منذ عامين تقريبا ، كتب رئيس تحرير الجمهورية ، سمير رجب ، في عموده اليومي مبالغا في وصف حفاوة و ترحيب الأمريكيين بالرئيس مبارك ، في إحدى زياراته التي قام بها لواشنطن في ذلك الوقت قائلا :" و خرج الرئيس مبارك من الكونجرس الأمريكي محمولا على الاعناق" ..! و كان المقال في حينه نكتة حقيقية ، قصه الصحفيون و وزعوه فيما بينهم ، و تبادلوا النكات على هذا الغثاء و الهبل الذي يكتبه رئيس تحرير صحيفة قومية كبرى تنفق عليها الدولة بالملايين من جيوب شعب يعيش أكثرمن نصف سكانه تحت خط الفقر وبلغ به الحال أن يتسول القمح وحتى رغيف الخبز من دول صحراوية لا زرع فيها و لا ماء ! هذه كانت واحدة من أبرز النكبات و المصائب التي ابتليت بها صحيفة كبرى مثل الجمهورية ، إذ لم تبتلى فقط برئيس تحرير مصاب بداء الضعف المهني الذي بلغ حد عدم إجادة أبجديات مهنة الصحافة ، و إنما أبتليت أيضا بنشر مثل هذا الإسفاف و الاستخفاف بعقول الناس . إذ من يصدق في مصر إلا البهاليل و المجانين و المغيبين و المساطيل ، أن أعضاء الكونجرس خرجوا من أبوابه و هم يحملون الرئيس مبارك على أعناقهم : يتبادلون حمله وسط هتافاتهم من عنق إلى عنق و من كتف إلى كتف !! هذه كانت بالتأكيد "مسخرة" صحفية ، و إهانة لمكانة منصب الرئاسة و هيبته ، ولو كنا في دولة تحترم الرأي العام و عقول الناس ما كان ترك هذا الأمر يمر بدون تحقيق و عقاب و اعتذار للشعب المصري و لمؤسسة الرئاسة . تذكرت هذا الحدث الذي مر عليه عامان تقريبا ، بعد أن قرأت لرئيس تحرير الجمهورية الجديد كلاما ، صحيح أنه "يفطس من الضحك" ، إلا أنه يعكس بصدق خطورة المعايير الأمنية التي يحتكم إليها النظام في اختيار من تُفتح له طاقة القدر و يتولى منصبا رفيعا في "التكايا" الصحافية الكبرى ! . و أقول "خطورة المعايير الأمنية" لأنها بالفعل بالغة الخطورة ليس على مستقبل المؤسسة وأوضاعها المهنية و المالية ، و إنما على الأمن القومي المصري ، خاصة و أن صحيفة الجمهورية على سبيل المثال ، هي صحيفة كما هو معروف عنها لا يقرأها إلا الموظفون ، أي تؤثر في قطاع ليس بالقليل من الرأي العام . كتب رئيس تحرير الجمهورية معلقا على أحداث مسرحية الفتنة التي عرضتها و طبعتها ووزعتها كنيسة مارجرجس بالإسكندرية ، كتب محذرا الأقباط من أن يستدرجهم المتظاهرون ، و أن عليهم أن يحمدوا ربهم و يقبُلوا أيديهم "وش و ظهر" على ما هم فيه من نعمة في عهد "أزهى عصور النعم " ...! لأن الذين تظاهروا أمام الكنيسة هم "دعاة الخلافة الإسلامية" ، و إذا ما نجحوا في اقامة الخلافة فسيرى المصريون و الأقباط بالطبع أياما أسود من "قرن الخروب" ..! من يصدق أن هذا الهراء و هذا التهريج يتردد و يقال تعقيبا على أمر جلل كاد و لا يزال أن يحرق البلد كلها ، و يصدر من رئيس تحرير ثالث أكبر صحيفة تصدر في مصر .أإلى هذا الحد بلغت مواصفات أجهزة الأمن في كل من تريده يرتع في مال الحكومة السايب ؟! .. أن يكون ضحل الثقافة إلى الحد الذي لا يؤهله لأن يعرف الفرق مابين "الخلافة" و "الكنافة" ! [email protected]