ارتبطت لفظة سيئة السمعة بالأفعال غير الأخلاقية المتعلقة بالجسد ، وظل هذا التشارك اللفظي بين الكلمة ومدلولها عالقاً بالأذهان لعقود طويلة ، ولكن انتقل المدلول من ارتباطه بالأفعال المنحلة والسيئة إلى تلك السلوكات المتعلقة بالعقل ، وما أخطر هذا الانتقال إذا ارتبط بالمدرسة ، ولا نقصد بذلك أي فعل يتعلق بسمعة المدرسين والمدرسات والعاملين بهذا الكيان العلمي الرصين ، بل نقصد به السياسات التي تدير المدرسة فحسب. والمشكلة التي نحن بصددها كنا قد تناولناها عشرات المرات ، وهي فساد بعض المؤسسات التعليمية التابعة للصناديق الخاصة والتي تطلق على نفسها المدارس الدولية العالمية ، ولكن هذه المرة ليس الدافع للكتابة مني ، بل لقد تليقت هذا الأسبوع عدة شكاوى من بعض المعلمين والمعلمات بهذه المدارس العجيبة التابعة ضمناً لمجلس الوزراء والتي لا يدرك عنها شيئاً واحداً الدكتور كمال الجنزوري لأنه مشغول وحكومته بأشياء أخرى مبهمة وربما سرية غامضة ، وكذلك بعض أولياء أمور التلاميذ بها . كانت الشكوى متمثلة في نقاط محددة سأعرضها بصورة سريعة وتأترك الباب مفتوحاً لمن يريد التحقق من هذه الشكاوى التي ولاشك تضفي على هذه المدارس سمة سوء السمعة التعليمية. فالمدارس المعنية جعلت جل اهتمامها إقامة الحفلات الراقصة المصاحبة للأغاني التي يتندر عليها الشارع المصري وما يصاحبها من إنفاق كبير على إقامتها وشراء ملابس وتصميم ديكورات في الوقت الذي يعاني منه الوطن من جراحات سياسية وأزمات طاحنة تكاد أن تعصف به . وحتى لا يتهمني البعض بالتزمت والرجعية من إقامة حفلات تروح عن نفس التلاميذ ، أقول لهم أن هذا الاهتمام لم يصاحبه اهتمام يذكر بالعملية التعليمية ، بل إن الطلاب والمعلمين امتلكهم الإحباط واليأس وربما الاكتئاب من إدارة هذه المدارس حينما كانت تقرر خروج التلاميذ من حصصهم أو البقاء بالمدرسة عقب نهاية اليوم الدراسي لإجراء البروفات الغنائية الراقصة. وربما استيقظ أولياء الأمور على حقيقة كارثة المدارس التابعة على الورق فقط لحكومة الدكتور الجنزوري ، حينما طالعوا بأنفسهم تفوق أبنائهم في الغناء والرقص والحركات الاستعراضية وما واكب كل هذا من ضعف وتدني وقصور في التحصيل الدراسي وفي اكتساب المعارف والمهارات التعليمية . الغريب في القصة كلها أن أولياء الأمور ضحوا بأموالهم في إلحاق أبنائهم بتلك المدارس المنتشرة بخمس محافظات من أجل تعليم أفضل لا من أجل رقصات استعراضية أو أيام رياضية تعطل فيها الدراسة وتغيب التلميذ عن مشكلات وطنه ، وكان من الأحرى أن تهتم هذه المدارس وإدارتها الغائبة عن واقع مصر بمصر نفسها والعمل يداً بيد مع المجتمع من أجل إصلاحه وتطويره ، لا من أجل خلق جدار فاصل بين مجموعة كبيرة من الطلاب وبين الميادين الثائرة . والأمر أكثر غرابة في شأن هذه المدارس أنها لا تتبع مناهج ومقررات وزارة التربية والتعليم ، لكنها تلتزم بمناهج أجنبية غير معلومة المؤلف وهيئة الإعداد ، وأولياء الأمور والطلاب قبلوا بذلك في الوقت الذي لم تعترف الوزارة أو مجلس التعليم الأعلى قبل الجامعي بسياسات هذه المدارس الربحية ، ورغم هذا الغياب الواضح للرؤية التعليمية فوجئ الطلاب أنفسهم بأن منهم من رسب بالامتحانات التي تعد من قبل المدرسين والذي بعضهم من يجعلنا ينحني له احتراماً وتقديراً لجهوده التعليمية وخبراته الأكاديمية ونشاطه المدرسي ، ومنهم من يلزم إعداده أكاديمياً وتربوياً وربما سلوكياً أيضاً لأنه التحق بهذه المدارس عن طريق أقصر وسيلة للعمل وهو شفرة مبارك الكودية المسماة بالمحسوبية وإعمالاً لقاعدة " المصالح تتصالح " . وعندما علم أولياء الأمور برسوب تلاميذهم في مدارس لا منهج لها ، ولا كتاب مدرسي بها ، والامتحانات نفسها بعضها وُضع بطريقة أجب عن الأسئلة التالية مما لم تدرسه ولن تدرسه بالفعل لأن واضع المناهج لا ينتمي للبيئة المصرية الثورية ومجمل معلموماته عن الوطن من خلال شبكة المعلومات العنكبوتية ازداوا غضباً وبدأت فورة غضبهم بإعلان رفضهم لسياسات هذه المدارس مشوهة التكوين والرؤية ومنهم من هدد إداراتها باللجوء إلى الوزارة التي هي قطعاً غير مسئولة رقابياً عنها بل ربما لا يعلم السيد وزير التعليم عن مثل هذه المدارس من الأساس. ولقد غضب مني بعض العاملين في هذه المدارس من تناول أطراف الحديث عنها وعنهم ، وإليهم أقول إنهم دونما شك يحملون رسالة الأنبياء وهم بمنأى عن الهجوم والتحامل ، وأنهم يقومون بعمل جليل وجميل والهدف الذي يطمحون إليه هو إعمار وتنوير عقول أبنائنا ، لكن المشكلة تتمثل في السياسات التي تدار بها هذه المؤسسات التعليمية التي تحتاج إلى إدارة واعية وخبيرة بالعملية التعليمية وذات دراية واسعة وعميقة بالمستجدات التربوية وبطرائق التدريس الحديثة ، وأن تتوافر بهذه الإدارات صفات كالإخلاص للوطن وأبنائه والنزاهة والبعد عن الشبهات والمثالب الشخصية. وعلى الدكتور محمد مرسي الرئيس المنتخب بإرادة شعبية وبانتخابات نزيهة نظيفة أن ينتبه قليلاً و يدرك أن من أبرز مهامه الحفاظ على الرصيد الاستثماري للبلاد وهو العقول الناشئة ، وأن يجعل من هذه المدارس التي تثقل كاهل الميزانية المصرية منارات حقيقية للعلم والمعرفة ، تحية عطرة للمعلمين والمعلمات المخلصين والمخلصات حاملي وحاملات شعلة التنوير وحرصهم على مصلحة الوطن الغالي وأبنائه.