لقد حدث ما سبق و حذرنا منه ، لم نكن نتحدث كلاما في الهواء ، و لقد بلغ كما توقعنا استفزاز الكنيسة و تحرشها بالمسلمين حدا فاق قدرة الشارع على كظم غيظه ، و لولا لطف الله ، لحرقت الفتنة من فخخها و من فجرها في الأصل. المصيبة .. أن رجال الدين من الطرفين إما أن قدرتهم على الفهم متواضعة و محدودي الذكاء ، و إما إنهم "عرائس" على مسرح النظام الهزلي ، يحركها بيده ، و يرددون بلا وعي ما يلقنه لهم ولي نعمتهم !. البابا شنودة رفض الاعتذار ، و دافع عن المسرحية ، و انتقد الصحافة و الانتخابات و المرشحين و السياسية و السياسيين ! ، و المفتي من جهتة و في مفاجأة لطيفة اعتذر نيابة عن البابا .. ! بل إن الرجل نفى أن تكون الكنيسة عرضت هذه المسرحية من أصله ، و أكد بإصرار غريب و مضحك ، عدم وجود " سي دي" للمسرحية أصلا ، و أنها مجرد شائعة مغرضة أطلقها دعاة الفتنة ..!! رغم أن الكنيسة ذاتها اعترفت بعرضها للمسرحية و بطبعها على اسطوانات ، و ال"سي دي " مغرّق السوق ووزع على نطاق واسع !! هذه كارثة .. ! و تصرفات ناس غير مسئولة .. لأن هذا الكلام في حد ذاته استفزازي و مثير للغضب و يكفي وحده لإضفاء الشرعية على حركة الشارع و غضبه و عصبيته . و إذا كنا نتفهم موقف المفتي ، و لا نستغربه بعد أن باتت مشيخة الأزهر و دار الافتاء "مكتبين" ملحقين بعشرات المكاتب التابعة لمؤسسة الرئاسة و لجنة السياسات ، مهمتهما تفصيل الفتاوى على مقاسهما ، و لم يعتد المسلمون المصريون برأيهما ، و حل محلهما الدعاة المستقلون ، فإن موقف البابا شنودة هو ما كان لافتا ، و جاء على النحو الذي عزز رأيي الذي قلته فيه من قبل و سبق وأن حذرت منه التيار العقلاني المسيحي في مصر. و أقول أيضا إنه : إذا تطرفت مؤسسة فإنها تتطرف من رأسها ، و لم يعد ثمة أمل حقيقي يمكن أن نعلق عليه توقعاتنا بإصلاح الكنيسة و إعادتها إلى الاصطفاف مع النسق الوطني العام ، في ظل القيادات الدينية الحالية . البابا أكبر رأس في الكنيسة و صانع أجندنها الجديدة ، كان واضحا و لم يرواغ الرجل كعادته هذه المرة ، بل قالها صراحة :" لن اعتذر و اضربوا أدمغتكم في اتخن حيطة " ! و دافع عن المسرحية ، و اعتبرها ابداعا تنويريا " وزي الفل و عشرة" ! لقد استغرب مذيع فضائية الجزيرة من أن يعتذر المفكر القبطي "ميلاد حنا" للمسلمين نيابة عن الأقباط ، فيما أستنكف البابا أن يعتذر عن "جليطة" بعض قادة الكنيسة و تطاولهم و إهانتهم لعقيدة المسلمين ..! و في تقديري أن "حنا" كان ذكيا و يعلم مثلي و مثل جميع المنصفين أنه "مفيش فايدة" في الكنيسة ، و أن على التيار المستنير و العقلاني خارجها أن يبادر في إصلاح ما تفسده حماقات بعض قادتها الجدد . و هي مبادرة مهمة تستحق الثناء أولا و التأمل ثانيا ، و لكنها تظل مع ذلك كله من قبيل ترقيع الرتق في ثوب ما عاد يصلح لستر العورة ، و ينبغي رميه و استبداله بآخر جديد . مبادرة ميلاد حنا ... ربما تكون خطوة في مسيرة أهل العقل و الرشادة من الأقباط نحو القيام بمسئوليتهم تجاه تعويم الكنيسة قبل ان تغرق هي أولا في الطائفية أكثر من ذلك ثم تُغرق معها الجميع و البلد كلها و في تقديري أن أمرها قد بات يستدعي أن يشكل المثقفون الأقباط "مجلس عقلاء" يفرض وصايته على الكنيسة مؤقتا إلى أن يطمئن الجميع أنها باتت في يد يستأمنها الأقباط جميعا على دينهم و مصالحهم و مصالح و سلامة الوطن [email protected]