تلقيت سيلا من التعليقات الموضوعية من مشجعي الاهلي على المقالين السابقين اللذين كتبتهما، الأول عن المنشطات والثاني عن منظومة الاحتراف الفاشلة في مصر. كما هبت في اتجاهي رياح من الشتائم والبذاءات والتهديدات، وهي رياح لا تحرك شعرة واحدة مني! سأتجاهل تلك الرياح فهي لا تهمني في شئ، إضافة إلى أنني لا أقرأها أصلا فهي من الغث الذي لا أضيع وقتي معه ولا مع أصحابه. أنا اعتبر الشتامين كائنات غير انسانية لا يمكن التعامل معها. هم بالكثير عشوائيات كروية لا أكتب لها ولا اتوسم فيها خيرا، عشوائيات تذكرني بالمشهد الذي يؤديه الفنان الكوميدي محمد سعد وفي يده زجاجة الخمر تحت "بلكونة" حبيبته يتغنى وهو مخمور مسطول بحبه وغرامه بها! ما يهمني هي الكتابات الموضوعية وما أكثرها من جماهير الأهلي الحقيقي العاشق للكرة الجميلة ولمصر والطامع لأن يجد منتخبها بطلا لافريقيا ومتواجدا في كأس العالم. أنا أكتب عن نكسة الأهلي في اليابان ليس غلا أو حقدا أو كراهية أو فرحا. أكتب وانا مشلول بسبب تعاستي من المستوى الحقيقي للاعبينا، فهم منا، من لحمنا ودمنا وهم الذين سيمثلوننا في المونديال الأفريقي بعد أسابيع قليلة! من حقنا أن نثير تساؤلات وأن نبحث عن السبب الحقيقي في سوء مستوى الأهلي في هذه البطولة، لماذا تحول اللاعبون الأفذاذ ذوو اللياقة البدنية العالية الى فيلة تجر اقدامها جرا كأنها مشدودة بأكياس من الرمل! من واجبنا ونحن نتناول ذلك أن نتحدث عن جميع الاحتمالات، وهي دراسة متفحصة لا تعني اتهام أحد. ومن ضمن تلك الاحتمالات المنشطات التي أثارها بعض الاقلام ورسامو الكاريكتير في الصحافة المصرية واتهموا بها عدة لاعبين الاهلي! أنا لست متخصصا في هذا الجانب، ومقالاتي لا تحمل اتهاما وانما تحليل من أجل الوصول إلى الحقيقة وتحريض الآخرين من أهل الاختصاص أو المعرفة بهذا الجانب لكي يدخلوا معنا في هذا النقاش لاستجلاء الحقيقة. تقديري واحترامي الكبير للدكتور الفاضل مدحت ابراهيم بالمركز القومي للبحوث، الذي كتب لي مفندا موضوع المنشطات ومكذبا له بالدليل العلمي، فهو يؤكد لي أن المنشطات يبقى أثرها فترة طويلة، ولو كان لاعبو الاهلي قد تناولوا المنشطات في مباراة النجم الساحلي أو في اي مباراة من مباريات الدوري المحلي لظهر أثرها في كشف المنشطات في المونديال. كلام علمي قوي جدا لعله يكشف الحقيقة التي قصدناها من خلال اثارة الموضوع الذي كان لا ينبغي السكوت عليه بعد ان كثر الحديث بشأنه في كل اتجاه! المنشطات مثل المخدرات.. مدمرة لشبابنا وللرياضة ولا ينبغي ان نتجاهل الحديث عنها مراعاة للخواطر او خوفا من أحد. بموضوعية قلنا ايضا وقبل ذهاب اليابان ان مستوى الدوري المصري والبطولة الافريقية لا يصلح مقياسا لقوة الأهلي وان نظام الاحتراف عندنا سيئ لأنه يفرغ الأندية ويحصر المنافسة غالبا بين الأهلي والزمالك فقط.. وفي الموسمين الماضي والحالي لم يعد هناك منافس للأهلي فكأنه يلاعب نفسه! الذين هاجموني بسبب هذه الرؤية ووجهوا الشتائم البذيئة جدا التي تدل على بيئتهم التي يعيشون فيها، يتجاهلون أن الأهلي ملك للجميع وأنه الكبير في المنظومة الكروية المصرية، فإذا ما تأثر وأصابه المرض، فان ذلك معناه أن بقية الجسد الكروي المصري في هوان كبير ولن تقوم له قائمة! والحمد لله أن ادارة الاهلي بقيادة حسن حمدي ومحمود الخطيب والجهاز الفني بقيادة مانويل جوزيه وحسام البدري توصلوا لما قلناه منذ فترة طويلة بشأن الدوري المحلي والبطولة الأفريقية. لقد نشر الصحفي المتميز سامي عبدالفتاح رئيس القسم الرياضي بجريدة المساء والمرافق لفريق الاهلي في اليابان في عدد أمس "الأحد" تقريرا عن تشخيص بالغ الشفافية لمسئولي الأهلي لفريقهم، وكلام صريح جدا لحسام البدري. يقول التقرير إن الجهاز الفني بالأهلي بدأ في التعامل مع مكتشفاته التي خرج بها من بطولة كأس العالم للأندية التي ودعها في طوكيو بعد ان خسر المباراتين اللتين لعبهما امام اتحاد جدة السعودي وإف.سي.سيدني الاسترالي. وباقتناع أن هاتين الخسارتين كشفتا عن الكثير من نواحي القصور في الفريق، وان لجنة الكرة بالتفاهم مع الجهاز الفني سوف تبدأ في دراسة استراتيجية جديدة للفريق، بحيث لا يكتفي الأهلي بتميزه المحلي والأفريقي، وإنما بالانفتاح علي المستويات الدولية، التي لم يكن للأهلي أي تعامل معها قبل مونديال الأندية. وهو الشيء الذي ظهر جلياً للجميع في طوكيو، سواء لرئيس النادي حسن حمدي ونائبه محمود الخطيب عضوي لجنة الكرة، أو للجهاز الفني بقيادة مانويل جوزيه، حتي اللاعبين أنفسهم الذين شعروا بالضآلة في هذه البطولة بعد ان ظهرت لهم الفوارق الفنية والبدنية بينهم وبين لاعبي الفرق الأخري، بما في ذلك اتحاد جدة القريب منا جغرافياً وفنياً. الجميع في حالة اعتراف مع الذات أن الأهلي كان دون مستوي الجميع في هذه البطولة، بغض النظر عن التوفيق أو عدم التوفيق، لأن البطولة كشفت عدة نقاط فنية مهمة، علي رأسها اسلوب الاحتراف في الأهلي، والذي يعتبر الأميز بين الأندية المصرية لكنه لايزال بعيدا بمسافات كبيرة جداً عن الاحتراف العالمي، أو علي الأقل المناسب للتعامل مع مثل هذه المنافسات والمستويات. وتركز التحليل المبدئي لمستوي الأهلي في البطولة إلي وجود عدة فوارق جوهرية، فمسابقة الدوري وبطولة أفريقيا لن تعطي الأهلي الاحتكاك في المستويات الأعلي، وأن الدوري تقليدي جداً وتتميز عنه قليلاً بطولة أفريقيا للأندية الأبطال. أما عن سبب التدني في مستوى لياقة اللاعبين ومجاراتهم للمنافسين في تلك البطولة وهو الأمر الذي أعاد الحديث عن اتهامات المنشطات فان تحليل مسئولي الاهلي يقدم رؤية أخرى لعلها توضح الحقيقة للمندهشين الذين يتابعون الاهلي في البطولات المحلية ثم فوجئوا بمستواه البدني في طوكيو. هذه التحيل يلقي بالمسئولية على تغذية لاعبي الأهلي فهي لاتزال دون المواصفات المتكاملة للانشاء العضلي والعصبي السليم والجيد، كما أن الإعداد البدني تقليدي لغياب المتخصص، مما يسبب فروقاً بين اللاعبين وبعضهم البعض من ناحية ولمستوي اللاعب نفسه بين فترة وأخري. حسام البدري قال: أنا حزين لانني مثل كل أعضاء الفريق، كنا نتمني ان يكبر اسم الأهلي في هذه البطولة لو كان التوفيق حليفاً لنا.. وسعيد لان هذه البطولة ألقت الضوء علي حقيقة اننا نقف في جزيرة بعيدة عن كرة الاحتراف، رغم ان الأهلي الأقرب في مصر من أسلوب الاحتراف، ولكننا لا نزال نخطو خطواتنا الأولي، أما الكرة من حولنا فهي شيء آخر. وقال أيضا: نعترف ان هناك فروقا بدنية واضحة بين لاعبي الأهلي واتحاد جدة ومعنوية ايضاً مكنت فريق الاتحاد من السيطرة والفوز في الشوط الثاني. يضيف البدري: بصراحة ما نلعبه في الدوري غير ما وجدناه في مباراتين فقط في بطولة العالم للأندية، ودون ان نواجه ساو باولو أو ليفربول الأكثر تقدماً. لقد تعلم لاعبونا شيئاً جديداً حتي في مباراة سيدني الذي فاز علينا 2/1 رغم السيطرة الواضحة للأهلي، حيث كان يطبق لاعبو سيدني اسلوباً تكتيكياً ذكياً لامتصاص تحركات لاعبينا، ثم الانطلاق بسرعة في هجمات مرتدة خطيرة. ونجحوا في احراز هدفين، إلي جانب التمركز السليم. وبصراحة مثل هذا الأسلوب لا نجده في الدوري المصري، الذي اعتبره مسابقة سهلة جداً بالنسبة لمستوي الأهلي الآن، حتي عندما تلعب أمامنا فرق الدوري بتكتل دفاعي. فإنه يسهل علينا اختراقها، أما اختراق التنظيم الدفاعي لاتحاد جدة وسيدني فكان صعباً إلي حد ما، إلي جانب غياب التركيز اللازم لمثل هذا المستوي لانهاء الهجمات بشكل ايجابي واليقظة للنشاط الهجومي المعاكس للخصم. ويستطرد البدري: لابد ان يخرج الأهلي من طوق الدوري وان تكون له أجندة سنوية للعب مع المستويات الأوروبية المتقدمة 4 مرات علي الأقل في الموسم الواحد، والاقتراب أكثر من عالم الاحتراف الحقيقي في التغذية والاعداد البدني. ويؤكد أن الفريق في حاجة إلي دعم صفوفه بعناصر تفوق الموجودين، لان انتصارات الكرة هي باقدام اللاعبين. الأهلي يستحق ان يكون اكبر مما هو الآن احتراماً لجماهيره وتاريخه وطموحاته. لابد أن نشكر حسام البدري وبقية الجهاز الفني والاداري لهذا النادي العريق على تلك الصراحة والموضوعية وعدم دفن الرأس في الرمال. هذا ما كنا ننتظره من ناد كبير، وليس الجري وراء فئة متعصبة من طينة المخمور الولهان تحت بلكونة حبيبته! لكن ما أرجو ان تنتبه إليه ادارة الأهلي وجهازه الفني ولم يذكره حسام البدري في كلامه، هو أن بطولة الدوري المصري سهلة للأهلي بمستواه الحالي لأنه بمثابة منتخب مصر في مواجهة أندية ضعيفة بعد ما حدث من تفريغ متعمد لن اتنازل عن اتهام الأهلي به مهما كلفني ذلك! حسام يتحدث عن دعم فريقه بعناصر تفوق الموجودين، وللأسف الشديد هؤلاء الموجودون هم الأكفأ على مستوى جميع الأندية المصرية، فاذا أخذ الأهلي مثلا البقية الباقية من الموهوبين وهي نادرة جدا، فان النتيجة هو ضعف هائل في الدوري المصري، وسيصبح بمثابة دوري لمراكز شباب! لا اعتقد انه يقصد عناصر من خارج مصر لأن اللوائح لا تسمح له إلا بعدد محدود جدا. الحل اذن ان يقر الاهلي ويعترف بأن كل المنظومة الكروية المصرية فاشلة، ولا تكفل منافسات قوية. وبحكم أنه الكبير والزعيم فهو وحده القادر على اصلاح هذه المنظومة بحيث يتحول الأهلي إلى أسد حقيقي وسط أسود أو نمور، والفريق الأقوى وسط الأقوياء! الكرة المصرية تحتاج إلى ثورة انقلابية شاملة.. ولن يستطيع غير الأهلي قيادة هذه الثورة. اعترافات حسام البدري ومسئولي الأهلي تجعلني متفائل بأن هذا النادي صاحب التاريخ الكبير سيفعل ذلك! [email protected]