اللجنة الرئيسية لتطوير الإعلام تعقد اجتماعها الختامي.. وتناقش إعداد تقرير نهائي بتوصيات قابلة للتنفيذ| صور    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    «تنمية التجارة» يبحث إطلاق منصة رقمية لتسهيل الشراء الإلكتروني    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية في ختام تعاملات اليوم    مركز للتلقيح الاصطناعي وتحصين 1.1 مليون حيوان.. أبرز إنجازات الطب البيطري بسوهاج في 2025| صور    لأول مرة.. حماس تعلن الاسم الحقيقي ل «أبوعبيدة» الناطق العسكري باسم كتائبها    الجيش التايلاندي يتهم كمبوديا بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار    شباب كفرالشيخ تنظم معسكرات تحدي الشباب لتعزيز الوعي بالتغير المناخي |صور    جوهرة فرنسا.. عثمان ديمبيلي ملك الكرة الذهبية في 2025    عودة بيدري وأراوخو لتدريبات برشلونة    سقوط 6 طلاب بعد مشاجرة بالأسلحة البيضاء بسبب اللهو بالشرقية    «مشينا» تفتتح الألبوم الجديد لمحمد قماح وسط نشاط فني مكثف وتكريمات    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    بالبدلاء.. منتخب مصر المتأهل يكتفي بنقطة أنجولا في كأس أمم أفريقيا    الدكتورة نيرفانا الفيومي للفجر..قصر العيني يؤكد ريادته في دمج مرضى اضطراب كهربية المخ مجتمعيًا    وزارة الشباب والرياضة تُجرى الكشف الطبى الشامل للاعبى منتخب مصر لكرة اليد    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    بحكم محكمة.. هيفاء تغنى فى مصر    مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة ينظم بيت عزاء للفنان الراحل محمد بكري    محمد إمام: أحمد شيبة وعصام صاصا هيغنوا تتر مسلسل الكينج في رمضان 2026    الفقه المصرى والإسرائيلى فى أولويات المشروعية!    أول تعليق ل ترامب بعد محاولة استهداف أوكرانيا ل مقر إقامة بوتين    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    شتيجن في أزمة قبل كأس العالم 2026    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    واشنطن بوست: صور أقمار اصطناعية تكشف توسع الصين في تصنيع الرؤوس النووية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    وزير الاستثمار يبحث مع وزير التجارة الإماراتي سبل تعزيز التعاون الاقتصادي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    هل حساسية البيض تمنع تطعيم الإنفلونزا الموسمية؟ استشارى يجيب    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    أسماء المصابين في حادث تصادم أسفر عن إصابة 8 أشخاص بالقناطر الخيرية    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    آدم وطني ل في الجول: محمد عبد الله قد ينتقل إلى فرنسا أو ألمانيا قريبا    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    تحقيقات الهروب الجماعي من مصحة البدرشين: المتهمون أعادوا فتحها بعد شهرين من الغلق    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    إحالة ربة منزل للمفتي بعد قتلها زوجها وابن شقيقه في كفر شكر    عاجل- مدبولي يترأس اجتماعًا لتطوير الهيئات الاقتصادية وتعزيز أداء الإعلام الوطني    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    ارتفاع جماعي في مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة اليوم    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    الجيش الصيني يجري مناورات حول تايوان لتحذير القوى الخارجية    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    ترامب يحث زيلينسكي على تسريع عقد اتفاقية سلام ويحذر من خسائر إقليمية جديدة    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    عقب انتهاء الفرز.. مصرع مستشارة وإصابة موظفتين في حادث مروري بقنا    مشروبات تهدئ المعدة بعد الإفراط بالأكل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة يحذر :مياه النيل فى خطر
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 04 - 2010

فى أحيان كثيرة ندفع ثمن أخطائنا بأثر رجعى.. وللأسف الشديد أن الثمن يكون عادة بقدر القيمة والأهمية والخطورة.. وإذا كانت هناك قضايا يمكن تأجيلها أو التساهل معها أو تحمل نتائجها فإن هناك قضايا ترتبط بالحياة والوجود والمصير وهنا لا ينبغى التساهل أو التأجيل.. إن ما حدث فى شرم الشيخ فى الأسبوع الماضى فى المؤتمر الوزارى لدول حوض النيل قضية خطيرة جدا بكل المقاييس على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى.. نحن أمام تهديدات حقيقية للأمن القومى المصرى لأن أى مساس بحق الشعب المصرى فى مياه النيل تهديد للمستقبل على كل المستويات.. وهنا أيضا تبدو المخاطر التى يمكن أن تحمل شواهد توتر خطير على المدى القريب بين دول حوض النيل ولا أحد يعرف المدى الذى يمكن أن تصل إليه نتائج هذه المخاطر..
تراجع الدور المصرى فى أدغال أفريقيا
لابد أن نعترف فى البداية أن القضية قديمة وأننا فى أحيان كثيرة تعاملنا معها بقدر كبير من الاطمئنان الذى وصل بنا إلى درجة اللامبالاه بل والاستخفاف أحيانا.. حدث هذا على المستوى السياسى حينما تراجع دور مصر فى أفريقيا سنوات طويلة بلا مبررات.. بعد أن كانت مصر قبلة الحريات فى القارة الأفريقية والنموذج الذى اهتدت به دول القارة السمراء فى حربها ضد الاستعمار.. وبعد منظمة الوحدة الأفريقية واتفاقيات التعاون الاقتصادى وصادرات مصر إلى أفريقيا.. وبعد مراحل طويلة من النضال المشترك الذى جعل مصر تحارب دفاعا عن دول أفريقيا وترسل قواتها إلى الكونغو.. وبعد أن كانت مشروعات تنمية الموارد المائية فى دول حوض النيل لها أولوية خاصة فى القرار السياسى المصرى بعد هذا كله تراجع كل شىء وانسحبت مصر تماما من عمقها الأفريقى وتركت الساحة لأطراف كثيرة تعبث فيها حتى وصل الأمر إلى ما نحن عليه الآن..
كانت العلاقات بين مصر ودول أفريقيا خاصة دول الشرق والوسط الأفريقى حيث منابع النيل تحتل مكانة خاصة فى أجندة العلاقات المصرية.. كانت هناك علاقات اقتصادية قوية جعلت مصر تقيم شبكة من المكاتب التجارية من خلال شركة النصر للاستيراد والتصدير وكانت هذه الشركة تتمتع بمكانة خاصة طوال فترة الستينيات من حيث النفوذ والتأثير.. وتدفقت يومها السلع المصرية إلى أسواق أفريقيا وانتقلت الوفود الاقتصادية المصرية إلى أبعد نقطة فى قلب القارة السمراء..
ومع العلاقات الاقتصادية التى قامت على شراكة حقيقية بين مصر ودول أفريقيا كانت هناك علاقات سياسية عميقة ومؤثرة.. عشرات المؤتمرات التى كانت دائما تحاول جمع الشمل الأفريقى ضد قوى الاستعمار والتبعية وتحولت القاهرة على المستوى السياسى إلى قبلة لزعماء أفريقا ابتداء بإمبراطور الحبشة هيلاسلاسى ونيريرى ونكروما ولولمبا وسيكتورى ومانديلا كل هؤلاء جمعتهم معارك ومواقف مع زعيم مصر الراحل جمال عبدالناصر ومع ثورة يوليو وثورات التحرر الافريقى.. واستطاعت القاهرة أن تمثل الزعامة الحقيقية للقارة الافريقية أمام العالم سنوات طويلة وامتد نفوذها السياسى إلى أبعد نقطة فى أفريقيا على كل الاتجاهات..
الأزهر والكرازة..جسور التواصل مع الأفارقة
على المستوى الثقافى والحضارى والفكرى كانت بعثات الدول الأفريقية إلى الأزهر الشريف نقطة تواصل تاريخية لم تنقطع فى لحظة من اللحظات وكان أعضاء هذه البعثات يعودون إلى بلادهم ويبنون جسورا ثقافية وحضارية ودينية امتدت بين مصر وشعوب القارة.. وكانت العلاقة التاريخية بين الكنيسة المصرية وكنيسة إثيوبيا تمثل عمقا تاريخيا عاش عليه المسيحيون فى البلدين أزمانا طويلة.. وبعد ذلك كله كانت بعثات الدعاة وقراء القرآن الكريم والأطباء والمهندسين والمدرسين والمثقفين بكل ألوانهم الفكرية والسياسية يطوفون دول أفريقيا ويفتحون مجالات للتواصل والحوار..
كان لدينا اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا وكانت لدينا مؤسسات منظمة الوحدة الأفريقية.. وكانت هناك لجان للتعاون فى كل المجالات وشهدت القاهرة عشرات اللقاءات بين كتاب مصر وكتاب أفريقيا، بل إن مصر كانت ترعى وتشجع الكثير من المؤسسات والمنظمات الثقافية والفكرية والدينية داخل الدول الأفريقية وعرف مثقفو أفريقيا الكثير عن الإبداعات المصرية، بل إن العلاقات المصرية الأفريقية فى زمن مضى امتدت إلى لقاءات فكرية بين الشباب ولقاءات أخرى بين الاتحادات النسائية واتحادات العمال والأطباء والكتاب والصحفيين وغيرهم من فئات المجتمع المصرى..
كان هذا هو حال العلاقات بين مصر ودول أفريقيا.. كانت للشعوب الأفريقية أولوية خاصة فى قائمة العلاقات بين مصر والعالم الخارجى.. وكانت لمصر مكانة خاصة فى قلوب الشعوب الأفريقية وما أكثر القمم التى شهدتها القاهرة بين الزعماء الأفارقة.. ولكن هناك أسبابا كثيرة باعدت بين مصر ودول أفريقيا فى السنوات الماضية..
التطبيع مع الغرب .. نقطة التحول
كان من أهم أسباب التباعد نمو العلاقات بين مصر والغرب بحيث تصور البعض عندنا أننا لم نعد فى حاجة إلى أن ننظر جنوبا وأن علينا أن نتجه بكل قوانا إلى الشمال.. شجع على هذا التباعد علاقات شراكة جديدة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية فى بداية السبعينيات.. وكانت هذه إحدى نقاط الخلاف فى ذلك الوقت فمازالت الشعوب الأفريقية تعتقد أن أمريكا هى رأس الاستعمار الغربى وهنا بدأت الدول الأفريقية تشعر بتغير ما تجاه مصر وعلاقاتها بالغرب..
رغم أن حرب أكتوبر كانت إنجازا تاريخيا ونصرا عسكريا لمصر والعالم العربى إلا أنها كانت كارثة اقتصادية لدول أفريقيا بسبب ارتفاع أسعار البترول.. لقد استوعب الغرب الزيادة ورد عليها برفع أسعار صادراته ومنتجاته التى تغطى أسواق العالم ولكن دول أفريقيا لم يكن لديها ما تصدره أو ترفع أسعاره.. وتحملت هذه الدول خسائر فادحة فى أسعار شراء البترول من العرب..
ولا شك أن ذلك ترك آثارا سلبية على العلاقات بين أفريقيا والعرب ومنها مصر لقد شعرت هذه الدول أن أصدقاء الأمس تنكروا لتاريخ طويل من النضال المشترك ومواجهة الفقر والتخلف.. وجاءت اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل صدمة أخرى للشعوب الأفريقية خاصة أن الكثير من هذه الدول كانت تقاطع إسرائيل وترفض إقامة علاقات معها بحكم ارتباطها بقضية الشعب الفلسطينى والدور المصرى فى تحرير الشعوب والمعارك التى خاضتها مصر ضد الاستعمار الغربى ولا شك أن إسرائيل كانت ومازالت صنيعة هذا الاستعمار..
تخلينا عن أفريقيا فتخلى عنا الأفاررقة
هناك أسباب أخرى للتباعد كان أبرزها أيضا أن مصر تخلت عن دعمها للشعوب الافريقية فى مواجهات كثيرة.. لقد شهدت دول أفريقا حروبا أهلية ودينية وعرقية ولم تسع مصر إلى لم الشمل بين أبناء هذه الشعوب، بل إنها أحيانا ساندت أطرافا ضد أطراف أخرى.. والغريب فى الأمر أن مصر ساندت أيضا قيادات أفريقية كانت مدعومة بالاستعمار الغربى وتعمل ضد شعوبها..
وكان هذا فى رأى الأفارقة يمثل تناقضا صريحا فى سياسة مصر التى كثيرا ما شجعت حركات الاستقلال الوطنى ضد القوى الاستعمارية الغربية ثم ساندت مرة أخرى زعامات وقيادات صنعتها هذه القوى وفرضتها على الشعوب فرضا وكان النموذج الصارخ فى ذلك ما حدث بعد اغتيال لولومبا.. واختفاء سيكتورى ونكروما ونيريرى وغيرهم من الزعماء الذين قادوا حركات التحرير وعلى المستوى الشعبى انطلقت كتائب التبشير الدينى تجتاح القارة السمراء لتؤكد الوجود الغربى بعد الاستقلال..
الدبلوماسية المصرية تقطع كل الروابط
ورغم الخلافات الشديدة بين فكر القيادة المصرية بزعامة جمال عبدالناصر وامبراطور الحبشة هيلاسلاسى إلا أن عبدالناصر استطاع أن يقيم علاقة متوازنة مع الإمبراطور الحبشى حرصا على العلاقات التاريخية بين مصر والحبشة وفى مقدمتها مياه النيل.. واستخدم عبدالناصر كل أساليب التقارب ليصنع صيغة تاريخية فريدة فى لغة المصالح بين بلدين مختلفين سياسيا جمعتهما مصالح تاريخية مشتركة تجسدت فى مياه النيل ومشروع السد العالى وروابط دينية بين كنيستين ظلت زمنا طويلا..
أن أغرب ما فى هذه القضية أن هذا الرصيد الذى صنعته مصر فى سنوات طويلة قد تلاشى فى فترات زمنية قصيرة.. ولم يكن هذا الرصيد من صناعة ثورة يوليو وحدها ولكن سبقته علاقات وصراعات قديمة حول مياه النيل ابتداء من عصر محمد على مرورا بعصر إسماعيل ودور انجلترا فى ذلك كله خاصة أن علاقات مصر بالسودان كانت جزءا أساسيا من هذه التركيبة طوال عصر أسرة محمد على فى حكم مصر والسودان..
قلت: توارت أشياء كثيرة من تاريخ العلاقات المصرية الأفريقية حتى وصلت بنا الأحوال إلى ما رأيناه أخيرا فى المؤتمر الوزارى لدول حوض النيل فى شرم الشيخ..
لقد تقطعت كل الروابط الدينية بين الكنيسة فى إثيوبيا والكنيسة فى القاهرة ولم تحاول القاهرة الإبقاء على شىء من هذه العلاقات وهى بلا شك كانت من أهم الروابط بين الشعبين فى مصر والحبشة..
تراجعت كل العلاقات السياسية أمام سفارات لا تعمل وسفراء تعاقبهم مؤسسات الدولة بالعمل فى القارة السمراء ومكاتب تجارية لا عمل ولا نشاط لها.. بل إن مصر فى عهد الخصخصة قامت بإغلاق جميع المكاتب التجارية المصرية فى أفريقيا وباعت منشآتها ومبانيها..
بقيت العلاقات بين مصر ودول أفريقيا تتركز فى زيارات بعيدة لبعض صغار المسئولين، بل إن مصر توقفت عن مشاركة وفود رسمية عالية فى مؤتمرات القمة الأفريقية والمؤسسات التابعة لمنظمة الوحدة الأفريقية وحدثت فجوة واسعة فى الأنشطة الأهلية والمدنية ترتب عليها غياب كامل لمصر بكل مؤسساتها فى دول أفريقيا ابتداء بالبعثات الدينية والتعليمية وانتهاء بدور الأزهر الشريف..
لا شك أن أفريقيا كانت أولى بنا.. وكنا الأولى بها ولكن أخطاء كثيرة ارتكبتها الأجهزة المسئولة فى مصر ترتبت عليها كل هذه الآثار السلبية..
حصتنا فى النيل تدفع الثمن
والآن حدثت الموقعة الكبرى وقررت دول حوض النيل السبع أن تخرج على الوفاق وان تضع برامج لسياساتها تجاه مياه النيل بعيدا عن مصر والسودان.. نحن الآن أمام كتلة سياسية واقتصادية جديدة تضم دول المنبع وهى إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا والكونغوا واريتريا ورواندا وبوروندى.. لقد حضر اجتماعات شرم الشيخ 8 وزراء مما يؤكد أهمية المؤتمر الذى ترتبت عليه أخطر السلبيات فى المفاوضات حول مياه النيل..
إن الصراع الدائر الآن بين دول المنبع السبع ودول المصب مصر والسودان لا يمكن أن نقف أمامه ببساطه كما حدث فى مرات كثيرة سابقة.. ولا يعقل أن يقف وزير الرى المصرى د.محمد نصر الدين علام ليؤكد أن ما حدث لا يدعو للانزعاج أو يعلن عن تفاؤله بالنسبة للمستقبل وأين مبررات هذا التفاؤل وعلى أى أساس يقوم..
أن دول المنبع تطالب بإلغاء جميع الاتفاقات السابقة حول مياه النيل ابتداء بالحصص وهى 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان.. ودول المنبع تطالب بنسب متساوية لدول حوض النيل دون أى اعتبار لعدد السكان أو المساحات أو كميات المياه المطلوبة.. هذه الدول تطالب أيضا بإلغاء بند الرقابة المسبقة على المشروعات التى تقام على مجرى النهر دون التشاور مع دول المصب مصر والسودان وهذا حق قررته اتفاقيات دولية سابقة مضى عليها عشرات السنين ماذا عن 20 مليون فدان قامت بتأجيرها دول المنبع إلى الصين والهند والدول العربية الشقيقة لزراعة محاصيل تنتج الطاقة البديلة ومن أين ستأتى المياه اللازمة لرى هذه الملايين من الأفدنة..
أن مصر تتمسك بحقها التاريخى فى المياه فى حين ترفض دول المنبع ذلك.. كما أن مشروعات المياه فى مصر لا يمكن أن تؤثر على الدول الأخرى لأنها آخر ما يصل من ماء النيل ولكن أى مشروعات أخرى تؤثر على حصة مصر من المياه..
إسرائيل تتلاعب بالكواليس
هناك تاريخ طويل من المفاوضات بين دول حوض النيل بدأت فى أديس بابا عام 1902.. وفى أوغندا عام 1929 ثم كانت اتفاقية 1959 التى حددت حصة مصر والسودان فى مياه النيل.. كان هناك اقتراح مصرى سودانى بإنشاء مفوضية لدول حوض النيل تكون مهمتها تطوير العلاقات بين دول المصب والمنبع وتمويل المشروعات المشتركة وإنشاء شبكات للكهرباء والتعاون فى الإنتاج الزراعى..
ولكن دول المنبع أصرت على توقيع اتفاق إطارى يتعارض تماما مع مطالب مصر والسودان وهنا رفضت مصر والسودان توقيع هذا الإطار لأنه مخالفة صريحة للقانون الدولى واتفاقيات تاريخية يجب احترامها والالتزام بها..
والآن نحن أمام مرحلة جديدة قد تشهد صراعات لا أحد يعرف مداها بين دول حوض النيل لأن الخلافات والتعارض فى المواقف أصبح الآن يهدد هذه العلاقات لقد استمرت آخر جلسات مؤتمر شرم الشيخ 20 ساعة متصلة ولم يستطع وزراء الرى فى دول حوض النيل الاتفاق على شىء.. هناك من يؤكد أن إسرائيل لعبت دورا كبيرا فى إفساد هذا المؤتمر من خلال التأثير على موقف إثيوبيا بصفة خاصة.. ورغم أن رئيس وزراء مصر د.أحمد نظيف قام برحلة مهمة إلى إثيوبيا منذ شهور قليلة إلا أن نتائج هذه الزيارة لم تترك أثرا فى مفاوضات شرم الشيخ ويبدو أن زيارة ليبرمان وزير خارجية إسرائيل لإثيوبيا كانت أكثر تأثيرا.
والآن نحن أمام موقف خطير للغاية..
هناك انقسام واضح فى موقف دول حوض النيل حيث توحدت مواقف دول المنبع وهى فى خلاف كامل مع دول المصب مصر والسودان..
هناك مشروعات تقام فى أكثر من دولة على مجرى النيل وهذه المشروعات تتعارض تماما مع اتفاقيات دولية سابقة ترتب أوضاعا وحقوقا منذ عشرات السنين فما هو الحل الآن وما هو موقف المجتمع الدولى والمؤسسات الدولية والقانون الدولى من ذلك كله..
هناك ما يشبه حالة الرفض والتمرد من جانب دول المنبع كيف يمكن أن تستعيد دول المصب تأثيرها ونفوذها القديم فى هذه الدول من اجل الوصول إلى اتفاق يرضى جميع الأطراف ويحفظ مصالحها..
آفاق جديدة للحل..كيف؟
أن مطالب دول المنبع بالتوزيع المتساوى للمياه على جميع الدول يتناقض مع كل البديهيات من حيث عدد السكان واحتياجات كل بلد ولا يعقل أن يتساوى شعب تعداده 80 مليون نسمة مع شعب آخر تعداده 3 أو 4 ملايين نسمة..
أن موارد مياه النيل تصل إلى 1300 مليار متر مكعب لا يصل منها إلى مصر إلا 84 مليار متر مكعب أى حوالى 5% فقط من مياه النهر.. وهنا يجب وضع خطط مشتركة لضمان استثمار المياه بصورة أفضل على امتداد دول المنبع والمصب وهى تكفى الجميع بكل المقاييس ولكن المهم ترشيدها من البداية..
لابد من وضع خطط طويلة المدى لترشيد استخدام المياه فى الزراعة ومشروعات للربط الكهربائى وتنمية الثروة السمكية ومواجهة ورد النيل وإنشاء مشروعات للرى والصرف والصناعات المشتركة وفتح آفاق جديدة للتعاون بين دول حوض النيل..
وهنا أيضا يجب أن تعيد الدبلوماسية المصرية وجودها وتأثيرها فى دول حوض النيل.. لا يمكن أن نطالب بأن تعود العلاقات كما كانت فى زمان مضى فالزمان اختلف والأيام لا ترجع للوراء ولكن يجب أن نمد جسور التواصل بالقدر المتاح وان نفتح مجالات جديدة للتعاون وأن نواجه بحسم المؤامرات الخارجية التى تسعى إلى تشتيت دول حوض النيل خاصة الدور الإسرائيلى المريب وأدوار أخرى شبيهه يقوم بها الغرب لأسباب نعرفها جميعا..
وقبل ذلك كله نحن فى حاجة إلى سفارات نشيطة فى أفريقيا تعيد المياه إلى مجاريها فقد أهملنا هذه الدول زمنا طويلا والآن ندفع ثمن هذا الإهمال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.