يقولون بارك الله فى الصداقة المبنية على العمل وليس العمل المبنى على الصداقة، ذلك لأن العمل الذى بنى على أُسسٍ واضحة تحدد دور الشريكين، بناءً على كفاءة وخبرة كل منهما تؤدى إلى نجاح العمل، والفرحة بنجاح العمل تولد صداقة عميقة بين الشريكين، أما العمل المبنى على صداقة الشريكين دون خبرة أو معرفة فإنه يؤدى إلى فشل المشروع التجارى ثم انتهاء الصداقة وتحولها إلى عداءٍ سافرٍ، نفس الكلام ينطبق على الحب والزواج. الحب ثمرة الزواج وليس العكس أبدًا، إذا جاء الحب أولاً ثم كان الزواج هو المظلة الشرعية لهذا الغرام العنيف فإن دوائر الغيرة والرغبة فى التملك واللهفة تبتلع الوقت والجهد وتصرف الاهتمام عن مقاصد الزواج الأصلية من بناء البيوت العامرة بالحنان والعطاء وتربية الأبناء تربية حكيمة تُعِدهم للمستقبل. إن من أعجب المواقف وأكثرها إثارة للأسى موقف زوجة فى منتصف العمر ما زالت تثير الزوابع مع زوجها لأسباب تتعلق بغيرتها عليه أو رغبتها المعلنة فى الحب والاهتمام وذلك يتم على مرأى ومسمع من الأبناء الذين وصلوا لسن المراهقة والصبا، ولا يدرى الأبناء فى تلك الحال هل يحتفظون باحترامهم لوالديهم أم يقومون بوظيفة ( قاضى الغرام )؟ وهل يلامون على انخراطهم هم أيضًا فى قصص حب؟ على الأقل تليق بسنهم ووضعهم كشباب، قد يقول البعض ولكن الوالدين أزواج ونتناسى هنا أنهما لم يعودا مجرد زوجين أو عاشقين بل صاروا ومنذ زمن طويل (أب و أم ) بكل ما تحمله تلك الصفات من معانى الاحترام والقدسية. أما إذا جاء الزواج أولاً بين شاب وفتاة يعرف كل منهما دوره فى حياة زوجية ناجحة ويتقن الخبرات والمهارات الاجتماعية التى يحتاجها فإنهما معًا ينجحان فى تأسيس أسرة مانحة وبيتٍ مستقرٍ تفوح من جنباته رائحة الحنان والسكينة فإذا جاء الأبناء كانا نعم الأب والأم لهم وفى ظل تلك العلاقة الراقية الجميلة تتولد بينهما معانى (المودة والرحمة) وتتزايد بمرور الأيام. ليس معنى ذلك أنهما سيحرمان من الحب بكل تقلباته بين غيرة ولهفة وفتور وخصام ورضا، ولكن تحديد الأدوار منذ البداية سوف يجعل كلا الوالدين قادرًا على الفصل بين تلك المشاعر الخاصة فتبقى فى طى الكتمان، ولا تغادر أبدًا المنطقة السرية بينهما، وفى الوقت نفسه يظل الحفاظ على الصورة العامة أمام الأبناء والناس. كما أن الأدوار الاجتماعية العديدة للزوجين خارج الأسرة من صلة الرحم والتواصل مع الناس وتقديم المساعدات للغير سوف يؤدى لامتصاص شحنات الغضب وعدم الانكفاء على الذات لتضخيم مشاكلها وسوف يطرح البركة على الأسرة كلها. إن زواج المصاهرة والنسب وتحقيق الأدوار الاجتماعية ( الزواج التقليدى ) أفضل من زواج التفاهم الذى هو صورة أخرى للحب، فقد يتقارب زميل وزميلة فكريًا ويتم الزواج على هذا الأساس دون تناسب أو تكافؤ بينهما وهذا الزواج يكون نصيبه من الفشل أعلى من غيره فقد اعتاد الزميلان أن يشجع كل منهما الآخر على ما يراه دون النظر للعواقب وكأنما أعمى يقود أعمى والنتيجة غالبًا مؤسفة. لو عرف الشباب مقدار السعادة والنجاح وتحقيق الذات والفرح بالأبناء وتحقيق علاقات اجتماعية مشبعة التى تتوفر فى ظل بيت أُسِسَ على التقوى وشاع فيه الجد والعمل وتعددت فيه الأدوار بين الداخل والخارج، لما رضوا عنه بديلاً ولا سعوا أبدًا لزواج الحب الذى يضيق مساحة الحركة وأفق الحياة ويجعل الزوجين كأنهما سجينان يتدافعان وقد صارت الحركة المتاحة هى بطول السلسلة التى تربط أقدامهما معًا. عندما يتعب الطائر يعود سعيدًا للراحة فى عشه مع وليفته، ولكنه أبدًا لا يطيق الحبس فى قفص ذهبى معها، والحياة فى بيت بابه مفتوح وسقفه عالٍ واهتماماته لا حصر لها أفضل كثيرًا من الحياة فى عش الحب المغلق، الحب وحده مثل الحلوى يكفى القليل منه ويلزمنا الكثير جدًا من العمل وبعض المرح ونكهة الحنان.