الذي لا يعرفه الدكتور مصطفى الفقي أنني – مثل ملايين المصريين - مريض بالضغط ..وأسعار أدوية الضغط كما يعلم..ولذلك فقراءة مقالات من نوعية مقاله الأخير في أخبار اليوم يعني تحرك مؤشر جهاز الضغط إلى قفزات مجنونة تستدعي مزيدا من الحبوب البيضاء والبرتقالية وكلها تستلزم مالا ، ولا أظن الدكتور الخطير يقبل أن يدفع من جيبه الخاص فاتورة العلاج. المقال بعنوان ثقافة الاعتذار ..بصراحة خفق قلبي لأنني تصورت أنه ينوي أن يرد كرسي البرلمان المغتصب لصاحبه الدكتور جمال حشمت أو على الأقل يعتذر له بالطريقة الريفية المعروفة ( يبوس رأسه ويستسمحه ) ..لن يصل بي الخيال طبعا أن يذهب إليه حاملا كفنه كما يفعل الصعايدة الجدعان . مقدمة المقال كانت قوية وتبشر بكل خير ..بصراحة كنت بحاجة ماسة إلى ما يعيد لي إيماني بالإنسان من حيث كونه إنسانا بصرف النظر عن الهوية والدين ..كما كنت بحاجة أيضا للإيمان بنفع التراكم المعرفي في تهذيب سلوك الإنسان ..غير معقول أن يتصرف المثقف كالهمجي في أول اختبار ، ولا مقبول أن يستخدم أستاذ الجامعة نفير سيارته كما يستخدمها سائق الميكروباس ..أو ينزع القاضي لوحة أرقام سيارته ويضع بدلا منها لوحة سوداء بأرقام صغيرة جدا وبجوارها علامة القضاء المخيفة ............................... قالوا لنا من قبل أن مشاكل البلاد كلها تكمن في حكم العسكر ..وبرغم المزايا غير المنكورة للتربية العسكرية الصارمة من حيث الانضباط والانتماء للوطن فقد قالوا لنا أن العسكري بطبيعته لا يعرف المرونة ويقدس طاعة الأوامر بينما السياسة فن المرونة والممكن..وقتها بدا لي الكلام معقولا لولا أني تذكرت المهزلة التي حدثت في دائرة دمنهور ..وقلت في نفسي وماذا عن الدكتور مصطفى الفقي ؟ ..أي تجربة إنسانية أشد ثراء من تجربته وقد عمل بالسلك الدبلوماسي ثم بمركز معلومات رئاسة الجمهورية التي جعلت العالم كله عند أطراف أصابعه ..شاهد القارات الخمس وتفاعل مع حضارات بشرية مزدهرة ..حضارات تؤمن كلها بحق الإنسان في تقرير مصيره وحرية الشعوب في اختيار قادتها ..وبرغم ذلك فهو لم يقبل الهزيمة الشريفة – وكانت لا تنقص من قدره – فأي فارق إذا بين المدني والعسكري ؟ ولماذا نعتبر أن الحكم المدني طوق نجاه ؟ ..وقتها تذكرت قول السيد جمال مبارك عن ضرورة وضع ضوابط للترشح لمنصب رئيس الجمهورية الرفيع وضرب مثلا بالبزنس وإنفاق الأموال بلا حدود من أجل مقعد بالبرلمان وتساءل عن الذي سيفعلونه إذا تعلق الأمر برئاسة الدولة ؟ خصوصا مع تلك الصلاحيات التي لم يمنحها الله تعالى حتى للرسل الكرام صلوات ربي وسلامه عليهم ( فذكر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمسيطر ) ..وقتها بدا لي الكلام معقولا ولم أجد داعيا لرفضه لمجرد أن قائله جمال مبارك . ..................................... بهذه العبارة المؤثرة بدأ الدكتور مصطفى الفقي مقالته "لا يعتذر إلا الأقوياء ولا يتمادي في العناد إلا السفهاء،".. بعدها راح يستعرض ثقافته التي لا ننكرها فأشار أن الاعتذار يحتاج لخلفية ثقافية وأخلاقية نفتقد وجودها ولم ينس التذكير بأن اليابان اعتذرت عن هجوم "بيرل هاربر بينما لم تعتذر الولاياتالمتحدةالأمريكية عن قنبلتي "هيروشيما" ونجازاكي مثلما رفضت "تركيا" أيضا الاعتذار عن "مذبحة الأرمن" . بعدها أشار الدكتور أن شجاعة الاعتذار مهمة أيضا بالنسبة للأفراد فهناك من يملكون شجاعة مواجهة الموقف ويؤمنون بان العودة إلي الحق والتراجع عن الخطأ هما استلهام للصواب مثلما فعل الخليفة الراشد الثاني "عمر بن الخطاب" هو الذي قال من فوق المنبر "أخطأ عمر وأصابت امرأة".. رغم أن الاعتذار ربما لا يكون سهلا لأنه محكوم بأهواء سياسية ومنطلقات فكرية وعوامل متداخلة تجعل القدرة علي اتخاذ الموقف الشجاع في الوقت المناسب أمرا صعبا في كثير من الأحيان. وبعد هذه الإشارة الموحية راح يستعرض قول الإمام "الشافعي" الشهيرة " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ومقولة "فولتير" أنه عن استعداده لان يدفع حياته ثمنا للدفاع عن رأي من يختلف معه ، وكلها أقوال - على حد تعبير الدكتور - تفتح أبوابا رحبة لثقافة الاعتذار التي يمكن أن تصل إلي حد التوبة للخالق في علاه. بعدها رد على تساؤل عن قيمة الاعتذار إذا كان الخطأ قد وقع و الجريمة قد حدثت بان الاعتذار يسجل تراكما في الذاكرة الجمعية تضع قواعد أخلاقية من خلال السوابق التي تصنعها والأفكار التي تطرحها. .بعدها أكد أن الاعتذار ليس هزيمة نفسية بل هو دليل على المعدن الأصيل والنفس السوية .. ويبدو أن الدكتور الخطير أحس بحاجة بتطبيق هذا الكلام النظري الجميل على واقعنا المعاصر فقال بوضوح أن سجل ما هو مطلوب الاعتذار عنه في تاريخنا طويل جدا .. "مذبحة القلعة" و "أحكام دنشواي"؟ و "مذبحة القضاء" واعتقالات سبتمبر 1981؟ . وفي النهاية راح يمارس دور الناصح الأمين فقال أن الرسالة التي يريد أن يبعثها من خلال هذه السطور هو أننا فقدنا روح التسامح وأخذتنا العزة بالإثم (!!!!) ومضينا في غلواء التطرف الفكري والأخلاقي وتجاهلنا تقاليد التسامح وقيم العفو وتصحيح المسار. إنني أخاطب هنا امة عربية تمر بمنعطف خطير وشعبا مصريا يواجه تحديات عاتية وأدعو الجميع إلى كلمة سواء . انتهت المقالة ولم يعتذر الدكتور عن انتخابات دمنهور على أساس أن " الحدق "يفهم . وما زالت ماجدة الرومي تغني بصوتها الأوبرالي الجميل : لا شيء معي إلا كلمات ..كلماااااااااااااااااات. ................................... أعتقد أني قدمت تلخيصا أمينا ووافيا لمقالة الدكتور والآن ماذا أريد أن أقول تعقيبا عليها ؟ أقول أولا ليته سكت ..حياة لعينة تلك التي جعلتني أقرأ مثل هذا الكلام ..ومن ناحية شخصية لقد عشت طيلة عمري غير قادر على هضم فكرة الموت وتحلل الجسد وفناء الوعي ..خصوصا وأنني أحب الحياة من أعماقي وأفتخر بهذا الحب معتبرا اعترافي بنعمة خالقي أثمن بضاعتي - بعد التوحيد - يوم لقائه . يجب علي أن أعترف للدكتور بأني مدين له بصورة شخصية أنه - بدون قصد - جعل الموت بالنسبة لي قابلا للهضم ..خصوصا أن التربي الخاص بمقبرتنا لن تصل به الحماسة لتعذيبي أن يضع مقالات الدكتور تحت باب المقبرة . لقد صدعوا رؤوسنا بالحديث عن الأغلبية الصامتة التي لا تؤمن بالإسلام السياسي ولا تريده ..ولكن السؤال ألا يستفز الظلم هذه الأغلبية الصامتة ؟ .. إن التهمة جاهزة طبعا لكل من يقول كلمة الحق أنه من الإخوان المسلمين.. وليت شعري إذا كان الإخوان بهذه الكثافة والقوة فهم يستحقون كل مقاعد البرلمان وليس هذا المقعد فقط !!.. أقولها بصدق : إن صباحا أعرف فيه أنهم تولوا السلطة سيكون صباحا سيئا بالنسبة لي لأنني لا أهضم أبدا فكرة الدولة الدينية أو أن يحكمنا أحد باسم الرب أو يفرض تصوره الشخصي للإسلام بسيف المعز وذهبه كراهية الظلم يا سادة فطرة إنسانية قبل أن تكون مبادئ دينيه ..ولقد حدث حلف الفضول بين مشركين يسجدون للأصنام ويأكلونها إذا جاعوا – خصوصا لو كانت العجوة لذيذة - ولكن الرسول الكريم أثنى على هذا الحلف لمبادئه الرفيعة في نصرة المظلومين وقال بوضوح أنه لو شهده لشارك فيه .. ليس الانتماء الفكري ( ولا حتى الدين نفسه ) هو المنطلق الوحيد لكراهية الظلم كما يحاول الدكتور الإيحاء حينما قال في مقال له أنه يعلم أشياء فظيعة (!!!) عن القضاة الذين أجمعوا على تزوير الانتخابات لصالحه ، ولكنه سيصمت حرصا على هيبة القضاء !! ..يا شهامتك يا دكتور مصطفى ..فيك الخير والله . حينما صدعت السيدة الفاضلة نهى الزيني بكلمة الحق كان كل ما بوسعهم قوله أن أخو مرات خال ابن عمة بنت خالتها من الأخوان المسلمين .مرة أخرى مطلوب منا أن نصدق أن الانتماء للإخوان هو المبرر الوحيد لقول كلمة الحق ورفض الظلم ..؟؟؟؟؟؟ إنكم تهينونا يا سادة مرتين ..مرة بتزوير أرادتنا ومرة بالاستخفاف بعقولنا.. لا يا سيدي ..هناك الفطرة السليمة وكراهية أن ترى غيرك من الناس يظلم ويسلب حقه ..وربما كنت أنفع للوطن من جمال حشمت ..وربما كنت خيرا منه عند الله تعالى وخاتمتك خير من خاتمته ( الله أعلم والفرصة ما زالت موجودة ) ولكن يبقى في النهاية أنك تعلم ، والأمة المصرية كلها تعلم ، أن الناخبين اختاروه هو ولم يختاروك أنت ، وإلا فعلينا الاقتناع أن أثنين وخمسين قاضيا من ستين ، تصادف أنهم جميعا من الإخوان المسلمين وتصادف أيضا وجودهم في هذه الدائرة بالذات ليتآمروا عليك لإسقاطك وإنجاح منافسك !!! عار عليك يا جمال حشمت ، بصراحة مش حلوة منك [email protected]