التغيرات المناخية وراء نقص المياه.. وسد النهضة يهدد 28 مليون مصرى خبراء: العجز بلغ 30 مليار متر مكعب.. وهذه أهم البدائل للنجاة من الفقر المائى "مصر هبة النيل"؛ عبارة قالها "هيرودوت" أبو التاريخ، قبل آلاف السنين، رابطًا بين الخير والنماء في مصر بهذا النهر الذي يجري في أراضيها، دون أن يخطر بباله أنه في يوم ما، سيصبح النهر الذي يفيض خيره في ربوع البلاد محل نزاع، إلى الحد الذي تعاني فيه مصر من شح مائي ونقص حاد في المياه؟! فلماذا ظهرت المشكلات؟ وما البدائل التي يمكن الاعتماد عليها؟ وكيفية الاستفادة منها. ووسط تحذيرات ودراسات من خطورة خفض منسوب مياه النيل على أمن مصر المائي، وتضرر مناطق كثيرة على رأسها الدلتا من ناحية، والمخاوف من تأثر حصة مصر من مياه النيل بعد بناء سد النهضة الإثيوبي، تعالت الأصوات بضرورة اللجوء إلى بدائل أخرى، للخروج من تلك الأزمة، ومواجهة العجز المائي المحتمل، مع إعلان وزارة الري في وقت سابق من هذا العام، وصول البلاد إلى مرحلة غير مسبوقة من شح المياه فيها. وتمتلك مصر 6 كنوز ثمينة على أرضها تنقذها من كارثة العطش والجفاف، تتمثل في المياه الجوفية التي تنتشر تحت أرض مصر وتمدها سنويًا ب7.5 مليار متر مكعب من المياه، وقد نبه إلى ذلك الدكتور فاروق الباز، العالم الجيولوجي المصري، وعضو المجلس الاستشاري العلمي برئاسة الجمهورية في مصر، متحدثًا عن وجود مياه جوفية في الصحراء الغربية تكفى مصر ل100 عام، شرط استخدامها بطريقة رشيدة. الكنز الأول، ويسمى "خزان الدلتا"، محدود الموارد، ونتج في الأساس من تسرب مياه نهر النيل بسبب شبكات الصرف، وتسببت تلك المياه في تكوين الخزان. أما الكنز الثاني فيسمى "الحجر الجيري"، ويتركز في مناطق غرب المنيا وأسيوط وواحة سيوة بالصعيد، وهو ما زال قيد الدراسة نظرًا لعدم وجود تجانس بين خصائص مياهه بجانب مساحته الصغيرة، ويرجح العلماء أن يكون سبب ذلك التشققات الحادثة فيه. الكنز الثالث "الخزان النوبي"، ويمثل مخزونًا استراتيجيًا لمصر، فهو ضمن أكبر الخزانات الجوفية، ليس فقط بسبب مساحته الممتدة من الإسكندرية حتى أسوان، ولكن بسبب سمكه البالغ 200 متر ويصل فى بعض الأحيان ل3 آلاف مثل واحة الفرافرة، ناهيك عن نوعية مياهه الجيدة وتراجع نسبة الأملاح فيه. الكنز الرابع هو "خزان المهرة"، ويقع غرب نهر النيل ويتمتع بسمك كبير يصل إلى 500 متر لكن نسبة الأملاح فيه عالية، وهو ما يجعل استخداماته مقتصرة على الاستزراع السمكى أو استصلاح بعض الأراضي. الكنز الخامس هو "الخزان الساحلي" ويوجد فى مدينة القنطرة شرق حتى رفح، وهو أيضًا خزان محدود تتم تغذيته بالأمطار، التى تسقط على الشريط الساحلي لتلك المناطق، وبخاصة العريش ورفح. الكنز السادس والأخير هو "خزان الصخور النارية" ويعرف باسم خزانات البحر الأحمر في جنوبسيناء وجبال البحر الأحمر، وهو ضمن الخزانات المحدودة الاتساع ونسبة المياه به قليلة. وبحسب دراسات أجراها خبراء للحكومة المصرية ومنظمات دولية، فإنه من المتوقع أن يؤدى ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى زيادة الانخفاض في منسوب النيل الذي تعتمد عليه مصر بنسبة 90% لتغطية احتياجاتها من المياه. وستؤدى هذه التغيرات أيضًا إلى ارتفاع مستوى البحر وزيادة نسبة ملوحة الأرض، ما يسبب أضرارًا للمحاصيل الزراعية، حيث إن منطقة الدلتا، القلب الزراعي لمصر حيث يتركز تقريبًا نصف السكان، معنية بصفة خاصة بهذه التأثيرات. ووفق دراسة أجراها اقتصاديون مصريون ونشرت عام 2016، يمكن أن تفقد المنطقة 15% من أكثر أراضيها خصوبة بسبب زيادة نسبة الملوحة فى التربة. وستتأثر كذلك إنتاجية المحاصيل الرئيسية مثل الطماطم التى قد ينخفض إنتاجها بمقدار النصف بحلول عام 2050. وبحسب الدراسة، فإن نظم الرى المعتمدة على تقنيات تؤدى إلى انبعاثات أقل من الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض تعد وسيلة لتخفيف تأثيرات التغير المناخي، فضلا عن أنها تسهم فى تحسين إنتاجية المحاصيل. أستاذ موارد مائية: أبحاث الباز غير دقيقة وقال الدكتور أحمد فوزى دياب، أستاذ الموارد المائية فى مركز التصحر، إن "المياه الجوفية لن تكون المصدر البديل لنهر النيل"، مرجعًا ذلك لعدة أسباب؛ أبرزها أن "تكلفة استخراج المياه الجوفية غالية للغاية، كما أنها بحاجة إلى طرق معقدة لاستخراجها، وإذا حدث سوف تستخدم فى الأماكن الزراعية فى المناطق النائية والصحراوية". ووصف دياب فى تصريحات إلى "المصريون"، تصريحات الباز حول أنها تستطيع أن تكفى مصر لمدة 100 عام قادمة ب"الحالمة"، قائلاً: "الباز يحاول تبسيط الأمر للعامة، وهو ما يفهم بصورة خاطئة فى بعض الأحيان، فمصر توجد بها مئات الآبار الجوفية ولكن ليست جميعها صالحة للاستخدام فهناك آبار مالحة وأخرى مكيدة وغيرها الكثير، لذا الأمر بحاجة إلى دراسة دقيقة وأبحاث مستمرة". وأكد دياب أن "نقل المياه الجوفية من الصحراء إلى التجمعات السكانية مكلف ومعقد للغاية، حيث تحتاج البلاد من 30 إلى 40 مليار متر مكعب لسد احتياجاتها من المياه، ومن خلال الحفاظ على المياه وترشيدها، وإنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحى والصناعي، يمكن سد العجز ومحاربة الجفاف". فضلاً عن ذلك، أشار أستاذ الموارد المائية فى مركز التصحر إلى أن معالجة المياه الجوفية الساحلية واستخدامها فى المناطق الساحلية فى الزراعة والشرب، بالإضافة إلى تحلية المياه المالحة، سيسهم فى الحد من تقص المياه. أما عن مياه السيول فى مصر، فأكد "ضرورة إنشاء نظام للتنبؤ بالسيول، والاستفادة من مياهها التى عانت منها مصر خلال الفترة الأخيرة، بالإضافة لاستغلال أنظمة الاستشعار عن بُعد القادرة على تحديد الأودية التى تسقط بها أمطار كثيرة للاستفادة منها فى استصلاح الأراضي". وحول التأثير المحتمل لسد النهضة الإثيوبي على حصة مصر من مياه النيل، أوضح أستاذ الموارد المائية أنه "سيؤثر بشكل سلبي على مصر، نظرًا لأن المليون فدان يحتاج إلى مليار متر مكعب من المياه، فإذا خفضنا ال7 مليارات فستبور مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، كما يحرم 28 مليون فرد من حصته من الموارد المائية". وشدد على أنه "من الضروري أن تتخذ الدولة خطوات إيجابية لتجنب هذه المخاطر المحتملة على أمن مصر المائي، موضحًا أن ملف المياه له أبعاد مرتبطة بالجانب الأمني والاقتصادي وغيره، وهناك جانب من هذا الصراع يتم بعيدًا عن الإعلام، أي في إطار المختصين فقط. من جانبه، أكد الدكتور نعيم مصيلحي، رئيس مركز بحوث الصحراء، أن "مصر قادرة على حماية أمنها المائي"، مشيرًا إلى أنه "على الرغم مما تملكه مصر من موارد مائية، فإنها أصبحت تتناسب عكسيًا مع التطور السكاني المتزايد، وزيادة الطلب على الغذاء، الذي يتطلب توافر الموارد المائية لإنتاجه، وحاليًا فإن مصر أصبحت إحدى دول العالم المصنفة ضمن دول الفقر المائي، حيث يبلغ نصيب الفرد أقل من 600 متر مكعب سنويًا". وتابع مصيلحي: "على الرغم من الفقر المائي الذي تزداد نسبته سنة بعد أخرى، فإن مصر تعد من أكثر دول العالم إسرافًا في استخدامات المياه، فكفاءة نقل وتوزيع المياه لا تتعدى 70%، بالإضافة إلى نقص الكفاءة والاستغلال الأمثل لمياه الأمطار والسيول، وكذلك في عدم معالجة مياه الصرف الزراعي، ومياه الصرف الصحي وزيادة تكلفتها". وقدر مصيلحي أن "نسبة المياه المستخدمة في الزراعة تصل إلى 85% من إجمالي الموارد المائية المتاحة، وذلك يضع عبئًا كبيرًا على وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية والري، ويوجب ضرورة التكاتف من أجل وضع خطط إستراتيجية وتنفيذها ومراقبتها وتقييمها، بهدف تعظيم العائد من الغذاء لوحدة الأرض ووحدة المياه والتكلفة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكذلك التصدي للتحديات المتعلقة بنقص المياه". أما بشأن المياه الجوفية في مصر، فأشار إلى أن "هناك إفراطًا في استخدام المياه الجوفية في مصر، في الوقت الذي تتقاتل فيه بعض الدول على المياه العابرة للحدود، مثل مياه الأنهار، وتواتر التهديدات والإنذارات بحروب المياه، بجانب ما تجريه منظمات دولية من دراسات عن المياه الجوفية العابرة للحدود بين الدول، وهذا يثير المخاوف من المخططات التي لا تقل أهمية عن المخططات الإرهابية"، وفق قوله. وحول الإجراءات الاحترازية التي تتخذها مصر تجاه شح المياه، أكد رئيس مركز بحوث الصحراء، أنه "في هذا الإطار سارعت مصر وحكومتها الواعية للتحديات العالمية، من خلال إعادة استخدام المياه العادمة، وإطلاق عدة مبادرات لتنمية مصادر المياه، وترشيد استخدامها، كما أن هناك مشروعات قومية كبرى لتطوير الرى الحقلى ومعالجة مياه بحر البقر ومصرف المحسمة، ومشروعات ضخمة لتحلية مياه البحر لتوفير مياه الشرب والاستخدامات المنزلية فى المدن الساحلية، سواء القديمة أو المخطط، أو الجاري إنشاؤها". فى حين يرى الدكتور مجدى مدكور، رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق، أن "استخدام مياه البحر التي يتم تحليتها في الزراعة أمر غاية في الصعوبة، لارتفاع تكلفة وحدة المياه بالنسبة لوحدة قياس الإنتاج من الغذاء، فمثلًا سعر متر المياه يبلغ نحو 7 جنيهات، وكفاءة استخدام وحدة المياه أقل من الواحد الصحيح.. بمعنى أن مترًا مكعبًا من المياه يعطى كيلوجرامًا واحدًا من الحبوب على سبيل المثال، وفى هذه الحالة يكون سعر الكيلوجرام من حبوب القمح سبعة جنيهات لعنصر المياه فقط غير شامل تكاليف عناصر الإنتاج". وتابع: "بهذا فإن فائدة تحلية مياه البحر لاستخدامها فى الزراعة غير مجدٍ بالمرة فى الوقت الحالى، خاصة أن كل مكونات محطات التحلية يتم استيرادها من بعض الدول المحتكرة لهذه التقنيات".