ارتبطت اسم "العباسية" بالعديد من الأماكن والحوادث التاريخية بدءًا من موقعة الريدانية (مكان العباسية الحالى بين العثمانيين والمماليك) وصولاً إلى مستشفى الأمراض العقلية التى تم إنشاؤها على أطراف القاهرة عام 1883 (الآن طبعًا أصبحت فى قلب القاهرة) حتى عرفت المستشفى باسم الحى الذى تم إنشاؤها فيه والتى صارت تعرف بين جموع المصريين بمستشفى العباسية والتى تحجب أسوارها عالماً مليئًا بالأسرار والحكايات لأناس قدر الله لهم أن يصابوا فى قدراتهم العقلية ولكنهم لم يفقدوا إحساسهم كبشر ولم يغيبوا عن الأحداث الجسام التى تمر بها مصر منذ أكثر من عام ونصف وبالطبع لم يلتفت أحد إلى استطلاع آرائهم ومعرفة وجهة نظرهم تجاه الأحداث السياسية المعاصرة. ولكن "المصريون" رأت أن تعيش مغامرة جديدة من نوعها ويومًا كاملاً مع هؤلاء وأن تسمع منهم, وتعرف رأيهم فى الأحداث الجارية على الساحة السياسية ومن هو الرئيس المناسب لمصر من وجهة نظرهم . عالم بعيد عن الأكاذيب إلى مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية وأمام البوابة استوقفنى عامل أمن وسألنى عن ماذا أريد فقلت له جئت للتبرع للمستشفى ففتح لى الباب على مصراعيه وعندما سألته عن القسم المجانى فأرشدنى عن الطريق وذهبت إلى قسم السيدات المجانى ودخلت إلى هناك لأجد عالمًا بعيدًا كل البعد عن عالمنا الملىء بالمفاجآت والأكاذيب والصراعات الدامية للوصول إلى مناصب ليس لها قيمة أخلاقية فوجدت كل سيدة من السيدات تعيش فى عالمها فوجدت سيدة تسير فى طريقها تنظر إلى الأرض وتمشى بهدوء وحكمة تخشى من أن تقع مرة أخرى كما وجدت سيدة أخرى تجلس تحت الشمس المشعة وتنظر إلى السماء وتبتسم من قلبها وتردد "حاضر حاضر حاضر" ووجدت الحزينة، التى تحمل هموم الدنيا وما فيها وما عليها ووجدت الغارقة فى دوامة الذكريات التى وقفت عندها حياتها. الحاجة سعاد: "عايزة من الرئيس يخليهم يبطلوا الكهربا دى خالص ويخلى الدكاتره يمنعوها من المستشفى" لفت انتباهى سيدة تدعى سعاد تجلس على أريكة وتنظر للسماء والفرحة تملأ عينها فذهبت إليها وجلست معها وسألتها لماذا تضحكين فصمتت فجأة ونظرت لى ثم قالت بضحك على الشمس كل شويه تنور وتطفى أصلها كذابة زى إخواتى جابونى هنا وقالولى هانيجى ناخدك وبقالهم عشرين سنة ولسه ماجوش فسألتها يمكن مشغولين فى اللى بيحصل فى مصر فقالت هو إيه اللى بيحصل فرويت لها ما حدث منذ قيام الثورة وحتى وقتنا الحالى. فقالت كان فيه حرب بره المستشفى وكنا عايزين نخرج نحارب بس الدكاتره رفضوا وكهربونا وفضلنا نايمين لغاية الحرب ما خلصت ومن حديثها عرفت أنها تقصد من الحرب أحداث العباسية الأخيرة فأبلغتها أنها كانت اعتصامات من قبل بعض الأشخاص ورويت لها ما حدث ثم قالت ربنا يهديهم المفروض لما الناس دى تعمل كده الدكاتره يتشطروا عليهم هما مش علينا إحنا ويكهربوهم هايناموا ومش هايحسوا . سألتها عن رأيها فى بعض مرشحى الرئاسة وما رأيها فيهم وماذا تريد من رئيس مصر القادم فنظرت لى وبدون أى تفكير ولا مقدمات وقالت شيئًا غريبًا، هو أن عمرو موسى بيحب مبارك وعايزة منه يخليهم يبطلوا الكهربا دى خالص ويخلى الدكاتره يمنعوا الكهربا من المستشفى. كريمة: "الشهرين الجايين على مصر هاتولع بس هاترجع تانى تنطفى وإوعى تخليهم ياخدوها.. مصر حلوة قوى" تركت سعاد مع أحلامها المشروعة وذهبت إلى سيدة أخرى تدعى كريمة فى العقد السادس من عمرها كانت جالسة وبتشرب سيجارة وتنظر للسيجارة نظرة الحرمان فجلست معها وسألتها إذا كانت على علم بما يحدث فى مصر أم لا ففوجئت أنها تروى لى أشياءً وتفاصيل سياسية لم أعرفها من قبل كما كانت تتحدث بثقة ومرونة لم أرها من قبل ، فسألتها عن الرئيس الذى تريده لمصر وماذا تريد منه فقالت هاتى إيدك أشوفلك الكف وأقولك على كل حاجة فأعطيت لها يدى وأمسكت يدى ونظرت لى ثم وقفت وقالت شوفى الشهرين الجايين على مصر هاتولع بس هاترجع تانى تنطفى وإوعى تخليهم ياخدوها مصر حلوة قوى وأنا بحب مصر بس بحب السجاير أكتر ونفسى أى رئيس يمسك مصر يجيبلى سجاير كتيّر قوى وتركتنى وذهبت وتركتها ومضيت فى طريقى إلى قسم الرجال المجانى . عم محمد يطلب زيارة عبد المنعم أبو الفتوح "حتى يوصيه على مصر وياخد باله مننا شوية" لم أستطع التصوير نظرًا لوجود أحد المشرفين ولكننى استطعت الجلوس مع أحد الرجال حيث لفت انتباهى جلوسه أمام التليفزيون وكان يشاهد نشرة الأخبار ويدعى عم محمد فسألته عن رأيه فيما يطرأ من أحداث سياسية فقال والله اللى بيحصل ده حرام مافيش حد فاهم حاجة فاكرين إنهم لو بقوا رؤساء مصر هاياخدوا فلوس بس بعد إيه، ما البلد خربت ومبارك خد الفلوس اللى فى البلد كلها وطار فقلت له أن مبارك بيُحاكم الآن فضحك ثم قال والله إحنا اللى بنتحاكم مش هو وعندما سألته عن رأيه فى مرشحى الرئاسة وما الذى يريده من رئيس مصر القادم فأجاب قائلاً: "أنا نفسى أطلب منّك طلب ولو نفذتى طلبى هاقولك أنا عايز إيه"، ثم قال: "أنا نفسى أشوف عبد المنعم أبو الفتوح عايزه ييجى هنا ويزورنى وعندما سألته عن السبب فقال علشان أوصيه على مصر وأقوله خد بالك من البلد وعيش خدام للكرسى وإوعى تخلى الكرسى يخدمك أحسن تصاب بنفس الشلل اللى أصاب مبارك وخد بالك مننا شويه. سألنا أمينة عن مرشحها الرئاسى فبكت وقالت: خايفة الثوار ييجوا يقتلونا، ومبارك نهايته معانا هنا وتركت عم محمد مع ثقافته ودرايته التامة بما يحدث فى البلد وذهبت إلى قسم السيدات المميز وهو قسم الأغنياء وجلست مع سيدة تدعى أمينة كانت تجلس على سريرها وكان الحزن مرسومًا على وجهها والدموع تملأ عينها ونظرت لى وأول كلمة قالتها بدون أى مقدمات أنا تعبت من اللى بيحصل تعبت من الناس وكدبهم وهربت منهم وجيت هنا بقالى أكتر من عشرين سنة بس كدب الناس زمان كان قليل ومش ظاهر إنما دلوقتى بقى كتير قوى وظاهر لدرجة إننا بنعرف الكذابين والمنافقين من أول نظرة فسألتها عن رأيها فى الأحداث التى تحدث فى مصر وما رأيها فى مرشحى الرئاسة وماذا تريد من رئيس مصر القادم فقالت أنا عايزه أقول حاجة واحدة: "أنا كل يوم أنهار من البكاء خايفة من الثوار اللى بييجوا هنا العباسية فى المظاهرات أحسن يقتلونا أنا خايفة قوى وبالنسبة لحسنى مبارك أحب أقوله ربنا يخليك للشعب والنبى خرجنى من هنا فأبلغتها أن مبارك تنحى عن حكم البلاد وأنه الآن يحاكم كما أنه موجود فى المستشفى فقالت هو أخرته ييجى هنا ويعيش معانا بس المرة دى مش بمزاجه غصب عنه لأنه تعبان بس بردوا أنا خايفة . سميرة: أنا نفسى مرشحى الرئاسة ييجوا هنا ويعطونا حاجات حلوة وعلاج يشفينا وإحنا نحبهم وندعى لهم تركتها مع خوفها وأثناء خروجى وجدت سيدة تجرى نحوى مسرعة ثم قالت وهى تبتسم أنا إسمى سميرة وانتى مين فقلت لها إننى جئت لكى أسألك عن رأيك فى المرشحين بانتخابات الرئاسة فقالت أنا نفسى ييجوا هنا ويعطونا حاجات حلوة وعلاج يشفينا وإحنا نحبهم وندعى لهم تركت سميرة مع ابتسامتها البريئة والبعيدة عن أى مكر. وقد تركت مستشفى الأمراض العقلية والمرضى النفسيين ولكن استوقفتنى الكلمات التى سمعتها من هؤلاء المرضى وأخذت أتساءل فى قرارة نفسى لماذا لم يأت أبو الفتوح وعمرو وموسى ومحمد مرسى وأحمد شفيق وغيرهم من المرشحين لزيارة هؤلاء المرضى ولسماع شكواهم والقيام بتحقيق أبسط حقوقهم فهم أرواح وأجساد وقلوب وبنى أدمين يشعرون ويأكلون ويشربون ويعيشون كما أنهم محسوبون علينا لأنهم مصريون فلما لا نسمعهم ونهتم بهم هل لأنهم "مجانين" وما المشكلة فقديمًا قالوا خذوا الحكمة من أفواه المجانين فمن الممكن أن نسمع من أحدهم اقتراحًا يضيف لمصر فهؤلاء يعيشون فى عالم تملؤه البراءة والوضوح والحب ولكنهم إذا غضبوا فمن الممكن أن يقوموا بثورة ولا تستبعد أن تكون الثورة القادمة ثورة المجانين.