جريمة بشعة بكل المقاييس انتهكت تلميذا لايزال في مرحلة الطفولة وانتهكت معها أيضا الحرم التعليمي المقدس, وهو المدرسة المؤسسة التربوية التي تراجع دورها ولايزال يتلاشي الي أن وصل الأمر الي ارتكاب جريمة اغتصاب بين أرجائها.. ومن تلاميذ لم يتجاوز أعمارهم14 أو15 سنة داخل بدروم إحدي المدارس.. القضية تدق ناقوس الخطر لما آلت إليه الأوضاع في مدارسنا وتستحق أن تطرحها السطور التالية مع خبراء علم النفس والتربية والاجتماع. المشكلة بالقطع ذات شق نفسي بالغ الخطورة, ألقي بظلاله في صورة تصرفات شاذة يحللها د. هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر قائلا إن كل عناصر الجريمة مكتملة في مثل هذا الحادث البشع والتي تتمثل في عدة جوانب أولها المشاعر العدوانية الموجودة لدي الطلاب الثلاثة المتهمين, وثانيها غياب الرقابة المدرسية وثالثها التكوين السلبي لشخصية الطالب المجني عليه, وبالنسبة للعنصر الأول فهو تجسد في حالة العدد التي وجهوها نحو الطالب وهو ما يسمي ب ضغط الجماعة وهي تمثل حالة التآمر ضد آخرين يمكن أن يروع هؤلاء الطلاب وهو الأمر الذي يقودنا الي العنصر الثاني من المشكلة وهو غياب الرقابة المدرسية وهو ما تأكد بالفعل من مجرد شكوي الطالب لمدير المدرسة, الذي كان موقفه سلبيا وخاليا من أي معني تربوي وهو ما يقودنا ايضا الي افتقار العديد من العاملين في مجال التربية والتعليم الي التأهيل التربوي والاداري, فالمناصب بالأقدمية فقط دون أي إعداد والخوف علي منصب مدير المدرسة يدفعه الي التستر علي جريمة بشعة من هذا النوع دون انتباه لخطورتها. أما العنصر الثالث فهو يتمثل في الطالب المجني عليه, فقد يكون من الشخصيات التي تفتقر الي الثقة في النفس والذي يميل الي السلبية والضعف والي الاستسلام وتنفيذ الأوامر دون نقاش وقد تكون أسرته هي التي أسهمت في هذا التكوين السلبي له بحيث يصبح من السهل اقتياده. الوسطية منهج التعامل وهنا لابد أن ننبه الي الدور الرئيسي للأسرة في التكوين النفسي السليم للطفل, وأهمية العلاقة المتواصلة فيما بينها وبين الأبناء والاستماع والانصات الجيد لكل مشكلاتهم ومحاولة التوصل لحلول لها وعدم اللجوء الي الضغط النفسي الزائد عليهم الذي يؤدي الي إلغاء شخصياتهم أو جعلها شخصيات مشوهة فالتوجيه المستمر ضرورة والهروب من هذه المسئولية الاجتماعية جريمة تؤدي الي تحويلهم الي مجرمين محترفين, وهنا لابد أن نشير الي ضرورة الالتزام بمبدأ الوسطية في التعامل مع الأبناء, كما يضيف د. هاشم بحري, خاصة في مرحلة المراهقة علي وجه التحديد علما بأن كل مرحلة عمرية لها سمات خاصة في كيفية التعامل معها, ومن ناحية أخري فإن الاهتمام بالشق التربوي ضرورة حتمية بالغة الأهمية في الترقية والوصول الي مناصب قيادية في المدارس لتتعامل مع كل موقف وفقا لأهميته ودرجة خطورته.. أما مرحلة ما بعد الكارثة فهي تتطلب سرعة الانقاذ النفسي للطالب المجني عليه وهو ما يسمي في علم النفس ب كرب الصدمة لكيلا تكون هذه الحادثة سبة في جبينه وجبين أهله مدي الحياة. غياب الرقابة المدرسية د. سامي أبوبيه أستاذ علم النفس التربوي بكلية التربية جامعة المنوفية والعميد الأسبق للكلية, يتفق مع الرأي السابق من حيث خطورة غياب الرقابة المدرسية والكارثة المتمثلة في وجود أماكن مهجورة كالبدروم بعيدة عن أعين الرقابة, فأين المشرفون بالمدرسة؟ وكذلك أين الأخصائيون النفسيون والاجتماعيون المفترض وجودهم بصورة مستمرة في المدرسة؟ ان غياب هؤلاء الأشخاص بالاضافة الي وجود مدير مدرسة غير تربوي يتستر علي جريمة لابد أن يؤدي الي وقوع مثل هذه الكوارث والي ما يسمي بانفلات العيار الذي يعاني منه المجتمع المصري الآن, فالجريمة المتأصلة في نفوس هؤلاء الصغار الذين لم تتجاوز أعمارهم الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة لم تقتصر علي ارتكاب جريمة شاذة فقط ولكنها تخطتها أيضا الي تعمد الاهانة والتشهير بزميل لهم من خلال تصويره!! وهو الأمر الذي يجب أن يخضع للتحليل النفسي الدقيق وإن كنا نرجح من جانبنا أن يكون السبب هو البعد التام عن السياج الديني, فالدين الآن أصبح يقترن في كثير من الأحياء بمعاني التطرف وهو الأمر شديد الخطورة, وفي نفس الوقت تبالغ وسائل الإعلام في مشاهد العري والاثارة الجنسية وغيرها وتلك هي النتيجة اطفال يمارسون أفعالا فاضحة داخل المدرسة لا نستطيع هنا أن نلتمس الأعذار فنقول إنهم شباب لم يجدوا فرص عمل أو لم يتمكنوا من الزواج وبالتالي لجأوا الي مثل هذه التصرفات الشاذة المبكرة.. ولكن بالفعل مشكلة تدق ناقوس الخطر. الشق التربوي د. شبل بدران عميد كلية التربية بجامعة الاسكندرية يرجع أسباب المشكلة الي غياب الدور التربوي والتثقيفي للمدرسة بعد أن فقدت من الأصل دورها التعليمي في اكساب الطلاب المعلومات و تراجع هذا الدور لديها وانتقل الي الدروس الخصوصية والمدرسة الموازية.. وغياب هذا الدور أدي الي إحداث فوضي وغياب القيم السائدة في المدرسة.. فالقيم لا يجب أن تلقي علي أبنائنا بالوعظ والارشاد ولكنها يجب أن تكون سلوكا يتحقق في علاقة الطلبة بعضهم البعض والطلاب بالمعلمين, وكذلك الطلبة والمعلمون بالإدارة المدرسية, والي التصرفات غير المسبوقة والتي لم تحدث طوال التاريخ التعليمي في مصر.. فنحن لم نشهد من قبل ضرب معلم داخل المدرسة أو اعتداء جنسيا فاحشا علي طالب داخلها ايضا.. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما الفارق إذن بين المدرسة وبين الشارع الذي يمكن أن تمارس فيه مثل هذه الأفعال الفاضحة والذي يفتقد الأمن, فالمدرسة بذلك لم تعد هي الوسيلة التي من خلالها نستطيع أن نربي أبناءنا ونهيئهم للعيش في أمان واستقرار.. ناهيك عن أن القيادة المدرسية في ذلك الموقف اتسمت بضيق الأفق الشديد وغياب مفهوم الإدارة الرشيدة والتي تعاملت مع واقعة الاعتداء الجنسي علي أحد التلاميذ وكأنها مشاجرة عادية بين طلاب!! الاستهتار هنا هو سيد الموقف فلو كان تم تصعيد الموقف واستدعي أولياء أمور الطلاب بعد أن احتفظ بالفيديو المصور علي التليفون المحمول لكان ذلك رادعا للآخرين وبمثابة مواجهة حقيقية للموقف, ولذلك فإن الحل من وجهة نظرنا كما يضيف شبل بدران, هو تضافر كل الجهود لملاحقة مثل هذه الظواهر الشاذة سواء الأسرة أو المدرسة التي يجب أن يعود إليها جلالها ووقارها باعتبارها المؤسسة التربوية المفضلة حيث يصعب حصار الفضائيات وقنوات الاعلام باعتبارها متهما رئيسيا أيضا. أدوار غائبة د. خليل عبدالمقصود الأستاذ بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة الفيوم ومدير مركز ضمان الجودة بالجامعة يشير من جانبه, الي دور غائب نغفله وقد يكون في طي النسيان وهو مكاتب الخدمة الاجتماعية المدرسية الموجودة علي مستوي الادارات التعليمية جميعها والتي تضم اخصائيين اجتماعيين وأطباء نفسيين وجميعهم ذوو خبرة لا تقل عن15 20 سنة مهمتهم الأساسية هي التعامل مع المشكلات الأكثر تعقيدا داخل المدرسة والتي يصعب حلها علي المدي القريب وتحتاج الي وقت للحل, والتعرف علي هذه الحالات والمشكلات من خلال مندوبين يقومون بالمرور علي المدارس والقيام بحل هذه المشكلات وهذه المكاتب لها هيكل وظيفي معتمد لدي وزارة التربية والتعليم ومن المفترض أن تمارس دورها تجاه جميع المدارس, ولكن من الواضح تلاشي دورها تماما وضعف امكاناتها بحيث لا تتمكن من تغطية المدارس جميعها.. والمفترض أن يكون دورها أعمق من دور الاخصائي النفسي والاجتماعي الذي هو أيضا غائب تماما عن معظم إن لم يكن كل مدارسنا, وتلك هي المأساة.. ناهيك عن غياب الانشطة فأين يتمكن الطالب من اخراج طاقاته في مناخ مدرسي يتكدس فيه الطلاب ولا يوجد حديث إلا عن الدرجات والدروس الخصوصية؟ الاغتيال المعنوي.. خطر ويستكمل د. خليل عبدالمقصود حديثه قائلا إننا كثيرا ما ننبه الي خطورة مرحلة المراهقة والرغبة الحقيقية لدي الطلاب فيها في بداية استكشاف النمو الجنسي لديهم واثبات الرجولة.. لذلك فإن التقليد لكل ما يشاهدونه أمر حتمي ولو تناولنا هذا الحادث لوجدناه يتم نقلا عن وقائع سبق نشرها في وسائل الاعلام من قبل وخصوصا ما يتعلق بالتصوير علي أجهزة المحمول, وكذلك هناك ضرورة ألا يظل الحديث عن التربية الجنسية خطا أحمر لا ينبغي الاقتراب منه لكن التوعية مطلوبة من الأسرة وفقا لمفاهيم كل مرحلة عمرية وما يتناسب معها ومع مستوي ادراكها.. وهنا يظهر دور الجمعيات الأهلية في توعية الأم والأب وكذلك دور وزارة الأسرة والسكان من خلال عمل دليل للأسرة في هذا الصدد. والعلاج الآن هو ضرورة التصدي لمحاولات التشهير بالطرفين المتهمين والمجني عليه خاصة الأخير, فيكفي الانتهاك الجسدي الذي تعرض له ولابد أن يلحقه اغتيال معنوي وهنا لابد أن يفعل دور منظمات حقوق الإنسان وميثاق شرف اعلامي يلتزم بذلك, أما المتهمون فلابد من الاهتمام بالعلاج النفسي والمجتمعي لهم للوقوف علي الأسباب وتحليلها بعناية, فقد تكون بداية لميول جنسية مثلية يمكن تداركها وعلاجها من الآن, فالعلاج القانوني هنا غير مجد علي الاطلاق لاسيما أنهم أقل من18 سنة ولا ينطبق عليهم قانون العقوبات وبالتالي فإن العلاج القانوني قد يحولهم الي مجرمين محترفين وبالتالي يفقدهم المجتمع الي الأبد.