وانج يي ل بلينكن: على أمريكا عدم التدخل في شؤون الصين الداخلية وعدم تجاوز الخطوط الحمراء    توقعات مخيبة للأمال لشركة إنتل في البورصة الأمريكية    اليوم.. الأوقاف تفتتح 17 مسجداً جديداً    مسؤول أمريكي: واشنطن تستعد لإعلان عقود أسلحة بقيمة 6 مليارات دولار لأوكرانيا    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    بداية موجة شتوية، درجات الحرارة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024 في مصر    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    إسرائيل تدرس اتفاقا محدودا بشأن المحتجزين مقابل عودة الفلسطينيين لشمال غزة    جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة للحرب على غزة    900 مليون جنيه|الداخلية تكشف أضخم عملية غسيل أموال في البلاد.. التفاصيل    طريقة تغيير الساعة في هواتف سامسونج مع بدء التوقيت الصيفي.. 5 خطوات مهمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    شعبة أسماك بورسعيد: المقاطعة ظلمت البائع الغلبان.. وأصحاب المزارع يبيعون إنتاجهم لمحافظات أخرى    المستهدف أعضاء بريكس، فريق ترامب يدرس إجراءات ضد الدول التي تتخلى عن الدولار    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    ماجد المصري عن مشاركته في احتفالية عيد تحرير سيناء: من أجمل لحظات عمري    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. توجيهات الصحة بتجنُّب زيادة استهلالك الكافيين    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    أحمد سليمان يزف بشرى سارة لجماهير الزمالك    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    رئيس لجنة الخطة بالبرلمان: الموازنة الجديدة لمصر تُدعم مسار التنمية ومؤشرات إيجابية لإدارة الدين    نجم الأهلي السابق يوجه رسالة دعم للفريق قبل مواجهة مازيمبي    ناقد رياضي: الزمالك فرط في الفوز على دريمز الغاني    طارق السيد: ملف بوطيب كارثة داخل الزمالك.. وواثق في قدرات اللاعبين أمام دريمز    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    إصابة 8 أشخاص في تصادم 3 سيارات فوق كوبري المندرة بأسيوط    أبرزها الاغتسال والتطيب.. سنن مستحبة يوم الجمعة (تعرف عليها)    عاجل.. رمضان صبحي يفجر مفاجأة عن عودته إلى منتخب مصر    انطلاق حفل افتتاح مهرجان الفيلم القصير في الإسكندرية    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    بشرى سارة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال رسميًا    ليلى زاهر: جالي تهديدات بسبب دوري في «أعلى نسبة مشاهدة» (فيديو)    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    رمضان صبحي يحسم الجدل بشأن تقديم اعتذار ل الأهلي    نقابة محاميين شمال أسيوط تدين مقتل اثنين من أبنائها    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميا    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    هاني حتحوت يكشف تشكيل الأهلي المتوقع أمام مازيمبي    عاجل - بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 فعليًا.. انتبه هذه المواعيد يطرأ عليها التغيير    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    "حزب الله" يعلن ضرب قافلة إسرائيلية في كمين مركب    مواقيت الصلاة بالتوقيت الصيفي .. في القاهرة والإسكندرية وباقي محافظات مصر    عيار 21 يسجل هذا الرقم.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 26 أبريل بالصاغة بعد آخر انخفاض    بالصور.. مصطفى عسل يتأهل إلى نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    برج العذراء.. حظك اليوم الجمعة 26 أبريل 2024 : روتين جديد    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسبوع' تنفرد بحوارات مع السجناء السياسيين في سجن 'العقرب'
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 26 - 06 - 2011

رغم توقف جولاتنا التي استمرت لمدة ثلاثة أشهر إلي سجون مصر وأبرزها سجن العقرب، بقرار مفاجئ من قطاع السجون إلا أنه مازال هناك الكثير من الحكايات التي يأبي أي صاحب ضمير السكوت عنها.. إذ لم
أكن أصدق أنني يومًا قد أسمع مثلها أو أن شيئاً كهذا قد يحدث في مصر من الأساس.
السطور القادمة تحمل بعض روايات لأصحابها، هم شهود عيان وأصحاب تجربة عاشوها علي مدار أعوام طويلة في عهد مبارك ونظامه.
أقل ما يوصف به ما حدث لهؤلاء أنهم عاشوا في 'سلخانات النظام' ما ستحكي عنه تلك السطور ما هو إلا مجرد قطرة ماء في محيط، وما أنقله من ذكريات حفرت بأظفارها وحوافرها علامات في القلوب والأحشاء والأعمار، كانت ومازالت علامة سوداء في جبين النظام الذي نتمني أن يكون حقاً قد رحل وأن القادم في مصر سيكون السائد فيه هو القانون الحقيقي.. وليس قوانين النظام السابق التي سنها لحماية الفساد.
جرائم لا حصر لها ولن تجدي معها أي محاولات لدفن ما جري من انتهاكات بدعاوي 'رد الجميل' أو 'عفا الله عما سلف'.. العباءات والجواكت التي يستر بها رموز النظام السابق وجوههم أثناء ترحيلهم للتحقيقات أو المحاكمات بعيداً عن أعين الكاميرات التي تشبعت بوجوههم لأكثر من ثلاثين عاماً لن تجدي هذه المرة.. فكيف يستطيع هؤلاء ستر أو طمس جرائمهم وتحت أحذيتهم الآلاف ممن انسلخت جلود أجسادهم من شدة البطش، فنزفوا وعانوا حتي الجنون أو الموت.. ممن استبيحت أعراضهم وعوراتهم وبيوتهم وحرماتهم وأعمارهم علي مدي تلك الأعوام الطويلة؟.
هو النظام الذي كلما مرت ساعة علي رحيله تكشف المزيد من الفضائح والجرائم التي لن يغفرها التاريخ ولا البشر.
حكايات يشيب لهولها الولدان وتقشعر لها الأبدان وتشعر القلوب والضمائر معها بالقهر من مما تحوي من تفاصيل مريرة لا يتحملها عقل أو قلب أو ضمير.. كانت تجري وقائعها في مقرات أمن الدولة وداخل سجون مصر مع السجناء والمعتقلين السياسيين.. إنها الدولة السرية المتخفية تحت الأرض وداخل الزنزانات المظلمة وفي دهاليز وممرات وطرقات الممرات السرية والمحظورة عن عين الرقابة وعيون الناس، لكنها لم تغب لحظة عن عين الله..
إذا كان هناك من أخطأ أو أجرم بحق هذا الوطن وارتكب جرائم ضد مواطنيه فقد كان تطبيق القانون كافياً لعقابه، وكل مخطئ مسئول وحده عن خطئه أو الجرم الذي ارتكبه وليس لأحد من أسرته وعائلته دخل فيما فعل.. هكذا يقول القانون..
ورغم أن الوضع مختلف منذ عام 2001 تقريبا الذي شهد توقف مثل هذه الانتهاكات.. ويختلف الآن أكثر داخل سجون مصر خاصة فيما يخص السجناء السياسيين الذين تبدلت أحوالهم تماماً بعد ثورة 25 يناير التي كان لها الفضل في إطلاق سراح الكثير من المعتقلين وأيضاً السجناء الذين فقدوا الأمل في العودة يوماً إلي الحياة مرة أخري، إلا أن تلك الشهادة وجب علينا نشرها لسببين، أولهما إصرار السجناء السياسيين الذين مازالوا حتي اليوم داخل سجن العقرب وعددهم نحو ال 86 سجيناً علي إرجاع الحق لأصحابه، والثاني هو مشاهدتي علي أرض الواقع لطريقة التعامل معهم داخل السجن وما لمسته من حسن معاملة مأمور السجن العميد مصطفي كامل وضباطه لهم وقبلهما ما يلقاه السياسيون اليوم من حسن رعاية من المصلحة نفسها فأرادوا أن يوصلوا امتنانهم وشكرهم بعد سنوات من العذاب.
يقول السجناء إن المأمور الحالي للسجن يعرفونه منذ أن كان ضابطاً في سجن الفيوم وليمان طرة، وعندما كان يوجد في هذه السجون في أشد فترات البطش عليهم كان وجوده يهدئ من خوفهم مؤكدين أن فترة بقائه في السجن آنذاك كانت تعني لهم فترة راحة من التعذيب.
شهادة تؤكد أن الشرطة فيها من الشرفاء من يستحقون التحية رغم كل ما سننشره في هذا التحقيق..
في البداية كان واجباً أن نتقدم بالشكر لكل من اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية واللواء نزيه محفوظ جاد الله مساعد الوزير لقطاع السجون والعميد حاتم أبوزيد مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة بقطاع السجون لسماحهم لنا بإجراء عدة تحقيقات داخل سجن العقرب شديد الحراسة مع عدد من السجناء السياسيين الذين حوكموا في قضايا هزت عرش مصر منذ فترة الثمانينيات حتي الآن.. فقد كانت فرصة فريدة ونادرة للتعرف عن قرب علي من أثاروا هذا اللغط السياسي والديني في الشارع المصري ومن ذكرت أسماؤهم في أحداث عنف وقضايا اغتيالات كبري في حوارات مباشرة.. وبعد أن كان هؤلاء مجرد سطور في تحقيقات، تحدثوا للرأي العام دون أية ضغوط.. فالسماح لنا بإجراء تلك الزيارات في هذا التوقيت الصعب والحذر في تاريخ مصر يعني أن الثورة قد تمخض عنها عهد جديد يحاول الوزير وكثيرون معه النفاذ منه إلي قلب ميادين التحرير في كل مصر ولكن في هذه المرة ليس لرفع السلاح بالرصاص وإلقاء الرعب في قلوب الناس وإنما ليكونوا معاً جنباً إلي جنب في بداية جديدة فربما نستطيع أن نرفع جميعاً فيها شعار 'معاً بالقانون والعدالة نبني مصر'.
في جهاز أمن الدولة
تعتقل.. أياً كان من أنت وأياً كان سبب الاعتقال، ليس من حق أحد من أهلك أن يعرف طريقك مهما طال الزمن ومهما مضت السنوات، تقتاد معصوب العينين ومكتف اليدين من الخلف، وإلي مكتب الضابط المحقق تدخل، ليس من حقك أن تري من يحقق معك ولا أن تعرف اسمه أو شخصه، وطوال وقت التحقيق الضربات والصفعات علي 'قفاك' لا تتوقف، أنت أيضاً يجب ألا تتوقف عن الرد علي الأسئلة التي توجه إليك مهما كان اعتراضك علي ما يناله قفاك من أذي.. علي انتهاك آدميتك التي لم تنتهك بعد فتلك هي البداية فقط.. تنال ما تناله من سباب بأمك وأهلك وعائلتك وسلالتك، وقد أصبح السجناء أصحاب خبرة حتي بالفروق في طرق وأساليب التعذيب في مقرات أمن الدولة يقول أحدهم أن التعذيب في لاظوغلي فيه حرفية وفنية أعلي حيث لا تظهر آثار التعذيب علي الضحية، بينما في مقر جابر بن حيان فالضرب يكون بالحديد والشوم والجنازير وكان من يدخل إلي هناك لابد وأن يخرج علي المستشفي، أما عن الطب الشرعي في تلك الفترة فحدث ولا حرج، حيث يقوم الطبيب بتوقيع الكشف علي المعتقل الذي تتحدث إصاباته عن كم الأذي والتعذيب الذي تعرض له إلا أن معظم تقارير الطب الشرعي آنذاك كانت تؤكد عدم وجود إصابات!
أبو العلا محمد عبد ربه - عمره 50 سنة - يقول: في المرة الأولي التي اعتقلت فيها في أوائل الثمانينيات تعرضت للتعذيب لمجرد أنهم أرادوا سؤالي عن مكان شخص مطلوب اعتقاله ولم أكن أنا المطلوب، وهناك، في مقر مباحث امن الدولة كنت معصوب العينين ويداي مربوطتان للخلف، وتم تجريدي من ملابسي ثم أرقدوني فوق مرتبة من الإسفنج كانت مبللة بالمياه - وهو الاستقبال الشهير بين المعتقلين والسجناء - وبدأوا يصعقونني بالكهرباء في مناطق حساسة بالجسد، أجبروني علي البقاء واقفاً دون جلوس أو نوم لمدة أربعة أيام كاملة لدرجة أنني كنت أروح في النوم أثناء تعذيبهم لي حتي أصبت بحالة إغماء فأحضروا لي الطبيب، هنا الطبيب لا يأتي للعلاج وإنما يأتي للإفاقة لاستكمال حفلة التعذيب. وهناك وضع آخر للتعذيب يتعرض له المعتقلون حيث يتم ربط اليدين والقدمين ببعضهما ليصبح الجسد في حالة انحناء كامل يشبه القوس، ثم يعلق علي"شومة" من منتصف الجسد بين كرسيين مثل الذبيحة فوق نار الشواية ويترك لساعات طوال أو أن تربط يديه من الخلف ويتم تعليقه في مدخل الباب وهذا الوضع أصاب الكثيرين منا بحالة مثل الشلل المؤقت حيث نبقي بعدها فترات طويلة بلا قدرة علي تحريك الذراعين، وهناك من كان يعلق من قدميه فتصبح رجليه لأعلي ورأسه لأسفل.. انتهاكات لا حصر لها.. يصبح معها ما حدث مع عماد الكبير مجرد لعب عيال.
وأصعب ما كان يتعرض له المعتقل أن الأمن كان يحضر أمه أو أخته أو زوجته ويهدده باغتصابها وتجريدها من الثياب أو أن تضرب بالفلكة أمامه بينما يقف هو مكبلاً بالقيود عاجزاً عن حمايتها أو كف الأذي عنها.
يؤكد الشيخ أبو العلا علي أن هناك الكثيرين من السجناء والمعتقلين قتلوا من فرط التعذيب، في مقر أمن الدولة منهم معتقل اسمه حسن صالح قتل بالرصاص في رأسه أمام زوجته بعد الانتهاء من التحقيق معه في قضية اغتيال اللواء رءوف خيرت، وتم حمل الجثة علي نقالة والذهاب بها إلي بيت القتيل أمام جيرانه ثم الادعاء بأنه قتل أثناء إلقاء القبض عليه ومقاومته لهم، في ذلك الوقت كانت زوجة الشيخ أبو العلا أيضاً معتقلة في مقر أمن الدولة وشاهدت الواقعة بنفسها.
سجون أمن الدولة
قبل الثورة كان من يشرف علي السجناء والمعتقلين السياسيين داخل السجون هم ضباط أمن الدولة، وظل الأمر علي هذا الحال حتي قبل تنحي مبارك بأربعة أيام حين انسحب ضباط أمن الدولة من السجون تماماً.
فمنذ العام 1993 وحتي عام 2001 شهدت سجون مصر الكثير من الأحداث المروعة التي لا يتخيل شخص أنه قد يراها في كوابيس منامه، فبمجرد الترحيل للسجن هناك حفل اسمه حفل استقبال، كابوس جديد يعيشه السجين المحكوم أو المعتقل، فعلي سبيل المثال سجن الوادي الجديد، حيث يبدأ الاستقبال منذ دخول السجين في عربة الترحيلات التي يرحل فيها نحو خمسين سجيناً دفعة واحدة يتم تكبيل كل اثنين منهم بقيد واحد، ليظلوا فيها نحو الثلاثين ساعة من القاهرة إلي الوادي الجديد بينما يذهب السائق والقوة المصاحبة لهم للاستراحات ودورات المياه ليبقي من داخل العربة بلا ماء أو طعام أو دورة مياه.
وعندما يصل السجين إلي السجن يتم تجريده من ملابسه وأمره بالزحف منذ دخوله البوابة وحتي العنبر لمسافة تصل حوالي 500 متر، لا يستطيع السجين خلالها رفع ذقنه من فوق الأرض وإلا ناله من الضرب المبرح ما لا يتحمله بشر بدءاً من الضرب بكابلات الكهرباء ومروراً بالعصي وليس انتهاءً ببيادات العسكر، وإذا حاول السجين أثناء زحفه القفز بجسده بضعة سنتيمترات نال نفس العقاب مضافاً إليه إعادته للزحف من نقطة البداية مرة أخري مصحوبة بالضرب بذات الطريقة..
يقول الشيخ أبو العلا عبد ربه: كثيرون من السجناء قتلوا أثناء حفل الاستقبال هذا، خاصةً أنهم قادمون من سفر بعيد أنهكهم، كانت جلود أجسادنا تنسلخ من الزحف لهذه المسافة الطويلة فوق الأرض، حتي أن منا من لم تقوي صحته علي هذا النوع من التعذيب، كثيرون لقوا حتفهم..
في سجن آخر كانوا يحضروا المتهم ويجردوه من ثيابه تماماً ويطلقون كلب فوق جسده لإذلاله.. وفي قضايا أخري كان يعتقل فيها أباً وابنه أو شقيقين فيجردون الأب وابنه من ملابسهما و يجبروهما علي الجلوس في وضع شاذ، وهكذا مع الأخ و أخيه.
في أحد الأيام أصيب سجين بالجرب من كثرة البقاء داخل الزنزانة المغلقة لسنوات طوال لم نري فيها الشمس وظل يصرخ من الألم فأخرجوه من زنزانته وأجلسوه في الحوش وأحضروا" غائط " صرف صحي من بالوعة المجاري ودهنوا جسمه كله به وأبقوه في الشمس حتي جفت فوق جسده ثم أعادوه لزنزانته عقاباً له لطلبه الذهاب إلي العيادة.. وآخر تم جلده فوق العروسة لأنه طلب نور في الزنزانة.
حدث هذا في سجن العقرب الذي كان من يدخله مفقوداً ولم يكن هناك أي أمل ولو ضئيل للخروج منه، كنا ندرك أننا ميتون فيه وأننا لن نخرج يوماً ونحن علي قيد الحياة حتي جاءت الثورة لتحيي فينا الأمل من جديد في النجاة..
عندما كانت تأتي حملات التأديب إلينا ليس لشيء إلا لإذلالنا وانتهاك آدميتنا كانت القوات الخاصة - كتيبة من الأمن المركزي - تخرج السجين من زنزانته وتجرده من ثيابه تماماً فيخرج من الزنزانة رافعاً يديه ووجهه ناحية الحائط، و تؤخذ محتويات زنزانته - عبارة عن كوب وطبقين من البلاستيك وبطانية فقط - حتي هذه يحرم منها بلا سبب، كانوا يحلقون للسجين نصف شاربه الأيمن أو الأيسر وحاجباً من حاجبيه علي الجانب الآخر لنصف الشارب المحلوق، ويتفننون في تشويه شعر رأسه فيحلقون نصفه أو ربعه أو ثلاثة أربعاه، المهم أن يتركوه كما لو كان مسخاً..
كان العسكر يجذبون السجين كل اثنين من ذراع من ناحية كأنه علي عروس الجلد بينما وجهه في الحائط ويظل هناك من يضربه بالدونك - عصي سوداء خاصة بقوات الأمن المركزي - علي قفاه وظهره حتي ينزف الدماء، أقسم أني لا أبالغ في شيء أشهد به، كان الضرب لا يتوقف حتي ينزف الدم ومن لا ينزف تطول مدة ضربه حتي يحدث ذلك فيسيل دمه فوق قفاه وظهره..
كان هناك ضابط امن دولة في سجن المرج، مكتبه في مبني مكون من دور واحد بمنتصف السجن، ذلك الضابط كان يجبرنا علي الطواف حول مكتبه
بينما نردد: 'لبيك فلانا لبيك'، - - ونذكر اسم الضابط - - ضابط آخر كان يضع صورة حسني مبارك في مكتبه ويجبر السجين علي السجود لها قائلا: 'مش هاسيبك إلا لما تسجد'..
كثيرون سجدوا لها من شدة البطش والتنكيل الذي تعرضوا له.
أما في سجن الوادي الجديد فكانوا يضعون من 20 إلي 30 سجين في الزنزانة عرايا تماماً بلا حتي ورقة توت تستر عوراتهم، كانوا يصلون وهم جالسون لستر أنفسهم في الصلاة، كان العسكر يأتون لمنحنا الطعام فيأمروننا بتنظيف الأرض التي يضعون فوقها الطعام بلا أطباق، العدس فوق الفول فوق الأرز فوق المربي جميعها توضع علي أرض الزنزانة الأسمنتية وفي كل مرة يخلعون أحذيتهم ويفركون ترابها ورمالها فوق طعامنا قائلين لنا " ده ملح الأكل " كنا نسد حوض الزنزانة ونملأه بالمياه حتي نشرب منه ونتوضأ لأن الماء كان ينقطع عنا لثلاثة أيام متواصلة..
كان باب الزنزانة لا يفتح لسنوات طوال لم نكن نري فيها الشمس ولا شكل السماء ولا نستطيع أن نشتم نسمة هواء، والطعام يدخل عن طريق فتحة في الباب عرضها 10 سم وطولها 20 سم، ظللت في زنزانتي ثمانية أعوام كاملة لا أعرف شيئاً عن أهلي ولا هم يعرفون شيئاً عني، لم يكن الحرمان من الزيارات فقط بل أيضاً من الطعام المناسب حتي في الكم، طعامنا بلا ملح غير تراب أحذية العسكر، وكانت الوجبات عبارة عن ثلاثة أرغفة في اليوم وفنجان من الأرز فقط، وفي الأسبوع كانوا يمنحوننا مرة ملعقة صغيرة من الجبن ومرة أخري ملعقة من المربي.. طعامنا كان العدس المسلوق أو الكوسة المسلوقة، أقسم أن الشاويش كان يلقي بالرمل أمامنا في آذان الطعام وعندما كنا نأكل لا نستطيع المضغ بسبب وجود الرمال وكنا نضطر لابتلاعه دون مضغ.. وذات يوم كنت آكل في الظلام وكانت الوجبة كوسة مسلوقة عبارة عن ثمرة مقطعة نصفين أو ثلاثة علي الأكثر وأثناء المضغ لاحظت شيئاً غير عادياً في فمي ولم أر شيئاً في الظلام فالزنزانة بلا كهرباء وعندما ذهبت بها نحو شعاع نور يتسرب من خلف باب الزنزانة وجدتها دودة كبيرة.. هكذا كنا نأكل طعامنا.
بعد ثمانية أعوام من العذاب أخبرونا في السجن أنهم سيمنحون كل سجين علبتين تونة في الشهر كنا نقسم العلبتين علي أربعة أفراد حتي تطول فترة أكلنا لها، واستطاع أهلنا بعد طول هذه السنوات إرسال حوالات لنا وإيداعها في أمانات السجن وفوجئنا بهم في السجن يخبروننا أنهم سيفتحون كانتين فأسعدنا الخبر وبدؤا يحصلون علي توقيعاتنا لصرف مبالغ من الحوالات، واحد دفع 700 جنيه أعطوه بها صابون، وآخر دفع 1500 جنيه أعطوه بها رابسو، وفيه سجين دفع 350 جنيهًا باعوا له بها معجون وفرش أسنان، وآخر دفع 250 جنيهًا أعطوه بقيمتها شاي، وحينما اعترضنا هددونا بسحبها مرة أخري وبعد أسبوع عملوا حملة تفتيش وأخذوا كل هذه الأشياء مرة أخري وصادروها.
الخروج من الزنزانة كان فقط للتأديب أو التحقيق في النيابة أو في مقر أمن الدولة، كثيرين منا أصيبوا بالدرن وماتوا بلا قرص علاج، محمد سليم اشتد عليه المرض من شدة التعذيب حتي فقد القدرة علي الحركة وأصبح يتقيأ أجزاءً من رئتيه حينما كان يسعل بعد إصابته بالدرن، وكلما حاولنا استدعاء طبيب أو الذهاب به إلي المستشفي كانوا يعتدون علينا بالضرب حتي نكف عن النداء وطرق الأبواب لاستدعائهم، وبعد فترة جاء الطبيب من العيادة فقال له:" توب عشان أقدر أعالجك، اكتب توبة لأمن الدولة " والتوبة التي يقصدها كانت تعني أن يعمل محمد مرشداً لأمن الدولة، محمد ظل بحالته بلا علاج حتي مات بيننا.
موتي ومجانين التعذيب في السجون
في سجن أبو زعبل كان معنا سجين اسمه حسن الأسمر، كان مريضاً بالكبد ومصاب بالاستسقاء وكان دائماً بحاجة لشرب المياه ولم يكن يسمح لنا إلا بزجاجة مياه واحدة فقط في اليوم نشرب ونتوضأ منها، في تلك الفترة بقينا أسبوعاً كاملاً يرفضون فتح الزنزانة علينا بينما ظل حسن ينازع والسجناء يصرخون لإغاثته حتي مات دون أن يهتم له أحد.
رجب الغضبان، حكم عليه بالسجن 15 سنة في قضية اغتيال السادات وعندما أنهي حكمه وخرج أعيد اعتقاله مرة أخري رغم إصابته بالصرع، وقد كانت تأتي له نوبة الصرع وهو داخل زنزانته وظل أربعة أعوام ونصف علي هذا الحال حتي مات في الزنزانة.
أحمد عبد المقصود، من منطقة امبابة، أصيب في السجن بحمي شوكية وظل مهملاً حتي تمكنت الحمي من جسده وعندما ذهبوا به إلي مستشفي السجن قاموا بتكتيف يديه ورجليه في السرير حتي مات.
بنفس المرض أصيب سعيد محمود من العمرانية، ظللنا نستغيث بهم فقالوا 'لما يموت ها نجيب دكتور' سعيد ظل ينازع في زنزانته حتي قضي نحبه فيها.
محمد سعد - من حي شبرا - اعتقل في قضية اغتيال السادات قتل بالسرطان الذي تمكن منه بينما كان ملقي في مستشفي ليمان طره بلا علاج، تلك المستشفي التي كانت تذهب إليها الحالات المستعصية من السجناء بعد توسلات بينما لا يذهب إليها مبارك لأنها غير مهيأة لاستقباله.
علي حسن - من حي شبرا - برأته المحكمة الاستثنائية - أمن دولة طواريء - من التهمة التي اعتقل لأجلها ورغم ذلك دام اعتقاله أربعة أعوام، حتي جاء عام 97 وكان في سجن الفيوم وأراد الضابط إذلاله فأحضر عسكريا وجعله يتبول في فم حسن مما أصابه بصدمة عصبية مات علي إثرها داخل السجن.
أما من قتلوا إثر التعذيب في الاستقبالات فمنهم: مصطفي العراقي - من الفيوم - ومصطفي طه - من الزاوية الحمراء - وكانا معتقلين دون قضايا، طلب الضابط منهما أن يسميا أنفسهما بأسماء نساء فرفضا فضربهما حتي الموت، كما كان من وسائل التعذيب أن يختار الضابط السجناء الأضعف بنياناً للجسم ويجبرونهم علي حمل السجناء الأشد قوة في الجسم وأن يقفوا علي قدم واحدة ومن يتعب وينزل قدمه للأرض ينهالوا عليه بالضرب بالعصي، وأن يدخل عدد من السجناء الجنائيين الخطيرين إلي زنزانة الشيخ فيجردونه من ملابسه ويطبلون له ويأمرونه بالرقص الشرقي.
أما عمن أصابهم الجنون إثر التعذيب فمنهم: محمد عبد الرحمن - من الزاوية الحمراء - أصيب بالجنون داخل السجن بعد اعتقاله لمدة 15 سنة دون حكم محكمة وعندما خرج قتل أمه وحاول قتل بقية أسرته خوفاً من تعرضهم للتعذيب الذي تعرض له، وقتها لم يذهب لمحكمة الجنايات ولا إلي قسم الشرطة فقد أعيد اعتقاله مرة أخري علي جنونه لمدة خمسة سنوات في سجن أبو زعبل ثم في استقبال طره حتي لا يفتضح الأمر.
علاء اسماعيل من الإسكندرية - قضية جند الله - اعتقل لمدة 15 سنة لم يتحمل في بدايتها ما رأي فجن عقله بعد عام ونصف فقط من اعتقاله لكنه بقي في السجن وبعد 15 سنة خرج لكنه أعيد اعتقاله مرة أخري، يقول زملاؤه أنه كان لا ينام لا ليل ولا نهار وكان دائماً يطرق علي باب زنزانته بلا توقف.
أشرف خطاب، من الإسكندرية، اتهم في قضية قتل مخبر، وأحمد سمن، من الشرقية، فقد بصره، والحسيني عبد العزيز، قضية طلائع الفتح، ثلاثتهم فقدوا عقولهم لنفس السبب.
شهادة أخري
عبد الله أبو العلا - سجين بالعقرب يقول: كنا نعيش في مقابر جماعية ونعلم أننا لن نخرج من هنا إلا أموات، كنا محرومين من الطعام لدرجة أننا كنا ننتهز فرصة الخروج للمحاكمة ونحن عائدون نسرق أوراق الشجر ونخفيها في ملابسنا من الأمن حتي نستطيع أكل شيء أخضر بعد تفشي مرض الدرن بيننا بسبب قلة الخضروات، وكل ثلاثة أو أربعة شهور كانت تلقي لنا من فتحة الطعام بالباب بيضة مسلوقة كنا نأكلها ونطحن قشرتها لنحصل علي الكالسيوم منه بعد إصابة الكثيرين منا بهشاشة العظام، كنا لانعرف شيئاً عن أهلنا لسنوات طوال وكانت أسرنا تنتظر يوم محاكمة أي سجين منا لتقابله في المحكمة ويعطونه صوراً فقط ليري الآباء كيف صار شكل أبنائهم بعد مرور تلك السنوات وذات يوم جاءت صور إلي السجن مع أخ لنا كان في المحكمة وظل كل سجين يبحث عن ملامح أبنائه في الصور التي لا تكتب عليها أسماء حتي لا يراها الأمن فيعرفون صاحبها، وزعت الصور حتي بقيت صورة أخيرة لفتاة لم يعرفها أحد، بعدها بسنوات فتحت الزيارة وجاء الأهل وإذا بي أفاجأ بأن هذه الصورة التي وصلتني ولم أعرفها هي صورة ابنتي التي تركتها رضيعة فرأيتها وقد صارت شابة.
كانت حفلات التعذيب تقام لنا مع وجبة الإفطار والغداء، كنا نصلي الفجر كل يوم ثم ننتظر ما سيحل علينا من أذي، لولا تلاوة القرآن لكنت فقدت عقلي مثل كثيرين كانوا يخرجون يصرخون بلا وعي، أحياناً كان عقابنا هو حرماننا من المصاحف وأخذها منا، كانت الزنزانات تغلق علينا بالشهور حتي تصدأ أبوابها، حتي بدأ فتحها تدريجياً ليخرج السجين من زنزانته عشر دقائق فقط في اليوم يملأ فيها زجاجة المياه الخاصة به ويفرغ الجردل الذي كان يقضي فيه حاجته، أبو زعبل كان أسوأ سجن لنا فالغرف فيه كانت لا تصلح حتي لعيش الحيوانات بلا مياه ولا هواء وكل شخص كان يمنح إما جردلاً أو كيسًا بلاستيكيًا لقضاء حاجته، كانت الزنزانات عبارة عن متر ونصف المتر لا أحد يستطيع النوم وهو ممد الجسد، تفوح منها رائحة كريهة إلا أن الأمور اليوم قد تبدلت تماماً.
وطالما أننا في عهد الثورة فعلي المجلس العسكري ورئيس الوزراء والنائب العام التدخل والتحقيق في تلك الوقائع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.