حين حل الدكتور أحمد زكي بدر ضيفا علي برنامجي التليفزيوني( حالة حوار) للمرة الأولي في21 نوفمبر2007, وكان وقتذاك رئيسا لجامعة عين شمس, لفتني خطابه العام والتخصصي, وطريقة صياغته لفكره الإداري والسياسي. إذ كنت بقول واحد أمام صنف من المسئولين استعاد عبر الحزم والفهم والصرامة والالتزام الوظيفي والوطني بعضا من هيبة الدولة وحضورها في قراراته وأقواله, بعد أن غاب الإحساس بوجود الدولة علي نحو ضرب نفوسنا باليأس, ولم يبق لنا سوي الدعاء ملتجئين إلي السماء كما يرد الله غيبة الدولة وهيبتها! وبالطبع فإن قوي الشوارعيزم( بعض رجال الحكومة المتنفذين وبعض رجال الأعمال المتمولين وإرهابي الصوت والقلم من الإعلاميين والصحفيين المأجورين) يسيئهم كثيرا ظهور مثل ذلك النوع من المسئولية في أي مستوي, لا بل ويعوق مشروعهم لإطاحة النظام, وطرح الشكل البديل الذي تحركهم مصالحهم لإقراره, أو تدفعهم أجندات أجنبية لتسويقه أو ترويجه. قوي الشوارعيزم لا تريد حضورا للدولة التي تحفظ سيادتها واستقلالها, والتي تلزم نفسها بواجبات محددة إزاء البسطاء في هذا البلد. قوي الشوارعيزم لا تحتمل حديثا عن( الوظيفة), أو( العروبة), أو( العدل الاجتماعي), أو( إقرار المعايير). قوي الشوارعيزم لا تبغي( الدولة) ولكنها تريد( الفوضي) التي توصلها إلي تأسيس, وفرض, وتكريس تمكينها من البلد وناسه. ومن ثم تفهمت وقدرت الأسباب التي من أجلها أظهرت قوي الشوارعيزم انزعاجها من بزوغ نجم الدكتور أحمد زكي بدر وقت رئاسته لجامعة عين شمس, وإيجابيته وجديته في التعامل مع أية تحديات إدارية أو سياسية, وربما أختار هنا مثالين علي وجه التحديد, رأيتهما الأكثر دلالة علي طريقة الرجل في أدائه الواجب, وسجلت بعض انطباعاتي عنهما وقت وقوعهما. الكل يتذكره حين خرج بنفسه مواجها ومحاورا طلابه الذين حرضتهم جماعة الإخوان علي التظاهر, واقتحام قصر الزعفران( مقر رئيس الجامعة). والكل يتذكره حين أصدر قرارا تاريخيا في أكتوبر2009 بنقل أربعمائة باحث, ومعيد, ومدرس مساعد إلي وظائف إدارية لأنهم استنفذوا الفترة المقررة لفروغهم من رسائل الماجستير والدكتوراه, فوضع بذلك حدا للترهل السائد في هذا المجال, وأعاد الاعتبار إلي اللوائح الملزمة, كما استرجع معني احترام ايقاع عملية البحث العلمي في هذا البلد. وكما كنت أرصد أداء الدكتور أحمد زكي بدر آنذاك فقد تابعت ردود فعل قوي الشوارعيزم علي صعود الرجل. إذ تري قوي الشوارعيزم ضرورة لضرب أي عنصر يمثل قوة ولو محتملة للأداء السياسي والإداري للدولة( وهذا بالمناسبة يحدث الآن في عدد كبير جدا من المواقع). هم يريدون دولة ضعيفة غير قادرة علي إنتاج وتصعيد كوادر حقيقية, فيما يقومون هم بتلميع وتكبير نجومهم الجدد الذين يتكلمون لغتهم, وينفذون تعليماتهم أو توجيهاتهم. يقول أحمد زكي بدر:( يمين), فنجد من يشغب ويصخب عليه قائلا:( شمال).. ويقول الرجل:( شمال) فيصرخون في مواجهته مندديين:( يمين)!! لا يهم ما يقول أحد كوادر الدولة السياسيين والإداريين, ولكن المهم هو ضرب الدولة ذاتها. ولذلك لم أتعجب أبدا حين صار الدكتور أحمد زكي بدر وزيرا للتربية والتعليم في3 يناير2010, فاحتشدت ضده قوي الشوارعيزم تعارض أي شيء يفعله, وتحاول تنميط صورته أمام الذهن العام عبر جرائد آخر الزمان وفضائيات آخر الليل بوصفة رجل( أمن) لا رجل( سياسة), وبمحاولة الربط العسفي بين أدائه في( التعليم), وأداء والده اللواء زكي بدر في( الداخلية) علي الرغم من اختلاف المجالين وملابسات الزمن والموضوع, وعلي الرغم كذلك من أن كل الذي طرحه وزير التعليم الجديد, كان احتياجا مزمنا لطالما طالب به المجتمع بعد أن وقر في صدور وضمائر أبنائه. الجميع في مصر ينادون آناء الليل وأطراف النهار بإصلاح التعليم, وبأن التعليم هو قاطرة مشروع النهضة, وبأن التعليم هو المشروع القومي لهذا البلد, لا بل وكان ما ينفذه الوزير الآن مثارا لاستعجالاتهم الموجهة للحكومة فيما يخص ذلك التعليم.. فلما جاء وزير يتحرك بإيجابية إزاء تلبية احتياج مؤسسة الرأي العام, وتحقيق ما يطالب به الناس, ويعلن وجود دولة تحترم نفسها, وتصون نظمها ومؤسساتها, فتحت قوي الشوارعيزم نيرانها علي ذلك الوزير الذي رأت فيه عودة لا تريدها لهيبة الجهاز الإداري والسياسي التنفيذي. ما الذي فعله أحمد زكي بدر بالضبط واستحق هجوم قوي الشوارعيزم جزاء وفاقا له؟! (1) الرجل ببساطة قرر مكافحة الفساد الإداري في نطاق وزارته. (2) الرجل ببساطة أظهر عددا من المؤشرات توميء إلي تحركه نحو إصلاح المناهج. (3) الرجل ببساطة راح في إجراءات متتابعة يعيد الاعتبار لانضباط العملية التعليمية. هذه هي المحاور الثلاثة التي تحرك عليها وزير التعليم فأثار حفيظة ما أسميه الجماعات الإعلامية المتطرفة التي يسوقها بعض رجال الأعمال, وبعض رجال الادارة مع كثير الأسف. والمثير للانتباه أن د. أحمد زكي بدر لم يستهدف من وراء طريقته في العمل اكتساب الشعبية أو الاهتمام, برغم أن أحدهما ليس عيبا, إذ أنه هدف مشروع لأي سياسي أو مسئول. لم يك سعي الرجل للإصلاح شفويا إذاعيا شعاراتيا, وإنما كان واقعيا عمليا ميدانيا, لا بل ويعتمد علي قاعدة معلومات واضح تأثيرها, ولم لا وهو خريج هندسة كهربية تخصص الحاسبات والتحكم الآلي, وهو كذلك مدير شبكة المعلومات في جامعة عين شمس لفترة من الوقت. ولكن كل الاعتبارات الموضوعية السابقة لا تأثير لها علي الثقافة الصفراوية الغلاوية التي أفشتها قوي الشوارعيزم في البلد مستهدفة ضرب الدولة في سويداء قلبها. الموضوع ليس تبني وجهة نظر مغايرة لأحمد زكي بدر في ملف التعليم, ولكن الموضوع هو اعتناق عقيدة معادية للدولة في كل الملفات! ............ في مواجهته( الفساد الإداري) تصدي وزير التعليم للمخالفات في مركز تطوير المناهج, مستبعدا عشرات من الخبراء في ليلة الإطاحة بالكبار(28 مارس الفائت) بعد أن شاركوا في تأليف كتب خارجية علي الرغم من عضويتهم بالمركز. وفي عملية( إصلاح المناهج) وبعد أيام قليلة من توليه أمر حقيبة التعليم رفض توجه مستشاري وزارة التعليم الذين قرروا وقف تدريس رواية الأيام لعميد الأدب العربي د. طه حسين, بدعوي أن الأزهر في صدام قديم مع طه حسين!! فما كان من وزير التربية والتعليم بأن صرح باستمرار تدريس الأيام التي نشأت أجيال صالحة ومثقفة في هذا البلد علي دراستها, وجاء حسم الوزير لتلك القضية بالذات إشارة مبكرة إلي طيور الظلام بالكف عن محاولة اللعب في أدمغة النشء, أو دفعهم إلي سكة الانغلاق والتزمت والتطرف والجمود. كان اختبارا مقصودا للقوة, أشبه بلعبة الذراع الحديديةBras-de-Fer, فإذا ما تساهل الوزير, أو خاف, أو تشاغل كان المسلسل سيستمر, ونجد أنفسنا بإزاء تراكم كارثي يعصف بالباقي من حضور احتمالات التنوير والتقدم في جهازنا التعليمي. ثم إن الوزير في مجال( انضباط العملية التعليمية) أراد النهوض بالحال المتردي الذي وصلت إليه الأمور في مدارسنا, والذي اقتضي إفاقة العاملين في مجال التربية والتعليم بعد أن ساد ما يمكن تسميته الإهمال الإجرامي, أو الإجرام الاهمالي في ربوع المدارس المصرية. وقد بلغت عملية إعادة الانضباط إحدي ذراها العالية في الزيارة الشهيرة للدكتور أحمد زكي بدر لمدرسة الخلفاء الراشدين بحلوان يوم الاثنين29 مارس الفائت, واتخاذ الوزير علي الفور مجموعة من القرارات التأديبية إزاء الحالة المزرية التي وجد المدرسة عليها, من أكوام قمامة, وغياب الناظر إلي ما بعد الحصة الأولي, وإغلاق للمعامل, والوضع المروع لنظافة دورات المياه, إلي الفوضي الوحشية في فناء المدرسة.. وقرر د. أحمد زكي بدر نقل إدارة المدرسة كلها إلي أطفيح( التابعة لمحافظة6 أكتوبر والفيوم سابقا). وهنا استشعرت قوي الشوارعيزم خطرا جديدا من نهج هذا المسئول فصرنا نسمع ترديدات عجيبة أحدها يقول:( ولماذا هذه المدرسة وحال كل المدارس مثلها؟), وكأن الوزير ينبغي أن يزور كل المدارس في نفس اللحظة. الرجل, وإن تتسامح في قرارات الجزاء بعد ذلك, قام بإجراءات الضبط والربط في هذه المدرسة كرسالة للجميع من المؤكد أنها حققت استعادة قدر من الاكتراث بالمصالح العامة, وأمانة أداء الواجب في غيرها من المدارس, وبيقين فإن الوزير سيكرر زياراته ويتابعها ويتخذ ما يراه صحيحا من قرارات حين الضرورة. ثم إن قوي الشوارعيزم حاولت تشويه قرار الوزير فقالت:( وهل صار الصعيد الفيوم منفي يتم نقل الموظفين إليه؟!) وكانت تلك محاولة لإثارة الصعايدة علي الرجل, وهي محاولة خبيثة لأن وزير التعليم في19 فبراير الماضي قام بزيارة مدرسة المنيا الثانوية العسكرية بنين ونقل ناظرها إلي إدارة سمالوط. وذلك لعدم انضباط العملية التعليمية في المدرسة.. يعني الرجل اتخذ قرارات بالنقل من( الصعيد) إلي( الصعيد) وبالتالي لا مجال لمحاولة تحميل قراراته بمقاصد ملفقة وزائفة. ثم إن الرجل في مناسبات أخري( غير زيارة مدرسة الخلفاء الراشدين) أعلن أن التعليم لن يخضع لضغوط أولياء الأمور وأن الوزارة ستقرر ما تراه, حين دعا بعض أولياء الأمور إلي عدم التشدد في الغياب والحضور تذرعا بإنفلونزا الخنازير.. كما رفض أحمد زكي بدر ازدواجية الحالة التعليمية والوجدانية في البلد مقررا إلزام كل المدارس الرسمية والخاصة والدولية بتحية العلم والنشيد الوطني في بدء اليوم الدراسي. وأمام استعادة الوزير لبعض مكانة وزارته, ورفضه الخضوع لإرهاب أصحاب الصوت العالي من أولياء الأمور, أو أصحاب المدارس الخاصة والدولية, كان الهياج شديدا, فالرسالة تشير إلي أكثر من مضمونها المباشر والمتعلق بالواقعتين.. إذ تعني مباشرة الاعتراف بوجود وزارة تعليم, ومن ثم وزير تعليم, ومن ثم حكومة يعمل فيها ذلك الوزير, ومن ثم دولة تنتظم الجميع.. وهو ما لا تريده أبدا قوي الشوارعيزم!!