يا سيدي الشاعر المحترم الفحل الذي تذوب طينة جسمه لغة عربية: عليك رحمة ربي ومغفرته، ورضوانه. سيدي الشاعر الأبِي القوي الذي شارك ملايين المصريين مقاومة أكبادهم لفيروسات مبارك : عليك غفران ربي ونظرة رضا من الرحمن الرحيم. يا عفيفي مطر، يا مَن شاركت شباب مصر التعذيب بالكهرباء، والتعليق كالذبيحة، ها أنا ذا يا سيدي أستحضر صوتك في ذِكراك الثانية، التي تأتينا برئيس جديد، يشْبهك كثيرًا في حبك لمصر. يا مَن قلت في حجة قبل الوداع : "غسلت كفني بزمزم وجففته بالحرم، وأنا فلاح أعالج نفسي من عرق جبيني" ، يا سيدي : كتبت عنك قبل عام، وشرف لي أن أكتب عنك كل عام، وشرف لي أن أتوه بأن بيننا كانت صداقة وجلسات قراءة بشقتك بمصر القديمة، والله ، يا أستاذ كأني أراك وأنت تبكي - هل تذكر؟ - حينما قرأت عليك قصيدتك الموجعة التي تفوح بشِوَاء اللحم البشري في لاظوغلي، قرأت كلامه عليه، فبكى، فهذا جزء من مواجيع ترانيم عذابات قلب جسد محب لمصر، ويقول محمد عفيفي مطر: "الراحلون هُمُو أم أنت مرتحلُ/.......هل هذه لغةٌ/ أم أنت آخر لغو الناطقين بها/ أم أنت من ظمأ الأجداد همهمةٌ قبل الكلامِ/ وبرقٌ في سُلالة طينٍ سوف ينكشفُ/ فاخرجْ أميرَ بلادٍ بتّ تنكرها/ واخرج أميرَ قوافٍ/ من نشائدها يرفضُّ وحيُ هجاءٍ/ طالما استترتْ من شمسه الجِيفُ/ قد يسلم الشرف المأبونُ في زمنٍ/ ديوثهُ الصحفُ/ ها أنت تحت سياط الكهرباء/ وبين القيد/ والظلمات السودِ/ تعترفُ/ إن الكلابَ ملوكٌ/ والملوكَ دُمًى/ والأرضَ تحت جيوشِ الرومِ تنجرفُ/...../ وامسحْ جبينَك بالنسيان وابتدر المنهلّ/ من دمك النضاحِ/ راعفُه من بعد ما عصبوا عينيك يُنتطَفُ/ فالعينُ يملؤها من ومضه السربِ/ أشباح ما عشق المشبوحُ/ من بشر ولّوا ومن كتبِ/ "عَدَّاس" يمنح مجروحًا على ظمأ هديا من العنبِ/ والكرمة انفرطت ظلاً ومس ندًى/ والجرح ملح دمٍ..فالضوء بارق ومضٍ/ في لعالعه تهوي مخايل حناءٍ وصرخة آياتٍ/ تجلجل تثويبًا ومرحمةً في صوته الرطبِ". أعرف أنه كلام صعب، فعفيفي مطر وهو مقيَّد في ظلمات تعذيب الكهرباء بسبب موقفه من مبارك، يحاول الجلاد إجباره على الاعتراف بأن الكلاب أصبحت ملوكًا، وهو يرد بأن الملوك أصبحت عرائس خشب، وأن أرض العرب أصبحت مسرحًا لجيوش الغرب، والأهم هنا، كيف حينما اشتد تعذيب الكهرباء، سرح الشاعر وذهب بروحه إلى الطائف بالحجاز، وكأنه ينظر بقلب رقيق إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مجروحًا، يرتكن إلى سور بستان العنب،ثم يأتيه العبد"عدّاس" بطبق مملوء بعناقيد العنب، قبل أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا، كيونس، رسول الله. ثم تنطلق دعوة: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي.." التي وصفها ابن القيِّم بأنها لا تخرج إلا من مشكاة النبوة. رحم الله عفيفي مطر.