المأثور الشعبى المصرى غنى وثرى وضخم على نحو لا يُضارع، وبعض أمثاله تستطيع فى إيجاز شديد وصف الحال على نحو قلما تجده فى موروث شعوب أخرى، ومن تلك الأمثال التى فرضت نفسها بشدة فى الآونة الأخيرة لوصف ما آل إليه حال جماعة الإخوان - بعد هناء السلطة والحكم- المثل القائل "راحت تجيب تار أبوها رجعت حامل هذه هى الحقيقة، فالجماعة التى ناضلنا جميعاً من أجل حقها المشروع فى العمل السياسى بحرية أيام كان النضال صعباً باتت تأنف وتغضب وتتعصب وتكح وتعطس وتبربر من مجرد انتقاد يتعرض لتصريح أحد عناصرها، وذلك بعد أن تحول عناصرها وكوادرها وتلاميذها ومريدوها بقدرة قادر وفجأة إلى زعماء وقادة وحكام وأهل علم وفتوى، متناسية أن انتقاداتنا فى ذلك الزمان الغابر كانت أيضاً لزعماء وقيادات وحكام متمرسين فى الحكم وليسوا زهورات ومبتدئين، ما زالوا يتعلمون الحبو فى شوارع وحوارى وأزقة السياسة ودهاليزها الصعبة. تناسى الإخوان فجأة - مكشرين عن أنيابهم - ما كانوا هم أنفسهم يطالبون به من سماحة وسعة صدر فى التعامل مع الرأى الآخر، وبات كل من ينتقدهم عدو يجب التصدى له بحزم وعزم وقوة، وتصور الإخوان لسبب ما أن الصحفى الذى كان ينتقد حسنى مبارك وأزلامه بات عليه الآن استئذان طباخ، أو سائق أو بواب أو حارس أو ماسح أحذية المرشد إذا فكر فقط ولو همساً بينه وبين نفسه فى انتقاد الإخوان أو أى من عناصرهم الغضة - الأمر الذى لم نعتده حين كنا فى ذلك الزمان ننتقد مبارك وأعوانه أو حتى شيخ الأزهر ورأس الكنيسة الأرثوذكسية حين تدخلا فى السياسة عن جهل دون علم. فجأة تصور الإخوان أن قادتهم وزعماءهم وعناصرهم وأمراءهم وكوادرهم باتوا من الأنبياء المعصومين الغر الميامين الذين لا يجب ولا يجوز مجرد التفكير همساً فى مراجعة ما يقولون - وكأنهم لا ينطقون عن الهوى - برغم أن ما يقولون وأغلبه فنطزية - ويتقولون يمس هذا الشعب بقضه وقضيضه ما يستدعى منا جميعاً الصراخ بصوت عال والتحذير من مغبة هذا النهج العدوانى، وذلك حتى لا يأتى يوم - حين يحكم بالفعل الإخوان- نترحم فيه على حسنى مبارك وولده وزوجه ومعهم حبيب العادلى وحسن عبد الرحمن وفتحى سرور، بل وحتى الحجاج بن يوسف الثقفى ويزيد بن أبى سفيان ونغنى معاً فى ميدان التحرير أنشودة - دعوت على عمرو فمات فسرنى فعاشرت أقواماً بكيت على عمرو. كذلك فعلى الإخوان - مرشد ونواب ودكاترة ومهندسين وتجار ومرشحين وفلاسفة - التفكير جيداً والتحسب ليوم يحتاجون فيه مرة أخرى لنفس تلك الأصوات والأقلام للدفاع عنهم حين تدور الأيام وتعيد سيرتها الأولى- وقد يكون هذا قريبًا جداً على عكس ما نتمنى - لتدفع من جديد الجالسين على مقاعد الحكم إلى البرش فى طره مثلما هو الحال الآن. قادة الإخوان والزعماء والكوادر من بينهم ليسوا كما بات يتصور بعضهم - من الأنبياء ولن يكونوا ومثلما دافعنا عشرات السنين – رغم أننا لسنا منهم - عن حقهم فى العمل السياسى وانتقدنا وشرشحنا حسنى مبارك ورجالاته من أجلهم يحق لنا الآن بنفس القدر انتقادهم وشرشحتهم وانتقادات تصريحات كوادرهم وسياسييهم حين نرى أنها تستحق الانتقاد والشرشحة – خاصة أن بعض زعمائهم وكوادرهم وكبارهم فى حاجة بالفعل لقراءة كتب التاريخ – بدءًا من كتاب تاريخ تالته إعدادى- فبعضهم فى تصريحاته العنترية يتصور أن هذا الشعب "أهبل وبريالة وخرنج وراس كرنبه وساذج" يمكن الضحك عليه كالأطفال بكام تصريح عنترى عن الرخاء والانتعاش والجنان ذات العروش حين يحكمون – دون أن يقول لنا أحدهم كيف من أمثال تلك التصريحات الخايبة التى كان يطلقها سياسيو حسنى مبارك. أفيقوا يا سادة يرحمكم الله فما كان جائزاً قبل الخامس والعشرين من يناير لم يعد ممكناً بعده، فالأصوات التى انتقدت حسنى مبارك علناً فى ذلك الزمان- حين كان البعض يسعى للتواصل معه بأى شكل ولو عبر تمريغ الخدود فى الأسفلت الأمريكى – ما زالت موجودة، حية ترزق، تكتب وتنتقد، كذلك فما كنا نجده من أعذار للإخوان أيام حسنى مبارك لم يعد موجوداً الآن، فحينها كانوا يُقمعون ويحرمون من إبداء آرائهم وتُصادر أموال.. هم.. أما الآن فقد تبدلت المواقع، وظهرت نوايا بعضهم فى ممارسة ما كان يُمارس عليهم ليس فقط بحق مناوئيهم وخصومهم بل أيضاً بحق منتقديهم من أصدقائهم القدامى. أفيقوا يا سادة يرحمكم الله، فما زلتم فى كى جى وأن سياسة وحكم، وبعض أعضاء مجلسكم الموقر لا يستطيع سياسياً - وليس مالياً بالطبع - مقارعة شاب يافع من الشباب الأشاوس الذين عبّدوا لكم دون أقصد الطريق إلى الحكم، لذا عليكم استرجاع ما مضى من أيام وتذكر معانيه ودلالاته فالذكرى تنتفع المؤمنين، أما إذا كنتم قد نسيتم - فالحاج جوجل لا ينسى – وحق علينا تذكيركم بسالف الأيام والمواقف والتصريحات – وربنا يخلى الحاج جوجل وأقرباءه فى الأرشيف ومحركات البحث – وجب علينا تذكيركم ولو من باب النصيحة – فالدين النصيحة، كما تعلمون، وعليه وحتى لا يتعرض أحدنا لانتقادكم وهو حق لنا وواجب علينا أيضاً أعيدوا تعليم وتثقيف وتدريب وتربية وتأهيل بعض أشاوسكم ومرشحيكم الذين دفعتم بهم فجأة فى عالم السياسة الواسع، لاختلافه الأكيد عن العالم التجارى أو النقابى أو الإدارى أو حتى الأمنى كما تعلمون، فما يسرى داخل الجماعة من فروض وواجبات الولاء والطاعة لا يمكنكم تعميمه وفرضه على شعب مصر، وخاصة على الأقلام التى اعتادت انتقاد الخطأ بغيه تصويبه.