ودعت أولادي - صباح الأحد - إلى حضانتهم، ثم وقفت برهة أنظر إليهم، وأتخيل مأساة منفلوط وفجيعة أهلها في أولادهم. ذهبت إلى دولاب أطفالي وتخيلت أبًا لأربعة أطفال يتحسس ملابسهم، ويشم رائحتهم مع يقينه ألا عودة لهم. ثم نظرت من حولي على أحذيتهم، ألعابهم، وحتى أنواع أطعمتهم التي كانوا يرغبون في اصطحابها، فذرفت عيناي حزنًا وحسرة وكمدًا على هؤلاء البرءاء ذوي النظرات البريئة والأعواد الطرية. كم نكون سعداء عند رجوع أبنائنا يحتضوننا، ونقبل جباههم ويطلبون منا فنعطيهم، ونفتح أبوابنا فيبادروننا بالترحاب والحفاوة لانتظارهم ما في أيدينا. وعندها صببت جامّ غضبي على حكومة الإهمال والنسيان وعلى رئيسنا الذي رضي بنفسه أن يقودنا لأيدي فلول الثورة المضادة، واللذين يتفاخرون أنهم كانوا أعضاءً في الحزب الذي قامت ضده الثورة. هؤلاء - أيها الرئيس - هم اللذين يقومون بالثورة الناعمة التي قد ترسخ شعورًا عامًا بالإحباط واليأس وعدم جدوى المساندة لك، وهذا حدث ويحدث والسبب هو أنت وحدك! يا سيادة الرئيس: قد وددنا منك منذ البداية أن تحتضن القوى الوطنية المخلصة لاسيما أصحاب "فندق فير مونت" اللذين اتبعوك في ساعة العسرة، فيكونوا هم مستشاروك ووزراؤك، فهؤلاء ساندوك لا لشيء إلا لإفشال الثورة المضادة. ولو فعلت يومها لما وجدت معارضة لأي قرار ثوري يطهر البلاد من الفساد، كما حدث مع النائب العام. نرجو من سيادة الرئيس الخروج العلني للناس يضع أيديهم على بؤر الفساد، ويخبرهم بمقتضيات المرحلة الراهنة والقرارات المهمة التي يجب اتخاذها والإتيان بحكومة ثورية مخلصة، وليست إخوانية خالصة. وأذكرك بقول عمر بن الخطاب: " لو تعثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها يوم القيامة، لمَ لمْ تمهد لها الطريق يا عمر؟"، وكذلك نقول لك لو فقدنا خمسين طفلًا لسألك الله عنهم يوم القيامة، لمَ لمْ تستعن بالأكفاء يامرسي؟. سيادة الرئيس اتخذ قراراتك الثورية الصائبة، والتي قد تغضب الكثيرين من فلول النظام البائد وأذنابهم، واعلم أن رضا كل الناس غاية لا تدرك. وكما قال الشاعر: ضحكت فقالوا ألا تحتشم بكيت فقالوا ألا تبتسم بسمت فقالوا يراءي بها عبثت فقالوا بدا ما كتم صمت فقالوا قليل الكلام نطقت فقالوا كثير الكلم حلمت فقالوا صنيع الجبان ولوكان مقتدرًا لانتقم يقولون شذ ّ إذا قلت لا وإمعة حين وافقتهم فأيقنت أني مهما أرد رضا الناس فلابد أني أذم