فى زوايا مظلمة من عالم النفوذ والثروات، تعيش أسماء رغم موت أصحابها.. «جيفرى إبستين»، رجل الأعمال الراحل، والمدان فى قضايا استغلال جنسى، لا يزال اسمه يتردد فى أروقة السياسة الأمريكية، ومعه يعود اسم الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، الذى وجد نفسه من جديد فى قلب الجدل. خلال الأيام الماضية، عادت قضية «إبستين» –التي لم تغلق- تحت أضواء وسائل الإعلام الأمريكي من جديد مع إدلاء «ترامب» بتفاصيل جديدة حول علاقته به، ودخول رجل الأعمال «إيلون ماسك» على خط الأزمة بعد تساؤله حول تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع الملفات المتعلقة بقضية «إبستين»، الذي انتحر في زنزانته في ظروف غامضة في عام 2019 أثناء انتظاره المحاكمة بتهمة الاتجار الجنسي بالفتيات القاصرات. ما قصة «إبستين»؟ لم يكن «إبستين» مجرد رجل أعمال.. ففي أوائل الألفية، كان من رموز المجتمع المخملي في «نيويورك، وفلوريدا» وغيرهما، يتنقل بين القصور، والطائرات الخاصة، محاطًا بمشاهير وساسة من الصف الأول. لكن، يقال أن هذا العالم الزاخر كان يخفي في كواليسه شبكة مروعة من الانتهاكات الجنسية، طالت فتيات قاصرات، وامتدت لسنوات طويلة قبل أن يُلقى القبض عليه عام 2019. البداية، كانت في عام 2008، حينما توصل «إبستين» إلى (اتفاق إقرار بالذنب) مع الادعاء العام الأمريكي، بعد أن أبلغ والد فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا الشرطة في «فلوريدا»، أن «إبستين» اعتدى على ابنته في منزله في «بالم بيتش». وبعدها، تم العثور على صور للفتيات في جميع أنحاء المنزل، وأدين بتهمة تحريض قاصر على ممارسة الدعارة؛ وعليه تم تسجيل القضية بتهمة ارتكاب جرائم جنسية، إلا أنه نجا من عقوبة سجن ثقيلة نتيجة لهذه الصفقة. ثم بعد 11 عاماً، اتُهم مرة أخرى بإدارة شبكة استغلال جنسي للفتيات القاصرات.. إلا أنه بعد وفاته الغامضة في السجن أثناء انتظاره المحاكمة، جمعت التحقيقات الجنائية كمية هائلة من الوثائق، بما في ذلك نصوص المقابلات مع الضحايا والشهود، والدلائل المُصادرة من مداهمات ممتلكاته المختلفة. وقد ذكرت وثائق المحكمة التى صدرت فى عام 2024عشرات الأسماء، من بينها الأمير «أندرو»، و الرئيسان الأمريكيان «ترامب» و»بيل كلينتون»، وحتى بعض الفنانين، ضمن العديد من الشركاء، والأصدقاء، والضحايا المزعومين، الذين وردت أسماؤهم في الصفحات ال900 التي تم الكشف عنها؛ وذلك رغم نفي أغلبهم تلك الاتهامات. يذكر، أنه كان هناك –أيضا- تحقيق منفصل مع شريكته البريطانية السابقة «جيسلين ماكسويل»، التي أدينت في عام 2021 بالتآمر مع «إبستين» للاتجار بالفتيات من أجل الجنس.. فعلى سبيل المثال، ووفقا لسجلات الضمان الاجتماعي المُقدمة إلى المحكمة خلال قضية التشهير التي رفعتها «فيرجينيا جيوفري» ضد «ماكسويل»، وجه اتهام إلى «جيوفري» –التي عملت في نادي «مارالاجو»- «ماكسويل» بتجنيدها، حتى أصبحت في نهاية المطاف –ما وصفته- (بعبدة جنسية مراهقة) لرجل الأعمال «إبستين»، وضحية للاتجار الجنسي، بدءاً من سن السابعة عشرة؛ وهو ما نفته «ماكسويل». ثم أدانت هيئة محلفين «ماكسويل» بتهم تشمل الاتجار بالجنس، ونقل قاصر لممارسة الجنس، والتآمر. وفى النهاية حُكم عليها بالسجن عشرين عاماً في يونيو 2022. علاقة «ترامب وإبستين» في أحدث تصريحات «ترامب»، قال إنه يعرف «إبستين» منذ أواخر الثمانينيات، لكنهما اختلفا فيما بعد، ولم يتحدثا لمدة 15 عامًا وحتى اعتقال «إبستين» في عام 2019. وبالبحث عن تاريخ علاقتهما، أظهر فيديو في نوفمبر 1992 عن اجتماع «ترامب» مع «إبستين» وهما يضحكان ويتحدثان في حفلة في «مارالاجو» في «بالم بيتش» بولاية «فلوريدا»، وهو المنتجع الفاخر المملوك للرئيس «ترامب». وفي عام 1993.. زعمت عارضة الأزياء «ستايسي ويليامز»، أن «ترامب» تحرش بها أمام «إبستين» أثناء زيارتها لبرج «ترامب»؛ وهو ما نفاه الأخير، بعد أن قدمت «ويليامز» ادعاءاتها في أكتوبر 2024. وفي عام 2000.. تم تصوير «ترامب، وميلانيا» مع «إبستين، وجيسلين ماكسويل» في «مارالاجو»؛ ثم في أكتوبر 2002، وصف «ترامب» في حوار مع مجلة (نيويورك) الأمريكية، «إبستين» بأنه رجل رائع، وأنهما يعرفان بعضهما البعض منذ 15 عاماً؛ حيث قال، إنه: «شخص ممتع، ويُعجب بالنساء الجميلات بقدر ما أُعجب به، وكثيرات منهن في سن أصغر». ثم أفادت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية، بأن «ترامب» بعث برسالة وصفتها بفاضحة إلى «إبستين»، وُجدت ضمن كتاب أُعد بمناسبة عيد ميلاده الخمسين؛ إلا أن «ترامب» نفى كتابة الرسالة، مثلما نفى وجودها منذ أيام قليلة. وعن الخلاف بين «إبستين» و«ترامب»، كانت الشرارة الأولى للأزمة بين الصديقين حينها قد اندلعت في عام 2004، حينما ذكرت صحيفة (واشنطن بوست) أن خلافا نشب بين «ترامب، وإبستين» بعد منافسة لشراء قصر في «بالم بيتش»، يسمى (Maison de l Amitie). «ترامب» فاز بالقصر مقابل 41.35 مليون دولار. وبعدها بعام، بدأت الشرطة في «بالم بيتش» التحقيق مع «إبستين» بعد أن أبلغت فتاة تبلغ من العمر 14 عاما عن تحرشه بها في قصره؛ وفي 2006 وجهت اتهامات إليه بارتكاب جناية واحدة تتعلق بالتحريض على الدعارة. ومن هنا، يقال إن «ترامب» منع «إبستين» في 2007 من دخول منتجع «مارالاجو» بعد مزاعم عن تحرشه بابنة أحد الأعضاء؛ وهي قضية علق عليها (البيت الأبيض) في تصريحات حديثة، حول علاقة الصديقين؛ موضحاً أن «ترامب» طرد «إبستين» من ناديه لأنه شخص خبيث. وظلت الأحداث رتيبة حتى روج «ترامب» لنظرية مؤامرة «إبستين» في 2015؛ مدعياً تورط الرئيس الأمريكي الأسبق «بيل كلينتون»؛ وهو ما أنكره الأخير؛ مشدداً على عدم معرفته بجرائم «إبستين». وفي العام الفاصل، أي 2019، أُلقي القبض على «إبستين» في «نيويورك» بتهمة الاتجار بالجنس على المستوى الفيدرالي في 6 يوليو؛ وبعدها بثلاثة أيام قال «ترامب» الذي صار الرئيس الأمريكي إنه لم يتحدث مع «إبستين» منذ 15 عاماً، وأنهما كانا على خلاف؛ مؤكداً في تلك اللحظة أنه لم يكن من مُعجبيه. ثم عُثر عليه ميتاً في زنزانته بعد شهر من اعتقاله، وتحديداً في 10 أغسطس 2019. ظلت قضية «إبستين»، والتحقيقات فيها مستمرة لكن لم تكن بنفس الزخم الذي تصدر به الموضوع عناوين الصحف ووسائل الإعلام في فترة ولاية «ترامب» الأولى، لتعود من جديد في فترة «ولايته الثانية» بنفس القدر من الصخب، وهو ما ظهر مرة أخرى في تعليقات الرئيس الأمريكي، حينما قال في يوليو الماضي، إن علاقته بإبستين توترت بسبب استقطابه بعض الموظفين، بعد أن حذره –صراحةً- من ذلك؛ مجدداً تأكيده أنه لم يتحدث معه منذ سنوات عديدة قبل وفاته. كما قال «ترامب» في 29 يوليو الماضي إنه اختلف مع «إبستين»، بعد أن سرق شابات من منتجع «مارالاجو». «إيلون ماسك» على خط الأزمة دون أي سابق إنذار، فاجأ الملياردير الأمريكي «إيلون ماسك» الرأي العام الأمريكي بعد هجومه على الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، بسبب دفاع الأخير عن وزيرة العدل الأمريكي «بام بوندي»، وطريقة تعاملها مع القضية المتعلقة ب«جيفري إبستين». ففي منشور على منصة «إكس» -التي يمتلكها «ماسك»- علق الأخير على بيان «ترامب» المنشور على موقع «تروث سوشيال»؛ قائلاً، إن: «هذا المنشور مرشح لجائزة أسوأ منشور على الإطلاق»؛ داعياً إلى الافراج عن ملفات «إبستين» مثلما وعد «ترامب» وإدارته. وبعد دقائق، رد «ماسك» على منشور آخر، وصف قضية «إبستين» بأنها (نقطة ضعف «ترامب»)؛ منتقداً الرئيس الأمريكي لتعهده بالإفصاح عن الملفات خلال حملته الانتخابية، ثم استخفافه بأهمية القضية. واعتبر «ماسك» أن هذه قضية بالغة الأهمية؛ قائلاً: «أي نظام نعيش فيه، إذا كان آلاف الأطفال قد تعرضوا للإساءة، والحكومة لديها مقاطع فيديو للمعتدين، ومع ذلك لا يواجه أي منهم اتهامات؟!». ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان هجوم «ماسك» يعود لاهتمامه بقضية «إبستين»، أم أنها تأتي في إطار تصاعد الأزمة بين «ترامب»، و«ماسك» على غرار الخلافات التي نشبت بين الحليفين السابقين منذ يونيو 2025، وذلك بسبب انتقادات «ماسك» اللاذعة لسياسة «ترامب» الداخلية الرئيسية فيما يخص مشروع قانون إنفاق (One Big Beautiful Bill)، الذي وصفه «ماسك» بأنه عمل بغيض مثير للاشمئزاز، ما دفع الرئيس الأمريكي للإعراب عن استيائه من «ماسك»، ثم اشتعلت الخلافات بينهما. ومن جانبه أصدر الكونجرس الأمريكى أمر استدعاء فى يوليو 2025 ل«جيلان ماكسويل» شريكة «إبستين» للاستجواب فى 11 من الشهر الحالى فى سجنها فى «فلوريدا». وتشمل قائمة الاستدعاءات المتوقعة كلا من الرئيسين الأسبق «بيل كلينتون» والسابق «جو بايدن» إلى جانب «هيلارى كلينتون» ومديرى «مكتب التحقيقات الفيدرالى»FBI السابقين «جيمس كومى»، «روبرت مولر» و14 مدعيا عاما سابقا. في النهاية، تعد ملفات إبستين» ليست مجرد قصة فضيحة جنسية، بل فصلا قاتما في تاريخ السلطة والنفوذ.. فرغم نفي الرئيس الأمريكي «ترامب» لأي علاقة مريبة مع الراحل «إبستين»، إلا أنه يجد نفسه محاطاً بأسئلة لا تموت مع صاحبها، كلما ظهرت وثيقة أو تسريب جديد.. لتبقى هذه الملفات – سواء أُغلقت رسمياً أو لا – بمثابة قنبلة صامتة، قد تنفجر في لحظة سياسية غير متوقعة. 2 3