القاهرة تتبنى اتجاهًا للتهدئة وعدم التصعيد ردًا على الخطوة المفاجئة.. والخرطوم تضغط في ملف «حلايب وشلاتين» في أبرز إشارة على عمق الأزمة بين مصر والسودان، استدعت الخرطوم يوم الخميس الماضي بشكل عاجل سفيرها لدى القاهرة، عبدالمحمود عبدالحليم محمد، للتشاور بشأن جملة من المشكلات التي تواجه العلاقة بين الدولتين ووصلت إلى ذروتها خلال الفترة الأخيرة. وتشهد العلاقات المصرية – السودانية، توترًا منذ ما يقرب من 4سنوات فشلت خلالها الزيارات المتبادلة واللقاءات على مستوى قادة البلدين، والمفاوضات المكوكية بين وزير الخارجية سامح شكري ونظيره السوداني إبراهيم غندور في نزع فتيلها. ووصلت العلاقة إلى توتر غير مسبوق، خاصة بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخرطوم في 24 ديسمبر الماضي ومنحه جزيرة سواكن في حوض البحر الأحمر، التي تعد أبرز ميناء سوداني بعد بورسودان، وتقديم السودان تسهيلات عسكرية لتركيا في البحر الأحمر، بما يسمح بوجود عسكري تركي، ليزيد من قلق مصر. وزاد الاجتماع الثلاثي لرؤساء أركان دول قطروتركيا والسودان بشدة من قلق مصر من انخراط السودان في أحلاف عسكرية معادية لها في ظل حالة التوتر في العلاقات بين القاهرة والدوحة وأنقرة، الأمر الذي نفاه وزير خارجيته إبراهيم غندور، قائلاً: "السودان لا تنخرط في سياسة أحلاف بل هي حريصة على علاقات حسن الجوار وتحسين علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية بما يصب في صالح الحفاظ على استقرار السودان ورفاهية شعبه". التقارب السوداني مع تركيا خصوصًا، أشعل قلقًا داخل دوائر السلطة في مصر؛ لاسيما أن مثل هذه التوجهات ستكرّس من سياسة الأحلاف في المنطقة، وتزيد من التعقيد في عدد من الملفات، وعلى رأسها مساعي مصر للوصول لحل وسط مع إثيوبيا، فيما يتعلق بأزمة سد النهضة وحصتها بمياه النيل. وعلى الرغم من استيائها من خطوة السودان المفاجئة بسحب سفيره من القاهرة للتشاور، إلا أن مصر لم تتبن نهجًا تصعيدًا؛ إذ قالت وزارة الخارجية، إنها تدرس الأمر بعناية قبل تحديد الخطوة القادمة أو سبل التعامل مع الخطوة المفاجئة التي تزامنت مع هجوم في وسائل الإعلام المصرية، والمطالبة بخطوات تصعيدية معها ردًا على تقاربها مع تركياوقطر، ووصل الأمر للمطالبة باستبعاد السودان من اتفاق المبادئ الخاص بسد النهضة في ظل انحيازها لموقف إثيوبيا. وكشفت مصادر دبلوماسية عن أن مصر تتبنى استراتيجية جديدة، فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في علاقاتها مع السودان؛ تسعى من خلالها إلى تفكيك الأزمات التي تمر بها العلاقات بين البلدين، وفي مقدمتها مثلث حلايب وشلاتين وأم رماد، والعمل على إعادة الاعتبار لخيار تحويل هذه المناطق إلى مدن تكامل بين البلدين، لاسيما أن التصعيد وتبني مواقف متصلبة من شانه أن يفاقم التوتر بين الجانبين بما يؤثر على المصالح العليا للبلاد. ووفق المصادر، فإن "مصر ستعمل على تقديم ضمانات أمنية للسودان، وتبديد المخاوف من احتمالية التصعيد العسكري معه، وهي المخاوف التي دفعت الخرطوم للتقارب مع تركيا، ومنحها تسهيلات لتأمين الجبهة الحدودية مع مصر، بالتزامن مع تصعيد الخرطوم في ملف حلايب وشلاتين، ورفضها لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي بموجبها تنازلت عن جزيرتي "تيران وصنافير" للمملكة، باعتبار أن الاتفاقية تقتطع أجزاء تقع تحت السيادة السودانية، وفق مزاعمها". وتخشى القاهرة من أن يؤدي التصعيد مع الخرطوم إلى دفع الأخيرة لتبني مواقف أكثر انحيازًا مع أديس أبابا في ملف النهضة؛ إذ لم يبد السودان أي استجابة لمخاوف مصر فيما يتعلق بالسعة التخزينية للسد ولا قواعد ملء خزانه، وعلى الرغم من كونها دولة مصب، إلا أنها لم ترفض التقارير الواردة من إثيوبيا بوصول السعة التخزينية إلى أكثر من 74مليار متر مكعب مياه، بل رأت أن السد يكل عامل استقرار في المنطقة ويصب في صالح دول المنبع والمصب. وقال الدكتور عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق إنه يفضل تبني سياق هادئ في التعامل مع الخطوة السودانية الأخيرة بسحب سفيرها، لأن التصعيد لا يصب في صالح مصر، مشددًا على ضرورة تطويق التوتر وعدم الرد بسحب السفير المصري من الخرطوم، في ظل وجود وسائل أخرى يمكن بموجبه الرد على الخطوة السودانية. وأشار الأشعل إلى "أهمية البحث عن مقاربة جديدة للعلاقات المصرية السودانية، تنزع فتيل التوتر، وتصل لحلول مُرضية للطرفين في ملفات حلايب وشلاتين وأم رماد وسد النهضة، وقطع الطريق على أي خطوات تصعيدية من جانب الخرطوم قد تؤدي إلى تعقد الموقف بين الجانبين. ودعا الأشعل، وسائل الإعلام في مصر للكف عن شن حملات إعلامية على السودان، محذرًا من "عواقب وخيمة" في حال استمرارها، لأنها تقابل برد فعل قوي من جانب السودان، لاسيما أن مصر لا تملك أوراق ضغط عليها لحملها على تغيير مواقفها، ما يجعل من تبني لهجة هادئة، واللجوء إلى الحوار الاستراتيجي هما السبيل الوحيد لتسوية العلاقات بين البلدين. وقال الدكتور عاطف سعداوي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب "الأهرام"، إن "الخطوة السودانية المفاجئة بسحب السفير السوداني من مصر يجب أن تواجه بشيء من ضبط النفس، لاسيما أن اللجوء لخطوة مماثلة سيزيد من حدة التوتر بشكل يصعب من محاولات تسوية الخلافات أو على الأقل تحجيمها في المستقبل". وأقر بأن "التقارب السوداني مع تركياوقطر أوصل علاقات البلدين إلى نفق مظلم، وبل كرس اعتقادًا في الدوائر المصرية بعزم السودان على التصعيد، ودعم إثيوبيا في أزمة سد النهضة، والرهان على دعم حلفاء إقليميين في صراع محتمل مع مصر، وهو أمر يجب معه الوصول إلى قواسم مشتركة مع الخرطوم، والتأكيد على العلاقات الطيبة والاستراتيجية بين البلدين هي تخدم مصالحهما المشتركة بعيدًا عن الهيمنة أو الرغبة في لي الذراع".