درج أنصار التيار العلمانى من الماركسيين والمستغربين ومن دار فى فلكهم من أصحاب الأجندات الخفية وأنصار التغريب فى فكرنا العربى والإسلامى الحديث والمعاصر على استخدام مجموعة من المصطلحات ترديدا أجوفا لبعض غلاة المستشرقين الذين ناصبوا الإسلام العداء أمثال بلاشير ونودلكه وجون واسنبرو وكوك وكراون وغيرهم من أنصار محاولة محو القداسة عن القرآن الكريم والتعامل معه كنص بشرى تاريخى استوحاه محمد من الكتب المقدسة السابقة كالعهدين القديم والجديد وأنه إذا كان صالحًا لزمانه فهو غير صالح لزماننا عصر العلم والديمقراطية والحداثة كما أنه يجب علينا أن نتعامل معه كنص بشرى نقدًا وتأويلا وتعديلا فيجوز إعادة ترتيبه حسب النزول وقد قام على هذا الفكر التغريبى فريق من الباحثين العرب أمثال محمد عابد الجابرى المغربى ومحمد أركون الجزائرى وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفى من تونس وحسن حنفى ومحمود أمين العالم ونصر حامد أبو زيد من مصر وجلال صادق العظم والطيب تزينى ومحمد شحرور من سوريا ومعظم هؤلاء تقريبا لهم خلفية ماركسية تنظر للدين بعداء وقد استطاع هؤلاء تسويق بضاعتهم وأفكارهم بعد تمكنهم من السيطرة على الساحة الثقافية فى بلادنا طوال أكثر من نصف قرن فاحتلوا مساحات كبيرة من الصحف وشاشات التليفزيون كما تقلدوا فيها المناصب وقد وظفوا مجموعة من المصطلحات الغربية الدلالة والمضمون فى فكرنا الحديث والعاصر بمدلولات مغايرة تماما لمعناها فى تراثنا والتى تناقض الدين فى الأساس مثل الأنسنة والعقلانية والتاريخانية والعلمانية والتنوير وغيرها من المصطلحات ولهذا قررنا أن نقوم بكتابة سلسة مقالات لتوضيح حقيقة هذه المصطلحات فى بيئتها الأصلية فى الفكر الغربى وكيف تلاعب هؤلاء بعقول المقلدين لهم فى ثقافتنا فرددوا خلفهم هذه المصطلحات بلا وعى ولا فهم حقيقى لدلالتها ومضمونها وسنبدأ بالحديث عن مصطلح الأنسنة وهو مصطلح غربى وأصله بالإنجليزية Humanism وهو مصطلح معناه النزعة الإنسانية ويقصد به فى الثقافة الغربية نزعة دنيوية بعيدة عن الفكر الدينى وقد ظهر هذا الممصطلح مع بداية القرن التاسع عشر فى اللغات الأوروبية واستخدم للتعبير عن تلك النزعة الإنسانية التى سادت فى النهضة الأوروبية التى شاعت فى كتابات الأدباء والمفكرين بعد التخلص من سيطرة الكنيسة الغربية على مجمل الحياة ووقوفها بالمرصاد لكل فكر علمى ونهضة إنسانية بالعداء وقد ساد عصر النهضة الأوروبية حركة نقد شديدة للكتب المقدسة خصوصا لعهدين القديم والجديد وصلت لدرجة أن ذهب بعض المفكرين إلى التشكيك فى حقيقة المسيح ووجوده أصلا والزعم بأنه شخصية أسطورية لا أصل لها وقد ظهر هذا النقد فى أعمال أمثال فيورباخ ونيتشه وليسنج وفولتير وغيرهم من مفكرى عصر النهضة. وقد شاع مصطلح الأنسنة فى فكرنا العربى الحديث والعاصر بفضل أنصار التيار التغريبى خصوصا على يد الجزائرى المولد الفرنسى الإقامة والعمل محمد أركون الأستاذ فى السربون وله كتاب بعنوان: " الإسلام والأنسنة: معارك من أجل الأنسنة فى السياقات الإسلامية " ويخلص أركون إلى أن الفلسفة الإنسانية الديمقراطية تعوض بقدر الإمكان عن الأضرار وأنواع البتر التى لحقت بالمسارات الأصلية والقوى الخلاقة للإنسان الباحث عن كينونة أكثر وسعادة أكثر، وعن ملاءمات أكثر غنى باستمرار عبر جهوده التى يبذلها للاندماج فى التاريخ والعالم. وهدف أركون فى هذا الكتاب وفى كل ما كتب هو تجريد القرآن الكريم من قدسيته كوحى سماوى معجز والتعامل معه كنص بشرى يجب صياغته حسب ظروف العصر والمكان. وقد استمعت لمحمد أركون فى محاضرة بالعاصمة الأمريكيةواشنطن فى ديسمبر عام 1995م فى مؤتمر الشرق الأوسط وهو مؤتمر سنوى يعقد كل عام بمدينة مختلفة من مدن الولاياتالأمريكية الكبرى وكانت محاضرة أركون تحت عنوان " تجديد الفكر الإسلامى " وكانت هذه هى المرة الأولى الذى استمع فيها لأركون وفيها كرر الكلام الذى قال به نصر حامد أبو زيد فى كتابه مفهوم النص دراسة فى علوم القرآن وقد أثارت معركة كبيرة فى الصحف أفرد لها الكاتب الماركسى لطفى الخولى صفحات جريدة الأهرام لفترة طويلة تحت عنوان معركة أبو زيد شاهين حينما رفض المرحوم الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين ترقية نصر أبو زيد لدرجة أستاذ فقام العلمانيون والماركسيون معركة شعواء ضد عبد الصبور شاهين ولجنة الترقية التى اعتمدت تقرير عبد الصبور شاهين برفض ترقية نصر أبو زيد وحينما قابلت أركون فى اليوم التالى للمحاضرة فى بهو الفندق وقلت له ما قلته بالأمس هو نفس كلام نصر أبو زيد فرد على منتشيًا هو صديق وبيننا معرفة منذ فترة طويلة. [email protected]