوبة الآن وبقوة حسب «عمر» لأن الدور الشعبى أصبح من أهم الآليات لدعم العلاقات الثنائية مع دول أفريقيا فى إشارة منها إلى دور البرلمان الأفريقى واتحاد برلمانات حوض النيل والتبادل الإعلامى، وتكثيف الأنشطة الرياضية الأفريقية التى تجذب اهتمام الجمهور من الجانبين. واستبعدت عمر أن يكون هناك أى تفسير عنصرى لسوء معاملة المصريين للأفارقة اللاجئين بالأحياء الشعبية وقالت إن التفسير الوحيد هو خوف المصريين من مزاحمة الأفارقة لهم على الموارد التى أصبحت محدودة وهذا يحدث مع جنسيات أخرى تعيش فى مصر وليس الأفارقة فقط. وعلقت مساعدة وزير الخارجية للشئون الأفريقية على الأحداث الأخيرة بقتل اللاجئين الإثيوبيين والسودانيين على الحدود المصرية الفلسطينية، قائلة إنه من حق مصر حماية أمنها القومى كأى دولة فى العالم وعمليات قتل اللاجئين على الحدود لم يكن مقصودا بها الأفارقة بعينهم.. وأيا كانت جنسية من يرتكب هذا العمل فسيتم التعامل معه بالمثل للحفاظ على الأمن الداخلى للبلاد. وتضيف أن مصر تعطى أولوية خاصة لمنطقة دول حوض النيل.. ولها ما يقرب من 60% من ميزانية الصندوق المصرى، إضافة إلى منطقة القرن الأفريقية نظرا لأهميتها السياسية والاستراتيجية للبحر الأحمر، كذلك الدول ذات الأهمية الاقتصادية مثل غينيا. وقد اقرت القمة العربية الأفريقية التى انعقدت مؤخرا بمدينة سرت الليبية استراتيجية عمل أفريقية مشتركة للتعاون من اجل حل المشاكل الأمنية والسياسية والتعاون الاقتصادى ومد جسور التعاون الثقافى والاجتماعى. ولن تكون هذه القمة الأخيرة فالقادة الأفارقة اتفقوا على آليات لضمان عقد القمة كل 3 سنوات وعقد مجلس وزراء الخارجية كل 15 شهرا واجتماعات دورية للجان التيسير التحضيرية حتى لا يتكرر الغياب والفجوة التى حدثت بين أول قمة فى القاهرة عام 1977 وبين الثانية التى عقدت فى سرت عام 2010 حسبما قالته عمر.