فى مواجهة حملات دعت للانسحاب ومقاطعة انتخابات مجلس الشيوخ، اختار المصريون أن يردّوا بطريقتهم الخاصة: ورقة فى صندوق، لا تغريدة فى هاشتاج، فالرسالة لم تكن فقط انتخابية؛ بل سياسية فى جوهرها: «مصر دولة مستقرة». لم تكن المرحلة الأولى من انتخابات «الشيوخ» مجرد استحقاق دستورى؛ بل كانت بيانًا وطنيًا، وقبل أن يُعلن الفوز لمرشح أو حزب، كان الانتصار لفكرة الدولة نفسها.. دولة تعرف إلى أين تمضى، ولا تلتفت لمَن يحاول جرّها إلى الوراء.
منذ الإعلان عن الخريطة الزمنية لانتخابات مجلس الشيوخ، ارتفعت وتيرة الدعوات المشبوهة لمقاطعة الانتخابات وعدم المشاركة فيها، بدعوَى عدم جدواها وعدم وجود جدوَى من مجلس الشيوخ ذاته، وما إن انطلق السباق الانتخابى بالخارج ثم بالداخل وما ظهر خلاله من احتشاد للناخبين أمام لجان الاقتراع، عادت الأصوات الحاقدة بنغمة جديدة: «اللجان فارغة». نحن هنا لا نتحدث عن الأصوات العاقلة التى قد تنتقد أو تفنّد بعض السلبيات فى المشهد (فحرية التعبير مكفولة بالدستور)، ولكننا نتحدث عن الأصوات الخبيثة التى تبث الأكاذيب للنَّيْل من المؤسَّسات الدستورية والدولة ككل. حتى الآن لم تصدر إحصاءات رسمية عن العملية الانتخابية، فالأمر منوط بالهيئة الوطنية للانتخابات التى ستعلن النتائج والإحصاءات الكاملة، الثلاثاء المقبل، وحتى هذا الموعد لا بُدَّ من التأكيد على أن نجاح إجراء العملية الانتخابية فى الوقت الراهن ليس بالأمر العادى، ورسالته الأهم أن الدولة ماضية فى ترسيخ مؤسَّساتها الدستورية، فالرسالة هنا أهم من الأعداد. وبالنظر إلى نِسَب التصويت فى الاستحقاق الأخير لانتخابات مجلس الشيوخ، أو انتخابات مجلس الشورى 2012؛ فقد بلغت نسبة المشارَكة فى 2020 نحو 14.23 %، فيما بلغت النسبة فى 2012 نحو 12.9 %، وهذا يظهر أن معدل التصويت فى انتخابات الغرفة الثانية للبرلمان عادة ما يتراوح من 12 إلى 15 % على أقصى تقدير. وفقًا للهيئة الوطنية للانتخابات جاء المشهد الانتخابى فى المرحلة الأولى، إيجابيًا للغاية وبإقبال ملحوظ على المشاركة من قِبَل الناخبين، فيما رأت الأحزاب السياسية أن المشهد كان وطنيًا بامتياز ورسالته الأهم أن الدولة تسير فى الطريق الصحيح. مشاركة إيجابية أكدت غرفة عمليات حزب «حُماة الوطن» أن العملية الانتخابية جرَت فى أجواء من التنظيم والتنسيق بين مؤسَّسات الدولة، وأنها رصدت إقبالاً ملحوظًا من المواطنين على صناديق الاقتراع خلال يومَىّ التصويت، وهو ما اعتبره الحزب تأكيدًا على تمسُّك الشعب المصرى بممارسة حقوقه الدستورية والمشاركة الفعالة فى الاستحقاقات الوطنية. وأشادت غرفة العمليات بحالة التناغم والتنسيق بين مؤسَّسات الدولة المختلفة، والتى ساهمت فى إنجاح ما وصفته ب«العُرس الديمقراطى»، مؤكدين أن الانتخابات خرجت بصورة مشرفة دون أى مشكلات تُذكر. ووجَّه الحزب تحية خاصة إلى الهيئة الوطنية للانتخابات؛ على ما بذلته من جهود منذ فتح باب الترشح وإعلان الجدول الزمنى وحتى انتهاء عمليات التصويت. مشيرًا إلى أن الهيئة كانت على أتم الاستعداد لضمان نزاهة وسلامة العملية الانتخابية. كما توجَّه حزب «حُماة الوطن» بالشكر إلى الشعب المصرى، الذى أثبت وعيه وحرصه على المشاركة فى صياغة مستقبل الحياة السياسية، من خلال الخروج والإدلاء بصوته لاختيار مَن يمثله تحت قبة مجلس الشيوخ. حضور كثيف للشباب والمرأة وقالت غرفة العمليات المركزية بتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إنها تابعت تصويت الشعب المصرى فى الداخل لانتخابات مجلس الشيوخ فى جميع محافظات الجمهورية. وتابعت: وقد رصدت الغرفة خلال يومَىّ التصويت فى الداخل إقبالاً ملحوظًا للناخبين على اللجان الانتخابية فى مختلف المحافظات؛ حيث تراوحت نسبة المشارَكة من كثيفة إلى متوسطة، ومن المَشاهد الإيجابية التى رصدتها الغرفة، الحضور الكثيف للشباب من الجنسين، وكذلك مشارَكة واضحة للسيدات فى العملية الانتخابية. كما أشادت الغرفة بالترتيبات الخاصة التى اتخذتها اللجان الانتخابية لاستقبال ذوى الإعاقة؛ حيث خصّصت لجانًا فى الأدوار الأرضية ووفرت أوراق اقتراع بطريقة برايل لتسهيل عملية التصويت للمكفوفين. حملة مضادة ل«الشيوخ» قال الدكتور مجدى مرشد، نائب رئيس حزب المؤتمر، إننا اعتدنا على أن نِسَب التصويت فى انتخابات مجلس الشيوخ أو حتى مجلس الشورى «سابقًا»، تتراوح ما بين 12 إلى 15 %، ولا تكون مرتفعة كانتخابات مجلس النواب، التى تتمتع حاليًا بتقسيم دوائر أصغر جغرافيًا، الأمر الذى يتيح للمرشح التواجد المكثف وتكوين رابطة قوية مع الناخب. وأضاف «مرشد» فى تصريحات ل«روزاليوسف»: إن مجلس الشيوخ تعرَّض لحملة كبيرة قبيل الانتخابات، وعكفت اللجان الإلكترونية عبر السوشيال ميديا على محاولة تهميش دوره وتقزيم أهميته؛ لكى يتاجروا بفكرة أن التصويت ليس كبيرًا وأن الشعب غير مقتنع بهذه المؤسَّسات الدستورية. وتابع: لذلك كان من المهم على الأحزاب والمرشحين توضيح دَور مجلس الشيوخ للمواطنين؛ فوفقًا للتعديلات الدستورية فى 2019، يلعب مجلس الشيوخ دورًا تشريعيًا مُهمًا للغاية، فهو بمثابة «مصنع لصناعة مستقبل مصر»، من خلال تدقيقه فى التشريعات، ودوره الأهم فى تحقيق السلام الاجتماعى، ووضع الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وغيرها من الاختصاصات المهمة للغاية. وأشار نائب رئيس حزب المؤتمر، إلى أن الأحزاب حصلت على فرصة كبيرة بانعقاد انتخابات مجلس الشيوخ قبيل انتخابات النواب، وعليها استغلالها بالتواجد أكثر على الأرض والتفاعل مع المواطنين بشكل حقيقى. رسالة سياسية قوية وأكد الدكتور أيمن محسّب، مساعد رئيس حزب الوفد وعضو مجلس النواب، أن المشهد الانتخابى عكسَ حالة نضج ووعى سياسى لدَى المواطن المصرى، وإدراكًا عميقًا بأهمية المشاركة فى بناء مؤسّسات الدولة. مشيرًا إلى أن مشهد الاصطفاف أمام اللجان لم يكن مجرد ممارسة ديمقراطية روتينية؛ بل تجديد لعَقد الثقة بين المواطن ودولته، وإعلان واضح بأن الشعب شريك فاعل فى صياغة الحاضر واستشراف المستقبل. وقال «محسب»: إن المشاركة الواسعة من جانب مختلف فئات الشعب، وعلى رأسها المرأة المصرية، والشباب، وكبار السّن، وذوو الهمم، كانت بمثابة تأكيد على عمق الانتماء الوطنى، والاستعداد الدائم للدفاع عن استقرار الدولة عبر أدوات ديمقراطية وسلمية. وأوضح أن هذا الاستحقاق الانتخابى المهم يُعَد بمثابة رسالة سياسية قوية على المستويين الداخلى والخارجى؛ بأن مصر دولة مستقرة، ومؤسَّساتها تعمل وفق قواعد دستورية راسخة، وأن الشعب لديه الثقة فى أدواته الديمقراطية وقدرته على التغيير من خلال صندوق الانتخابات، لا من خلال الفوضى أو الشعارات الزائفة. مؤكدًا أن مجلس الشيوخ باعتباره الغرفة الثانية للتشريع؛ يُشكل مع مجلس النواب دعامة أساسية للعمل البرلمانى فى مصر، بما يسهم فى تحسين جودة التشريعات، وتوسيع قاعدة الحوار حول القضايا الكبرَى، وتعميق النقاشات حول السياسات العامة بعيدًا عن الضغوط السياسية اليومية. 1 3