ما هو دور المدرسة في احتواء أي تحريض علي الفتنة ؟ وكيف يحاصر المدرس أسباب الفتنة ويتعامل مع مظاهرها؟! د. حامد عمار شيخ التربويين يجيب عن هذا السؤال مع مجموعة من خبراء التربية وأولياء الأمور مع عرض تجربة غير مسبوقة بجمعية أهلية أخذت علي عاتقها مهمة ترسيخ مفهوم المواطنة بين تلاميذ المرحلة الابتدائية مسلمين ومسيحيين. قال لنا د. حامد عمار شيخ التربويين: الفتنة الطائفية ظاهرة ليست جديدة فالمجتمع يعاني منها منذ عدة سنوات والقضاء عليها له مستويان: الأول : تغيير الثقافة العامة للمجتمع والثاني : تغيير الظروف التي تؤدي إلي ظهور التيارات المتشددة. وسوف نبدأ بالمدرسة حيث إنها مؤسسة من المؤسسات الاجتماعية المهمة، وما يدور داخل المجتمع في نظمه ومعلوماته وأولوياته سوف ينعكس في المدرسة حتي لو لم يدخل في المناهج، فالطفل يلتقط ما يلتقطه في المجتمع الواسع ثم يتعامل به داخل المدرسة، وعدم الفهم الحقيقي ( للمواطنة ) والإخاء بين المسلم والمسيحي يظهر بصورة كبيرة في المدرسة خاصة في غياب وعي المدرسين وتجاهل المناهج لهذه القضية. وإذا نظرنا إلي أحوال تلاميذنا فلا نجد منهم من يعرف أي شيء عن نشأة المسيحية وتطورها، فالطالب كما يدرس تاريخ الإسلام ونشأة الرسول وغزواته وعلاقاته بالمسلمين وبغيرهم، لابد أن يدرس نشأة الدين المسيحي والقيم التي يقوم عليها ليدرك أن الدين الإسلامي والدين المسيحي لهما أساس مشترك من العدالة والمساواة وحب الخير ونبذ الرذائل. ولقد كان هناك منهج أخلاقي وقيمي مشترك في قضايا الأخلاق والسلوك والمواطنة يدرسه جميع الطلاب مسلمين ومسيحيين، وذلك عام 1002 في عهد الوزير حسين كامل بهاء الدين، وهذا المنهج كان بمثابة حجر الأساس للتوعية بمفهوم المواطنة والإخاء، ولكنه تم إهماله لأسباب لا أعرفها وأنا أتمني أن تعود الوزارة لتدريس هذا المنهج من جديد. أما علي المستوي المجتمعي فلابد من القضاء علي الخط الهمايوني بين المسلم والمسيحي وأن تتاح حرية ممارسة العقائد للإخوة المسيحيين كما تتاح للمسلمين، وذلك من خلال إعطائهم حرية أكبر في بناء الكنائس ولا ضرورة لكل هذه التعقيدات التي تصاحب بناء الكنائس. كذلك يفتح باب التعيينات فيما يتعلق بالمواقع القيادية وأن تكون الأفضلية في التعيينات في المواقع المهمة علي أساس الكفاءة وليس الدين. ومن هنا تتحقق المواطنة بمفهومها الشامل الذي ينص عليه الدستور وتنعكس كجزء من حقوق الإنسان لكل إنسان بغض النظر عن اللون والعرف والدين. المدرسة هي الأساس كمال مغيث باحث بمركز البحوث التربوبية يقول : أهم وظيفة للمدرسة في العصر الحديث بعد ظهور الدولة القومية هو تحقيق (المواطنة) فمنذ عهد الفراعنة والمدرسة لها وظيفة واحدة وهي التربية والتعليم ولم تكن المواطنة من أهداف التعليم، أما اليوم فالمدرسة لها دور مهم وهو تحقيق المواطنة فلا يوجد شعب متجانس، فالشعوب في كل دول العالم تضم متناقضات كثيرة.. فنجد فيها الفقراء والأغنياء والمتعلمين والجهلة والمسلم والمسيحي ودور المدرسة أن تربي التلاميذ وتنشئهم علي منهج موحد أساسه الانتماء للوطن متجاوزة الانتماءات القبلية أو العرقية أو الدينية. وفي هذه الحالة لن نقول مسلم ومسيحي، بل سوف نقول مصري. والحقيقة أن المعلم ليس وحده المنوط بمواجهة الفتنة ولا حتي المدرسة ولا حتي الوزير، فالموضوع أكبر من هؤلاء.. وللتصدي لهذه الأزمة لابد من ضغط الرأي العام علي الدولة، ومن ثم نشكل لجنة وطنية من أناس مشهود لهم بالحرص علي الوحدة الوطنية ويمثلون جميع التيارات السياسية والثقافية للدراسة ووضع مقررات جديدة تحارب التطرف وتنمي مفهوم المواطنة، هذا بالإضافة إلي صياغة مجموعة من الأنشطة المدرسية التي تنمي الروح الوطنية، ويتم تدريب المدرسين علي التعامل مع هذه المناهج، وذلك من أجل كبح مظاهر الفتنة داخل المدرسة. وبذلك ينشأ التلميذ في جو من المواطنة مدركا أن الآخر وإن كان مختلفا فهو ليس مخطئا وليس كافرا والجميع سواء أمام الله والقانون. تجربة غير مسبوقة مجدي عزيز رئيس ومؤسس جمعية تنوير للتعليم والتنمية له تجربة غير مسبوقة في هذا المجال حيث يقول : قضية المواطنة واحدة من قضايا التمييز التي نعمل عليها منذعام 2002، حيث قمنا بعمل مشروع عن ( المواطنة ) في 5 مدارس حكومية بمحافظة المنيا وهو برنامج مدته عام واحد هدفه التوعية بمفهوم المواطنة علي أربعة محاور وهي التلميذ والمدرسة والإدارة وأولياء الأمور والمشروع كله بتمويل ذاتي، وبالإضافة إلي بعض التبرعات من السفارة الأمريكية ضمن مبادرة الشراكة الشرق أوسطية وجزء آخر تموله سفارة الدنمارك. والمشروع لا يقوم علي رصد الظاهرة فقط، ولكن التغيير عن طريق التعليم. فنحن مؤمنون أنه لو كان هناك أي تغيير في المفاهيم فلن يحدث إلا عن طريق التعليم. وذلك بإعادة تأهيل المدرس والتلميذ والإدارة وولي الأمر وتدريبهم علي قبول الآخر والنظر إليه علي أنه ليس مختلفا، ولكنه جزء مكمل للنسيج المصري. حيث تقام ورش عمل يتم فيها تدريب المدرسين علي مفهوم المواطنة وكيف يتم غرسها داخل التلاميذ وكيف نقاوم فكرة التطرف والفتن الطائفية ثم يبدأ المدرسون في تلقين نفس المبادئ لتلاميذهم في المدارس.. كل ذلك بالاسترشاد بوثيقة حقوق الطفل المصري. ولقد تمكنا أخيرا من وضع الوثيقة نفسها داخل منهج اللغة العربية في المرحلة الابتدائية ويتم تدريسها للتلاميذ في صورة درس يتم تدريسه عن طريق الأنشطة الإثرائية. وهي خطوة أولي، ولكنها ليست كافية فلابد من تعديل المناهج بما يتناسب مع ترسيخ مبدأ المواطنة في جميع مراحل التعليم وتعمم في جميع مدارس الجمهورية مع الحرص علي إنشاء لجنة في كل مدرسة تتكون من الإدارة المدرسية وأولياء الأمور لمناقشة النتائج المترتبة علي ذلك بصورة دورية كي نستطيع في النهاية تقييم التجربة وتطويرها بصفة منتظمة لنصل في النهاية إلي ترسيخ مفهوم المواطنة في المجتمع ككل. في البداية يؤكد يوسف سعداوي أب لبنتين وولد في مراحل التعليم المختلفه أن المناهج الدراسية تحتاج إلي إعادة تنقية، فهي تقتصر علي (فزاعة) الحلال والحرام ولا تحفز الطالب علي السلوك القويم كقول الحق والحفاظ علي حقوق الآخرين ونبذ شهادة الزور وعدم قبول المال الحرام. ويشير سعداوي إلي أن المدرسة لم يعد لها دور يذكر وأنها ألقت بالعبء كله علي الأسرة المصرية، ضاربا مثالا بابنته الصغري والتي كانت دون قصد إذا ذكرت شقيقتها أمامها اسم أي فتاه أخري كانت تبادر بالسؤال علي ديانتها موضحا أنه تحاور مع ابنته بعد أن فشلت المدرسة في تحقيق ذلك وربما كانت دون قصد هي سبب أساسي في تدعيم هذه الفكرة بسبب سوء الحالة التعليمية وتدهور مستوي أداء المدرس وقله خبرته. ويضيف سعداوي أنه تناقش مع ابنته وأوضح لها أن الإنسان لا يتعرف علي الآخر بدينه لأن الأديان السماوية كلها من الله وأن المعيار الأساسي هو الأخلاق. ويؤكد سعداوي أنه ضد فكرة إلغاء حصة الدين مؤكدا أن المجتمع في حاجة لدراسة الدين بشكل صحيح ومقنع. ويتفق تامر عثمان مذيع بإذاعة القاهرة الكبري وأب لطفل عمره أربع سنوات يدرس بمعهد أزهري مع الرأي السابق مشيرا إلي أن إلغاء حصة الدين هو الأمر السهل ولكن الأصعب والأجدي هو تغيير المناهج الدراسية وبذل مزيد من الجهد لإعاده تنقيحها. موضحا أن إلغاء تدريس الدين في المدارس كارثة كبري لأنه يفتح الباب لقنوات أخري غير شرعية قد تؤدي بالطالب إلي التشدد والتعصب والأفضل أن يتلقي الطالب تعليمه من جهة معترف بها ومعتدلة. ويؤكد تامر أن مادة الدين هي المادة الوحيدة التي لا يتلقي المعلمون فيها دورات تدريبية لتطوير طريقتهم في تدرسيها. ويري تامر أهمية إعادة صياغة المناهج الدينية وتزويدها بما يدعم فكرة تقبل الآخر مشيرا إلي أن ثقافة تقبل الآخرين يمكن غرسها في الطفل منذ أربع سنوات مؤكدا أن المدرسة والمنزل عنصران مكملان لأن الطفل يقضي معظم وقته في المدرسة وبين الطلبة والمعلمين. ويشير تامر إلي أن التنقيح لايعني أن نلغي الآيات القرآنية مثلا التي قد يتعارض معناها مع بعض العقائد ولكن التنقيح هنا بمعني التطوير وعدم الجمود في المادة التعليمية. ويشير تامر إلي أنه فضل أن يتلقي ابنه الصغير التعليم في معهد أزهري لفترة معينة حتي يعرف معلومات صحيحة عن دينه ولأن المعهد معتدل، والمعلمون فيه علي خبرة كبيرة. وتقول جميلة رمضان أم وربة منزل أن نصيحتها لأطفالها كانت تقبل الآخر دون الدخول في نقاش معهم حول معتقداتهم الدينية معلقة أن السبب في ذلك هو صغر عمر بناتها وتخوفها من عدم فهمهن لدين الآخرين ، مؤكدة أنها عاشت في السعودية سنوات طويلة.. وعندما انتقلت لمصرهي وبناتها كانت المدرسة هي النافذة الوحيدة التي أطل البنات من خلالها علي الدين المسيحي. وتؤكد جميلة أن العبء كله كان عليها وعلي زوجها مع تراجع دور المدرسة وتهرب المدرسين من بعض أسئلة الفتيات التي قد تكون بسيطة موضحة أنها كانت تنتظر من المدرسة أن تساعدها وتوضح لبناتها الدين الآخر ولكن كان الدور سلبيا. وتشير جميلة أنها في إحدي المرات حاولت أن تكون إيجابية وطالبت المدرسة بأن تكون أكثر منطقية في الإجابة عن أسئلة الطالبات ولكن المدرسة أكدت لها أن الموضوع شائك وأن أي نقاش فيه يمكن أن يفسر بطريقة خاطئة وأن الأفضل أن تتم هذه الحوارات حول الأديان الأخري في المنزل وبين أفراد الأسرة. وتري جميلة أن هذا الموقف يعني التهرب وأن الأسر غير المؤهلة لتعليم أطفالها ثقافيا قد يقع أطفالها فريسة لنيران الفتنة مطالبة وزير التربية والتعليم بفتح باب للحوار إن استدعي الأمر ذلك وأن تزال الخطوط الحمراء. وتضرب جميلة مثالا بابنتها التي تدرس في كلية الآداب عندما سأل المدرس الجامعي في بداية المحاضرة الطلبة: هل بينكم مسيحي؟ مشيرة إلي أنه كان يرغب في الاستدلال ببعض الآيات القرآنية ولكن طريقة العرض جاءت خاطئة مما استنفر العديد من الطلبة الحاضرين. وتتفق ليلي الهواري أم لثلاث فتيات أنهين دراستهن الجامعية مع الآراء السابقة مؤكدة أن المناهج الدينية تحتاج إلي تنقية وأن المجتمع المصري أصبح يفتقر لمعرفة أصول الدين الصحيح وأصبح التدين شكليا مشيرة إلي أن تعليم الطالب السلوك القويم هدف لابد أن يتم دعمه. وتؤكد الهواري علي ضعف مستوي المعلمين عاما بعد الآخر وتلاشي الاهتمام بحصة التربية الدينية. ومن جانبه طالب سعيد عمارة مدير إدارة التربية والتعليم بمحافظة حلوان بدورات تدريبية للمعلمين والمعلمات الذين يدرسون مادة الدين الإسلامي وأن يتم عقد دورات تدريبية لإتباع الأسلوب الصحيح في التدريس مؤكدا علي ضعف مستوي العديد من المدرسين للمناهج الدينية. ويرفض عماره فكرة إلغاء المعاهد الأزهرية المتخصصة مؤكدا أن الأزهر الشريف له مساره الخاص وهو منبر للعلم. ويري عمارة أن المناهج الدينية في التعليم جيدة ولاتحتاج إلي تنقية فهي لا تقتصر علي التجويد وحفظ القرآن فقط ولكنها تشمل فروعا عديدة في الفقه والحديث والعقائد والسيرة النبوية والتربية والسلوك. ويشير عمارة إلي أن الركيزة الأولي هي البيت والأسرة وليست المدرسة. ويضيف عمارة أن نصيحته كخبير تعليمي ومسئول عن مدارس المحافظة كلها بما فيها المدارس الحكومية والخاصة هي توخي الحذر في التعامل مع الطلبة وعدم التمييز، مؤكدا علي أن الوحدة الوطنية مستقرة وقائمة.. وأن العبارة الوحيدة التي يقولها للطلبة والمعلمين هي (الدين لله والوطن للجميع)، مشيرا إلي أن تصرفات بعض المعلمين أو الطلبة دون قصد لابد أن يلاحظها المسئول عن المدرسة ويلفت نظرهم إليها موضحا أنه ينصح المعلمين بالابتعاد عن سؤال الطلبة عن ديانتهم لأن ذلك أول الطريق للفتنة والتمييز.