يحل وزير الخارجية السوداني، البرفيسور إبراهيم غندور، ضيفًا على القاهرة خلال الساعات المقبلة في زيارة هي الأولى لمصر - حال إتمامها - منذ عدة أشهر؛ لعقد مشاورات مع نظيره المصري، سامح شكري؛ للبحث في سبل إعادة العلاقات المصرية السودانية إلى مسارها الصحيح ووضع حد للتوتر الذي تشهده علاقات البلدين خلال الفترة الأخيرة، والذي حال دون إتمام زيارات لرئيسي الدبلوماسية في العاصمتين. فهذه الزيارة تأتي في توقيت شديد الحساسية، وبعد فترة سيطرت فيها التجاذبات والسجالات المشتركة على علاقات البلدين، فيما يتعلق بملفات شديدة الخطورة، سواء بالموقف السوداني من مفاوضات سد النهضة، أو دعم القاهرة لعناصر متمردة بدارفور أو ما يزعمه السودان من تأييد القاهرة لاستمرار عقوبات مجلس الأمن ضد الخرطوم، أو حلحلة الخلافات المستمرة حول حلايب وشلاتين. ولا يمكن في هذا السياق تجاهل الاعتبارات السياسية والجيوإستراتيجية لقرار السودان الأخير؛ بمنع دخول عدد من المنتجات المصرية الزراعية والحيوانية لأراضيه، فهذا القرار المفاجئ الذي كرّس التوتر وشبه القطيعة بين البلدين جاء عقب التهديدات التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بأن مصر ستلاحق الإرهابيين في كل مكان، وهو ما اعتبرته الخرطوم تهديدًا مباشرًا لها؛ لاسيما أنها تواجه منذ مدة اتهامات مصرية بإيواء عناصر إرهابية تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بحسب مزاعم رسمية مصرية. وسبقت هذه التهديدات تصريحات للرئيس السوداني، عمر البشير، يتهم فيها مصر بالتدخل في شئون السودان، وتقديم دعم عسكري، وعتاد لحركات متمردة في دارفور؛ تم ضبطها بعد أسر عشرات من المسلحين، وهو موقف اعتبره مراقبون الأكثر حدة في علاقات البلدين، لاسيما أن هذه الاتهامات لم يسبق أن جاءت على لسان مسئولين بوزن الرئيس طوال تاريخ التوتر بين البلدين، إذ حرص البلدان طويلًا على إبقاء الخلافات داخل الدوائر الدبلوماسية. يبدو اسم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حاضرًا بقوة في حرب الاتهامات المتبادلة بين البلدين؛ لاسيما أن الأسلحة والعتاد المصري الذي ضُبط بحوزة المتمردين كان يخص حركة العدل والمساواة، المرتبطة بصلات قوية مع "حفتر" الذي أعاد توظيف هذه الحركة لتفجير قضية دارفور مجددًا في وجه حكومة "البشير"، خدمة لمصالح قوي إقليمية تمر علاقاتها بالسودان بمحطات توتر شديدة، وعلى رأسها مصر. ويرى كثير من المراقبين أن السودان يجد نفسه المستهدف الأول من الضربات المثيرة للجدل والعنيفة والمستمرة التي وجهتها مصر لأهداف في شرق ووسط وجنوب ليبيا؛ بذريعة تورط عناصر متطرفة تتخذ من درنة الليبية مقرًا له في مذبحة الأقباط في صعيد مصر الأسبوع الماضي، فالشراسة التي تمت بها هذه الضربات، نظر إليها باعتبارها رسالة ردع للسودان؛ حال استمراره في تبني سياسات معادية لمصر في ملفات النهضة وحلايب وشلاتين، ودعم المعارضة المصرية وغيرها من الملفات. ويعد الموقف السوداني من سد النهضة أبرز ملفات التوتر بين البلدين، حيث تتبني الخرطوم موقفًا منحازًا للطرح الإثيوبي، وتنظر إلي السد باعتباره مصدرًا للتنمية في كل دول المنطقة، وهي وجهة نظر مغايرة تمامًا للموقف المصري، الذي يعتبر النهضة تهديدًا لأمنه المائي، بل إن القاهرة راهنت طويلًا على دعم السودان بوصفهما دولتي المصب؛ للحفاظ على حقوقهما التاريخية في مياه النيل، إلا أن التطورات خلال الأشهر الماضية أكدت أن حكومة "البشير" تسير بعيدًا عن الرؤية المصرية. يأتي هذا في الوقت الذي كشفت مصادر، عن أن السودان راغب بقوة في تفجير أزمة في علاقاته مع القاهرة، خلال الفترة الحرجة التي تمر بها مفاوضات سد النهضة؛ في مسعى منها لتجنب ضغوط مصرية لتغيير موقف الخرطوم من أزمة السد، وسعته التخزينية، وطرق تشغيل، وملء الخزان بشكل قد تتضرر معه العلاقات الإستراتيجية بين الخرطوم وأديس أبابا، وهو ما لا ترغب فيه حكومة "البشير". ولا يبدو أن تطور العلاقات بين السودان وقطر بعيدًا عن ملفات التوتر التي تحكم علاقات القاهرةوالخرطوم؛ في ظل أزمة الدوحة مع عواصم خليجية، فالزيارات المتبادلة بين مسئولي البلدين، وتنامي النفوذ والاستثمارات القطرية في الخاصرة الجنوبية لمصر؛ يشكل عامل قلق في القاهرة، إذ تعتبر الوجود القطري عامل تهديد للمصالح المصرية، في ظل ما تردد عن دعم قطري لانحياز الخرطوم لأديس أبابا في مفاوضات النهضة. ويعول مراقبون على الزيارة التي يقوم بها للقاهرة وزير الخارجية السوداني، إبراهيم الغندور، خلال الأيام القادمة لتفكيك عدد من ملفات التوتر بين البلدين؛ خاصة ملفات حلايب وشلاتين، ودعم مصر لمتمردي دارفور، وتأييد القاهرة لخليفة حفتر، والموقف السوداني المنحاز إثيوبيا في ملف النهضة، والعقوبات المتبادلة التي فرضتها العاصمتان، ووضع العلاقات بين البلدين على مسارها الصحيح وتخفيف حدة المواجهة. لكن رهان البعض على زيارة الغندور – حال إتمامها – يواجه بتحفظ من المهتمين بملف علاقات البلدين، فتحفظ القاهرة على تقديم تنازلات للخرطوم فيما يتعلق بملف حلايب وشلاتين يرد عليه سودانيًا بتبني الطرح الإثيوبي إزاء "النهضة"، بشكل يجعل علاقات البلدين مرشحة للتصعيد؛ خاصة أن خلافات البلدين تعاني تعقيدًا؛ يجعل مهمة "شكري" و"غندور"، في حلحتها شديدة الصعوبة. يأتي هذا في الوقت الذي يعتبر الكثيرون، أن فرض السودان حظرًا على دخول المنتجات المصرية أراضيه، واتهامات القاهرة له بإيواء إرهابيين في أراضيه، ما هي إلا عرض لتأزم علاقات البلدين، والفشل في تسوية ملفات النهضة وحلايب وشلاتين، كما يؤكد السفير عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق، فهذان الملفان هما محطة التوتر الرئيسية التي أججت الخلافات، ووضعت علاقات البلدين علي المحك. ونبه "الأشعل"، على حاجة علاقات البلدين لمقاربات جديدة، وإعادة هيكلة تبعد البلدين عن مسارين مستحيلين لهذه العلاقات، وهما التبعية والعداء، فالبلدان المرتبطان بعلاقات تاريخية يحتاجان إلى تعزيز الثقة وإيجاد آلية تحفظ مصالحهما، وتجعلهما في الوقت نفسه بحاجة إلي هامش مناورة، خصوصًا في الملفات التكتيكية فيما يجب أن تظل الملفات الإستراتيجية بعيدة عن أي تجاذبات. وأشار إلى أن هذه المقاربات تسير في إطار إيجاد تسوية خلاقة لأزمة حلايب وشلاتين كمناطق تكامل أو إدارة مشتركة، فهذا الملف قد يكون السبب في استمرار الأزمة التي تعد مصر الخاسر الأهم منها؛ لاسيما أن دعم السودان لإثيوبيا في ملف النيل يسدد ضربة قاتلة لحقوق مصر التاريخية في النهر التي لم تحفظها الاتفاقية الثلاثية مع إثيوبيا والسودان، وبالتالي فينبغي الوصول لتسوية سريعة للخلافات مع السودان، ووضع العلاقات على الطريق الصحيح خدمة لمصالح مصر في المقام الأول.