ينفرد الشعب المصرى بصفة عجيبة وهى رغبته المستدامة فى الانتظار، انتظر مجلس الشعب بفارغ الصبر ثم اعترض عليه وعلى نوابه وجلساته العلنية التى بدا بعضها مستفزاً، وانتظر رئيساً منتخباً بصفة شرعية وقد جاء الرئيس محمد مرسى وفور توليه مهامه الرئاسية انهالت عليه الاعتراضات والإضرابات والاعتصامات، وظل الشعب متربصاً لحين تكليف رئيس جديد للحكومة بدلاً من الدكتور الجنزورى الذى أصابته سهام المعارضة المستمرة حتى يوم رحيله عن المنصب. وبمجرد وصول الدكتور هشام قنديل إلى مكتبه عاود الشعب لممارسة هوايته التاريخية فى الاعتراض، ولكن هذه المرة كانت المعارضة عجيبة بين لحيته وانتمائه غير المعلوم لحركة حماس الفلسطينية، وبعض وجوه المعارضة راح يذكر الشعب بملف حوض النيل رغم أن المشكلة تعود بجذورها إلى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، لكن تلك الوجوه راحت بأساليبها الدعائية التى تمرسوا فى استخدامها لسنوات طويلة تؤجج مشاعر الرفض نحو الأسماء التى لم تعلن بعد عنها كأعضاء فى الحكومة الجديدة، ويكفيك أن تتجول سريعا عبر التويتر والفيس بوك لتدرك كم وحجم وكثافة وشراسة هذه الهجمة، ورغم ذلك كله لا يزال الشعب منتظراً لمن ينقذه أو يحقق له طموحاته ومطالبه التى بالقطع لن تنتهى. ولكن هناك حقا عدة ملفات شائكة ستواجه حكومة هشام قنديل، لا تستطيع هذه المساحة لعرضها، ولكن تبرز مشكلة الصناديق الخاصة لاسيما التابعة لرئاسة الوزراء هى الملف الأكثر غموضاً، وخصوصا أنها تتبع رئيس الحكومة مباشرة ومنها صندوق تطوير التعليم الذى أنشأه وشيده الدكتور أحمد نظيف وقام الصندوق بدوره فى إنشاء خمس مدارس سوبر فى خمس محافظات مصرية وهى مدارس تستحق المتابعة والرصد فيما تقدمه للمجتمع ولأبنائنا الطلاب. وهذا الصندوق قد شهد لمدة عام كامل حملة صحفية لكشف ما له وما عليه، بل لقد تجاوزت الحملة حدود الصحافة فوجدنا حملة شعبية بمحافظة الإسكندرية بعنوان "منهوبة" أخذت على عاتقها التنديد بممارسات صندوق تطوير التعليم، وحجم الإنفاق عليه وحجم الرواتب التى تمنح للعاملين به وبتلك المدارس ومدى فاجعة الترهل الإدارى والمالى به وبالمدارس التابعة له. والكارثة التى لا يعلمها رئيس الحكومة الجديدة أن ميزانية وإدارة هذا الصندوق وما تتبعها من مدارس غامضة الرؤية والسمعة والتوجه لا تخضع لوزارة المالية أو الإشراف الأكاديمى لوزارة التربية والتعليم. وليت رئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل يعى لهذا الصندوق وممارساته التعليمية الغامضة من حيث إنشاء مدارس تعتمد مناهج بريطانية الصنع لا نعلم صانعيها، حتى نظام الدراسة يبدو غامضاً للعاملين بها ولأولياء الأمور أيضاً، فلا امتحانات شهرية منتظمة ولا كتب مدرسية بل تعتمد الدراسة على مؤشرات سطرية محددة والمعلمون الذين تم اختيار بعضهم بمنطق الواسطة والمحسوبية ورضا الباشا علينا يقومون بتحويل هذه المؤشرات إلى معارف ومعلومات حسب الخبرة والكفاءة والهوى وقلة الدراية أيضا، والنتيجة حتما خلق متعلم مشوه العقل والبنية المعرفية. هذا بالإضافة إلى أن الصندوق التابع لرئاسة مجلس الوزراء يكبد الدولة ملايين الجنيهات عن طريق إقامة تدريبات يدعى أنها متخصصة لمعلمى تلك المدارس، وبنظرة سريعة لتلك التدريبات نجد أنها تخلو من أسماء خبراء التعليم فى مصر بل يقوم بها بعض هواة التنمية البشرية ومحترفى الكلام الذى يدغدغ مشاعر المعلم نحو العلم لكن لا يؤهله لأن يكون عالماً وباحثاً ومدعماً للعملية التعليمية. وإذا استثنينا الحديث عن طبيعة المناهج المتبعة بتلك المدارس، نصل إلى حديث مختزل عن طبيعة القائمين عليها، فنجد أن مدراء هذه المدارس منهم من لم يحصل على درجة تفوق الليسانس بتقدير مقبول، ومنهم من لم يكن يعمل فى القطاع الحكومى من الأساس بل فى مدارس خاصة أى أنه لم يتلق أى دورات وزارية خاصة بطبيعة مهنته، ولكن حجم الراتب الذى يتقاضاه مدير أى مدرسة والذى يتجاوز أربعة عشر ألفاً من الجنيهات المصرية كفيلة بأن يقوم المدير بتطوير أدائه وقدراته ولكن هذا لم يحدث بالقطع. وفكرة اختيار بعض مديرى هذه المدارس من خارج المحافظة التى تقع بها المدرسة أمر يثير الشكوك نحو اختيارهم ولأن الكتابة نفسها عملية سوء ظن فأنا أرى أن هذا التكليف غير الشرعى لإدارة المدارس جاء من منطق السبوبة. كل هذا ولا يكفى أن يعلمه رئيس الحكومة الجديد، بل عليه أن يدرك ويعرف ويفطن لدلالة عدد القضايا المرفوعة بالمحاكم المصرية ضد المدارس الخمس التابعة للصندوق، وعدد القضايا الكثيرة المرفوعة أيضاً ضد الصندوق ذاته، ولعله إن قرأ السطور يسأل عن عدد الذين قدموا استقالاتهم أو انقطعوا عن العمل طوعاً وكرها حتى لا ينتسبوا لهذه المدارس لطبيعتها الغامضة. إن صندوق تطوير التعليم ومدارسه السوبر التابعة له ملف شائك بل شوكة فى ظهر وحلق وربما عين الحكومة الجديدة لاسيما وأن حكومات الثورة المتعاقبة لم تدرك بعد تغييرها هذا الملف، لأنها باختصار راحت تلهث وراء مطالب الثوار وأسر الشهداء وعمال المصانع والهيئات الحكومية، وربما لم ينتبه مجلس الشعب لهذا الملف الشائك لأنه كان مهموماً بقضايا وملفات عجيبة وغريبة كانت من مقومات سقوطه مرتين على التوالى ورفض المواطن له من الأساس. وعودة سريعة إلى طبيعة المعارف التى تقدم بهذه المدارس التابعة لصندوق تطوير التعليم نجدها قد صيغت وصممت قبل الثورة بعدة سنوات طبقاً لاتفاقية مبرمة بين الدكتور أحمد نظيف وبعض الجهات الأجنبية غير المعلنة وبالتالى فهى مناهج لا تتصل بالطبيعة الثورية التى واكبت الحياة فى مصر عقب ثورة يناير، كما أن مصر والحمد لله قد دفعت لمعدى هذه المناهج والبرامج التعليمية آلاف الجنيهات، وبالتالى فالحكومة ربما تجد حرجاً فى تغيير هذه المناهج لاسيما وأن الجهات المشاركة فى هذا المشروع التعليمى الربحى قد لا ترغب فى ذلك أيضاً. وحقيقة الأمر، فإن هذا الموضوع بحق هو ملف شائك جداً وربما يشبه المتاهة التى لا خروج منها، فماذا يفعل الدكتور هشام قنديل وحكومته بشأنه؟