بعد مرور 14 شهرًا على الثورة السورية, عندما نسأل ما الذى حققته الثورة حتى الآن؟ غالباً ما يكون الجواب أننا كسرنا حاجز الخوف من نظام البعث الذى كمم أفواهنا عقوداً طويلة, فأصبح معظم شباب سوريا قادرين على التعبير عن رأيهم دون خوف من سجن أو اعتقال أو تعذيب أو حتى قتل. فى حين بدأ حاجز آخر يشبه ذاك الذى بناه حزب البعث يبنى من قبل بعض المعارضين, لنرى أنفسنا نصطدم من جديد بما يكمم أفواهنا فى الثورة, حيث أصبحت الرؤية العامة التى رسمها المعارضون للوطن تشبه ما كان قد رسمه حزب البعث, فقسموا الوطن إلى خندقين لا ثالث لهما خندق الشبيحة وعملاء النظام وخندق الثوار المنزلين الذين لا يخطأون. وهكذا مثلما كان لدينا تابوهات ممنوع الاقتراب منها والحديث بها فى ظل حزب البعث أصبح لدينا اليوم منزلات يجب عدم الاقتراب منها أو انتهاك حرمتها وإلا ستتهم بالخيانة والعمالة للنظام أو على أقل تقدير ستتهم بأنك من ثوار الخارج المرفهين الذين ليسوا تحت القصف ولا يشعرون بمعاناة من هم فى الداخل فينتقدوا الثورة, حتى إذا كنت معتقلاً لسنين طويلة ومعذبًا فى سجون الأسد ثم هارباً لتدعم ثورة شعبك من الخارج, أنت خائن!. من بعض هذه المنزلات التى يجب ألا تقترب منها إذا كنت تريد أن تكون ثائراً مثالياً محبوباً: الجيش الحر فالويل لك إذا كنت مع سلمية الثورة أو إذا وجهت نقداً للجيش الحر, أو تطرقت لبعض رموز التظاهر كالساروت مثلاً مع حبى واحترامى لتضحياته وشجاعته, أو أن تنتقد بعض التصرفات الطائفية المتطرفة لبعض الثوار والتى أخذت تنتشر بكثرة فى الفترة الأخيرة نتيجة لتشنيع النظام وقهره بالطبع لكن مهما يكن لا يجب أن يكون هذا مبرراً لتصرفات كهذه ولا يجب أن يكون هناك أحد فوق النقد أو المحاسبة فهذه هى الثورة ولذلك قامت. فأصبح من الطبيعى أن ترى لافتات ترفع فى بعض المدن السورية تخون ميشيل كيلو المفكر والمعارض السورى الذى وقف فى وجه طغيان آل الأسد فى حين كان الشارع السورى يغط فى سبات عميق من الخوف والجبن, لأنه كذب خبراً نشر على إحدى الفضائيات المتشددة دينياً والداعمة للثورة، حيث قال ليس صحيح ما أذيع عن أن النظام قتل بعض المعارضين الذين رافقوا بعثة المراقبين فى حماه. فتعرض إضافة إلى شتائم ولافتة رفعت ضده فى الشوارع لحرب شعواء شنّت عليه من بعض المعارضين الذين ظهروا حديثاً فأصبحوا نجوم الشاشات بسبب اتخاذهم مواقف شعبوية ترضى الشارع الثائر لكنها لا تقود إلى حل حيث يطرحون سيناريوهات صعبة المنال كالتدخل الخارجى وفرض منطقة عازلة وحظر جوى أكد المجتمع الدولى لهم منذ أكثر من سنة أن هذا كله لن يتحقق, رغم ذلك يصرّ هؤلاء على محاكاة عواطف الشارع الثائر وإيهامه بأنهم سيجلبون له من الخارج المخلص والمعين دون أن يشرحوا له الحقيقة ويدرسوا معه طرق إسقاط النظام بما هو متاح ومتوفر بعيداً عن الأوهام وغالباً ما يكون هدف هؤلاء من ذلك التسويق الرخيص لأنفسهم على أنهم المعارضون الأكثر شراسةً وإحساساً بمعاناة الشارع بينما هم بالحقيقة أكثر من يوهم الشارع ويخدعه ويدمر ثورته. كل هذا النفاق الذى يتمتع به بعض ممن أخذوا المعارضة كوكالة حصرية لهم, أدى إلى تغييب لغة العقل التى يتحدث بها معارضون آخرون يطرحون حلولاً منطقية قادرة بالفعل على إسقاط النظام. مثال آخر على سياسة تكميم الأفواه التى انتشرت فى الأوساط الثائرة هى المعاداة الواضحة والهجوم الدائم الذى تتعرض له هيئة التنسيق وجميع المنطويين تحتها أو المؤمنين بأفكارها, رغم اختلافى معهم وعدم اقتناعى بالكثير من النقد الذى يوجهه أعضاؤها للثوار وعدم وجود صيغة وسيناريو واضح لديهم هم أيضاً لإسقاط النظام إلا أن التخوين الذى يتعرض له رئيسها فى المهجر هيثم مناع وأعضاؤها فى الداخل والخارج أمر معيب جداً أن يحصل من قبل ثوار "ثورة الحرية والتعددية". ولعل الهجوم والضرب الذى تعرض له أعضاء هيئة التنسيق فى القاهرة فى مصر من قبل بعض المعارضين السوريين كان أكبر دليل على وجود سوء فهم لدينا بشأن فهم ثقافة الحرية وتقبل الرأى الآخر. كل هذا وأدلة أخرى كثيرة تؤكد أن ثورة الحرية فى خطر وتنحرف بفعل فاعلين عن مسارها الذى يجب أن تكون عليه. فمن غير الممكن أن نتخلص من النظام القمعى إذا صرنا نحن وهو وجهين لعملة واحد, لأننا بذلك ننفر منّا الغالبية الصامتة فى سوريا والتى لا ترضى بأى خال من الأحوال أن نكون بهذا الشكل محاربين لكلّ من يخالفنا بالرأى. سوريا التى نحبها ونريد أن نصل بها إلى بر الحرية والأمان بانتظار المجهول فإذا كنا لا نتقبل اليوم بعض المعارضين الذين يوجهون بعض الانتقادات للثورة رغم أن هدفنا واحد وهو إسقاط النظام, ماذا سيكون موقفنا غداً فى المستقبل ممن خرج و رقص فى مسيرات التأييد بينما كانت مدافع النظام تدك حمص؟! هل سنقتله وننتقم منه, أم سنقول إنها ثورة الحرية والكرامة ويجب أن نحترم رأيه؟ أتمنى أن تنفتح عقولنا وقلوبنا لنتقبل بعضنا فى هذه المرحلة الحساسة كى نتمكن معاً على اختلاف وجهات نظرنا من الوصول لوطن حرّ ديمقراطى بدون طغاة, وطن سورى لكلّ السوريين.