قرارات الجامعة العربية بشأن سوريا أمس جاءت مفاجئة، وهي أفضل ما يمكن أن يخرج عن اجتماعها الوزاري الطارئ في هذه المرحلة. القرارات تدين بصراحة النظام السوري الذي يمارس عنفا وحشيا ضد شعبه والذي لم يلتزم أو يحترم بنود المبادرة العربية التي كانت خطة طريق عربية لإنقاذه وإخراجه من أزمته. القرارات تنزع الغطاء والشرعية العربية بشكل كبير عن هذا النظام الدموي المتخلف وهي اعتراف عربي صريح بشرعية المظاهرات والثورة والمطالب التي ترفعها إلى جانب الاعتراف بشرعية المعارضة، كما إنها تسقط مرة أخرى أكذوبة النظام بأن المتظاهرين هم عصابات إرهابية مسلحة. لم يصدق أحد تلك الأكذوبة التي ظل النظام يروج لها منذ انطلاق المظاهرات السلمية، ذلك أن النظام فوجئ بخروج السوريين إلى الشارع وكان خياله المريض يصور له أن هذا الشعب قد تم تدجينه للأبد وأنه لا يمكن أن يحتج، أو يقول " لا" يوما، كما كان يعيش في خدعة أنه نظام مقاوم ممانع وأن الشعب يقف معه في خندق المقاومة الفارغ من أي مقاومة أو مقاومين. القرارات حازت على موافقة 19 دولة عربية، وهذا الإجماع العربي بإدانة العنف الوحشي الذي يمارسه النظام ضد شعبه يعد مفاجأة لأن النظام كان يلعب على شق صفوف الجامعة و منع حصول هذا الاتفاق الواسع على أي قرار بشأنها وإشغال الجلسة في نقاشات جدلية عقيمة حتى لا يتم التوصل لقرارات تسمو لمستوى المجازر أو تقترب منها، لذلك يمكن القول أنها قرارات جيدة رغم أنها لا تلبي الحد الأقصى من طموح الشعب الثائر الذي يتعرض لمجازر يومية. دعك من امتناع العراق عن التصويت فالمالكي رئيس الوزراء ألعوبة في أيدي إيران حليفة سوريا، وطهران توظفه سياسيا الى جانب دمشق علما بأنه كان يفترض أن يكون أول المنحازين للثورة السورية ولأي ثورة تحررية عربية لأنه وغيره ممن جاؤوا للعراق على دبابات الاحتلال كانوا يدعون أنهم تعرضوا للقمع والقهر من جانب نظام صدام الاستبدادي وأنهم كانوا يناضلون ضد ديكتاتورية صدام والبعث العراقي، فماذا تختلف إذن ديكتاتورية ودموية الأسد والبعث السوري عما كان يحصل بالعراق؟. ودعك أيضا من رفض اليمن ولبنان للقرارات فالنظام اليمني أصبح ساقطا وغير شرعي ومعزولا وهو يقف في نفس خانة النظام السوري حيث يقتل شعبه هو الآخر ويتشبث بالسلطة بأي ثمن، أما الحكومة اللبنانية الحالية فهي حكومة حزب الله والنظام البعثي السوري ورئيسها وأعضاؤها هم دمى في أيدي نصرالله والأسد. من الجيد أن تتحرك الجامعة العربية وتصدر مثل هذه القرارات ضد نظام رسمي عضو محوري فيها لأنها جامعة أنظمة رسمية وليست جامعة شعوب، كما أنه لم يعرف عنها يوما انحيازها لقضايا الديمقراطية والحريات واستعادة الشعوب لإرادتها في الاختيار، وبالتالي عندما يكون للجامعة موقف سابق متميز ضد النظام الليبي لصالح الشعب واليوم تأخذ موقفا معقولا ضد النظام السوري ولصالح الشعب أيضا مع أنه موقف متأخر وعلى مراحل إلا أنه يعد خطوة للأمام يجب أن تلحقها خطوات أخرى لإجبار النظام على الكف عن قتل شعبه وإعطائه حريته أو الذهاب للأمم المتحدة لتقوم بدورها في حماية الشعب السوري. العرب منحوا النظام السوري سبعة أشهر كاملة منذ انطلقت الثورة فقد ظلوا صامتين أو يقدمون نصائح للأسد على استحياء بأن يحل الأزمة حفاظا على سوريا ووحدتها وحقنا للدماء لكن النظام أصاخ السمع ولم يعتدّ أو يعتبر بالنصائح العربية المخلصة، بعدها قامت عدة دول خليجية بخطوات فردية باستدعاء سفرائها من دمشق ولم يستوعب النظام تلك الرسالة من أشقائه الغاضبين من استمرار سفك الدماء لكن ما شجع هذا النظام أكثر على مواصلة غيّه هو حماية روسيا والصين له في مجلس الأمن وإسقاطهما لمشروع قرار إدانة لأن لهما مصالح معه ولأهداف أخرى لها علاقة بالصراعات والحسابات الداخلية والخارجية مع أمريكا والغرب، و عندما تحرك العرب لاتخاذ موقف جاد فإنهم طرحوا مبادرة تحفظ ماء وجه النظام وتجعل الحل عربيا وقد وافق عليها مضطرا لشراء الوقت لكنه لم يلتزم بأي بند من بنودها ولهذا لم يكن أمام العرب إلا المضي في طريق عزل هذا النظام وسحب الغطاء والشرعية عنه. في خضم هذه التطورات فإنه على فرنسا خصوصا أن تلتقط طرف الخيط وتبدأ بتفعيل نشاطها في مجلس الأمن لإدانة هذا النظام دوليا بقرار قوي يوفر حماية عاجلة للمدنيين وأتصور أن الموقف الروسي الصيني سيتغير بعد الموقف العربي. وفرس الرِّهان هذه الأيام هي المعارضة السورية حيث يقع على عاتقها دور مهم في هذه اللحظة الحاسمة فهي مطالبة بتوحيد جهودها والاصطفاف كلها خلف موقف وقيادة موحدة وألا تكون متخلفة عن حركة الشارع الثائر الذي يقدم الشهداء يوميا لان ساعة النظام دنت، والمجلس الوطني هو أفضل واجهة للمعارضة لتتوحد الفصائل الأخرى -وهي أقليات- خلفه وتنضوي تحت لوائه ليكون هذا المجلس هو الجهة الوحيدة الممثلة لكل أطياف المعارضة والمتحدثة باسم الثورة والمقبولة دوليا على غرار ماحصل مع المجلس الانتقالي الليبي، فالأيام القادمة مفصلية في الثورة السورية فإما أن ينتهز النظام الفرصة الأخيرة في الساعة الأخيرة لينجو أو أنه ساقط لا محالة.