تدور في مصر الآن معركة حامية الوطيس بين أنصار التيار المدني بكافة فصائله من العلمانيين والماركسيين والليبراليين أنصار الفكر التغريبي وبين التيار الإسلامي عمومًا ووصل الصراع ذروته في هذه المرحلة التي يمكن أن نسميها مرحلة الاستقطاب ومحاولة كل فريق أن يقصي الفريق الآخر بالتصويت بنعم أو لا على الدستور التي جاءت نتيجته بنسبة 64% تقريبًا وهي نسبة متوقعة منذ البداية وقد أسفر التيار المدني العلماني عن خصومة سافرة خصوصًا بعد الإعلان الدستوري الأخير للرئيس محمد مرسي الذي حصن به قراراته وحصن به حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور من الحل على يد المحكمة الدستورية التي نصبت من نفسها سلطة فوق كل السلطات وباتت تتربص بالرئيس وقراراته فقد أكدت التقارير أن المحكمة الدستورية تتربص بهما كما فعلت من قبل مع مجلس الشعب حينما حكمت بحله قبيل ظهور نتيجة انتخابات الرئاسة بأربع وعشرين ساعة هذه المعركة وصلت لذروتها بصورة لا أظن أن الوئام سيعود بين الطرفين إلى سابق عهده من الود المفقود كما أن الهدنة التي طبعت العلاقة بينهما بعد الثورة حينما اتحد الجميع في مواجهة استبداد وفساد نظام مبارك قد ولى إلى غير رجعة. أظن أن هذه هي الصورة كما تبدو في الظاهر أو القراءة العجلى المسطحة للأمور وحقيقة الأمر أن هذا هو التشخيص المخل للأمور لأن الحقيقة الواضحة والقراءة الصحيحة للأمور توضح بصورة لا تدع مجالًا للشك أو المراء أن هناك صراعًا حقيقيًا وجوهريًا بين فكرتين ألا وهما الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية أو بمعنى آخر بين مشروعين يحاول كل منهما أن تكون له الكلمة العليا والمشروعية في مصر بعد الثورة فالفكرة الإسلامية كانت مضطهدة ومغيبة عن المشهد قسرًا وعمدًا ليس فقط منذ قيام ثورة 1952 بقيادة الضباط الأحرار التي رعتها في المهد الولاياتالمتحدةالأمريكية لتضمن قيامها على النسق الغربي والمشروع الغربي لضمان شرق أوسط ومنطقة عربية غنية بالنفط تحت السيطرة ولكن الحقيقة أن المشروع الغربي والفكرة الغربية كانت لها اليد الطولى والغلبة منذ بداية مشروع النهضة والتحديث في مصر في عهد محمد علي ولذلك فهذا المشروع الغربي تجذر في الواقع وله مؤسساته ورجاله وصحفه وإعلامه وأبواقه السياسية والاقتصادية والقانونية والإعلامية التي ترعاه وتتكسب منه بمعنى أوضح هذه الفكرة الغربية هي الدولة العميقة التي مازالت تسيطر على مفاصل الحياة في مصر بكافة أشكالها ويقاتلون بكل قوة للحفاظ على دولتهم بكل مكاسبها وفسادها لأنهم يعلمون بعد الثورة أن الشعب المصري استرد حريته ويريد أن يعود لطبيعته الإسلامية ويحيي مشروعه الإسلامي بكافة أشكاله كمشروع حضاري فكري نهضوي قادر على أن يحقق للوطن الاستقلال الفكري والسياسي والاقتصادي كمشروع حضاري متكامل الفكر والرؤية بعيدًا عن أن يظل المجتمع يدور في فلك الفكر الغربي والرؤية الغربية مرتبطًا بمراكز صناع القرار في أمريكا وأوروبا خادمًا مطيعًا. وقد تبدت هذه المعركة سافرة تكشر عن أنيابها خصوصًا على يد التيار المدني العلماني حينما لاح في الأفق أن الأمور تسير على غير ما يحبون وحينما أدركوا أن الرئيس محمد مرسي يقظ لتآمرهم على تعطيل الدولة ومحاولة إفشاله بكل الوسائل فدبجوا المقالات وظهرت أبواقهم في الفضائيات وعلى مواقع التواصل في شن حملة ضارية ضد استبداد الرئيس وجماعته والتيار الإسلامي عمومًا بدعوى أنهم جماعة استبدادية ظلامية رجعية تتستر بالدين للوصول لهدفهم وهو إقامة دولة دينية تفزع الناس وتهدد أمنهم النفسي والاجتماعي وتعيدنا قرونًا للوراء كما هو الحادث في أفغانستان والصومال من يتابع الصحف والفضائيات المصرية خلال الفترة القليلة الماضية بعد الإعلان الدستوري للرئيس يدرك أن هناك حربًا أهلية بين جموع المصريين وأن المجتمع المصري انقسم إلى غير رجعة وفقد بوصلته الهادية وضل في بيداء الصحراء نتيجة للهجمة الشرسة من كل رجال التيار المدني بكافة طوائفه من علمانيين وماركسيين واشتراكيين ومنتفعين من أركان فساد النظام السابق قد تحالفوا جميعًا للتشبث بفكرتهم ومشروعهم إلى آخر رمق. وسوف تظل هذه الأبواق تتمترس خلف هذه الأفكار حتى تترنح ويفقدوا الأمل بفضل وعي ويقظة الشعب المصري الذي فطر على حب الدين كملاذ آمن من الظلم والاستبداد ومن استغلال الإنسان واستعباده إن هذه الحرب حرب وجود وسوف يكلل فيها النصر للحق ولإرادة الشعب بعيدًا عن الغوغائية والشعارات الجوفاء التي انكشفت وظهر بوارها. [email protected]