لا شكَّ أنَّ الرئيس مرسي أخطأ التدبير في إقالة النائب العام.. مِمَّا أعطى فرصة للثعابين والحيَّات أن تخرج من جحورها لتزوِّر الحقائق فتجعل المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ولو أحسن الرئيسُ صنعًا لجعل من إقالة النائب العام قرارًا ثوريًّا يتخذه الشعب بعد أن أُصِيب المصريون بخيبة الأمل والإحباط بعد قرار محكمة جنايات القاهرة ببراءة جميع المتهمين في قضية قتل الثوار في ميدان التحرير والمعروفة إعلاميًّا بموقعة الجمل.. فالشعب هو صاحب القرار وولِيّ الدم قام بثورةٍ أزالت أكبر قوة استبدادية في الشرق الأوسط مضحيًّا بدماء أبنائه من أجل أن يسود العدلُ البلادَ ويقيم دولة سيادة القانون، ليُصبح الحاكم والمحكوم أمام القانون سواءً.. فأين هي تلك العدالة وقد ضاعت دماء الثوار هباءً.. بل أين سيادة القانون والجناة يَمْرحون وأيديهم مُلَوَّثة بدماء الشهداء.. وأين حق شهداء الثورة وقد أخفيت الأدلة وبُدِّلت القرائن لينجو الطغاة بفعلتهم.. سيادة النائب العام ومن يدافع عن بقائه يعلمون تمام العلم أنَّ دماء شهداء الثورة تعرّضت لمؤامرة دنيئة من قبل شياطين النظام البائد الذين بقوا على كراسي السلطة بعد خلع مبارك وعلى رأسهم أحمد شفيق، حيث كانت مهمتهم الأساسية إخفاء الأدلة ومحو آثار الجريمة وتفريغ القضية من محتوياتها وتهريب القتلة أداةَ الجريمة وتقديم رءوس النظام كمحرِّضين بلا أدلة أو أحراز.. فبدت المسألة كأنَّها ضحك كالبكا.. ليخرج جلاوذة النظام البائد ألسنتهم للشعب بعد كل قضية يحصلون فيها على البراءة. ليصاب المصريون بالحسرة والندامة على تسليم السلطة للمجلس العسكري الذي تلاعب بالثورة وأضاع دماء وحقوق الشهداء. نعم المصريون يتحسّرون الآن على عدم تشكيل محكمة مستقلة للثورة أسوةً بما حدث في ثورة 52، فنحن أيها السادة لا نريد سوى القصاص العادل من قتلة الشهداء، ومحاسبة الذين أفسدوا وخرّبوا الحياة السياسية في مصر، ونهبوا وسرقوا مُقدَّرات وثروات الوطن، وباعوا شركات ومؤسسات الدولة برخص التراب.. نريد محاكمة مَن قتل وعذّب المعتقلين والدُّعاة الإسلاميين، نريد محاكمة الجناة من ضباط مباحث أمن الدولة الذين كانوا يبغونها عوجًا، نريد محاكمة المتورطين في جرائم التصفية الجسدية للجماعات الإسلامية، نريد محاكمة قتلة علاء محيي الدين، وعبد الحارث مدني، وماجد العطيفي، وخالد سعيد، وغيرهم من ضحايا أمن الدولة.. نريد محاكمة كلَّ مَن حوَّل مصر إلى مستوطنة للأمراض المزمنة من الكبد الوبائي والسرطانات والفشل الكلوي.. ونعجب كل العجب أن يتشبث النائب العام بمنصبه رغم مرضه وقد تقدّم بالاستقالة للمجلس العسكري عدة مرات لإعفائه من منصبه فلماذا العناد إذن.. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: القضاة ثلاثة, قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار.. نسأل الله العفو والعافية.. ويبقى أن نقول للجميع، إسلاميين وليبراليين، أحزابًا وجماعات: مصر الآن أمانة في أعناقنا جميعًا، فالوحدة والاعتصام هو السبيل الوحيد لبنائها ونهضتها، أمَّا الخلاف والشقاق فلا يعنِي سوى الخراب والدمار والرجوع إلى الخلف.. فأيُّ طريقٍ نختار؟