اتهامات وزير الدفاع السوداني وتأجيل زيارة شكري وانحياز الخرطوم لإثيوبيا تضع علاقة البلدين على صفيح ساخن مصادر: الخرطوم لم تعد تعبأ بغضب القاهرة.. والبحث عن مقاربات جديدة ضرورة حتمية لتطبيع العلاقات هيمنت أجواء من التوتر على العلاقات المصرية – السودانية خلال الفترة الأخيرة، ما كان سببًا في الدفع بالعلاقات التاريخية والاستراتيجية إلى أتون أزمة زادتها الحملات الإعلامية تأججًا وفورانًا. وجاءت اتهامات وزير الدفاع السوداني الفريق أول عوض بن أبوعوف للجيش المصري بالقيام بما من شأنه استفزاز الوحدات العسكرية السودانية الرمزية الموجودة في مثلث حلايب وشلاتين وأم رماد، ليزيد من التوتر في علاقات البلدين، في ظل السجال المستمر بين البلدين منذ يوليو 2013. وقال وزير الدفاع السوداني الفريق أول عوض ابن عوف، إن جيش بلاده يتعرض لما ما وصفه ب"استفزازات ومضايقات" في منطقة حلايب التي يزعم السودان أنها تقع داخل حدوده. وأضاف في هذا السياق: "الجيش المصري يمارس المضايقات والاستفزازات بحق القوات السودانية بمنطقة حلايب، ونحن نمارس ضبط النفس في انتظار حل المشكلة سياسيًا بين الرئيسين السوداني عمر البشير و(المصري عبد الفتاح) السيسي". الأمر الذي نفته مصادر مصرية، مؤكدة افتقاد الاتهامات السودانية للمنطقية والموضوعية. وكان لافتًا بشدة توقيت اتهامات وزير الدفاع السوداني التي تزامنت مع موجة خلافات ضربت العلاقات بين البلدين، بداية من اتهام القاهرة للخرطوم بالانحياز للجانب الإثيوبي في ملف سد النهضة، وعدم دعمه بالشكل الكافي لمساعي مصر لضمان الاستخدام العادل لموارد النهر مع الحفاظ على الحقوق التاريخية للنهر بوصف مصر والسودان بلدي مصب. وبالتزامن مع ذلك جاءت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لإثيوبيا، وحديثه عن العلاقات الاستراتيجية بين الخرطوم وأديس أبابا، واعتبار أي تهديد للاستقرار في إثيوبيا اعتداء على السودان لتزيد أجواء التوتر في العلاقات المصرية. إذ اعتبرت هذه التصريحات غمزًا في قناة مصر باعتبارها المستهدفة من رسائل الغزل المتبادلة بين جارتيها الجنوبيتين، في ظل اقتراب ملف السعة التخزينية لسد النهضة من مرحلة الحسم، واقتراب تقديم المكاتب الاستشارية لتقاريرها النهائية حول السد. ووصفت مصادر مصرية رفيعة، الغزل المتبادل بين السودان وإثيوبيا بأنه "نوع من المكايدة السياسية لمصر، بل يتعدى كذلك للتآمر على أمن مصر المائي والقومي، ويتجاهل الصلات التاريخية والوشائج التي تربط بين البلدين". وقالت إن "السودان يهدف لاستغلال ملف سد النهضة في ابتزاز مصر لدفعها لتقديم تنازلات في ملف حلايب وشلاتين، لاسيما أن القاهرة ترفض حتى الآن التفاوض بشكل مباشر حول المنطقة المتنازع عليها أو اللجوء للتحكيم الدولي لتسوية الأزمة". وكان الرئيس السوداني عمر البشير قال في فبراير الماضي إن بلاده ستلجأ إلى مجلس الأمن الدولي إذا رفضت مصر التفاوض بشأن مثلث حلايب، التي تؤكد كل من الدولتين تبعيته لها. وعلى هذه الخلفية، تحدثت مصادر صحفية سودانية عن تأييد القاهرة مد عقوبات مجلس الأمن ضد السودان، فيما يتعلق بالأوضاع في دارفور، لترد الخرطوم بالتقدم إلى القاهرة بمذكرة تفسيرية لاستيضاح الأمر، وهو ما نفته مصر جملة وتفصيلاً. وقالت وزارة الخارجية في بيان لها إن "مصر - اتساقًا مع نهجها الدائم- تتبنى المواقف الداعمة لمصلحة الشعب السوداني، سواء خلال مداولات مجلس الأمن أو لجان العقوبات المعنية التابعة له". وأضافت أنه "كان من الأحرى أن يستقي الأشقاء السودانيون معلوماتهم بشأن المواقف المصرية من بعثة مصر الدائمة لدى الأممالمتحدة بشكل مباشر، خاصة أن التنسيق بين البعثتين المصرية والسودانية قائم ومستمر بشكل دوري". وذكرت أن "لجنة العقوبات الخاصة بالأوضاع في دارفور لم تناقش من قريب أو بعيد مسألة تمديد العقوبات على السودان، حيث إن مجلس الأمن أصدر بالفعل القرار 2340 في 8 فبراير الماضي بتمديد تلك العقوبات لمدة عام قادم، ومصر كانت من أكثر الدول التي قامت بدور فعال في اعتماد قرار متوازن يحافظ على المصالح العليا للشعب السوداني الشقيق". وتأزمت العلاقات أكثر، مع فرض السودان تأشيرة على دخول المصريين، ولم تفلح التبريرات التي ساقها وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور في لجم غضب المصريين، خصوصًا من جهة تأكيده أن هذه الخطوة جاءت لمنع تسلل الإرهابيين بين حدود البلدين، وأنها لا تخالف اتفاقية الحريات الأربع، فيما اعتبرته القاهرة تصعيدًا غير مقبول في علاقات البلدين. وجاء الرد المصري بتأجيل زيارة كان من المفترض أن يقوم بها وزير الخارجية سامح شكري للخرطوم؛ لإجراء مباحثات مع الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره إبراهيم الغندور، ما اعتبره مراقبون مؤشرًا على دخول العلاقات بين البلدين في نفق مسدود. وإلى جانب ذلك، توجه مصر اتهامات للسودان بتوفير مأوى آمنًا لعدد من رموز جماعة "الإخوان المسلمين"، وعدد من العناصر الإسلامية الموالية للرئيس الأسبق محمد مرسي، في الوقت الذي رفضت فيه الخرطوم مطالب مصرية متكررة بتسليم عناصر إخوانية مقيمة في السودان. وتضع الملفات الخلافية العلاقات المصرية في مهب الرياح، وتفتح الباب أمام تحول السودان لخنجر في خاصرة النظام المصري وتهديد حقيقي لأمن الجارة الشمالية، في ظل تقارير تؤكد أن النظام السوداني لم يعد يكترث بمواقف نظيره المصري الذي فقد بحسب خبراء أوراقًا عدة كانت كفيلة بتقويم مواقف الخرطوم في كل الملفات. ودعم الدكتور عبدالله الأشعل، مساعد وزبر الخارجية الأسبق، هذا التوجه بالقول: "العلاقات المصرية السودانية تمر بأزمة غير مسبوقة، وصلت إلى حد حرب تكسير العظام بين البلدين؛ فالسودان أعلن صراحة انحيازه لإثيوبيا في أزمة سد النهضة، وفشلت الدبلوماسية المصرية خلال الأشهر الماضية في إيجاد أي تغيير ذى قيمة في موقف السودان باعتباره دولة مصب مثل مصر في تشكيل جبهة ضد إثيوبيا". وأشار إلى أن "إصرار السودان على تفجير قضية حلايب وشلاتين وتحويلها لحجر عثرة في ملف علاقات البلدين يعكس جدية الخرطوم في هذا المنحى". وقال إنه لا يستبعد حدوث مواجهات عسكرية محدودة بين البلدين في حلايب إذا استمرت الأوضاع على حالها، وفشل البلدين في إيجاد تسوية وسط تضمن مصالحهما المشتركة. ولفت الأشعل إلى أن "السودان لم يعد تعبأ حتى الآن بأي مواقف مصرية، فلم يعد لدى القاهرة أي أوراق ضغط لثنيه في دعم الموقف الإثيوبي، فيما تحظى مواقف السودان بدعم دول خليجية وإقليمية مؤثرة في المنطقة بشكل يدفع الخرطوم لتبني نهج متشدد من مصر". واعتبر الأشعل أن "الأزمة مع جار مهم مثل السودان تعكس مدى التخبط في الدبلوماسية المصرية وعدم وضوح الرؤية"، محذرًا من أن "استمرار التخبط مع السودان قد يكون له عواقب كارثية على مصالح الشعب المصري، بشكل يفرض ضرورة البحث عن مقاربات جديدة للعلاقات بين البلدين تعلي من شأن مصالح الشعبين، وتحد من الخلافات الأيديولوجية بين نظامي الحكم والكف عن النظر للقيادة السودانية بأنها إخوانية الهوى، باعتبار ذلك مسمارًا في نعش علاقات البلدين".