محمد عفيفى مطر أحد رموز الحداثة الشعرية العربية.. وواحد من كوكبة قليلة أوقفتنا علي مَعْلم من معالم التجربة البشرية الفريدة، عبر منظور تكف فيه اللغة عن أن تكون محيطاً طارئاً لمركز دلالي ثابت، ساعية إلي أن تتعالق فيما بينها مازجة بين الفكر والاستعارة.. بين الواقع والوهم.. بين العالم والجسد.. بين التشكل والتشظي منذ نشر أول قصيدة له عام 7591 بعنوان »فردوس بائعة المانجو«.. وعبر أسفاره الشعرية التي بلغت سبعة عشر ديواناً: مكابدات الصوت الأول.. من دفتر الصمت (8691) ملامح من الوجه الأمبيذوقليسي (9691) رسوم علي قشرة الليل (2791) الجوع والقمر (2791) كتاب الأرض والدم (2791) شهادة البكاء في زمن الضحك (3791) والنهر يلبس الأقنعة (5791) يتحدث الطمي.. قصائد من الخرافة الشعبية (7791) أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت (6891) رباعية الفرح (0991) فاصلة إيقاعات النمل (3991) من مجمرة البدايات (3991) احتفاليات المومياء المتوحشة (3991) معلقة دخان القصيدة (6002) المنمنمات (7002) ملكوت عبدالله (0102) وكتبه: شروخ في مرآة الأسلاف (2891) محمود سامي البارودي.. دراسة ومختارات، كتاب للفتيان (3991) أوائل زيارات الدهشة.. سيرة ذاتية (9991) مسامرات الأولاد كي لايناموا، صدر منها: أقاصيص وحكايات (2002) صيد اليمام.. شعر للأطفال (2002) حكايات الشعر والشاعر (4002) حكايات ومشاهد (4002) كتاب النداءات (6002).. بالإضافة إلي ترجمات لقصائد ودراسات من الآداب الإسبانية والروسية والصينية والأمريكية والهندية.. والأعمال الكاملة للشاعرة السويدية »إديث سودرجران«.. وديوان ضخم من مختارات الشاعر اليوناني »أوديسيوس إيليتس« بعنوان »الشمس المهيمنة«.. وعلي هذا النحو، عاش شاعرنا الكبير »محمد عفيفي مطر« حياة خصبة مثمرة.. وروحاً قلقة متسائلة.. وانفتاحاً لاينقطع علي الكمون اللانهاني للعالم.. بعد أن وعي درس الشعرة وأفاد من تجاربه محلياً وعالمياً، واحتفظ بمسافة نقدية من تراثنا التاريخي، هيأت له فهم لحظته الشعرية، والانتماء إليها- في الآن عينه- انتماء مسهم في تقدمها. فدأب علي أن يفكر تفكيراً حراً، وعلي أن يعبر تعبيراً حراً عما يؤمن به ويعتقد، فغدت الحرية بالنسبة إليه أفقاً للتجاوز وللتفكير الجذري، لهذا أصدر بالتعاون مع الفنانين الكبيرين: محمود بقشيش ومحمد رضا مجلة »سنابل« عن محافظة كفر الشيخ في الفترة الممتدة من 8691-2791، ليترجم من خلالها آمال المبدعين المصريين وأشواقهم في حركة أدبية وثقافية مستقلة وفاعلة، تتجسد في كيان حر يستمد مشروعيته من قدرته علي إبراز ما يمور داخلها من ثراء إبداعي، وإعلاء لقيم التعددية والتنوع وحق الاختلاف، والإسهام في بلورة اتجاهات جديدة تتنامي عبر تواصل حر يبدأ من لحظة نقدية للمشهد الراهن. إلا أن خفافيش الظلام وعملاء الأجهزة الأمنية تربصوا به وبها فوأدوها في المهد صبية، وظلوا يلاحقونه حتي زجوا به في أقبية لاظوغلي لينال حصته من التعذيب في مطلع التسعينيات بدعوي انتمائه إلي حزب البعث، علي نحو ما طالعنا مشاهده في ديوانه »احتفاليات المومياء المتوحشة« الصادر عام 3991.. ومن قبلها في ديوان »والنهر يلبس الأقنعة« عندما صرخ في وجوههم الكئيبة المتبلدة: أري عيون الشرطة السرية تلمع من وجه إلي وجه تنسكب الوجوه في الشوارع الخلفية كل قفا وراءه عينان تخرقان ظلمة النخاع تسألان عن هواجس الهوية وإرثنا المكتوم بين الشفة الخرساء والشغاف وعن حوارنا الضائع بين البحر والضفاف وعن توقع الزواج بين الحمأ المسنون والشرارة الكونية لهذا حرص علي أن يهدي لكريمته الصغري »رحمة« ديوانه »احتفاليات المومياء المتوحشة« قائلاً لها: »إلي طفلتي رحمة.. لم أكن ألتفت لشيء سوي يديك النائمتين حول »الدبدوب« المحدق بعينيه اللامعتين، ولم أكن أخاف شيئاً سوي يقظتك بمفاجأة الجحافل وهي تلتقطني. أما الأثر الدامي علي عظام الأنف الذي لاتكفين عن السؤال حوله: فهذا هو الجواب« وراح يكمل في قصيدته »هلاوس ليلة الظمأ«: التفتُ.. فراعها أن القيود تعض لحم المعصمين فيرشح الدم فاستدارت وارتمت في عثرة الرهبوت - قد نبهت رحمة أن يكون الماء والفخار مشمولين بالسعد المفوح واللبان قال المخنث للمخنث: إن هذا الأهبل المجنون يهرف بالكلام (فعرفت أنهما هما.. والجسر بين الصالحية والرشيد مرجِّع للبلغم الدهني في صوتيهما) قال المخنث للمخنث: إن نوبة نومي اقتربت فأخرس صوته بعصاك فانفجرت برأسي الصاعقة كان الصدي متشظياً بدم الهلاوس«. - كتبت في معتقل طرة عام 0991- وقد آمن »محمد عفيفي مطر« منذ بواكير حياته باستقلاليته مثقفاً وشاعراً، ونأي عن السلطة بأشكالها المتعددة التي مأسست كل شيء، وظل طوال حياته كما وصفه »سعدي يوسف« »عفيف اليد واللسان« -القدس العربي 7/7/0102- ولم يستطع لفترة طويلة نشر دواوينه في مصر، حتي إن »صلاح عبدالصبور« وكان رئيس هيئة الكتاب الرسمية قال له أمام الشاعر »محمد سليمان« وثلة من الأصدقاء: »لن أنشر له ديواناً ولو علي جثتي« ، فقام بنشرها في مظانها العربية المشتتة، ثم أعادت المؤسسة الرسمية التأكيد علي موقفها منه، فرفضت طبع أعماله الكاملة علي الرغم من العقد الذي وقعه معه »د.سمير سرحان« الرئيس الأسبق للهيئة المصرية العامة للكتاب، ومضت عليه عشر سنوات، فدفع بها إلي »دار الشروق« التي أصدرتها في مجلدات ثلاثة عام 3002. غير أن موقفه الرافض لاتفاقية كامب ديفيد ولنظام »السادات« جعله عرضة لمضايقات عديدة طالته في عمله وحرية حركته، فعرفت قدماه الطريق إلي المنفي في السودان حيث عمل مدرساً، ثم إلي بغداد ليستقر به المقام محرراً ثقافياً في مجلتي »الأقلام« و»الطليعة« »7791-3891«. بيد أن من الإنصاف للرجل ولتاريخه أن أقول في هذا السياق، نقلاً عن شهادة له مكتوبة بخط يده، وأعطاني صورة منها بعنوان »إطار خشبي حول رسم في الماء.. صورة شخصية« إن كراهيته »للسلطة ولشخوصها وتقاليدها وممارساتها لاترتبط بزمن محدد، بل منذ الملوك الآلهة حتي عسكري المرور »أبوشلن« ، ومن قتلة سقراط وهيباتيا حتي قتلة سيد قطب، ومن حلف التعصب القومي والعنصرية عند أرسطو ووحشية السيناتو الروماني ومحاكم التفتيش ووحوش فرسان الصليب حتي مجازر عصبة الأمم وهيئة الأممالمتحدة، ومن الدم النازف السيال من صفحات التوراة حتي مجزرة الخامس من يونيو.. إلخ«.. وقد أفاد شاعرنا الكبير من انتفاضة الطلبة والشباب في عام 8691، ومثلت له علي حد تعبيره »غمامة رفرفت في قلبي بطهارة الينابيع ودهشة الأسئلة وعنفوان التحديق البكر في كل شيء من جديد. كانت لحظة من الغضب الملهِم والغنائية الكونية تعيد سبكي وتنفخ فيَّ روحاً كالبعث من بين الأموات، وتؤجج نيران الشاعر -الملك- الملهَم المشتعل في رمادي« مما قاده إلي الشك المنهجي، والتمرد علي البطريركية المحافظة، ورفض اليقين الجاهز، وإعادة النظر فيما اصطلح البعض علي تسميته بالثوابت، وصولاً إلي رؤية تقلب الأمور رأساً علي عقب.. ولم يكن ذلك بغريب علي »محمد عفيفي مطر« خريج قسم الفلسفة -بكلية الآداب، جامعة عين شمس عام 6691، بعد أن أدرك الوشيحة القائمة بين الفلسفة والشعر، وعلي الدرب ذاته الذي سلكه »لوكريس« و»نيتشه« و»أنامونو« واعياً درس »جوته« عن »سبينوزا«، و»مالارميه« عن »هيجل« و»ماشادو« عن »برجسون«، و»بورخيس« عن »شوبنهاور« و»هيدجر« عن »هولدرلين«، و»فوكو« عن »آرتو«، و»دريدا« عن »سيلان«، و»دولوز« عن »جيرازيم لوكا« وسواهم، ميمماً شطر منبع الفلسفة ومصادرها الأصلية، مستلهماً منها الإيقاع. وعمق الصوت المحفورين في الروح الإنسانية، والمؤسسين لكل توق فينا. لذلك ما إن قرأ »محمد عفيفي مطر« دراسة »هيدجر« عن »هولدرلين« والفصلين المترجمين في مختارات »بنجوين« من مسرحية »موت أمباذوقليس« من شعر »هولدرلين« حتي كتب عملاً درامياً عن تجربة هذا الفيلسوف والشاعر والطبيب والزعيم الديني اليوناني المنتحر الذي وضع أول نظرية في الإدراك الحسي تري أن علاقتنا بالعالم لاتتأتي إلا من خلال الحواس، وأن الشبيه يدرك الشبيه، وأن المادة كلها تتألف من عناصر أربعة هي: النار والهواء والماء والتراب، وكل عنصر من هذه العناصر يعبر عن آلهة أسطورية خاصة. غير أن هذه العناصر تتمازج أو تتنافر بفعل قوتين خارجيتين هما المحبة والبغض.. وألف قصيدة فلسفية في قالب شعري حول الطبيعة علي غرار قصيدة الفيلسوف اليوناني »بارمنيدس« أفاد منها »مطر«، رابطاً بينها وبين تداعيات هزيمة الخامس من يونيو وما أفضت إليه من سقوط بني ومؤسسات ونظم علي الصعيد العربي، طارحاً سؤال التحدي المفروض علينا منذ عصر النهضة وحتي هذه اللحظة، أو ربما منذ احتلال »نابليون بونابرت« لمصر عام 8971 إلي اليوم. ورأي الإسلام »المحور التكويني لهوية الأفراد، وعصب الرؤية والفكر والثقافة والإبداع، أنكر من أنكر، أو ادعي غير ذلك من ادعي، وهو النور الذي يضيء مانقرأ أو نحاور أو نبدع« رافضاً ما يمارسه »المتخاذلون وهم يظهرون انتماءاتهم العمومية فرحين أو مزهوين أو برجماتيين، بينما يخفون هوياتهم الأصلية وتكويناتهم الأعمق، علي نحو ما نراه في ديوانه »أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت« مهدياً إياه. »إلي محمد.. سيد الأوجه الصاعدة وراية الطلائع من كل جنس منفرط علي أكمامه كل دمع ومفتوحة ممالكه للجائعين وإيقاع نعليه كلام الحياة في جسد العالم« إن إسلام »محمد عفيفي مطر« متصالح مع العلمانية والديمقراطية والعلم.. متأس بروح المتصوفة في إخلاص المريد للطريق، والاستظهار الحق للحق، والتعبير الوجداني عن الوجود، والكون والفساد أي الصيرورة والانحلال، والتركيب والتحليل.. لذلك خالجه منذ البدء إحساس صادق بالانتماء الكبير إلي عائلة تضم الرافعي وجبران ومحمد إقبال والفردوسي وابن المقفع والجاحظ وهوميروس ومحمود حسن إسماعيل، ناعتاً إياها »بالقرابة الروحية العميقة، وأنها »العائلة التي انتشلتني وأنقذت إنسانيتي ووهبتني الإحساس المتوقد بكرامة انتمائي لعائلة ملكية لايطاولها انتساب أو انتماء«.. وقد كان مأخوذاً في مطلع حياته بتجربة »محمود حسن إسماعيل« ولاسيما ديوانه »أين المفر« الذي قال عنه: »قرأت الديوان مسحوراً مستلب الحواس، تعصف بي موسيقاه، وتزلزلني سطوة أنظمة القوافي بالتكرار الرياضي المحسوب، والتردد المتراوح المعقد والمفاجيء، والصور النابعة من تراسل الحواس وقلب العلاقات بين المجرد والمحسوس في الوصف والتشبيه والمجازات والاستعارات المحركة للفكر ، وعمق النقاذ النفسي إلي أحوال الطبيعة وعلاقاتها بأحوال الوجد المشبوب والشك والقلق والتأمل وعنفوان الصخب الروحي والاجتماعي، وبطولة التحديق في العشق والموت وجبروت اعتراف الملك العاشق بالضعف والهوان«.. لكن تجربة »عفيفي مطر« مغروسة في الطين والنهر والأفق.. تلتمس جذورها في تراثنا الشعبي الشفوي الذي حفظ مواويله وسيره وملاحمه وأمثاله، كما يتبدي لنا بجلاء في ديوانه »يتحدث الطمي.. قصائد الخرافة الشعبية« القاهرة 7791، مع احتفاء خاص بقصص الأم ومسامراتها المدهشة عن الجمادات والطير والحيوان، مما قاده إلي التصاق حميم بالبسطاء العاديين وبالواقع وسبر لطبقاته ورقائقه المسكونة بالموت والبعث، واقتراب رهيف من ذلك الحدس العجائبي بالحضور الزمكاني للبشر، والمعني الإشكالي للحياة. ألم يقل لنا يوماً: أنا طائر الطمي والقمح، بيتي أنين السواقي وقد ضمت الأرض بالمنشدين أهاجر في الصبح، حتي إذا الليل جاء تطوحت في غربتي، وانسللت من الأرض أو قوله: رفت علي وجه الصبي فراشتان وحطتا غمازتين تشعشعان إذا تبسم بالحليب وشقشقات الماء تنغرسان إن غضبت ملامحه كبرعم دمعتين سميتك النجم الذي يعلو يشق غياهب المنفي توقده سميتك النسر المحوِّم في سماء الروح سميتك الحصباء والأعشاب في حبل العشيرة سميتك النبع المزفزف بالمياه ليشرب الطير الشريد ويصطفي عشا سميتك الغضب المقدس بيد أن الخيال الشعري عند »محمد عفيفي مطر« ينهض، علي غرس الاختلاف والانفصال ضد كل إطلاقية تسجن اللغة داخل قوالب قطعية جاهزة، أوتأويلات نهائية ، وفي إطار لعبة علائقية مع الفضاء والزمن يراوح فيها المعني بين الحضور والغياب.. بين الوجود واللاوجود ، فنمسي إزاء نص متوتر يقطن التعدد أقطاره ومناحيه ، وصولاً إلي مغامرات التشكيل فيه . يقول في قصيدة »المنمنمات«: ماثمَّ من صوت ولا من نأمة للغو.. أنت قبيل إشهاد الكلام وقبيل فجر النحو والإيقاع.. لم تكُ دورة الأفلاك دارت، والخليقة فكرة والنور حلمك والظلامْ من عنبر الخفين يبتديء امتلاؤك بالحريق وبالدخان والوعل يرفع من شعاب قرونه ذهباً يوامضه الزبرجد والعقيق علي مرايا الأرجوان فتدب من جمر الدقائق خطوة الوعل الذي يرعي ويسرح صاعداً يطوي عن الساقين وبذلك ينشيء الشاعر إطاراً منفتحاً ينقل الدلالة من دائرة البوح الشعري، إلي دائرة الحوار الواسع مع جوهر الأشياء جميعها فيمتزج فيها الشعري بالرؤياوي ، عبر سردية داخلية تخلصه من عبء المسافة المتوهمة بين الذات والعالم، ووصلها علي نحو عميق بدنيا الأشياء، مزوداً داخله بمختلف الحدوس والاستبصارات التي تتيحها اختبارات الجسد والروح التي تعرف مجراها في دروب الحياة. لذلك أدرك »مطر« مبكراً أن امتلاك اللغة امتلاك للذات، وأن الشعر بالنسبة إليه ليس سوي سفر نحو صيرورة الذات نفسها.. مولداً القدرة علي الانتقال بين الإشارات والرموز والصور والترحال بين الفضاءات والأزمنة.. وبحكم هذا التراوح تتطلب هذه الأشكال جسداً مختلفاً تجد فيه حريتها وامتلاءها وتأسيسها المعرفي الخاص للعالم وللأفكار. الأمر الذي جعل »مطر« مدافعاً عن البراءة والنقاء والدهشة وطرح الأسئلة ضد ثقافة التليفزيون والمتلاعبين بالعقول لاسيما عقول الأطفال التي دمروها بالإعلانات التجارية التي تشوه الوعي، ونشر التسرية الفجة لأوقات الفراغ، فكتب »مسامرة الأولاد كي لايناموا« بعد أن اكتشف أن كريمته الصغري »رحمة« التي بلغت يومها سنتها العاشرة قد حرمت من عالم الحكايات والقصص الشعبية والثقافية الشفاهية التي تربطها بالحياة وبالبيئة وبالمعارف الأولية عن الكائنات، أمام طوفان الثقافة الاستهلاكية التافهة التي تخاطب معدة الإنسان وغرائزه. فدفع إلينا بكتابه الآسر »أوائل زيارات الدهشة.. هوامش التكوين«، لينقل إلينا تجربته الثرية في الحياة، وتكوينه الثقافي والمعرفي، وكيف صاغ علاقته بالعالم وبالزمن وبالتحديات التي واجهته في عالم القرية، فجاء بحق آية في فن السرد، والانفتاح علي معني الصيرورة، واكتشافاً للعالم الذي يحيلنا إليه. لهذا كان طبيعياً أن يقول لنا بجلاء: »وطالما اعتبرت القصيدة الحديثة جهداً جماعياً للكشف عن روح الأمة في التاريخ الحديث. ولعل الفوضي وممارسات التهارش الغوغائي ومبادلات القتل الرمزي ، لعل كل ذلك صورة من تجليات العسكريتاريا وسلطوياتها المتغطرسة في ادعاء الامتلاك الحصري المتفرد للحق وللحقيقة«. ويا أبا »لؤي« الجميل.. ماذا أقول لك غير ماقلته وأبدعته أنت: هل هذه لغة أم أنت آخر لغو الناطقين بها أم أنت من ظمأ الأجداد همهمة قبل الكلام وبرق في سلالة طين سوف ينكشفُ!! فاخرج أمير بلاد بتَّ تنكرها واخرج أمير قواف من نشائدها يرفضّ وحي هجاء طالما استترت من شمسه الجيفُ واسّاقط الكفن المعقود من خرق الأحلاف ألوية: مجد ولاشرفُ، والشعب تحت عراء العار يرتجفُ! قد يسلم الترف المأبون في زمن ديّوثه الصحفُ ها أنت تحت سياط الكهرباء وبين القيد والظلمات السود تعترفُ إن الكلاب ملوك والملوك دُمي والأرض تحت جيوش الروم تنجرفُ فاخرج طريد بلاد كنت تحرثها حرث العبيد، وغادر إرثها مدناً مجدورة بعشاش النملِ ساطعة الفجر الكذوب بكلس الزيف والسغبِ وامسح جبينك بالنسيان وابتدر المنهلّ من دمك النضّاحِ. رحمك الله.