وسوس لى الشيطان الخناس لعنة الله عليه الأسبوع الماضى أن أغير بيانات بطاقتى الشخصية، ورغم ما خبرته من قبل من تجربة سوداء فى مصرنا الحبيبة فى الإطار، لكن يبدو أن أمثالى لا يتعلمون من أخطائهم، أو علّنى "تعشمت" أن تكون دورة استخراجها قد تقلصت لفاتها بعد الثورة، ولكن حدث ولا حرج إن شيئًا لم يتغير، بل وأصبح الموظفون أكثر شراسة، لاعتقادهم الخاطئ بغياب دولة القانون، فكل جالس خلف مكتب كبر حجمة أو صغر من حقة إهانة المواطنين فى زمن الفوضى الأخلاقية المتوشحة بالحرية، ولو لوحت لموظف باستخدام حقك القانونى، قال فى ثقة "روح اشتكينا حتى لمرسى هو يعنى هيعمل لنا أيه". وهكذا يا سادة، ملأت الاستمارة، وختمتها من جريدتى، ومن نقابة الصحفيين، ومن المجلس الأعلى للصحافة "وأنا أصلاً لا أعرف لماذا لا يفى ختم النقابة فقط"، ما علينا، ولأنى اعتدت خلال العشرين عامًا التى عشتها فى بلد أوروبى يحترم الآدميين رغم كل اختلافاتى معهم أخلاقيًا ودينيًا، اعتدت أن أقضى أمورى بنفسى ولا أكلف بها أحدًا عنى، أو ألجأ لواسطة لاختصار الإجراءات، فتوجهت بكل منطلقاتى هذه لمكتب تأمينات العجوزة، للحصول على رقم التأمين وختم ورق البطاقة وتوقيعه بأكثر من توقيع، وليتنى ما ذهبت. وكر التأمينات عفوًا أقصد مكتب التأمينات مقسم إلى 6 شقق، لا أعرف لماذا، إذا يطلق على كل ركن خرابة فى هذه التقسيمة اسم شقة مجازًا، وكل منها عبارة عن غرفة بشعة تنشع منها كل الروائح، والشقق متناثرة فى أركان ذات تصميم هندسى غريب حول "درابزين" السلم الواسع للعمارة، وعليك أن تتحسس خطواتك لتدخل أيًا منها بسبب الظلام الدامس الذى يبدأ من داخل المصعد الذى يوصلك للطابق الخامس، مرورًا بالممرات التى تقودك للشقق "المكاتب" انتهاءً بالإضاءة الباهتة بالشقق ليكتمل مشهد الكآبة فى تناغم مع المكاتب القديمة والمقاعدة المدمرة وجهاز الكمبيوتر الذى يشتغل حين ميسرة، والجدران المتهدمة الملوثة، ليتوج كل هذا بتكشيرة الموظفين وتعاملهم مع المواطنين كأباطرة أمامهم شرذمة من العبيد. السيدة ياسمين، وهى سيدة لا تفوح منها إلا أصوات الصراخ وكأنك تشاهد لقطات من فيلم بالمدبح، فهى تخطف منك قصاصها الورق فى تأفف وهى "تزغر" لك زغرة مخيفة، ثم تشخط "اطلع استنى بره لحد الطابعة ما تتطبع رقم التأمين"، وتصرخ فى المكدسين المذلولين بصوت خشن جهورى "فين الطابور أنا مش شايفة طابور أنا مش هاشتغل إلا لما الناس دى تقف عدل" ثم تختم ذلك بجملة ثابتة "أيه القرف ده"، والطابعة يا سادة أول طابعة عرفها التاريخ، تعمل بصوت كازيز الطائرات وبطء فذ، والسيدة ياسمين لا تتعب نفسها كثيرًا، فهى تنتظر حتى تطبع الطابعة عشرة أو عشرين ورقة بالمرة، أمعانا فى إذلالنا أمام شباكها الخانق، عسى أن نتأمل وجهها والبقعة الضيقة المحشورة بها، والنوافذ القذرة التى عليها زيوت وأتربة السنين، ثم لا تكلف نفسها لتوزع الورق الذى تلفظه الطابعة الزنانة، بل تقذفه فى وجه أحد العمال، فيهرول إلى شقة 3 ونهرول خلفه لنفوز بالورقة، ثم نتوجه إلى شقة خمسة فى طابور ثالث لدفع خمسة جنيهات رسوم، ثم إلى شقة 3 لأجدنى فى مواجهة "البج بوص" مدير المكتب واسمه محمد الشيخ كما أخبرتنى إحدى الموظفات، والذى نظر أوراقى ثم زمجر وسخر لأن الورق لا يحمل شهادتى الجامعية، وحاولت أن أستفهم عن سر طلب الشهادة رغم أن أوراقى تثبت أنى معينة ونقابية بنقابة الصحفيين ومؤمن على منذ عام 89، ويبدو أنه "مقروص من الصحفيين" فما أن علم أنى صحفية حتى قال بصفقاقة غريبة "آيش عرفنى يمكن تكونى جاهلة ما معاكيش شهادة ولا معاكى إعدادية ولا دبلوم والجريدة والنقابة معيناكى كدة وخلاص"، و....و .. وانتهت بى رحلة التأمينات الاجتماعية إلى قسم الشرطة يوم الأربعاء الماضى حيث حررت محضرًا بالقذف والسب ضد الاستاذ المحترم.. وفى هذا قصة أخرى.