الجدل حول هوية مصر هو أكثر القضايا الاشكالية التي لم تحسم وتكرر طرحها كثيرا في اعقاب الثورة والحديث عن طبيعة الدولة التي يريدها الشعب في المستقبل. وكلما تحركنا الي الامام تفجر سؤال الهوية حتي كاد يطغي علي غيره من القضايا التي تشكل اولويات قصوي لا تحتمل التأخير. وقد فتح باب الجدل علي مصرعيه مجددا عند تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وفشل القوي الوطنية في الاتفاق علي صيغة توافقية لتشكيلها. ومما فاقم الموقف اعلان بعض القوي الوطنية الانسحاب من الجمعية لوجود تخوفات جدية علي الهوية المصرية بسبب التمثيل غير المتوازن الذي يرجح كفة التيار الاسلامي. والسؤال هنا هو: من الذي يريد إستدراج المصريين الي فخ التنازع حول هوية؟ انتقد الدكتور عبد الحي سالم. الاستاذ بكلية اللغاتوالترجمة جامعة الازهر- محاولات بعض التيارات السياسية لجر مصر الي فخ التقسيم والاستقطاب والتطاحن حول الهوية. وقال ان قضية الهوية مفتعلة وهناك من يسعي لنشر بذور الشقاق واشعال المواقف وتصوير الامر علي انه صراع بين التيارات حول الهوية ووجود تهديد للحالة المصرية السياسية والاجتماعية. ويؤكد أنه في كل تحرك للامام تجد من يثير مسألة الهوية وتطرح افكار ومقولات واجتهادات لا يحكمها معيار علمي او فكري رصين وانما يتحكم فيها اعتبارات سياسية متغيرة ويكون هدفها تعطيل انجاز اي شيء علي ارض الواقع. ولفت الي أن احد المغالطات السائدة حول الهوية اصرار التيار العلماني علي الخلط بين الدولة المدنية والدولة الدينية. وتمييع الفروق الجوهرية المحكمة. حيث يتجاهلون حقيقة أن المدنية ضد العسكرية والدينية ضد العلمانية. ويدعون كذبا أنهم يريدون الدولة المدنية لا الدينية علي الرغم من عدم وجود اي فصيل سياسي او فكري في مصر يريد الدولة الدينية بمفهوم العصور الوسطي المظلمة. والكل بما في ذلك التيار الاسلامي ينادي بالدولة المدنية. ويوضح أن الشقاق بين التيار العلماني والإسلامي مقصود بهدف صرف الانظار عن خطورة الدولة العسكرية ولافشال المشروع الاسلامي الذي يحتل مكانة محترمة في الشارع. مبينا أن الحديث عن وجود تهديد وخوف علي الهوية مكابرة لاجهاض التحول الديمقراطي الذي اعقب الثورة. وتسأل كيف يتم تغيير هوية إسلامية إلي هوية إسلامية؟. وقال الاعلام وبعض النخبة هم من يلحون علي هذه القضية ويستدعونها في توقيتات يفترض فيها أن تعمل كافة القوي علي لم الشمل وتوحيد الصف وليس افتعال الخصومات والمشاحنات وتفتيت المجتمع وتكريس الانقسام بين اطيافه حتي نظل جميعا داخل النفق المظلم. وأكد أنه يجب الانتباه بشدة لهذا الفخ وعدم تمكين صانعيه من فرضه علي الجماعة الوطنية. لافتا الي ان النخبة عليها مسئولية مقاومة وفضح هذا العبث الذي يستهلك طاقتها والكف عن الاستجابة لمناورات من يريدون جر الوطن الي عهود الديكتاتورية وعصور الفساد وحماية المكتسبات التي تحققت بفضل ثورة بناير. لا تهديد و لا تنازع نفي الدكتور كمال حبيب. المفكر المعروف ورئيس حزب السلامة والتنمية. وجود تهديد للهوية المصرية أو تنازع حقيقي بين الاطياف السياسية والاجتماعية والفكرية في مصر حولها. مبينا أن مصر لديها هوية راسخة وقوية لا يمكن لفعل وعوامل التغير أو التطور أن توهنها. كما لا يمكن لفصيل أو تيار ما أن يعبث بمكوناتها. وقال ان العروبة والإسلام هما الهوية الأكبر والأعمق لمصر. بالاضافة الي وجود هويات فرعية أخري. مضيفا انه في أوقات التحولات والازمات تظهر هذه الهويات الفرعية بين الحين والآخر. ولفت الي أن عروبة مصر وعدم عزلها عن محيطها العربي وإسلامية مصر التي تسري في عروق أبنائها وحضارة مصر الإسلامية التي كانت نتاجا مشتركا بين المسلمين والمسيحيين واليهود الذين أقاموا في مصر هي الأسس التي رسمت معني الهوية لمصر وأجابت عن سؤال الهوية. مؤكدا أن الحضارة الاسلامية لم تعرف أبدا في كل تاريخها الاستبداد الديني. فلم يعلن حاكم مستبد أنه يستبد باسم الإسلام. بل كان يستبد باسم مطامحه ومصالحه ومن يمثله اجتماعيا وسياسيا. وكان الدين هو الإطار الذي يقاوم من خلاله المناضلون هذا الاستبداد. أي أن الدين الإسلامي كان أرضية لمقاومة الاستبداد ولم يكن هو أبدا عنوانا لأي استبداد. وذكر أن الأسئلة المركزية في علم السياسة والاجتماع المعاصر لم تعد حول البواعث الاقتصادية التي كان التحليل الماركسي يتبناها. مبينا أن التركيز ينصب علي المعاني مثل الكرامة الإنسانية. والظلم السياسي والاجتماعي. والعدالة الاجتماعية. واحترام الآخر. وشروط الحياة الآمنة. وتحسين الحياة اليومية للإنسان بحيث لا يشقي ولا يضحي. وقال ان التحليل الثقافي أصبح هو المدرسة السائدة لفهم ما يجري في المجتمعات كلها. وتواكب ذلك مع صعود عودة الإنسان للدين والبحث عن اليقين فيه. فلم تعد الحداثة ولا ما بعدها تستطيع الإجابة عن أسئلة الإنسان المعاصر الحائرة. ومن هنا كانت العودة للدين ليس في مصر والعالم العربي. وإنما في الدول الغربية ذاتها. مضيفا أن الجدل والصراع والتدافع والاصطدام حول قضايا الهوية أمر مفهوم لانها قضية تفوق في اهميتها الصراع حول القضايا الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية. وقال انه لا يجب أن نقع في الجدل العقيم حول هوية مصر وننشغل عن القضايا المصيرية الاخري. مؤكدا أن المصريين يعرفون هويتهم وليسوا بحاجة للتجادل حولها. فهم عرب مسلمون. شاركوا في بناء حضارة استمرت لأربعة عشر قرنا كانت تعبيرا عن التسامح والتعاضد والتآلف والشعور بالراحة والاطمئنان. اعتبر الدكتور عصام عطية. الاستاذ بجامعة قناة السويس. ان الخوف علي الهوية من الدولة الدينية فزاعة جديدة يسعي بعض انصار الليبرالية المتطرفة والعلمانية الفجة الي تكريسها في العقلية الجمعية للمجتمع المصري. مؤكدا أن الجدل حول القضية عبثي لان جميع قوي التيار الاسلامي ترفض الدولة الكهنوتية وقدمت من التطمينات والضمانات ما يبث الطمأنينة في النفوس ولكن هناك من ينفخ في الموضوع لتحقيق اهداف خبيثة. وقال ان الاصرار علي الطعن في صدقية التيار الاسلامي ورفض توحيد الصف والتنازع يفضي الي حالة التخبط التي نعاني منها جميعا علي كافة المستويات. موضحا أن جانبا كبيرا من النخبة لا يريد الاستفادة من حوادث تاريخية وممارسات سياسية جرت في مجتمعات اخري وتسببت في وقوعها في دوامة المنازعة حول الهوية واصابها الخراب والتدهور والضياع بفعل هذه الطروحات السياسية العقيمة. وحذر من وجود مخطط يستهدف ليس المشروع الاسلامي وانصاره فقط ولكن اجهاض الثورة والعودة بالاوضاع الي ما قبل ثورة يناير. مشيرا الي أن الاحزاب ذات المرجعية الاسلامية اعلنت انها ملتزمة بمدنية الدولة وبوثيقة الازهر ودولة القانون والدستور وبالرغم من ذلك نجد حملات اعلامية منظمة تهاجم الاسلاميين باعتبارهم حجر عثرة امام اتمام تشكيل الجمعية التأسيسية بالتوافق. ويصبح من حقنا التساؤل حول من يريد عدم انجاز مصر الدستور الذي يعد احد أهم استحقاقات ثورة يناير. فرصة تاريخية أكد الدكتور محمد عمارة. عضو مجلس الشعب المنحل. أن الامة تمتلك فرصة تاريخية لبناء دولة متحضرة ومتقدمة بانجاز دستور يحقق تطلعات كل الشعب المصري. ولفت الي أن اقحام الهوية في الصراع السياسي لن يؤدي سوي التعميق من التشرذم والخلاف واهدار حقوق المواطن المصري الذي قام بالثورة لينعم بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وقال ان الجماهير تعول علي نخبتها السياسية والفكرية في انجاز اهداف الثورة وليس اشعال كل الوطن بمعارك وهمية تزيد حدة الاستقطاب وتأخذنا جميعا بعيدا عن مسئوليتنا ازاء مجتمعنا الذي يريد القضاء علي الفساد والفقر والجهل والمرض والانطلاق بمصر الي الامام وبما يحقق مكانتها الاقليمية والدولية. وشدد علي ضرورة دراسة تجارب الامم الناهضة التي خطت نحو الديمقراطية خاصة الماليزية والتركية. مطالبا القوي السياسية والفكرية بالانتباه واخذ العظة من التجارب السياسية لمجتمعات سقطت في هوة المجادلات والتربص والاستقواء وعدم ادراك خصوصية حالة الوطن ودفعت ثمنا باهظا من استقرارها ووحدتها وسيادتها ووصلت الي مرحلة من التدهور والتخلف لم تتخلص منها حتي الان. ويؤكد أن الفشل مصير محتوم لاي محاولات لاستجلاب تجارب مصنوعة في الخارج. مضيفا أن الجميع متفق علي الاحتكام الي وثيقة الازهر التي تؤكد علي تأسيس الدولة الوطنية المدنية الدستورية الحديثة التي تعتمد علي دستور ترتضيه الأمة يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة ويرسي نظام ديمقراطي راسخ يحترم الحريات والحقوق. ويجب أن نتخلص من الترهات والافكار التي عانينا منها طوال عقود واستفاد منها النظام الديكتاتوري في اجهاض اي محاولة لبنا الوطن.