اتحبست شهرًا بدون ملابس داخل سيارة الترحيلات.. وعشت في عنبر أصيب به 4 بالجنون اتحايلت على القاضي علشان يجدد الحبس حتى لا أذهب إلى "سلخانة أبو زعبل" النوم على جنب واحد.. وكنا بنتخانق على "عضم الفراخ" من شدة الجوع قمت بتسوية 400 بيضة داخل زجاجة بيبسي.. والملوخية في زلعة عسل لم أمتلك سوى بدلة ميري "مشرشبة" في الشتاء القارص كان بها فتحات أكثر من بدلة "فيفي عبده" اشتهر سجن "992 شديد الحراسة" بطره المعروف إعلاميًّا ب"العقرب" بأنه باستيل السجون المصرية وأشدّها نكاية وعقابًا للمسجونين. كان افتتاح السجن مع بداية التسعينيات من القرن الماضي؛ حيث وُضع فيه أفراد وأعضاء الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد؛ نتيجة الأحداث التي شهدتها مصر خلال تلك الفترة، والتي انتهت بتفعيل مبادرة وقف العنف التي أعلنتها "الجماعة الإسلامية"؛ حيث اجتمعت قيادتها بأفراد الجماعة لتبدأ رحلة جديدة من المراجعة الفكرية بعد طول عناء داخل غياهب السجون. "المصريون" التقت أحد شهود العيان على هذه الحقبة ليروي أحداث 20 سنة، عاشها داخل غياهب ومتاهات "العقرب". رأفت فايز مهنى أحمد، من مواليد 1972، انضم إلى الجماعة الإسلامية في أوائل التسعينيات، بمركز ديروط في محافظة أسيوط، والذي شهد أحداثًا دامية، حيث قتل وقتها 14 قبطيًا. وقال: بعد القبض عليه تم اقتيادنا لفرق الأمن بأسيوط؛ حيث مكثت شهرًا كاملاً داخل سيارة الترحيلات بدون أي ملابس، سوى "غيار داخلي"، ثم تم ترحيلي إلى فرق الأمن، كل ليلة تحقيق وتعذيب، إلى ترحيلنا مجددًا لكن إلى مبنى أمن الدولة ب"لاظوغلى" بالقاهرة. بداية رحلة التعذيب يقول رأفت إنه كان يوجد في لاظوغلي وقتها ما لا يخطر على قلب بشر من التفنن في التعذيب؛ حيث مكثت 10 أيام كاملة وكنت معصوب العينين طيلة هذه المدة، وفي أول 3أيام لم أذق طعم الأكل من هول ما كنت أسمعه من صراخ وتعذيب، بعدها بدأت أتأقلم مع المكان. وأوضح أنه أثناء وجودي في الدور الرابع بلاظوغلى حدث زلازل 1992 وهرول كل مَن كان في المبنى لأنهم ظنوا أنه تفجير، وقرأت سورة الزلزلة بصوت عالٍ، وبعد فترة من الهدوء عادوا وقال لي الحارس مَن كان يقرأ، فقلت: أنا قالي ليه قلت إنها سورة قرآنية فسكت ولم يرد. وتابع أنه أثناء التحقيقات قال لي مجموعة من الضباط أنت عارف مين كان قاعد على الكرسى ده! قلت: لا قال ناجح إبراهيم وعبود الزمر وكلهم اعترفوا. قلت له: يا فندم اللى حضرتك عايزنى أقوله أنا تحت أمرك. وأشار إلى أنه تم سؤاله عن عدد الأقباط الذين قام بقتلهم فنفى قتله لأي أحد، إلا أنه بعد "العلقة السخنة"، قال: "أنا قتلتهم كلهم بس بفرد خرطوش، فدخلوا فى ضحك هيستيري، والعجيب أن أحد المحققين أكد لي أنهم على علم بعدم ارتكابي لشيء، قائلاً: "إحنا عارفين إنك معملتش حاجة بس هتاخد مؤبد". مضحكات ومبكيات السجون وأضاف رأفت راويًا معاناته في رحلته داخل سجن طره: "وصلنا سجن استقبال طره ودفعوا بنا إلى الداخل ولم نر أحدًا، أول ما أدخلونا دخلت على أحد السجناء ولم أكن قد صليت العشاء، وكان الأخ يصلى قيام ليل وظننته يصلى العشاء فوقفت خلفه وأنا متعب لدرجة الانهيار الجسماني، وفي انتظار يخلص صلاة، وبعد ما فرغ من صلاته قلت له منك لله هو أنا ناقص تعب، فضحك الأخ واحتضنني، وقال حمدًا لله على سلامتك يا رأفت أفندي. وتابع: "القضية تحولت إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، وكنت في عنبر (ج) بسجن استقبال طره وهذا العنبر يسمى "عنبر الموت"؛ حيث كان وقتها مصممًا بدون فتحات غير فتحة واحدة تحاول أن ترى السماء أو الشمس لا تستطيع أو الشمس، وحر لايوصف، السجين كان جسمه "دمامل" من أوله إلى آخره. وأوضح أنه كان معهم سجين سياسي يدعى "عبدالمنعم علي عبدالرحمن" من قرية مسارة بمركز ديروط، وكان عنده حساسية على الصدر، فكان يقوم بحركة غريبة، حيث يطأطئ رأسه أسفل الباب ويضع أنفه ويسحب الهواء كأنه "إدمان"، مضيفًا أنهم كانوا يأتون إلينا بالتعيين وبعد ساعة بالضبط يحمض من شدة ارتفاع درجة الحرارة. وتابع: "كنا بننزل جلسات وكنت أقول للقاضي واسمه وصفى ناشد": "من فضلك أنا عايز حضرتك تجدد لي الحبس 45 يومًا، فينظر لي من تحت النظارة ويقول نعم أقوله 45 يومًا، فيضحك ويقول ليه أنت مش عايز تروح أقوله أنا مش مروح دلوقتي أنا مطول مع سيادتك شوية". وأضاف: "كان يقولي يعنى أديلك 45 يومًا ومتزعلش أقوله أنا في عرضك إديني 5شهور لقدام، فيتعجب القاضي ويضحك" متسائلاً: "لماذا تطلب تجديد الحبس؟ فكنت أقول له: لو حضرتك إديتني إخلاء سبيل هيودونى أبو زعبل وهيموتوني هناك، يقولى يعنى أنت اللى عايز استمرار، أقوله أيوه وفي النهاية أعطاني إخلاء سبيل على غير إرادتي". ذروة التعذيب بأبو زعبل كانت البداية بعد إخلاء سبيلنا، لكن لم يطلق سراحنا وذهبنا إلى سجن أبو زعبل؛ حيث وقفنا أمام البوابة، واستدعوا فرقة دعم عسكري وبدأوا الضرب بالعصي على السيارة من الخارج قبل أن ينزلونا واحدًا واحدًا بين صفين من العساكر ومعهم الهراوات والخيزران. يقول رأفت: في مرة بينادوا على اسمي قالي فين "رأفت فايز مهني" قلت أنا، فقال لي: لما أنت مسيحي جاي مع العيال دول ليه ونزل فيّ ضرب، قلت: أنا مسلم، ضربني تانى، وقالى ولما أنت مسلم أبوك مسميك رأفت ليه!!". واستطرد قائلاً: "بعد ما دخلنا من حفلة الاستقبال الرهيبة دخلنا على الإيراد، والإيراد يعنى انتظار التسكين والتوزيع في الزنازين فوجدت عدد النزلاء أكثر من 135 في الزنزانة ولم أجد مكانًا أجلس فيه، ووجدت ما يفوق الخيال، جماعة يجلسوا شوية وجماعة أخرى تقف ليس هناك مكان للنوم ولا حتى أن تفرد جسمك". ومضى في روايته: "طبعًا كان لا يوجد أي طعام غير فول مسوس والسوس عايم من أعلى، وأثناء وجودنا في الإيراد دخلت فرختين مع أحد السجناء وكان قد خبأهما كيف لا أدري، وكان معنا سجين سياسي من "مصر الجديدة" والأخ اللي كان بيوزع الأكل قام بتقطيع الفرختين إلى "فتافيت صغيرة"، بالإضافة إلى توزيع العظم، وقال الأخ بتاع مصر الجديدة خد نصيبك من العظم، فنظر إليه، وما لبث أن انهار في البكاء الشديد وسكتناه بالعافية". وأوضح ساخرًا: "بعد أسبوع السجين بتاع مصر الجديدة وجدناه بيتخانق مع الأخ بتاع المطبخ عايز نصيبه في العضم، وقضينا ليلتنا في ضحك وسعادة غامرة بسبب هذا الموقف". وأكد أنه بعد قضاء شهر في الإيراد وزعونا على الزنازين والتسكين الرسمي 75 فردًا، والنوم خلف خلاف وعلى الجنب وليس لك مكان أن تنام على ظهرك". وأوضح: "علشان نلحق صلاة الفجر لازم تصحى من النوم الساعة 2صباحًا حتى يدخل الجميع الحمام ويتوضأ للصلاة". وعن أحوال المعيشة والتغذية يقول رأفت: "كانوا بيسلمونا تعيين البيض غير مستوي ولا حيلة لنا فيه، فكنا ننتظر العدس وهو جاي ساخن ونكسر عليه البيض وناكله وخلاص، فكرت كيف أستفيد من هذا البيض، وأحاول تسويته، فخطرت لي فكرة الزجاجة البيبسي الفارغة، فكنت أعلقها في مسمار وأشعل النار من أسفلها وطبعًا لما فيه مياه فلن يحدث فيها ثقب من أسفل، وكنت أقوم بتسوية 400 بيضة بهذه الطريقة، إلى أن أصبت بحساسية الصدر من أثر الدخان القاتل". وأضاف: "كنت بعملّهم أيضًا ملوخية في زلعة العسل الفارغة وأيضًا شاي فى الزجاجة، ولم يكن عندنا أي لمبة في الغرفة، والحوض بتاع المية انسد ذات مرة فوجدنا فيه رأس حمار يمنع دخول المياه، وكانت مياه أبو زعبل أسوأ مياه للشرب، حيث كانت المواسير الخاصة بمياه الشرب متصلة بترعة خارج السجن، فقد كان معنا شخص يدعى إمام عبدالله" وكان طويلاً وجسمه مليان و"الجرب" قد تمكن منه، من كثرة الجرب في جسمه كان بينزل القيح والصديد بعصا صغيرة، وبعدها انتقل لمستشفى الليمان؛ حيث لفظ أنفاسه الأخيرة". وتابع: "كنا ننادى على الشاويش ونقول له الحق يا شاويش فيه مريض فكان يسبنا بأقذع السباب والشتائم القذرة ويقول لما يموت نادوا علينا ناخده، وفعلاً كنا نقول له تعالى يا شاويش المريض مات تعالوا خدوه، وكانت النيابة تأتى لمعاينة الجثة ولابد من اثنين شهود لكي نقول مات الأخ بسكتة قلبية". موقف عجيب ومن ضمن الطرائف كان يوجد معنا سجين من قنا يدعى "أحمد محمد أحمد عبدالله" مهندس، أصيب بمرض الدرن وتوفى بعدها وكان معنا سجين سياسي من ديروط نفس الاسم – محامٍ- فتم دفن سجين قنا على أنه قنا سجين ديروط وبعد ما أخذوا العزاء فيه ذهب أهالي ديروط للزيارة فسألوا: كيف مات أحمد قالوا لهم: "مش هو اللى مات بتاع قنا.. قالولهم إحنا دفناه وأخرجوا الأخ بتاع قنا وأرجعوه لأهله مرة أخرى". وتابع: "من المآسي كان سجين يدعى "نصر صالح" من منفلوط هو وابنه ومات الرجل وأخذوه ودفنوه في مقابر الصدقة، وجاءت زوجته وقالت لابنها: "أبوك منزلش معاك الزيارة ليه قالها أبويا مات وأخذوه من 5 أيام وأخذت السيدة في الصراخ والعويل". العقرب.. نهاية المطاف يقول رأفت في روايته ل"المصريون": "بعد سجن أبو زعبل تم ترحيلي إلى سجن الوادي الجديد ومكثنا به عامًا كاملاً من أسوأ السنوات، ثم تم ترحيلنا إلى سجن العقرب، وقاموا بنزع ملابسنا كاملة وضربونا بالكابلات على جميع جسمنا لحد أنا شخصيًا كنت غارق فى دمى، وبعدها مشوا بنا مكلبشين من الخلف ورآنا أمين شرطة اسمه "عبدالله" وقال لزميله: "إيه ده قال له بنفس الحرف إحنا بنصور فيلم "سكس" بنفس الكلمة، كنوع من الإهانة لنا، وبعدها أدخلونا" إتش واحد" H1 ، وعند الوصول دخلنا العنبر زحفًا، إلى أن وصلت زنزانة 7، وعلى يميني "علاء أبو النصر" الأمين العام لحزب البناء والتنمية والنزيل الحالي بسجن العقرب أيضًا وعلى يساري شخص يدعى مصطفى أبو المجد من أسوان، ومكثنا 8سنوات بدون زيارة أو فسحة أو أي اتصال بخارج السجن". وأوضح أنه "كل 90 يومًا بالضبط تأتي حملة تفتيش أو قل تأديب، وكان لا يوجد معي تحديدًا غير بدلة بشراشيب تشبه بدله فيفي عبده الراقصة، بس بتاعتى كان فيها فتحات أكثر بكثير، وممنوع عنى الكتب وأي شيء آخر، وكان يوجد معي 4 حالات جنون عاصرتها في عنبر يسكن فيه 20 فردًا يتجنن فيه 4 أي بمعدل 20%". وأشار: "كان لا يوجد معي داخل الزنزانة غير البدلة المشرشبة وعلبه حلاوة طحينية صغيرة علشان التعيين، ومكثنا في هذا الأمر قرابة العشر سنوات حتى تحوّلت الحالة، وتم إطلاق مبادرة وقف العنف التي كانت بمثابة طوق النجاة لنا داخل سجن العقرب".