ضحكت فقالوا ألا تحتشم *** بكيت فقالوا ألا تبتسم بسمت فقالوا يرائي بها *** عبست فقالوا بدا ما كتم صمت فقالوا كليل اللسان*** نطقت فقالوا كثير الكلم حلمت فقالوا صنيع جبان*** ولو كان مقتدرا لانتقم بسلت فقالوا لطيش به *** وما كان مجترئا لو حكم يقولون شذ إذا قلت لا *** وإمعة إذا وافقتهم فأيقنت أني مهما أردت *** رضا الناس لابد من أن أذم تلك الأبيات هي ما أتذكره حينما أشاهد أحوال المعارضة في وطننا مصر , قد تكون واحدا من فريق المعارضة لجماعة الإخوان , وقد تكون مختلفا معهم فكريا أو حتى عقائديا , وقد تلومهم على مواقف عديدة , وردود فعل متباينة , قد تختلف معهم في الرؤية , قد تختلف معهم في الوسيلة , ولكن تظل هناك نقطة مشتركة بينك وبينهم وهي حبكم لوطنكم والعمل من أجله , تلك النقطة هي التي تخلق لديك الإنصاف ..هي التي تدفعك لقول الحق حتى على خصومك ..هي التي تجعلك تعترف لهم بأنهم أكبر قوة تعمل في مصر من أجل نهضتها ..حتى لو كانت وسيلتهم لا تروق لك ...أو ترى أن وسيلتك في ذلك أفضل من وسيلتهم , سيبقى إتحاد هدفكم وهو العمل من أجل مصر هو القاسم المشترك بينكما جميعا , والذي يبقي عليكم شركاء دائما حتى وإن كنتم شركاء متنافسين , أما إذا إختلفت الوسيلة واختلف معها الهدف أيضا , فلا مكان لإتفاق بينكما , وهذا بالضبط ما يحدث الآن بين الجماعة في موضع السلطة والغالبية العظمى من المعارضة ....وخاصة تلك المعارضة التي تملك صوتا عاليا ولا تملك أي فعل , تملك وسائل الإعلام والشحن والتعبئة ولا تملك قوة على الأرض , تسمع منها جعجعة ولكن بلا طحين ... حيث نرى من ردود أفعالهم عجب العجاب , نشاهد أناسا تحيا من أجل هدف واحد : ألا وهو إفشال الرئيس و إحراج جماعته و تشويه صورتهما أمام المجتمع الذي اختارهما وأيدهما...ومن أجل تحقيق هذا الهدف تستباح كل الوسائل : المشروعة وغير المشروعة , النظيفة والملوثة , البريئة والفاسدة , وشعارهم الأول والأخير : نحن عكس ما يقوله الرئيس , نحن ضد كل ما يتخذه من قرارات , فالرئيس مخطئ إذا إتجه يمينا والرئيس مخطئ إذا إتجه يسارا , والرئيس مخطئ إذا تقدم للأمام , وهو مخطئ بالطبع إذا تراجع للخلف ...كما أنه مخطئ جدا إذا وقف في مكانه , هو مخطئ في كل حركاته وسكناته , وما ننادي به اليوم ونتمناه يصبح خطأ فادحا إذا فعله الرئيس غدا , وهو خطأ أبشع إذا لم يفعله , حيث كان في نظرهم ضعيفا ولا يملك القوة والجرأة حينما كان الإعلان الدستوري المكبل جاثما على أنفاس المصريين , كما أصبح يعتدي على السلطات القضائية حينما ألغاه , كان في نظرهم نصف رئيس وليس رئيسا حقيقيا حينما كان العسكر يملكون سلطات موازية لسلطات الرئيس , و هذا بالنص ما كتبه صحفي شهير على جريدة الأهرام ...وهو هو ذات الصحفي- بعد قرار الرئيس بإقالة عنان وطنطاوي - يكتب مقالات عن تغول الرئيس ورغبته في الإستئثار بحكم مصر والسيطرة على كل شئ فيها . يصرخ الجميع مولولين مطالبين بإزالة رؤوس الفساد و تحقيق مطالب الثورة بالتغيير الفعلي والشامل لبنية مؤسسات الدولة والتي صنعها مبارك وقام بتفصيلها على مقاسه , ووضع الدودة فيها في أصل الشجرة , فلا تنتج لنا تلك المؤسسات سوى ما هو فاسد وعطن , وحينما يقوم الرئيس بتغيير كل رؤوس تلك المؤسسات وخاصة الرقابية منها والتي كانت أصل الفساد والإفساد في مصر ومعها مؤسسة المخابرات بعد تلك النكبات المتتالية على مصر وآخرها حادثة مقتل الجنود في رفح , تتحدث تلك المعارضة المريضة ومعها فرقة الصراخ والنواح والعويل : عن رغبة جماعة الإخوان في أخونة الدولة والسيطرة على مقاليد الأمور فيها , وتظل أجهزة الإعلام لدينا تحلل وتنظر وتناقش أياما وأسابيع ..في الحكمة و التفسير من القسم على القرآن العظيم ... وبعد أن سمعنا جميعا بآذاننا ورأينا بأعيننا ووعينا بعقولنا ما كتب ونشر وأذيع على مختلف الوسائل الإعلامية من كل فرد من هؤلاء واتفق معهم أغلب الثوار وعائلاتهم وعائلات الشهداء وكل إنسان شارك أو شجع أو حتى تحمس فقط لتلك الثورة : عن ذلك المطلب الذي اشترك هؤلاء جميعا في النداء به والإصرار عليه وهو ( إقالة النائم العام ) - هكذا كانوا يطلقون عليه ...ويكتبونه على لوحاتهم في ميدان التحرير ...., وبأم عيني شاهدت فور ظهور براءات المتورطين في موقعة الجمل ..جميع فضائياتنا الكئيبة تندب وتولول على خطأ الرئيس الشنيع وتقصيره المريع في حق الشهداء الذي تعهد بعودة حقوقهم وحنث في وعده حينما لم يقل النائب العام حتى الآن ..ذلك النائب الذي عينه مبارك ..ومهمته كما في كل دول العالم هي كونه محام عن الشعب ..يدافع عن حقوقه المسلوبة ويأتي له بالقصاص ..ذلك المحامي الفذ الذي دافع عن الشعب في ثلاث وعشرين قضية منذ بداية الثورة وحتى الآن فلم يفلح في واحدة منهم ..ولم يرجع لنا حقا واحدا ولم يقتص لقتيل واحد ...وأصبح الجميع يتساءل ..: إذا كان هناك في ثورتنا ألف قتيل وخمسة آلاف جريح ..وليس لدينا مجرم واحد , فمن يا ترى فعل بهم هكذا , أهي كائنات فضائية أم عفاريت سفلية أم ماذا بالضبط ??? وهل تلك البراءات المتتالية هي تمهيد لخروج مبارك والعادلي من السجون ...فمن غير المعقول أن يكون مبارك قد نزل بنفسه هو ووزير داخليته ليقتلوا المواطنين بأيديهم ...وظللنا نتابع طوال العام المنصرم والعام الحالي ..الحلقات المملة لمسلسل الفشل الذريع هذا والذي هو من تأليف النائب العام ..وساعده في الإخراج كل رؤوس الأجهزة الأمنية في مصر وقت الثورة وما بعدها , وأخيرا وبعد طول إنتظار يأتي القرار الذي إنتظره الجميع بفارغ الصبر : وهو إقصاء النائب العام عن منصبه وإستبداله بشخصية مخلصة تقوم بإرجاع الحقوق لأصحابها وإنفاذ العدل على أرض مصر ...وإعادة محاكمة قتلة الثوار والمفسدين ...وحينها نفاجئ بأن اليسار أصبح يمين والغرب أصبح شرق والجنوب أصبح شمال....وكل الأمور إنقلبت رأسا على عقب ..والمتباكين بالأمس على حقوق الثوار المهدرة ..يتباكون اليوم على قرار الرئيس الذي طعن في هيبة القضاء والذي يكشف عن رغبة الرئيس في التغول داخل كل مفاصل الدول والسيطرة عليها ...والمنادون بالثورة على كل شئ ..وتطهير كل المؤسسات والتي لم يستثني الفساد أيا منها ...يتحدثون اليوم عن تحصين مؤسسة القضاء ..ويحذرون من المساس بها ..وكأن الشرعية الثورية التي أسقطت رئيس الجمهورية ليس من حقها أن تقيل النائب العام من منصبه ... المؤسسات التي إنتخبها الشعب وخرج بالملايين ليختار أفرادها ويقوم بتشكيلها ..تلك المؤسسات لا حصانة لها على الإطلاق ..ويستطيع قاض أن يحلها وينهي عليها في لحظة ...بينما من عينه مبارك فهو له كل الحصانة ..والمحكمة الدستورية التي كانت ذراع مبارك القانوني لتمرير ما يريده من قوانين ..وكان يختار قضاتها بعناية ويفرزهم من بين قضاة مصر جميعا ..هؤلاء أيضا لهم الحصانة ...وقراراتهم تعلو فوق قرارات الرئيس الشرعي المنتخب بإرادة شرعية .. ولا يجوز المساس بهم ... ويقول أحدهم بذكاء فذ ..وحكمة لا مثيل لها ....قد يستحق النائب العام الإقالة على تقصيره الشديد في كل قضايا قتل المتظاهرين ومحاكمتهم ...ولكن لا يحق للرئيس أن يفعل هذا ...لأنه ليس من سلطاته ...ولم يجيبنا هذا الفذ عن الشخصية التي يراها في نظره تستطيع إقالة النائب العام ...هل هو الأمين العام للأمم المتحدة مثلا ...للأسف هذا المنطق المقلوب والحقيقة العرجاء هي ما يحكم به من يسميهم إعلام الضلال لدينا : بالنخبة و هم في الحقيقة هم ( النكبة ) .. على مصر وشعبها ... ولكن أقول : صبرا شعب مصر ...فإن موعدكم مع إنجاح ثورتكم وإستكمال أهدافها قد أقترب جدا ..كونوا على ثقة في الله ثم في من اخترتموه لقيادة هذا البلد ..فلم نرى منه حتى الآن سوى حكمة الخبير بالأمور ..وصبر الواثق في ربه والمتوكل عليه...ولا تستعجلوا قطف الثمار ...فالأرض التي ظلت بوار ثلاثون عاما ...يرتع فيها الدود ...تحتاج بعض الوقت كي يتم تهيئتها وإعادة زرعها ...وأنسب طريقة هي تقليب الأرض باستمرار وتهويتها ...حتى تهرب منها الديدان والحشرات الضارة ...بعد أن تفضحها أشعة الشمس ...وبإذن الله في مصر الجديدة سنرى المفسدين و العابثين بأمن مصر في السجون ..وليسوا ضيوفا على برنامج تليفزيوني ...وسنرى المرضى والمعلولين والسفهاء في المصحات النفسية ...لا يحملون ميكرفونات أو أقلام مسمومة يلوثون بها وعي الشعب ويضللون عقول ابنائه ...