قضيت أكثر من أربع ساعات بالأمس في وحدة تراخيص عين الصيرة بالقاهرة لتجديد رخصة سيارة.. أدركت من خلال نظام العمل أن الروتين العقيم موروث مصري قديم قدم الدولة الفرعونية. وأنه لا أمل اطلاقا لا علي المدي القريب أو البعيد أن يتطور نظام العمل في المصالح الحكومية حتي ولو تم الاستعانة بأعظم خبراء الإدارة في العالم. لا أفهم مثلا تخصيص شباك واحد للحصول علي شهادة المخالفات للسيارة يمتد أمامه الطابور عشرات الأمتار. ويكاد لايتحرك الا بشق الأنفس. وبين الواقفين في الطابور رجال مسنون لاتتحملهم ارجلهم فبدوا وكأنهم في حالة انعدام وزن. ليس هذا هو الشباك الوحيد الذي يمتد أمامه الطابور ولكن جميع الشبابيك التي يتعامل معها الجمهور.. العمل بطيء والأوراق المطلوبة لاحصر لها والأختام من هنا وهناك.. والغريب أن الترخيص يكون أحيانا من وحدة معينة وشهادة المخالفات من وحدة أخري. ويضطر صاحب السيارة الي التنقل بين هذه وتلك وتستغرق العملية عدة أيام. كنت أقف في الطابور ومعي الأوراق المطلوبة وأتحدث مع الرجل الذي أمامي فلاحظ أن احدي الأوراق الموجودة ينقصها ختم من ضابط وحدة التراخيص فخرجت من منتصف الطابور لأختمها ثم عدت لأبدأ الطابور من جديد. الداخلية حماها الله من المتظاهرين والبلطجية رأت أن الناس حالتهم ميسورة و"الأشيا معدن" كما نردد في امثلتنا علي سبيل السخرية.. أو هي وزارة المالية لا أدري.. رفعت تكاليف تجديد الرخصة أضعافا مضاعفة لأنها تري أن صاحب السيارة حتي ولو كانت من ماركة "سيات" رجل قادر مقتدر يستطيع دفع كل ماتطلبه.. ولم لا؟! أليس صاحب سيارة؟! وهي من الكماليات التي تجعل الانسان يعيش في رخاء من العيش!! شركات التأمين رفعت التأمين الاجباري علي السيارة ثلاثة اضعاف فبعد أن كنا ندفع 90 جنيها أو أكثر قليلا لمدة 3 سنوات.. ارتفع التأمين الي310 جنيهات.. وارتفعت رسوم الترخيص لسيارة من ذات السعة اللترية الأقل من المتوسط الي مايقرب من 700 جنيه.. هذا بخلاف اوراق من هنا وهناك تتكلف أكثر من 50 جنيها!! اعتقد أن ميكنة الاجراءات باستخدام الكمبيوتر لم تؤت ثمارها في الأجهزة الحكومية. وإلا كان من المفروض أن يقف المواطن أمام منفذ واحد لتكون جميع بيانات السيارة أمام الموظف المسئول فينتهي كل شئ دون ان يضطر المواطن الي التنقل بين المنافذ المزدحمة.. لكن يبدو أن الكمبيوتر في تلك الأجهزة مجرد صورة وديكور!! سمعت صرخات مواطنين ممن حضروا لتجديد الترخيص يشكون مر الشكوي من مخالفات لم يرتكبوها.. سيدة لها مخالفة في أسيوط وتقسم أيمانا مغلظة أنها لاتعرف تلك المدينة ولم تذهب اليها لا هي ولا السيارة أبدا.. وأخري تشكو من مخالفة في بني سويف وهكذا ولا حل لهذه ولا تلك إلا الدفع والدفع فقط.. وظني ان الانسان لو صعد الي القمر لوجد وزارة الداخلية تسجل عليه مخالفة مرور في الفضاء. لدينا بطالة مقنعة أي أن هناك اعداداً كبيرة من الموظفين لا عمل لهم.. ومع ذلك تجدهم يجلسون في مكاتبهم يقرأون الصحف مع فنجان القهوة ويقضون وقتهم في حل الكلمات المتقاطعة ويقبضون رواتبهم آخر الشهر.. بينما نجد الطوابير مكدسة أمام منافذ المصالح المتعاملة مع الجماهير.. هناك كثرة من الموظفين وسوء توزيع. أعتقد أنه لو قامت في مصر كل يوم ثورة علي غرار ثورة 25 يناير لن نتغير ولن نتبدل لأن الروتين أحد "الجينات" التي يولد بها الانسان المصري.